كتابات
30/01/2019

الجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}. وبعد هذا وذاك، فإن المؤمن لا يعيش الانعزال عن الواقع وعن كفر الواقع واستكباره، وعن ظلم الواقع وانحرافه، وعن آلامه وأحلامه، فأن تكون مؤمناً، يساوي أن تكون مجاهداً بكلّ طاقاتك {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}[الحجرات: 15]، فإذا كنت مؤمناً، وأعطاك الله مالاً، وكانت الساحة تحتاج إلى مالك، فأعطِ الساحة من مالك، فذلك هو جهادك من مالك، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، لأنّ مالك الذي أعطاك الله ليس ملكك، إنما هو أمانة الله عندك، فأنت ـ في واقع الأمر ـ وكيل الله في المال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: 7]، أي وكلاء فيه، حيث حدّد الله لكم كيف تحركونه لتنفقوه على أنفسكم وأهلكم، ثم على من أراد لكم أن تنفقوه عليه أو فيه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النّور: 33]، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24- 25].

حاجات الأمّة الأساسيّة

فمن واجب الأمّة إذا عاشت حاجاتها الحيويّة، سواء كانت صحية تحتاج إلى من يتخصّص بالطبّ، أو تربوية تحتاج إلى من يتخصّص في التعليم، أو عمرانية تحتاج إلى من يتخصص في الهندسة وفي العمران، أو حاجات جهادية أو سياسية أو اجتماعية، ولم تكن هناك قدرة على تلبية الإمكانات الماليّة، على الأمّة ـ في هذه الحال ـ أن تدفع من مالها على نحو الوجوب الكفائي، بل حتى من غير الحقوق الشرعيّة، للمجاهدين وللمتخصّصين في كلّ الشؤون التي تبني للمجتمع نظامه وللأمّة حضارتها.

لذلك، فإن الجهاد بالمال ليس مجرّد حالة تقتصر على الحقوق الشرعيّة، بل تتّصل بكلّ الحاجات النظاميّة التي يحتاج إليها نظام المجتمع، وعلى المجتمع أن يعطي من طاقته المالية ما يلبّي هذه الحاجة، وقد ألزم بعض فقهائنا بالقول بوجوب دفع الأمّة من مالها للمتخصّصين في الطبّ والهندسة والعمران، وكلّ القضايا التي تحتاجها في نظامها، إذا كانت غير قادرة على ذلك، وعلى هؤلاء ـ في مقابل ذلك ـ أن يعطوا الأمّة من جهدهم ما أعطتهم من جهدها.

الجهاد العقليّ

{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ}. والجهاد ـ عندما تكون مؤمناً ـ هو أن تجاهد بنفسك، والجهاد بالنفس يتنوّع، وهو في عنوانه الشّامل، أن تعطي من نفسك في سبيل الله، فمن الجهاد بالنفس، أن تعطي الأمّة عقلك وكل ما ينتجه عقلك، فهو جهاد النفس، لأنّ العقل يقف في القمّة من خصائص النفس، فلذلك، لا يجوز للعالم في أيّ موقع من مواقع العلم، ولا سيّما علم الإسلام، أن يكتم علمه، بل يجب عليه أن يبذله: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلَّموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا". ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].

فالبعض يرى أنَّ "يكتمون" تعني إذا سألهم النّاس فلا بدّ لهم من أن يجيبوا، والحقيقة ليست كذلك، فأن تكتم علمك، يعني أن لا تبادر إلى نشره، فقد يرى بعض الناس أنّ العالم كالشجرة، لا بدّ من أن تهزّها إذا أردت أن تأكل منها، وإذا لم تهزّها، فليس واجباً عليه أن يبادرك بالعلم. فماذا ـ يا ترى ـ عن النّاس الذين لا يفهمون مفاهيم الإسلام، ولا الحلول المناسبة للمشاكل الفكرية والاجتماعية التي يعيشونها؟!

فعلى العالم أن ينطلق ويدرس كلّ المشاكل الموجودة في العالم، سواء في المفاهيم الإسلاميّة أو الأحكام الشرعيّة أو في الواقع السياسي أو الواقع الاجتماعيّ، عليه أن يدرس ذلك ويبيّنه للأمّة، وأن يبيّن ما هو حكم الإسلام في ذلك كلّه. وقد ورد عن النبيّ(ص): "إذا ظهرت البدع ـ كلّ البدع، سواء التي تتعلق بالأحكام أو المفاهيم أو بالعقائد أو بالواقع ـ فعلى العالم أن يظهر علمه، ومن لم يفعل فعليه لعنة الله". فالعلم أمانة، وجهاد العالم أن يجاهد في بذل علمه.

