كتابات
27/10/2015

حقيقة الملائكة

حقيقة الملائكة

نبقى في رحاب "نهج البلاغة". وهنا يأتي الحديث عن الملائكة وحقيقتهم وما يتَّصل بعالمهم، فالبشر يجهلون حقيقة الملائكة وتفاصيل عالمهم، حتى إنَّ الملائكة شكَّلوا موضوعاً جدليّاً بين العلماء من السنّة والشّيعة حول عصمة هذا الجنس، والبعض شطح عندما تكلَّموا عن أطوارهم.

يقول أمير المؤمنين(ع): "ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ، وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ، وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَلَا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ، وَلَا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ، وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ".

من المعلوم أنَّ الإنسان بعقله المحدود وطاقاته، عاجزٌ عن العلم بحقيقة الملائكة، وطبيعة حياتهم وأحاسيسهم؛ فهل يفرحون ويحزنون؟ وهل هم أرواحٌ وأجسامٌ أم فقط أجسام؟!

هنا في هذه الخطبة المباركة، يصف أمير المؤمنين(ع) أحوال الملائكة، فمنهم السَّاجدون، ومنهم القائمون المسبِّحون، فلا تنالهم غشوة النّوم، ولا يسهون، ولا يتعبون، ولا ينسون، ومن الملائكة من خصَّهم الله تعالى بمكرمة أن يكونوا الأمناء على الوحي، وأن يكونوا اللِّسان إلى الرّسل بتبليغ الدَّعوة والرسالة، ومنهم من أوكل إليه الله تعالى حفظ العباد بأمره من المكاره، ومنهم القائمون على أبواب الجنان.

من خلال هذه الخطبة، نتعرَّف إلى بعض الصِّفات والخصائص لهذا الجنس من المخلوقات (الملائكة). وما يهمّنا، وكما يعبّر عن ذلك الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض) وغيره من المفسّرين والعلماء، أن نقول إنّه لا ينبغي لنا إشغال أنفسنا في حقيقة هؤلاء، فهذا خارج عن حدود أفهامنا وأذواقنا، فهم لهم عالهم الخاصّ بهم، والّذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى.

فالبعض من النَّاس يتصوّر بخياله أشياء وأشياء عن الجنِّ والملائكة، ولكن كلّ ذلك مجرّد حدس وتخمين وداخل في الغيبيَّات، إذ لا وجود ومكان لهذه المسائل في العقل البشريّ، ولا هو داخل في دائرة المحسوسات أيضاً.

والغريب أنَّ هذه المواضيع كانت مثار جدلٍ بين العلماء من كلّ الطّوائف، وبعضهم شطحوا في خياله، ومضوا يبنون القصص والرّوايات، ويبقى الأهمّ أن نؤمن بالله وكتابه وبرسوله، ويجب علينا التَّسليم والإيمان بوجود الجنِّ والملائكة، وليس على المؤمن السّؤال أكثر من ذلك، فهذا لا يمتّ إلى الحياة العمليَّة بأيّة صلة، سوى ما يزيد من إيمان الإنسان وارتباطه بربِّه وتقديس عظمته.

وقد ورد عن الرّسول(ص): "إنَّ حقَّ الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون". وفي ذلك توجيه لنا أن لا ننجرف كثيراً وراء التّأويلات والتّفسيرات التي تشتّت أفكارنا دونما طائل.

وفي حديثٍ آخر: "الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيّه فيجتنب، وأمر مشكل فيردّ إلى الله ورسوله".

من هنا، علينا أن نسلِّم الأمور إلى الله تعالى، ولا نبحث في أشياء لا تصل فيها عقولنا إلى شيء محسوم، فالتَّسليم لله فيها هو خير المخارج، لما فيه من سلامة وابتعاد عن الانجراف وراء الغيب الَّذي لا يعلم طبيعته إلا الخالق تعالى.

كما علينا أن نزداد انفتاحاً وإيماناً بالله وتوكّلاً عليه وإخلاصاً له، وتقديسه على عظمته الَّتي وسعت كلَّ شيء، وعلى قدرته أن خلق غيرنا من المخلوقات، كالملائكة الَّتي لها أدوارها ووظائفها وطبيعتها، وهو الأعلم بحقائقها وماهيّتها، وهو المهيمن على عالمنا وعالمها، ومن خلق الملائكة نتعرَّف إلى عظمة الله في خلقه، لنزداد يقيناً وإيماناً وتسليماً لربِّ العالمين، وكفى بالله وكيلاً.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

نبقى في رحاب "نهج البلاغة". وهنا يأتي الحديث عن الملائكة وحقيقتهم وما يتَّصل بعالمهم، فالبشر يجهلون حقيقة الملائكة وتفاصيل عالمهم، حتى إنَّ الملائكة شكَّلوا موضوعاً جدليّاً بين العلماء من السنّة والشّيعة حول عصمة هذا الجنس، والبعض شطح عندما تكلَّموا عن أطوارهم.

يقول أمير المؤمنين(ع): "ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ، وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ، وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَلَا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ، وَلَا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ، وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ".

من المعلوم أنَّ الإنسان بعقله المحدود وطاقاته، عاجزٌ عن العلم بحقيقة الملائكة، وطبيعة حياتهم وأحاسيسهم؛ فهل يفرحون ويحزنون؟ وهل هم أرواحٌ وأجسامٌ أم فقط أجسام؟!

هنا في هذه الخطبة المباركة، يصف أمير المؤمنين(ع) أحوال الملائكة، فمنهم السَّاجدون، ومنهم القائمون المسبِّحون، فلا تنالهم غشوة النّوم، ولا يسهون، ولا يتعبون، ولا ينسون، ومن الملائكة من خصَّهم الله تعالى بمكرمة أن يكونوا الأمناء على الوحي، وأن يكونوا اللِّسان إلى الرّسل بتبليغ الدَّعوة والرسالة، ومنهم من أوكل إليه الله تعالى حفظ العباد بأمره من المكاره، ومنهم القائمون على أبواب الجنان.

من خلال هذه الخطبة، نتعرَّف إلى بعض الصِّفات والخصائص لهذا الجنس من المخلوقات (الملائكة). وما يهمّنا، وكما يعبّر عن ذلك الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض) وغيره من المفسّرين والعلماء، أن نقول إنّه لا ينبغي لنا إشغال أنفسنا في حقيقة هؤلاء، فهذا خارج عن حدود أفهامنا وأذواقنا، فهم لهم عالهم الخاصّ بهم، والّذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى.

فالبعض من النَّاس يتصوّر بخياله أشياء وأشياء عن الجنِّ والملائكة، ولكن كلّ ذلك مجرّد حدس وتخمين وداخل في الغيبيَّات، إذ لا وجود ومكان لهذه المسائل في العقل البشريّ، ولا هو داخل في دائرة المحسوسات أيضاً.

والغريب أنَّ هذه المواضيع كانت مثار جدلٍ بين العلماء من كلّ الطّوائف، وبعضهم شطحوا في خياله، ومضوا يبنون القصص والرّوايات، ويبقى الأهمّ أن نؤمن بالله وكتابه وبرسوله، ويجب علينا التَّسليم والإيمان بوجود الجنِّ والملائكة، وليس على المؤمن السّؤال أكثر من ذلك، فهذا لا يمتّ إلى الحياة العمليَّة بأيّة صلة، سوى ما يزيد من إيمان الإنسان وارتباطه بربِّه وتقديس عظمته.

وقد ورد عن الرّسول(ص): "إنَّ حقَّ الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون". وفي ذلك توجيه لنا أن لا ننجرف كثيراً وراء التّأويلات والتّفسيرات التي تشتّت أفكارنا دونما طائل.

وفي حديثٍ آخر: "الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيّه فيجتنب، وأمر مشكل فيردّ إلى الله ورسوله".

من هنا، علينا أن نسلِّم الأمور إلى الله تعالى، ولا نبحث في أشياء لا تصل فيها عقولنا إلى شيء محسوم، فالتَّسليم لله فيها هو خير المخارج، لما فيه من سلامة وابتعاد عن الانجراف وراء الغيب الَّذي لا يعلم طبيعته إلا الخالق تعالى.

كما علينا أن نزداد انفتاحاً وإيماناً بالله وتوكّلاً عليه وإخلاصاً له، وتقديسه على عظمته الَّتي وسعت كلَّ شيء، وعلى قدرته أن خلق غيرنا من المخلوقات، كالملائكة الَّتي لها أدوارها ووظائفها وطبيعتها، وهو الأعلم بحقائقها وماهيّتها، وهو المهيمن على عالمنا وعالمها، ومن خلق الملائكة نتعرَّف إلى عظمة الله في خلقه، لنزداد يقيناً وإيماناً وتسليماً لربِّ العالمين، وكفى بالله وكيلاً.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية