كتابات
31/01/2019

السّتر أو الحجاب.. حقيقة وتحدّيات

السّتر أو الحجاب.. حقيقة وتحدّيات

في اليوم العالمي للحجاب، فإن هذه المفردة (حجاب) قد استغلها البعض للتهجم على الستر والحجاب، باعتبار ما تستبطنه هذه المفردة من معنى سلبي، يوحي بإخفاء المرأة وتغييبها في مكان، كالمنزل، لا تخرج منه لممارسة مهامها، فمن مهدها إلى لحدها، مع أن لفظة حجاب لم تستعمل في القرآن بمعنى ستر شعر المرأة أو جسدها، بل بمعنى الفاصل أو الحاجز. قال تعالى:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشّورى: 51].

{فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم: 17]، أي مكاناً يخفيها ويضلّلها عن النّاس ولا تظهر منه لهم.

نبذة تاريخيّة

كان الحجاب أو الستر معروفاً عند الفرس الزرادشتيين، إذ كانت المرأة عندهم كائناً غير طاهر، عليها أن تربط فمها وأنفها بعصابة كيلا تدنّس بأنفاسها النار المقدّسة. أما البيزنطيّون، فعزلوا في المنزل، الذين أخذوا ذلك عن الإغريق، حيث كان المنزل نصفين مستقلّين؛ أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وتعزَّز هذا التّقليد كليّاً أيّام الوليد الثاني في العهد الأموي، الذي كان أوّل من أحدث ركن الحريم في المنزل العربي.

فلسفة الحجاب

يدخل تشريع الحجاب أو الستر - حتى لا يفهم الحجاب كمصطلح خطأً كما عند البعض- كواجب مع غيره من التشريعات التي تمنع الإنسان من أن يعيش حالة طوارئ نفسيّة أمام نداء الغريزة، ويأخذ موقعه في هيكليّة الضّوابط التشريعية المتكاملة التي تهدف إلى تعزيز الانضباط الأخلاقي وتكريسه.

الحجاب يعطي جوّاً نفسياً يمنح المرأة شعوراً بأنها إنسان، ويمنحها جوَّ العفَّة من خلال منع النظر إلى مفاتنها الأنثويَّة، ولكنّ الإسلام يريد للجانب الأنثويّ في المرأة ـ كما يريد للجانب الذّكوري في الرجل ـ أن لا يلغي بقيّة جوانب شخصيّتها، ويجعل الحياة كلها في خدمته، فتتحرّك المرأة في المجتمع بروحيّة الأنثى التي تبحث عن كلّ ما يثيرها أو يثيره، ويتحرّك الرّجل بروحية الذكر الذي يبحث عن الإثارة الجنسيّة فقط، ليأتي الحجاب ليؤكّد احترام كرامة المرأة من خلال النظر إليها كإنسان لا كأنثى، وهذا ما يريده من معنى يربي النّاس عليها.

- إن الحرية لا تتنافى مع الحجاب، فليس صحيحاً ما يجري تناوله على مواقع التواصل وبعض الوسائل الإعلامية، من أن الحجاب مقيِّد لحرية المرأة، وهو وسيلة قمع لها، فلا بدّ من حمل شعار تحرّر المرأة من هذا القيد، فهناك شواهد تاريخية كثيرة، حيث شاركت المرأة إلى جانب الرجل في النضال الثقافي والجهادي ضدّ المستعمر والمحتلّ في المشرق العربي والمغرب العربي وغيرهما من المجتمعات، ولم يمنعها سترها من ممارسة دورها بحريّة.

- إنّ أساليب التّربية عند البعض، تجعل من فرضيّة خلع الحجاب أمراً مقبولاً، إذ يشجع الأهل بناتهنّ على خلع الحجاب والستر بحجّة، أنهم يردنهن متحرّرات ومنفتحات، ولكن ليس خلع الحجاب ما يؤمِّن لهن هذا التحرّر، فالحجاب هو معنويّ، إضافةً إلى كونه مادّيّاً، على حدّ تعبير العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض).

نظرة إسلاميّة سريعة

أشار القرآن الكريم إلى وجوب ستر المرأة لجسدها في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النّور: 31]، والمراد بالزينة هنا، مواضعها، لا ما يتزيّن به كالسوار والعقد والأقراط وسواها. وبكلام آخر، المراد هنا هو مطلق الجسد. وعدُّ الله الجسد زينة، إشارة واضحة إلى كونه مركز جاذبيّة وإثارة للرّجل.

- الظاهر أن المراد من الزينة هنا هو الزينة الطارئة على الجسد، وهي ما تتزيّن به المرأة، ومن ثم يكون المقصود هو مواضع الزينة، كما ذهب إليه أكثر المفسّرين واللّغويين، لكونها في اللغة «اسم لما تزين به». والجسد لا يتزيّن به، بل يكون موضعاً للزينة، وإن استعمل في بعض الأحيان على أنه زينة، فهذا يكون من باب مناسبة الحال والمحلّ.

وعلى هذا، سوف يكون المراد من الزينة، في الآية، مواضعها، وهي الشّعر والوجه والرّقبة، وموضع القلادة من الصّدر والزندين - وهما موضع السّوار وغيره من الزينة - والقدمان والكفّان - موضع الحنَّاء - ويمكن أن يشمل أكثر من ذلك، وهذا يرجع إلى الأعضاء التي كانت تزينها المرأة بزينة طارئة عليها.

- قال عزَّ مِنْ قائل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[سورة الأحزاب: 59].

وقد يخطر أنّ هذه الآية انطلقت من مراعاة حالةٍ طارئةٍ في مجتمع المدينة الّذي كان يخضع لسلوك بعض الشباب العابث الّذي لا يحترم النساء، فيراودهنّ عن أنفسهنّ بتخيّل أنهن من العابثات، باعتبار أن الزيّ واحدٌ لا تختلف فيه إحداهنّ عن الأخرى، فكان من اللازم أن يُفرض للمؤمنات من نساء النبيّ وبناته ونساء المؤمنين زيٌّ إسلاميّ يتميّزن به عن الأخريات من الكتابيات والإماء، ليبتعدن بذلك عن الأذى، لما يعرفه هؤلاء الشّباب من صلابة الإسلام في مواجهة هذا العبث، بقدر ما يتّصل بالمؤمنات، فيمنعهم ذلك عن السّلوك السلبي تجاههن، ما يوحي بأنّه تشريعٌ ظرفيٌّ يراد به تميّز المسلمين عن اليهود في المجتمع المختلط لبعض المصالح التي تتّصل بالملامح الشخصيّة للمسلمين.

وعلى ضوء ذلك، فلا تكون الآية من آيات الحجاب الملزم، بلحاظ أنّ الأمر يدلّ على الوجوب، فإنّ الفقرة الثانية قد تصلح دليلاً على عدم إرادة الإلزام في ذلك، {وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} يغفر للمذنبين، ويرحم المؤمنين.

وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ}، «فإنّه كان سبب نزولها، أنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله(ص)، فإذا كان اللّيل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة، يقعد الشباب لهنّ في طريقهنّ، فيؤذونهن ويتعرّضون لهن».

- عندما ندرس القرآن بصدد هذه المسألة، نجد ثلاثة عناوين: عنوان الزينة، وعنوان التبرج، وعنوان {فيطمع الذي في قلبه مرض}[الأحزاب:32]. {ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى}[الأحزاب: 33].

يظهر، بعد مراجعة بعض المصادر، أنّ المرأة في زمن الجاهليّة، وإلى ما بعد الهجرة، أي إلى زمن نزول الآية، لم تكن تهتمّ كثيراً بمسألة الستر.

قال الزمخشري: «كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة».

ويقول أيضاً: «كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها».

قال الغرناطي: «كنّ في ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب تظهر منها صدورهنّ، وكنّ إذا غطّين رؤوسهن بالأخمرة يسدلنها من وراء الظّهر، فيبقى الصّدر والعنق والأذنان لا ستر عليها».

عندما يتجاوز لباس المرأة هذه العناوين الثّلاثة، بمعنى أن لا يكون مصداقاً للزّينة، وأن لا يكون تجسيداً للتبرّج، وأن لا يوحي بالإثارة، فعند ذلك، يمكن أن يقال إنّ الحجاب يتناسب مع الخطّ الشّرعيّ له.

- للحجاب في الشريعة ضوابط محدّدة، أي أن تخفي المرأة جسدها ماعدا وجهها وكفّيها، وليس لها الخروج بزينتها بشكل يحقّق التبرّج؛ تبرج الجاهلية الأولى، أما كيف هو الحجاب، وما الملابس التي تلبسها، فهذا أمرٌ يعود إلى العرف، وإلى المرأة نفسها، فالمهمّ التستّر الذي يحفظ المرأة في كلّ أوضاعها.

في اليوم العالمي للحجاب، فإن هذه المفردة (حجاب) قد استغلها البعض للتهجم على الستر والحجاب، باعتبار ما تستبطنه هذه المفردة من معنى سلبي، يوحي بإخفاء المرأة وتغييبها في مكان، كالمنزل، لا تخرج منه لممارسة مهامها، فمن مهدها إلى لحدها، مع أن لفظة حجاب لم تستعمل في القرآن بمعنى ستر شعر المرأة أو جسدها، بل بمعنى الفاصل أو الحاجز. قال تعالى:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشّورى: 51].

{فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم: 17]، أي مكاناً يخفيها ويضلّلها عن النّاس ولا تظهر منه لهم.

نبذة تاريخيّة

كان الحجاب أو الستر معروفاً عند الفرس الزرادشتيين، إذ كانت المرأة عندهم كائناً غير طاهر، عليها أن تربط فمها وأنفها بعصابة كيلا تدنّس بأنفاسها النار المقدّسة. أما البيزنطيّون، فعزلوا في المنزل، الذين أخذوا ذلك عن الإغريق، حيث كان المنزل نصفين مستقلّين؛ أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وتعزَّز هذا التّقليد كليّاً أيّام الوليد الثاني في العهد الأموي، الذي كان أوّل من أحدث ركن الحريم في المنزل العربي.

فلسفة الحجاب

يدخل تشريع الحجاب أو الستر - حتى لا يفهم الحجاب كمصطلح خطأً كما عند البعض- كواجب مع غيره من التشريعات التي تمنع الإنسان من أن يعيش حالة طوارئ نفسيّة أمام نداء الغريزة، ويأخذ موقعه في هيكليّة الضّوابط التشريعية المتكاملة التي تهدف إلى تعزيز الانضباط الأخلاقي وتكريسه.

الحجاب يعطي جوّاً نفسياً يمنح المرأة شعوراً بأنها إنسان، ويمنحها جوَّ العفَّة من خلال منع النظر إلى مفاتنها الأنثويَّة، ولكنّ الإسلام يريد للجانب الأنثويّ في المرأة ـ كما يريد للجانب الذّكوري في الرجل ـ أن لا يلغي بقيّة جوانب شخصيّتها، ويجعل الحياة كلها في خدمته، فتتحرّك المرأة في المجتمع بروحيّة الأنثى التي تبحث عن كلّ ما يثيرها أو يثيره، ويتحرّك الرّجل بروحية الذكر الذي يبحث عن الإثارة الجنسيّة فقط، ليأتي الحجاب ليؤكّد احترام كرامة المرأة من خلال النظر إليها كإنسان لا كأنثى، وهذا ما يريده من معنى يربي النّاس عليها.

- إن الحرية لا تتنافى مع الحجاب، فليس صحيحاً ما يجري تناوله على مواقع التواصل وبعض الوسائل الإعلامية، من أن الحجاب مقيِّد لحرية المرأة، وهو وسيلة قمع لها، فلا بدّ من حمل شعار تحرّر المرأة من هذا القيد، فهناك شواهد تاريخية كثيرة، حيث شاركت المرأة إلى جانب الرجل في النضال الثقافي والجهادي ضدّ المستعمر والمحتلّ في المشرق العربي والمغرب العربي وغيرهما من المجتمعات، ولم يمنعها سترها من ممارسة دورها بحريّة.

- إنّ أساليب التّربية عند البعض، تجعل من فرضيّة خلع الحجاب أمراً مقبولاً، إذ يشجع الأهل بناتهنّ على خلع الحجاب والستر بحجّة، أنهم يردنهن متحرّرات ومنفتحات، ولكن ليس خلع الحجاب ما يؤمِّن لهن هذا التحرّر، فالحجاب هو معنويّ، إضافةً إلى كونه مادّيّاً، على حدّ تعبير العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض).

نظرة إسلاميّة سريعة

أشار القرآن الكريم إلى وجوب ستر المرأة لجسدها في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النّور: 31]، والمراد بالزينة هنا، مواضعها، لا ما يتزيّن به كالسوار والعقد والأقراط وسواها. وبكلام آخر، المراد هنا هو مطلق الجسد. وعدُّ الله الجسد زينة، إشارة واضحة إلى كونه مركز جاذبيّة وإثارة للرّجل.

- الظاهر أن المراد من الزينة هنا هو الزينة الطارئة على الجسد، وهي ما تتزيّن به المرأة، ومن ثم يكون المقصود هو مواضع الزينة، كما ذهب إليه أكثر المفسّرين واللّغويين، لكونها في اللغة «اسم لما تزين به». والجسد لا يتزيّن به، بل يكون موضعاً للزينة، وإن استعمل في بعض الأحيان على أنه زينة، فهذا يكون من باب مناسبة الحال والمحلّ.

وعلى هذا، سوف يكون المراد من الزينة، في الآية، مواضعها، وهي الشّعر والوجه والرّقبة، وموضع القلادة من الصّدر والزندين - وهما موضع السّوار وغيره من الزينة - والقدمان والكفّان - موضع الحنَّاء - ويمكن أن يشمل أكثر من ذلك، وهذا يرجع إلى الأعضاء التي كانت تزينها المرأة بزينة طارئة عليها.

- قال عزَّ مِنْ قائل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[سورة الأحزاب: 59].

وقد يخطر أنّ هذه الآية انطلقت من مراعاة حالةٍ طارئةٍ في مجتمع المدينة الّذي كان يخضع لسلوك بعض الشباب العابث الّذي لا يحترم النساء، فيراودهنّ عن أنفسهنّ بتخيّل أنهن من العابثات، باعتبار أن الزيّ واحدٌ لا تختلف فيه إحداهنّ عن الأخرى، فكان من اللازم أن يُفرض للمؤمنات من نساء النبيّ وبناته ونساء المؤمنين زيٌّ إسلاميّ يتميّزن به عن الأخريات من الكتابيات والإماء، ليبتعدن بذلك عن الأذى، لما يعرفه هؤلاء الشّباب من صلابة الإسلام في مواجهة هذا العبث، بقدر ما يتّصل بالمؤمنات، فيمنعهم ذلك عن السّلوك السلبي تجاههن، ما يوحي بأنّه تشريعٌ ظرفيٌّ يراد به تميّز المسلمين عن اليهود في المجتمع المختلط لبعض المصالح التي تتّصل بالملامح الشخصيّة للمسلمين.

وعلى ضوء ذلك، فلا تكون الآية من آيات الحجاب الملزم، بلحاظ أنّ الأمر يدلّ على الوجوب، فإنّ الفقرة الثانية قد تصلح دليلاً على عدم إرادة الإلزام في ذلك، {وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} يغفر للمذنبين، ويرحم المؤمنين.

وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ}، «فإنّه كان سبب نزولها، أنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله(ص)، فإذا كان اللّيل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة، يقعد الشباب لهنّ في طريقهنّ، فيؤذونهن ويتعرّضون لهن».

- عندما ندرس القرآن بصدد هذه المسألة، نجد ثلاثة عناوين: عنوان الزينة، وعنوان التبرج، وعنوان {فيطمع الذي في قلبه مرض}[الأحزاب:32]. {ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى}[الأحزاب: 33].

يظهر، بعد مراجعة بعض المصادر، أنّ المرأة في زمن الجاهليّة، وإلى ما بعد الهجرة، أي إلى زمن نزول الآية، لم تكن تهتمّ كثيراً بمسألة الستر.

قال الزمخشري: «كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة».

ويقول أيضاً: «كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها».

قال الغرناطي: «كنّ في ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب تظهر منها صدورهنّ، وكنّ إذا غطّين رؤوسهن بالأخمرة يسدلنها من وراء الظّهر، فيبقى الصّدر والعنق والأذنان لا ستر عليها».

عندما يتجاوز لباس المرأة هذه العناوين الثّلاثة، بمعنى أن لا يكون مصداقاً للزّينة، وأن لا يكون تجسيداً للتبرّج، وأن لا يوحي بالإثارة، فعند ذلك، يمكن أن يقال إنّ الحجاب يتناسب مع الخطّ الشّرعيّ له.

- للحجاب في الشريعة ضوابط محدّدة، أي أن تخفي المرأة جسدها ماعدا وجهها وكفّيها، وليس لها الخروج بزينتها بشكل يحقّق التبرّج؛ تبرج الجاهلية الأولى، أما كيف هو الحجاب، وما الملابس التي تلبسها، فهذا أمرٌ يعود إلى العرف، وإلى المرأة نفسها، فالمهمّ التستّر الذي يحفظ المرأة في كلّ أوضاعها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية