لم تكن الجارة تتوقّع أن يحصل ما حصل في منزل الجيران، ففي منتصف اللّيل، بدأت الأصوات ترتفع، صوت الجارة وأولادها وهم يشاجرون أباهم، الصّراخ يغادر إلى خارج المنزل، والأيدي تمتدّ، وحالة الفوضى تعمّ منزلاً لطالما سكنته الطمأنينة والرحمة والمودة.
كانت تلك ساعات حرجة مرّت في ليل معتم، لكنّها ليست وحدها المصيبة، المصيبة الكبرى كانت في تعامل الجيران مع ما حدث.
وقف قسم من الجيران مع الأب وحمّلوا الزوجة والأولاد كلّ المشكلة، وانتصروا للأب ورأوه مصيباً، بينما وقف قسم آخر من الجيران مع الأمّ وأولادها ورأوها مظلومة وجزموا أنّ أولادها لا يستحقّون إلا الشّفقة والرّحمة، وأنّ الأب هو أول المصائب وآخرها، بل هو سببها كلّها.
بعض الجيران اتخذ موقفاً مغايراً، فحمّل الجميع المشكلة، معتقداً أنّ لكلّ منهم مشاركته فيها، قلّت تلك المشاركة أو كثرت.
وهناك من الجيرة من نأى بنفسه عن تلك العائلة وأحوالها، ورأى أنّ الأمر لا يعنيه من قريب ولا بعيد، فهمومه ومصائبه أولى باهتمامه وسعيه من هموم غيره.
هذه هي الحالة المألوفة التي يعيشها مجتمعنا في أغلب القضايا والمشاكل، سواء الاجتماعيّة منها أو غيرها، وهي السّرعة والعجلة في تصديق هذا وتكذيب ذاك، ثم حسم الموقف بأسرع من لمح البصر، لتبدو الأمور وكأنها بين الأبيض والأسود، وتختفي كلّ الحلول الوسطية والمناطق الرمادية.
ويمكن القول إنّ هذا الأمر ليس حكراً على مجتمعنا، فأغلب المجتمعات تسير على هذا المنوال...
التحوّل من تهويل المشكلات إلى محاولة علاجها، والبحث عن مخارج لمختلف الأزمات الاجتماعيّة وغيرها، ليس متاحاً لكلّ عقل، وليس من سجيّة كلّ نفس، فأغلب الناس يحبّون التطبيل والنفخ والتضخيم للمشكلات، وهؤلاء ليسوا عقلاء، ولا يأتون بخير أبداً.
العاقل هو من ينير بعقله طرق الحلّ، ويجترح ببصيرته مسارات التّوفيق والجمع، ويحمل على عاتقه مسؤوليّة لمّ الشّمل وإعادة المياه إلى مجاريها، ويصرّ على هذا المسلك في كلّ خلاف يمكنه الإعانة فيه بقول أو فعل.
وقد ورد عن رسول الله (ص): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت".
الصّمت رحمة، وخصوصاً إذا كان غيره يدمّر ويمزّق وينفر ويؤزّم ويزيد من الاحتقان والتشنّج.
الكثير من المشاكل والأزمات - وهنا أركّز على الأسريّة والعائليّة - يمكن أن تصل إلى الحلّ إذا ما أُبعد وابتعد عنها المؤزّمون والمتقوّلون وأصحاب الآراء والتصوّرات البتراء، وحلّ محلّهم الحكماء والصّلحاء الذين يراعون المصلحة العامّة، فيتجاوزون التأزيم باحثين عن الحلّ والصفاء بين خلق الله.
*الشّيخ محمد الصفّار، صحيفة الوسط البحرينيّة، بتاريخ: 27 / 12 / 2011م.
لم تكن الجارة تتوقّع أن يحصل ما حصل في منزل الجيران، ففي منتصف اللّيل، بدأت الأصوات ترتفع، صوت الجارة وأولادها وهم يشاجرون أباهم، الصّراخ يغادر إلى خارج المنزل، والأيدي تمتدّ، وحالة الفوضى تعمّ منزلاً لطالما سكنته الطمأنينة والرحمة والمودة.
كانت تلك ساعات حرجة مرّت في ليل معتم، لكنّها ليست وحدها المصيبة، المصيبة الكبرى كانت في تعامل الجيران مع ما حدث.
وقف قسم من الجيران مع الأب وحمّلوا الزوجة والأولاد كلّ المشكلة، وانتصروا للأب ورأوه مصيباً، بينما وقف قسم آخر من الجيران مع الأمّ وأولادها ورأوها مظلومة وجزموا أنّ أولادها لا يستحقّون إلا الشّفقة والرّحمة، وأنّ الأب هو أول المصائب وآخرها، بل هو سببها كلّها.
بعض الجيران اتخذ موقفاً مغايراً، فحمّل الجميع المشكلة، معتقداً أنّ لكلّ منهم مشاركته فيها، قلّت تلك المشاركة أو كثرت.
وهناك من الجيرة من نأى بنفسه عن تلك العائلة وأحوالها، ورأى أنّ الأمر لا يعنيه من قريب ولا بعيد، فهمومه ومصائبه أولى باهتمامه وسعيه من هموم غيره.
هذه هي الحالة المألوفة التي يعيشها مجتمعنا في أغلب القضايا والمشاكل، سواء الاجتماعيّة منها أو غيرها، وهي السّرعة والعجلة في تصديق هذا وتكذيب ذاك، ثم حسم الموقف بأسرع من لمح البصر، لتبدو الأمور وكأنها بين الأبيض والأسود، وتختفي كلّ الحلول الوسطية والمناطق الرمادية.
ويمكن القول إنّ هذا الأمر ليس حكراً على مجتمعنا، فأغلب المجتمعات تسير على هذا المنوال...
التحوّل من تهويل المشكلات إلى محاولة علاجها، والبحث عن مخارج لمختلف الأزمات الاجتماعيّة وغيرها، ليس متاحاً لكلّ عقل، وليس من سجيّة كلّ نفس، فأغلب الناس يحبّون التطبيل والنفخ والتضخيم للمشكلات، وهؤلاء ليسوا عقلاء، ولا يأتون بخير أبداً.
العاقل هو من ينير بعقله طرق الحلّ، ويجترح ببصيرته مسارات التّوفيق والجمع، ويحمل على عاتقه مسؤوليّة لمّ الشّمل وإعادة المياه إلى مجاريها، ويصرّ على هذا المسلك في كلّ خلاف يمكنه الإعانة فيه بقول أو فعل.
وقد ورد عن رسول الله (ص): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت".
الصّمت رحمة، وخصوصاً إذا كان غيره يدمّر ويمزّق وينفر ويؤزّم ويزيد من الاحتقان والتشنّج.
الكثير من المشاكل والأزمات - وهنا أركّز على الأسريّة والعائليّة - يمكن أن تصل إلى الحلّ إذا ما أُبعد وابتعد عنها المؤزّمون والمتقوّلون وأصحاب الآراء والتصوّرات البتراء، وحلّ محلّهم الحكماء والصّلحاء الذين يراعون المصلحة العامّة، فيتجاوزون التأزيم باحثين عن الحلّ والصفاء بين خلق الله.
*الشّيخ محمد الصفّار، صحيفة الوسط البحرينيّة، بتاريخ: 27 / 12 / 2011م.