أوَّل جملة نصادفها في حياتنا عندما نناقش أنفسنا أو نتناقش مع النَّاس، الجملة
التقليديّة أو الرّوتينيّة: "ليس عندي وقت".
في الواقع، هي كلمة غير واقعيَّة، لأنَّ لدينا الكثير من الوقت. هنا نطرح سؤالاً:
إذاً ما هي المشكلة؟
المشكلة هي أنّنا لا نحسن إدارة الوقت، ولا نجيد برمجة عمليَّة الوقت وإدارة
الأولويّات. نعرف أنَّ القرآن الكريم قد أقسم في سورة العصر بالعصر، والعصر يتضمَّن
الزّمن، المرحلة الزمنيّة عند الإنسان، بغضّ النظر عن التفسيرات. وعندما يقسم الله
بشيء، فإنّه دلالة على عظمة هذا الشّيء.
هذه السورة، تتضمّن برنامجاً لإدارة الأولويات: {والعصر* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
إذا دقَّقنا في الآية ودمجها في عملية التّنمية الذاتيّة وإدارة الوقت، نلاحظ أنَّ
الله عزّ وجلّ قد صنَّف المسألة التي تمنعنا من أن نكون في حالة من الخسران.
المسألة الأولى: هي الإيمان، أي الحُسن الفاعلي.
المسألة الثّانية: هي العمل الصّالح، أي الحُسن الفعلي.
المسألة الثّالثة: هي التواصي بالحقّ والتواصي بالصّبر.
وهنا مسألة جميلة جدّاً، أنَّ الله قد قدَّم الحقّ على عمليّة الصّبر، وهذه تدخل في
فقه الأولويّات وإدارة الأولويّات. لماذا؟ لأنَّ الصّبر يتطلّب جهداً، وحتى لا يذهب
هذا الجهد سدًى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً}، قام الله تعالى بتقديم مسألة الحقّ على مسألة الصبر.
من هذه السورة بالتحديد والتأمّل فيها، توصّلنا إلى مسألة الإدارة الجيّدة والذكيّة
للوقت.
هنا يوجد قاعدة مهمَّة جداً، هي قاعدة مصفوفة العاجل والهامّ. هذه المصفوفة مؤلَّفة
من أربعة مربَّعات:
1ـ الهامّ والعاجل. فكلُّ أمرٍ تصنِّفه هامّاً وعاجلاً قم به فوراً.
2ـ هامّ وغير عاجل، خذ وقتك في تنظيمه.
3ـ العاجل غير الهامّ. وهذه ناحية خطيرة، لأنّها من المسوّفات للإنسان. مثلاً، أنت
تحبّ المطالعة، لكن لست متفرِّغاً لقراءة الموسوعات، يأتي أحدهم ويبيعك موسوعة، أنت
بهذه الموسوعة التزمت بأن تدفع أقساطاً شهريّة بشكل دوريّ. الأمر غير هامّ عندك،
وليس من الأولويَّات، لكنّه أصبح عاجلاً، فأنت ملزم كلّ أوَّل الشَّهر أن تدفع هذا
القسط.
هنا ينصح بأن تتجنَّب إلزام نفسك بأمور عاجلة لكنَّها غير هامَّة، لأنها ستستنزف
جهدك، وهي على مستوى المردود قليلة جداً.
المربَّع الرّابع هو غير هامّ وغير عاجل، وهذا إمّا تضعه في أسفل اللائحة، أو تقوم
بعمليّة التفويض لغيرك.
هذه مسألة مهمَّة جداً. وقد أوصت الأحاديث الشَّريفة بأن يهتمَّ الإنسان بمسألة
الوقت، وأن يضع البرنامج الذَّكيّ لإدارة وقته، والذي يتضمَّن تجزئة الأهداف وصولاً
إلى حسن إدارة جيِّدة لعمليَّة الوقت.
ونذكر هنا أنَّ الإمام عليّاً(ع) قد قال: "نفس المرء خطاه إلى أجله"، فكلّما
تنفّسنا اقتربنا من الأجل.
وهنا أختم بقصّة مهمّة جداً عن فتى عمره 17 سنة، هذا الفتى كان وحيداً عند أهله،
وأهله بوضع غنيّ جداً، ويؤمّنون له كلّ شيء، وعيشته مرتاحة مادياً، وهذا الشخص هو
نفسه يروي قصّته بعدما أصبح كبيراً.
يقول: كنت في رحلة مع والدي على ظهر سفينة عملاقة، وكنا في رحلة سياحيّة. بعد
الغداء، أنهيت غدائي، وذهبت إلى مؤخّرة السفينة أريد أن أنظر إلى عمليَّة شقّ
المياه من قبل السّفينة. وفي الواقع، فقدت توازني، وسقطت في الماء، وأنا لا أجيد
السّباحة. أحد الأشخاص كان خمسينيّاً، ويقوم بنوعٍ من الحمَّام الشّمسي، كان يجيد
السّباحة، ذهب وضغط على جرس الإنذار ليعلم قبطان السفينة، فتوقّفت السّفينة، ونزل
وأنقذني.
تجمّع الناس، وجاء والداي، وكان عندهما نوع من الصّدمة، لكوني وحيدهما، فقام والدي،
وهو غنيّ ماديّاً، وأعطاني شيكّاً على بياض، فذهبت إلى هذا الشّخص الخمسيني لأعطيه
إيّاه كنوعٍ من المكافأة، قلت له: يا عمّ، إنَّ والدي يعطيك هذا الشّيك على بياض،
وأنت تضع المبلغ الذي تريد. قال لي: أنا لم أنقذك من أجل المال.
رجعت إلى والدي، لكنّ والدي أصرّ عليَّ أن أعطي مكافأةً لهذا الرجل الذي أنقذني.
وبعد إصرار الوالد على المكافأة، قلت للرّجل إنّ والدي يصرّ على أن تأخذ المكافأة.
وكان الجواب الذي أجابني به هذا الرّجل قد أحدث تغييراً في حياتي.
قال له: أنت مصرّ أن تكافئني! اسمع يا بني جيّداً. أنا لا أريد مبلغاً ماليّاً
كمكافأة، إنَّ أجمل مكافأة لي أن تستحقّ حياتك التي أنقذتها لك للتّوّ.
يقول إنّ هذه الكلمة أحدثت نوعاً من الصّدمة الإيجابيّة في حياتي، وشعرت بأنَّ 17
عاماً لم تكن شيئاً، كنت لا أشعر بالهدفيَّة، لا أشعر بالغاية، لا أشعر بالحافزيّة،
ولكن منذ ذلك الحين، قرَّرت أن أبدأ رحلة جديدة في الحياة، أن أتّكل على الله وعلى
نفسي، وأن أضع هدفاً في حياتي، وأن أشعر بالحافزيّة، وهكذا كان.
إنها الإدارة الذكيَّة والنَّاجحة للوقت.
*المدرّب الدولي والكاتب في شؤون الإدارة والتنمية الذاتيّة، والخبير في التّنمية
البشريّة.