قد يتّصل الإنسان بالنماذج التي تعيش لشهواتها وأهوائها من دون أن يردعها رادع من إيمان، أو يصدّها مانع من عقيدة، ولذا فهي تسير على هواها من دون حدّ.
ومن الطبيعي للإنسان ـ الذي يلتقي بهذه النّماذج في حياته، أو يدرك وجودها في الحياة ـ أن تتأثّر نظرته إلى النّاس بهذا الواقع، فيشكّ فيمن يلتقيه في كلّ شيء يتعلّق به، في عقيدته، وفي أخلاقه، وفي دوافع العمل عنده وحوافزه لديه. فقد يكون للعمل وجهان: وجه حسن، ووجه قبيح، وقد يكون له جهتان: جهة صلاح، وجهة فساد.
فماذا يفعل إذا شكّ في الوجه الذي وقع عليه العمل، وكيف يحكم عليه؟ بالحسن أم بالقبح، بالصّلاح أو بالفساد؟
تلك هي الحالة التي يعيشها كلّ إنسان يدرك واقع الإنسان وطبيعة تكوينه، وتَدافُع جانب الخير وجانب الشّرّ في داخله، فماذا يعمل إذا عاش هذه الحالة وماذا يصنع؟
هذه بعض حالات الشّكّ التي تغزو الإنسان، وتلك هي بعض دوافعها وأسبابها، وهي دوافع طبيعيّة وأسباب عاديّة، وليست من الحالات الطارئة النّادرة، ولذا فهي تنتظر العلاج وتتطلّب الحلّ.
وكان الإسلام عملياً وإيجابيّاً، حين أجاب عن هذه التّساؤلات وعالج هذه الحالات، فكان جوابه حاسماً، وكانت معالجته حكيمة، وهو بذلك لم يبتعد عن طابعه الأصيل في طبيعة هذا الجواب ونوع تلك المعالجة، وهو طابع السّماحة والسّهولة المتمثّل في الحديث الشّريف: "أتيتكم بالشّريعة السهلة السمحة"، فكانت قاعدة البراءة التي تقول: "رفع ما لا يعلمون"، و"النّاس في سعة ما لا يعلمون"، وقاعدة الحلّ التي تقول: "كلّ شيء حلال حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه"، وقاعدة الطهارة التي تقول: "كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنَّه نجس".
لقد كانت هذه القواعد علاجاً لحالة الشّكّ في ناحية التّشريع، لحالة الحيرة التي تعرض له فيها، حذراً من أن يتجمّد ويقف عن حركة العمل.
وكانت "قاعدة الصحّة" التي يعطي مضمونها "أنَّ كلّ شيء صحيح". فالمعاملة المشكوك في صحتها وفسادها صحيحة، كأيّ معاملة يقطع الإنسان في صحتها، فليس عليه أن يتوقّف، إذا شكّ، ولا يلزمه أن يمتنع إذا تردّد، من دون فرق بين المعاملات التي تتعلّق بحياته التجارية أو علاقاته الشخصيّة.
وكانت قاعدة "الحمل على الأحسن" في جانب علاقاته بالآخرين: "ضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير سبيلاً".
وهكذا حاول الإسلام أن يساعد الإنسان على التحرّر من عواقب الشكّ ونتائجه، لينطلق بعد ذلك إلى حيوية العمل، بعيداً من كلّ ما يوقفه عن الحركة والحياة المطمئنّة الهادئة من نوازع القلق والشّكّ والحيرة، كلّ ذلك في إطار السّماحة والسّهولة، التي لن نعدم التعرّف إليها في طبيعة التّشريعات المتقدّمة بوضوح وجلاء.
كما نجد الإشارة واضحة في ما يعلّل به الأصوليّون ـ وهم يتحدّثون عن طبيعة هذه القواعد ـ بأنّها ناشئة من "مصلحة التيسير والتسهيل على الأمّة" التي يبدو أنَّ الإسلام يرمي من خلالها إلى إشاعة روح الطّمأنينة والاستقرار في داخل الفرد، وفي داخل المجتمع، في نطاق الحياة التي يحاول بناءها في ظلّ نظامه الأفضل.
*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".

قد يتّصل الإنسان بالنماذج التي تعيش لشهواتها وأهوائها من دون أن يردعها رادع من إيمان، أو يصدّها مانع من عقيدة، ولذا فهي تسير على هواها من دون حدّ.
ومن الطبيعي للإنسان ـ الذي يلتقي بهذه النّماذج في حياته، أو يدرك وجودها في الحياة ـ أن تتأثّر نظرته إلى النّاس بهذا الواقع، فيشكّ فيمن يلتقيه في كلّ شيء يتعلّق به، في عقيدته، وفي أخلاقه، وفي دوافع العمل عنده وحوافزه لديه. فقد يكون للعمل وجهان: وجه حسن، ووجه قبيح، وقد يكون له جهتان: جهة صلاح، وجهة فساد.
فماذا يفعل إذا شكّ في الوجه الذي وقع عليه العمل، وكيف يحكم عليه؟ بالحسن أم بالقبح، بالصّلاح أو بالفساد؟
تلك هي الحالة التي يعيشها كلّ إنسان يدرك واقع الإنسان وطبيعة تكوينه، وتَدافُع جانب الخير وجانب الشّرّ في داخله، فماذا يعمل إذا عاش هذه الحالة وماذا يصنع؟
هذه بعض حالات الشّكّ التي تغزو الإنسان، وتلك هي بعض دوافعها وأسبابها، وهي دوافع طبيعيّة وأسباب عاديّة، وليست من الحالات الطارئة النّادرة، ولذا فهي تنتظر العلاج وتتطلّب الحلّ.
وكان الإسلام عملياً وإيجابيّاً، حين أجاب عن هذه التّساؤلات وعالج هذه الحالات، فكان جوابه حاسماً، وكانت معالجته حكيمة، وهو بذلك لم يبتعد عن طابعه الأصيل في طبيعة هذا الجواب ونوع تلك المعالجة، وهو طابع السّماحة والسّهولة المتمثّل في الحديث الشّريف: "أتيتكم بالشّريعة السهلة السمحة"، فكانت قاعدة البراءة التي تقول: "رفع ما لا يعلمون"، و"النّاس في سعة ما لا يعلمون"، وقاعدة الحلّ التي تقول: "كلّ شيء حلال حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه"، وقاعدة الطهارة التي تقول: "كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنَّه نجس".
لقد كانت هذه القواعد علاجاً لحالة الشّكّ في ناحية التّشريع، لحالة الحيرة التي تعرض له فيها، حذراً من أن يتجمّد ويقف عن حركة العمل.
وكانت "قاعدة الصحّة" التي يعطي مضمونها "أنَّ كلّ شيء صحيح". فالمعاملة المشكوك في صحتها وفسادها صحيحة، كأيّ معاملة يقطع الإنسان في صحتها، فليس عليه أن يتوقّف، إذا شكّ، ولا يلزمه أن يمتنع إذا تردّد، من دون فرق بين المعاملات التي تتعلّق بحياته التجارية أو علاقاته الشخصيّة.
وكانت قاعدة "الحمل على الأحسن" في جانب علاقاته بالآخرين: "ضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير سبيلاً".
وهكذا حاول الإسلام أن يساعد الإنسان على التحرّر من عواقب الشكّ ونتائجه، لينطلق بعد ذلك إلى حيوية العمل، بعيداً من كلّ ما يوقفه عن الحركة والحياة المطمئنّة الهادئة من نوازع القلق والشّكّ والحيرة، كلّ ذلك في إطار السّماحة والسّهولة، التي لن نعدم التعرّف إليها في طبيعة التّشريعات المتقدّمة بوضوح وجلاء.
كما نجد الإشارة واضحة في ما يعلّل به الأصوليّون ـ وهم يتحدّثون عن طبيعة هذه القواعد ـ بأنّها ناشئة من "مصلحة التيسير والتسهيل على الأمّة" التي يبدو أنَّ الإسلام يرمي من خلالها إلى إشاعة روح الطّمأنينة والاستقرار في داخل الفرد، وفي داخل المجتمع، في نطاق الحياة التي يحاول بناءها في ظلّ نظامه الأفضل.
*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".