كتابات
29/06/2020

مركزيَّة الأخلاق في السياسة

مركزيَّة الأخلاق في السياسة

التقى المفكّرون الإسلاميّون عامّةً على مركزية دور الأخلاق في العقيدة والفكر، فالأخلاق قيمة اجتماعيّة أساسيّة في الحياة الاجتماعيّة، فكيف إذا كانت حياة اجتماعيّةً إسلاميّة؟

يُظهر المرجع السيّد فضل الله (رض) بعضاً من فكر الشّهيد مطهّري، الذي يشترط لقيام الحياة الاجتماعيّة أمرين:

1 - الحوائج والمنافع، أو ما يمكن تسميته بالمصالح.

2- الأفكار والعقائد والأخلاق.

وعليه، فإنّ الأخلاق عامل ترابط بين أفراد المجتمع، بل وفي المجتمع السياسي، حيث تنشأ سلطة، وتقوم دولة.

إنَّ التمسّك بالأخلاق يقود إلى ربط الفكر السياسي بالمنهج المثالي، كما درج علماء الاجتماع والسياسة في تصنيفاتهم للمناهج. هذا أمر صحيح، من حيث ابتعاد المنهج المثالي عن المنهج المادي - الواقعي - كما شرح العلماء والمفسّرون. بيد أنّ السيّد، الذي يركّز على محوريّة دور الأخلاق في المجتمع والسياسة، ينبّه إلى أنَّ الدين يمثل خطاً واقعياً في الوقت عينه، بكلّ ما للواقعيَّة من معنى، ويجد أنَّ الإسلام هو دين الواقعيَّة التي لا تبتعد عن القيم، أو عن الخطّ الإسلامي الصَّحيح.

بتعبيرٍ آخر، يربط ما بين القيم العليا ـ التي تعتبر مثاليةً في نظر الدارسين والعلماء ـ وما بين الواقع، بما فيه من تفاصيل مادية وغير مادية. فيعتبر بحقّ أنَّ الإسلام استطاع أن يصنع من الأمّة المتخلّفة الجاهلة أمّةً ذات حضارة عظيمة، ما تزال من أهمّ الحضارات العالمية، ويذكّر بأنّ الحضارة الغربية في حركتها استندت إلى إبداعات علماء المسلمين، من أمثال ابن سينا وابن رشد وغيرهما من العلماء الذين وصلت علومهم إلى الغرب عبر بوَّابة الأندلس.

هناك جانب قيمي أخلاقي لا ينفصل عن الواقع والواقعيَّة في علم الاجتماع السياسي، وهذا تفسير جدير بالاعتبار والدرس، حيث يرفض السيّد اعتبار الدين مجرّد دلالةٍ على السذاجة في السياسة والاجتماع، أو أنّه صراع قوى متناحرة بحثاً عن المنافع بمعزل عن تعاليم الإسلام.

تدليلاً على هذا التوجّه الفكري بين المثالية والواقعية، يرفض السيد مقولة (الغاية تبرّر الوسيلة) في القضايا الشخصية، أو في القضايا الذاتية العادية.

أما في القضايا الكبرى المتعلّقة بالمصلحة الإسلامية العليا، أو مصالح المجتمع والوطن والأمّة، فإنّه يفتح باب الضّرورات استناداً إلى القاعدة الفقهيّة المعروفة: (الضرورات تبيح المحظورات). فإخفاء بعض الحقائق، ولو كان في الابتعاد عن الصدق، أمر مُباحٌ في ضوء المصالح العليا، أو القضايا الكبرى. قد يحتاج المسلمون، والحال هذه، إلى اعتماد الحرب النفسيّة، أو اللّجوء إلى التجسّس على الغير ومراقبة حركته، كما تفعل أجهزة الاستخبارات، وذلك من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين إذا ما تعرَّضوا للخطر. وربما يقود مثل هذا التفسير إلى الحديث عن مسألة (التقية) عند المسلمين، أو مسألة (المصالح) التي يجب أن يحميها أولو الأمر.

ذلك كلّه لا يلغي القاعدة الأصليّة في الإسلام - كما يؤكّد السيّد - وهي أن تكون في خطّ الصّدق، في الخطّ الأخلاقي المستقيم. أما إذا حدثت ضغوط طارئة، وتحدّيات كبرى أمام الإسلام والمسلمين، فعند ذاك، تنطلق أخلاقيّة العمل السياسي من المصالح المستجدّة.

خطّ الصّدق، أو الخطّ الأخلاقي المستقيم، يعبّر عنه باستقامة السلطة، أو خطّ الاستقامة في السّلطة. فالعبودية لله، التي لا تعني العلاقة التقليديّة المعروفة بين العبد وسيّده في العلاقات البشريّة، تنطلق من معنى الخلق للعبد.

نحن عبيد الله، والله هو الخالق وهو المالك، وملكية الله لنا هي سرّ وجودنا، ونحن لا نملك الوجود المستقلّ، بل نحن نملك وجود الظلّ، كما يشرح السيّد. هذه الربوبية تعني أنّ الله أعطى كلّ شيء وجوده، وأراد له أن يعيش معه، وأن يتحسَّس هذه المعيشة مع الله.

على ذلك، يرتبط خطّ الاستقامة بالتّوحيد، والتّوحيد يلخّص كلّ الإسلام وكلّ الدّعوة، بحيث تكون الدّعوة منطلقةً من قاعدة التّوحيد، ثم الامتداد في خطّ الاستقامة، جاء في كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(فصِّلت: 30).

استناداً إلى هذا التفسير، جاء شرع الله متناسباً مع إمكانات الإنسان وتطلّعاته، فحقّق التّوازن بين حركة الغريزة في ذاته، وحركة الرّسالة في واقعه، فلا يكبت الغريزة، ولا يهمل الرّسالة. ولذلك، فإنّ السلطة المسؤولة تتحرّك (أو يجب أن تتحرّك) في حدود أخلاقيات المسؤولية. هناك إنسان أمين وصادق في الجزئيّات الصغيرة، فلماذا لا يكون كذلك في القضايا الكبيرة، قضايا المسؤوليّة والسلطة وإدارة شؤون الناس؟

وكما أنّ الإنسان ينكر بعض غرائزه وأطماعه ونوازعه ومصالحه المادية في إطار رسالته الإنسانيّة، يمكنه أن يبتعد عن سلبيّات السلطة وتعقيداتها الذاتية والموضوعية لحساب دينه وأمّته.

يقود خطّ الاستقامة في السّلطة إلى رفض الازدواجيّة بين القول والعمل، بين التنظير والممارسة. هذا الخطّ لا ينفصل عن الصّراع السياسي، إذا كانت السياسة هي حركة الإنسان من أجل إقامة العدل، وتدبير شؤون النّاس. بتعبير آخر، الإسلام ليس شعاراً، بل تجربة وعملاً في الحياة، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(الصَّف: 2-3).

إنّ المسؤول معنيّ بالالتزام بكلامه، أي تجسيد الكلام بالأفعال، وإلا وقع في مشكلة (النفاق السياسي). هناك من يُظهر من المسؤولين حبّه للناس وإخلاصه لهم، ولكنّه يخفي في باطنه حقداً. فالظاهر وحده لا يكفي، وعلينا، والحال هذه، النّظر بعمق، وألا نأخذ الواقع ببساطة أو بسذاجة. المؤمن لا ينخدع بالكلمات، ولا يجب أن يكون ساذجاً. وقد جاء في كتاب الله حول النّفاق عموماً، وتالياً حول النفاق السياسي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(البقرة: 8-10).

رفض النفاق السياسي هو القاعدة في تحمّل المسؤوليّة، إلا إذا كانت هناك حالات طارئة تفرضها ظروف ضاغطة، وتدفع المسؤول إلى الخروج - المؤقّت - عن خطّ الصّدق في سبيل مصلحة النّاس، أو المصلحة الإسلاميّة العليا. وقد يكون هذا التّفسير بمثابة الاستثناء للقاعدة، وليس القاعدة.

تندرج مجمل هذه الأفكار في ما يمكن تسميته بأخلاق السياسة، طالما أنَّ السياسة تهدف في المقام الأوّل إلى تحقيق العدل، وهي تفترض التزاماً من قبل وليّ الأمر الذي يدير شؤون البلاد، إذا كان ملتزماً في الأصل والأساس بالعقيدة والشّريعة.

وفي مطلق الأحوال، على المسؤول - أو وليّ الأمر - أن يبتعد عن الانفعال والمسلك الحادّ، مهما اشتدّت الضغوط عليه، كما يشير الإمام عليّ في توجيهه العام للساسة والولاة، عندما ينهى عن السباب البعيد عن الصفات الإنسانية الطيبة. والسباب لا يقود إلى الغلبة أو النصر، وإنما إلى إثارة الأحقاد واستفزاز الطرف الآخر.

ينبه السيّد إلى خطورة السباب، أو أساليب اللّعن التي تختزنها الذهنية الشعبية العامّة، باعتبارها شكلاً من السباب. فالمهاترات والسباب واللّعن لا ترتقي إلى مستوى العلاقات الروحيّة، ولا تنسجم مع أخلاقيات الإسلام. وعليه، فإنَّ احترام الرموز الإسلامية التي يقدّسها المسلمون، مهما اختلفت نظراتهم إلى هذا الرّمز أو ذاك، أمر واجب لتحقيق الأخوّة والتعاون واللّقاء بين المسلمين كافّة.

*المصدر: "موسوعة الفكر الإسلامي"، مجلّد 6.

التقى المفكّرون الإسلاميّون عامّةً على مركزية دور الأخلاق في العقيدة والفكر، فالأخلاق قيمة اجتماعيّة أساسيّة في الحياة الاجتماعيّة، فكيف إذا كانت حياة اجتماعيّةً إسلاميّة؟

يُظهر المرجع السيّد فضل الله (رض) بعضاً من فكر الشّهيد مطهّري، الذي يشترط لقيام الحياة الاجتماعيّة أمرين:

1 - الحوائج والمنافع، أو ما يمكن تسميته بالمصالح.

2- الأفكار والعقائد والأخلاق.

وعليه، فإنّ الأخلاق عامل ترابط بين أفراد المجتمع، بل وفي المجتمع السياسي، حيث تنشأ سلطة، وتقوم دولة.

إنَّ التمسّك بالأخلاق يقود إلى ربط الفكر السياسي بالمنهج المثالي، كما درج علماء الاجتماع والسياسة في تصنيفاتهم للمناهج. هذا أمر صحيح، من حيث ابتعاد المنهج المثالي عن المنهج المادي - الواقعي - كما شرح العلماء والمفسّرون. بيد أنّ السيّد، الذي يركّز على محوريّة دور الأخلاق في المجتمع والسياسة، ينبّه إلى أنَّ الدين يمثل خطاً واقعياً في الوقت عينه، بكلّ ما للواقعيَّة من معنى، ويجد أنَّ الإسلام هو دين الواقعيَّة التي لا تبتعد عن القيم، أو عن الخطّ الإسلامي الصَّحيح.

بتعبيرٍ آخر، يربط ما بين القيم العليا ـ التي تعتبر مثاليةً في نظر الدارسين والعلماء ـ وما بين الواقع، بما فيه من تفاصيل مادية وغير مادية. فيعتبر بحقّ أنَّ الإسلام استطاع أن يصنع من الأمّة المتخلّفة الجاهلة أمّةً ذات حضارة عظيمة، ما تزال من أهمّ الحضارات العالمية، ويذكّر بأنّ الحضارة الغربية في حركتها استندت إلى إبداعات علماء المسلمين، من أمثال ابن سينا وابن رشد وغيرهما من العلماء الذين وصلت علومهم إلى الغرب عبر بوَّابة الأندلس.

هناك جانب قيمي أخلاقي لا ينفصل عن الواقع والواقعيَّة في علم الاجتماع السياسي، وهذا تفسير جدير بالاعتبار والدرس، حيث يرفض السيّد اعتبار الدين مجرّد دلالةٍ على السذاجة في السياسة والاجتماع، أو أنّه صراع قوى متناحرة بحثاً عن المنافع بمعزل عن تعاليم الإسلام.

تدليلاً على هذا التوجّه الفكري بين المثالية والواقعية، يرفض السيد مقولة (الغاية تبرّر الوسيلة) في القضايا الشخصية، أو في القضايا الذاتية العادية.

أما في القضايا الكبرى المتعلّقة بالمصلحة الإسلامية العليا، أو مصالح المجتمع والوطن والأمّة، فإنّه يفتح باب الضّرورات استناداً إلى القاعدة الفقهيّة المعروفة: (الضرورات تبيح المحظورات). فإخفاء بعض الحقائق، ولو كان في الابتعاد عن الصدق، أمر مُباحٌ في ضوء المصالح العليا، أو القضايا الكبرى. قد يحتاج المسلمون، والحال هذه، إلى اعتماد الحرب النفسيّة، أو اللّجوء إلى التجسّس على الغير ومراقبة حركته، كما تفعل أجهزة الاستخبارات، وذلك من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين إذا ما تعرَّضوا للخطر. وربما يقود مثل هذا التفسير إلى الحديث عن مسألة (التقية) عند المسلمين، أو مسألة (المصالح) التي يجب أن يحميها أولو الأمر.

ذلك كلّه لا يلغي القاعدة الأصليّة في الإسلام - كما يؤكّد السيّد - وهي أن تكون في خطّ الصّدق، في الخطّ الأخلاقي المستقيم. أما إذا حدثت ضغوط طارئة، وتحدّيات كبرى أمام الإسلام والمسلمين، فعند ذاك، تنطلق أخلاقيّة العمل السياسي من المصالح المستجدّة.

خطّ الصّدق، أو الخطّ الأخلاقي المستقيم، يعبّر عنه باستقامة السلطة، أو خطّ الاستقامة في السّلطة. فالعبودية لله، التي لا تعني العلاقة التقليديّة المعروفة بين العبد وسيّده في العلاقات البشريّة، تنطلق من معنى الخلق للعبد.

نحن عبيد الله، والله هو الخالق وهو المالك، وملكية الله لنا هي سرّ وجودنا، ونحن لا نملك الوجود المستقلّ، بل نحن نملك وجود الظلّ، كما يشرح السيّد. هذه الربوبية تعني أنّ الله أعطى كلّ شيء وجوده، وأراد له أن يعيش معه، وأن يتحسَّس هذه المعيشة مع الله.

على ذلك، يرتبط خطّ الاستقامة بالتّوحيد، والتّوحيد يلخّص كلّ الإسلام وكلّ الدّعوة، بحيث تكون الدّعوة منطلقةً من قاعدة التّوحيد، ثم الامتداد في خطّ الاستقامة، جاء في كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(فصِّلت: 30).

استناداً إلى هذا التفسير، جاء شرع الله متناسباً مع إمكانات الإنسان وتطلّعاته، فحقّق التّوازن بين حركة الغريزة في ذاته، وحركة الرّسالة في واقعه، فلا يكبت الغريزة، ولا يهمل الرّسالة. ولذلك، فإنّ السلطة المسؤولة تتحرّك (أو يجب أن تتحرّك) في حدود أخلاقيات المسؤولية. هناك إنسان أمين وصادق في الجزئيّات الصغيرة، فلماذا لا يكون كذلك في القضايا الكبيرة، قضايا المسؤوليّة والسلطة وإدارة شؤون الناس؟

وكما أنّ الإنسان ينكر بعض غرائزه وأطماعه ونوازعه ومصالحه المادية في إطار رسالته الإنسانيّة، يمكنه أن يبتعد عن سلبيّات السلطة وتعقيداتها الذاتية والموضوعية لحساب دينه وأمّته.

يقود خطّ الاستقامة في السّلطة إلى رفض الازدواجيّة بين القول والعمل، بين التنظير والممارسة. هذا الخطّ لا ينفصل عن الصّراع السياسي، إذا كانت السياسة هي حركة الإنسان من أجل إقامة العدل، وتدبير شؤون النّاس. بتعبير آخر، الإسلام ليس شعاراً، بل تجربة وعملاً في الحياة، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(الصَّف: 2-3).

إنّ المسؤول معنيّ بالالتزام بكلامه، أي تجسيد الكلام بالأفعال، وإلا وقع في مشكلة (النفاق السياسي). هناك من يُظهر من المسؤولين حبّه للناس وإخلاصه لهم، ولكنّه يخفي في باطنه حقداً. فالظاهر وحده لا يكفي، وعلينا، والحال هذه، النّظر بعمق، وألا نأخذ الواقع ببساطة أو بسذاجة. المؤمن لا ينخدع بالكلمات، ولا يجب أن يكون ساذجاً. وقد جاء في كتاب الله حول النّفاق عموماً، وتالياً حول النفاق السياسي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(البقرة: 8-10).

رفض النفاق السياسي هو القاعدة في تحمّل المسؤوليّة، إلا إذا كانت هناك حالات طارئة تفرضها ظروف ضاغطة، وتدفع المسؤول إلى الخروج - المؤقّت - عن خطّ الصّدق في سبيل مصلحة النّاس، أو المصلحة الإسلاميّة العليا. وقد يكون هذا التّفسير بمثابة الاستثناء للقاعدة، وليس القاعدة.

تندرج مجمل هذه الأفكار في ما يمكن تسميته بأخلاق السياسة، طالما أنَّ السياسة تهدف في المقام الأوّل إلى تحقيق العدل، وهي تفترض التزاماً من قبل وليّ الأمر الذي يدير شؤون البلاد، إذا كان ملتزماً في الأصل والأساس بالعقيدة والشّريعة.

وفي مطلق الأحوال، على المسؤول - أو وليّ الأمر - أن يبتعد عن الانفعال والمسلك الحادّ، مهما اشتدّت الضغوط عليه، كما يشير الإمام عليّ في توجيهه العام للساسة والولاة، عندما ينهى عن السباب البعيد عن الصفات الإنسانية الطيبة. والسباب لا يقود إلى الغلبة أو النصر، وإنما إلى إثارة الأحقاد واستفزاز الطرف الآخر.

ينبه السيّد إلى خطورة السباب، أو أساليب اللّعن التي تختزنها الذهنية الشعبية العامّة، باعتبارها شكلاً من السباب. فالمهاترات والسباب واللّعن لا ترتقي إلى مستوى العلاقات الروحيّة، ولا تنسجم مع أخلاقيات الإسلام. وعليه، فإنَّ احترام الرموز الإسلامية التي يقدّسها المسلمون، مهما اختلفت نظراتهم إلى هذا الرّمز أو ذاك، أمر واجب لتحقيق الأخوّة والتعاون واللّقاء بين المسلمين كافّة.

*المصدر: "موسوعة الفكر الإسلامي"، مجلّد 6.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية