لا نزال نعرض مجموعةً من الأسئلة والأجوبة الّتي طرحت على العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، بما يتعلّق بالشّعائر الحسينيَّة وبعض العناوين الأخرى المتّصلة بها. وتعميماً للفائدة، نورد هذه الأجوبة الّتي توضح بعض الإشكالات المثارة في الأوساط العامَّة والخاصَّة.
ومن هذه الأسئلة المهمّة، ما كان وُجِّه إلى سماحته(رض) حول المصلحة من إثارة مسألة التّطبير من قبلهِ ومن قِبَل السيّد الخامنئي، فأوضح حيثيَّة المسألة وآراء الكثير من العلماء والجدل بينهم وما أفتوا به، وهذا جوابه:
"في الواقع أنَّنا لسنا أوَّل من أثار المسألة، فالسيّد محسن الأمين أثارها بطريقة علميَّة، وكانت الغوغاء قد أثارت الموضوع ضدّه، ولم يردّوا عليه بشكلٍ علميّ، والسيّد أبو الحسن الأصفهاني (رحمة الله عليه) وقف مع السيّد محسن الأمين، والسيد مهدي القزويني في البصرة، والسيّد البروجردي في أحاديثه الخاصَّة، والسيّد الخميني كذلك، فلسنا أوّل النّاس في ذلك.
فحتى السيد الخوئي كان يفتي بحرمتها في كتاب "المسائل الشرعيّة" التي نشرتها الجماعة الإسلاميّة في أميركا وكندا، فلقد سُئِل عن التَّطبير وضرب السلاسل، هل يجوز؟ فقال: إذا أوجب هتك حرمة المذهب فلا يجوز، قالوا: كيف ذاك؟ قال: إذا أوجب سخرية النّاس الآخرين..
فنحن نشعر بأنَّ هذا يمثّل مظهر تخلّفٍ في الوجه الشّيعيّ الإسلاميّ، ونحن نشعر بأنَّ من واجبنا أن نفتي بذلك، ونحن نعرف أنّنا سنواجه التخلّف والعواطف الثّائرة، ونحن مستعدّون لمواجهتها بكلِّ قوّة وصلابة.. فقد دار جدلٌ فقهيّ بين العلماء حول المسألة؛ هل إنَّ الإضرار بالنّفس محرَّم في ذاته حتى لو لم يؤدِّ إلى التّهلكة، أو أنّ الإضرار بالنفس ليس محرَّماً إلا إذا أدّى إلى التهلكة؟ هناك رأي يقول إنَّ الإضرار بالنّفس محرَّم إلا إذا كانت هناك مصلحة، لذلك، فلا يجوز أن تضرب رأسك تحت أيّ اعتبار، كما لا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك، حتى لو لم يؤدِّ ذلك إلى التهلكة، وحسب هذا الرأي، لا يمكن أن يتحوّل الإضرار بالنّفس إلى شعار، فلا بدَّ للشّعار من أن يكون حلالاً في ذاته، وعلى ذلك، فإنَّ مسألة الإضرار بالنّفس محرّمة حتى لو لم تؤدِّ إلى التّهلكة، لأنَّ المسألة عقلانيَّة، ذلك أنَّ الإضرار بالنّفس قبيح عقلاً..".
وكان قد سُئِل حول رأيه في المواكب الحسينيَّة، فقال: "إنَّ رأينا في هذا المسألة هو أنّ من الضَّروريّ أن تبقى القضيَّة الحسينيَّة متحركةً في التّعبئة الجماهيريَّة الواسعة بكلِّ الوسائل التعبويَّة، لأنَّ القضيَّة الحسينيَّة كالقضيَّة الإسلاميَّة، لا بدَّ من أن يتزاوج فيها العقل والعاطفة..
وعلى ضوء هذا، فإنَّنا نعتقد أنَّ المواكب الحسينيَّة بكلِّ أشكالها المشروعة ضرورة، كما أنَّ البكاء يعتبر حالة إنسانيَّة طبيعيّة لا بدَّ من أن نثيرها بالوسائل الّتي يمكن للإنسان أن يتأثّر بها، ونقول إنّه يمكن للإنسان أن يلطم بحسب ولائه وبحسب محبَّته، لكن بشرط أن لا يكون اللّطم مضرّاً بالجسد، بحيث يدمي الجسد"..
ويلفت سماحته(رض) إلى أهميَّة تحديث وسائل التَّعبير عن قضيَّة الإمام الحسين، ففي جوابه عن سؤال حول ذلك، يقول: "يجب أن ندخل قضيّة الإمام الحسين(ع) إلى المسرح الحديث، ولا بدّ من أن نبحث عن مخرجين وممثّلين من الدّرجة الأولى، بحيث يصوّرون لنا عمق الواقعة وروحيَّتها، حتى إذا قدَّمناها إلى العالم، فإنهم يعرفون ما هي قضيَّة الحسين.. فلكلِّ عصرٍ أساليبه في التّعبير، ولكلّ عصرٍ وسائله التعبيريَّة الخاصَّة، فلا نكتفي بالعاطفة وحدها وإنما نطوّرها، فهذا الجيل الَّذي سيتعلَّم في الجامعة، يجب أن نقنعه بطريقة عقليَّة..
إنَّنا نعتبر أنفسنا المسؤولين عن الإسلام والتشيّع، ومن يرد أن يتكلَّم فليتكلَّم، فنحن تراب أقدام أمير المؤمنين الَّذي سبّوه سبعين سنة على المنابر، وأنا أرى أنَّ من واجبي أن أبيّن القضايا التي تجسّد الإسلام المشرق وخطّ أهل البيت المشرق، وليرض من يرضى وليغضب من يغضب".
ويُسأل سماحته(رض) عن معنى قول الإمام زين العابدين(ع): "أنت فاهمة غير مفهّمة، وعالمة غير معلّمة"؟ فيجيب:
"من الطَّبيعي أنَّ زينب(ع) لم تدخل المدرسة بالمعنى التَّقليديّ للمدرسة، لكنَّها عاشت مع أمِّها الكثير من أجواء المدرسة الإسلاميَّة الأولى الَّتي كانت تتنفَّسها وكانت تعيشها، وكانت تتعلَّم منها، وعاشت في مدرسة عليّ(ع)، وفي مدرسة الحسن والحسين(ع)، كانت عالمةً لم تتعلَّم بالطريقة التقليديَّة، ولكن كان بيتها موضع الرّسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم والوحي والتّنزيل، وما من مدرّس أعظم من هؤلاء!".
وسُئِل سماحته(رض) عن الخلاف حول مكان قبر السيّدة زينب(ع)، فأجاب: "أتمنى أن يختلف النّاس حول قبر السيّدة زينب ليكون لنا آلاف المراقد، لأنَّ القبر ليس مجرّد مكان يدفن فيه الإنسان، ولكنَّه رمزٌ يذكّرنا به، وليست مشكلتنا أين دفنت زينب(ع)، ولكنّ مشكلتنا أين تعيش السيّدة زينب فينا؟ ليكن قبرها في الشّام، وليكن قبرها في مصر، وليكن قبرها في المدينة، إنّنا نستوحيها ولا نستوحي قبرها".["النّدوة"، ج 1، ص 456، 466].