الجهاد العلميّ

لذلك، فإن من شعب الجهاد بالنفس، هو الجهاد بالعلم، بأن تقدّم علمك وخبرتك للناس، وليس المراد بذلك العلم الدّيني فقط، بل كلّ علم يحتاجه الناس، لأنّك إذا لم تعط علمك للمجتمع، فسوف يحتاج إلى الآخرين، وأنت تعرف أنّ أية دولة من الدول، لا تعطيك خبرةً إلا إذا أعطيتها شيئاً من عزّتك وحرّيتك وكرامتك، فهناك ـ مثلاً ـ معاهدات ثقافيّة وأخرى تربوية وثالثة اجتماعيّة، لا توقَّع إلا في مقابل شروط سياسية، وفي ذلك، يقول الإمام أمير المؤمنين(ع) فيما ينسب إليه: "احتج إلى من شئت تكُن أسيره، واستغن عمّن شئت تكُن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكُن أميره". فالحاجة هي أساس الذلّ، فبمقدار ما تملك حاجاتك، تملك حرّيتك وعزّتك وتقرير مصيرك بنفسك.

لذلك، نقول لكلّ شبابنا في كلّ الأمّة الإسلاميّة: خذوا بكلّ أسباب العلم، فقد يكون واجباً أن ترتقوا في درجات العلم، لأنّ الصراع الآن ليس صراع البندقيّة فقط، بل حتى صراع البندقيّة والمدفع والصاروخ وغيرها من الأسلحة يحتاج إلى علم، وإذا لم يكن لديك علم، فإنّك لا تستطيع أن تطوّر هذه الأسلحة، فضلاً عن أن تنتجها، فنحن نحتاج إلى أمّة تنتج سلاحها، وإلى أمّة تنتج غذاءها، وإلى أمّة تنتج ما يلبّي حاجاتها، حتى تستطيع أن تكون الأمّة التي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيويّة. وبطبيعة الحال، فإننا لا يمكن أن لا نحتاج إلى أحد، لكن في الأمور الحيويّة، علينا أن نعمل وفقاً لسياسة الاكتفاء الذاتي والثقافي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي.

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}. وبعد هذا وذاك، فإن المؤمن لا يعيش الانعزال عن الواقع وعن كفر الواقع واستكباره، وعن ظلم الواقع وانحرافه، وعن آلامه وأحلامه، فأن تكون مؤمناً، يساوي أن تكون مجاهداً بكلّ طاقاتك {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}[الحجرات: 15]، فإذا كنت مؤمناً، وأعطاك الله مالاً، وكانت الساحة تحتاج إلى مالك، فأعطِ الساحة من مالك، فذلك هو جهادك من مالك، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، لأنّ مالك الذي أعطاك الله ليس ملكك، إنما هو أمانة الله عندك، فأنت ـ في واقع الأمر ـ وكيل الله في المال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد: 7]، أي وكلاء فيه، حيث حدّد الله لكم كيف تحركونه لتنفقوه على أنفسكم وأهلكم، ثم على من أراد لكم أن تنفقوه عليه أو فيه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النّور: 33]، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24- 25].

حاجات الأمّة الأساسيّة

فمن واجب الأمّة إذا عاشت حاجاتها الحيويّة، سواء كانت صحية تحتاج إلى من يتخصّص بالطبّ، أو تربوية تحتاج إلى من يتخصّص في التعليم، أو عمرانية تحتاج إلى من يتخصص في الهندسة وفي العمران، أو حاجات جهادية أو سياسية أو اجتماعية، ولم تكن هناك قدرة على تلبية الإمكانات الماليّة، على الأمّة ـ في هذه الحال ـ أن تدفع من مالها على نحو الوجوب الكفائي، بل حتى من غير الحقوق الشرعيّة، للمجاهدين وللمتخصّصين في كلّ الشؤون التي تبني للمجتمع نظامه وللأمّة حضارتها.

لذلك، فإن الجهاد بالمال ليس مجرّد حالة تقتصر على الحقوق الشرعيّة، بل تتّصل بكلّ الحاجات النظاميّة التي يحتاج إليها نظام المجتمع، وعلى المجتمع أن يعطي من طاقته المالية ما يلبّي هذه الحاجة، وقد ألزم بعض فقهائنا بالقول بوجوب دفع الأمّة من مالها للمتخصّصين في الطبّ والهندسة والعمران، وكلّ القضايا التي تحتاجها في نظامها، إذا كانت غير قادرة على ذلك، وعلى هؤلاء ـ في مقابل ذلك ـ أن يعطوا الأمّة من جهدهم ما أعطتهم من جهدها.

الجهاد العقليّ

{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ}. والجهاد ـ عندما تكون مؤمناً ـ هو أن تجاهد بنفسك، والجهاد بالنفس يتنوّع، وهو في عنوانه الشّامل، أن تعطي من نفسك في سبيل الله، فمن الجهاد بالنفس، أن تعطي الأمّة عقلك وكل ما ينتجه عقلك، فهو جهاد النفس، لأنّ العقل يقف في القمّة من خصائص النفس، فلذلك، لا يجوز للعالم في أيّ موقع من مواقع العلم، ولا سيّما علم الإسلام، أن يكتم علمه، بل يجب عليه أن يبذله: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلَّموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا". ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].

فالبعض يرى أنَّ "يكتمون" تعني إذا سألهم النّاس فلا بدّ لهم من أن يجيبوا، والحقيقة ليست كذلك، فأن تكتم علمك، يعني أن لا تبادر إلى نشره، فقد يرى بعض الناس أنّ العالم كالشجرة، لا بدّ من أن تهزّها إذا أردت أن تأكل منها، وإذا لم تهزّها، فليس واجباً عليه أن يبادرك بالعلم. فماذا ـ يا ترى ـ عن النّاس الذين لا يفهمون مفاهيم الإسلام، ولا الحلول المناسبة للمشاكل الفكرية والاجتماعية التي يعيشونها؟!

فعلى العالم أن ينطلق ويدرس كلّ المشاكل الموجودة في العالم، سواء في المفاهيم الإسلاميّة أو الأحكام الشرعيّة أو في الواقع السياسي أو الواقع الاجتماعيّ، عليه أن يدرس ذلك ويبيّنه للأمّة، وأن يبيّن ما هو حكم الإسلام في ذلك كلّه. وقد ورد عن النبيّ(ص): "إذا ظهرت البدع ـ كلّ البدع، سواء التي تتعلق بالأحكام أو المفاهيم أو بالعقائد أو بالواقع ـ فعلى العالم أن يظهر علمه، ومن لم يفعل فعليه لعنة الله". فالعلم أمانة، وجهاد العالم أن يجاهد في بذل علمه.

الجهاد العلميّ

لذلك، فإن من شعب الجهاد بالنفس، هو الجهاد بالعلم، بأن تقدّم علمك وخبرتك للناس، وليس المراد بذلك العلم الدّيني فقط، بل كلّ علم يحتاجه الناس، لأنّك إذا لم تعط علمك للمجتمع، فسوف يحتاج إلى الآخرين، وأنت تعرف أنّ أية دولة من الدول، لا تعطيك خبرةً إلا إذا أعطيتها شيئاً من عزّتك وحرّيتك وكرامتك، فهناك ـ مثلاً ـ معاهدات ثقافيّة وأخرى تربوية وثالثة اجتماعيّة، لا توقَّع إلا في مقابل شروط سياسية، وفي ذلك، يقول الإمام أمير المؤمنين(ع) فيما ينسب إليه: "احتج إلى من شئت تكُن أسيره، واستغن عمّن شئت تكُن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكُن أميره". فالحاجة هي أساس الذلّ، فبمقدار ما تملك حاجاتك، تملك حرّيتك وعزّتك وتقرير مصيرك بنفسك.

لذلك، نقول لكلّ شبابنا في كلّ الأمّة الإسلاميّة: خذوا بكلّ أسباب العلم، فقد يكون واجباً أن ترتقوا في درجات العلم، لأنّ الصراع الآن ليس صراع البندقيّة فقط، بل حتى صراع البندقيّة والمدفع والصاروخ وغيرها من الأسلحة يحتاج إلى علم، وإذا لم يكن لديك علم، فإنّك لا تستطيع أن تطوّر هذه الأسلحة، فضلاً عن أن تنتجها، فنحن نحتاج إلى أمّة تنتج سلاحها، وإلى أمّة تنتج غذاءها، وإلى أمّة تنتج ما يلبّي حاجاتها، حتى تستطيع أن تكون الأمّة التي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيويّة. وبطبيعة الحال، فإننا لا يمكن أن لا نحتاج إلى أحد، لكن في الأمور الحيويّة، علينا أن نعمل وفقاً لسياسة الاكتفاء الذاتي والثقافي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي.

*من كتاب "النّدوة"، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية