كتابات
20/09/2015

المرجع فضل الله(رض): الحجُّ مؤتمرٌ إسلاميّ

المرجع فضل الله(رض): الحجُّ مؤتمرٌ إسلاميّ

الحجّ في أجوائه وإيحاءاته الروحيَّة والعباديَّة، يضع المسلم في موقعٍ يشعر فيه بالعزّة والكرامة، ويشعر فيه بالقوَّة والمناعة، وأنّه ليس إنساناً وحيداً وضعيفاً يعيش على جزيرةٍ منعزلةٍ عن الآخرين، بل على العكس، إنّه جزء من عالمٍ إسلاميٍّ ومجتمعٍ إسلاميٍّ كبير، يهتمّ لشؤونه، ويقف معه في محنته، ويساند قضاياه العامَّة، ويساهم في تعزيز مسيرته.

إنَّ الحجَّ هو الاجتماع الإنسانيّ الكبير، حيث القلوب تتلاقى مع القلوب، فتشعر بالألفة والمحبَّة والوحدة، والعقول تتلاقى مع العقول، لتفكِّر في الحاضر، ولتفكِّر في المستقبل، ولتفكِّر كيف تصنع غداً مشرقاً ومنيعاً للمسلمين وللإنسانيَّة.

إنَّه مؤتمر الألفة، حيث التطهّر من الأنانيَّات والمصالح الفرديّة والجهويّة، إذ لا يمكن للإنسان أن يقصد الله تعالى، ولديه العصبيَّة والأنانيَّة والحسابات والطموحات الضيِّقة، ولا يمكن للإنسان أن يقصد الله تعالى، وهو لا يحمل في قلبه المودّة والرّحمة للآخرين وللنّاس من حوله، ولا يعطي من قوَّته قوّةً للضّعفاء والمحتاجين.

عندما ينظر الإنسان إلى هذه الجموع الغفيرة الآتية من أقاصي الأرض مجتمعةً على كلمة التّوحيد والإخلاص، يشعر بأنّه جزء من هذا العالم الإسلاميّ الكبير، حيث تذوب كلّ الفروقات المذهبيَّة والطائفيَّة، وتلغى كلّ الحواجز التي تحاول إعاقة الإنسان في وجوده ومسيرته.

فعندما تجتمع الطّاقات كلّها، ما عليها سوى أن تأخذ من بعضها البعض، وأن تستفيد من بعضها البعض، فعندها يكون المسلمون أقوياء بتعاونهم وتضامنهم وتكافلهم، فلا يفكِّر المسلم في دائرته الضيّقة، بل يفكّر على مستوى عالمه الكبير، وما على المسلمين هناك سوى أن ينفتحوا على بعضهم البعض، وأن يشعروا بقوّة بعضهم البعض، ويستمعوا إلى صوت القرآن الّذي يناديهم ليكونوا أمّةً وسطاً، ويكونوا شهداء على النّاس في رفع لواء التّوحيد، وفي وحدتهم وتوادّهم وتراحمهم، في وحدتهم السياسيّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وأن يكونوا المهاجرين فعلاً إلى الله، هجرةً حقيقيّةً يتركون فيها التعلُّق بالأنانيّات والحسابات والعصبيّات، ويرفضون كلّ ما من شأنه أن يجمِّد معنى عبادتهم، ويقتصر بها على الشَّكليّات والطقوس، بل أن تكون عبادتهم مليئةً بالنّضج والعمق والالتزام بخطِّ الله بوعي ومسؤوليَّة.

وعن الحجّ ودلالاته، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "وفي الحجّ مؤتمر إسلاميّ يجتمع فيه النّاس من أقصى العالم الإسلاميّ... والعالم الإسلاميّ لا يعرف الكثير من قضايا بعضه البعض، فمن في الصّين وأفريقيا وأندونسيا والهند من المسلمين، قد لا يعرفون الكثير من قضايانا، وقد لا نعرف الكثير من قضاياهم.. لذا أراد الله تعالى من الحجّ أن يجمعهم ليتعارفوا ويتآلفوا، وليحاولوا أن يعرضوا كلَّ قضاياهم هناك، وليشعر الشَّعب الضَّعيف من المسلمين ـ عندما يرى الشّعوب الأخرى من بلاده كثيرة ـ أنّه ليس ضعيفاً، لأنَّه جزءٌ من عالمٍ إسلاميّ كبير.. وليحاول كلّ بلدٍ مسلمٍ متقدّمٍ أن يعطي تجربته للبلدان المسلمة الواقعة تحت الطغيان والاستعمار دون أن تعرف ماذا تصنع.. أراد الله تعالى من الحجّ أن يشعر كلّ بلدٍ مسلم بأنَّ الإسلام يمكن أن يتحوَّل إلى قوّة عالميَّة كبيرة، لأنَّ ضعف المسلمين في وعيهم للإسلام، وضعفهم أمام مطالبتهم بحكم الإسلام للعالم، ناتج من أنَّ كلّ مسلمٍ يفكّر ضمن دائرته الضيّقة"..

ويتابع: "... لذلك، أراد للمسلمين أن يتعبَّدوه هناك، وفرض أن لا يخلو منهم البيت الحرام في كلِّ سنة، حتى إنَّ التَّشريع الإسلاميَّ يقول لك ولأولي الأمر: إذا مرَّت سنة ولم يوجد هناك مستطيع، فعلى وليّ الأمر أن يدفع من بيت المال حتى يحصل الحجّ ولا ينقطع سنة واحدة.. وإذا امتنع النّاس عن الحجّ وهم قادرون على ذلك، فعلى الوالي أن يجبرهم، ولو بالسّوط، لأنَّ الله تعالى لا يريد لبيته أن يخلو سنة واحدة من المسلمين، ويريد للمسلمين أن يلتقوا فيه ليشعروا بأنَّ هناك ما يوحِّدهم ويجمعهم، وليشعروا بأنَّ باستطاعتهم أن يتوحَّدوا في حياتهم كما توحَّدوا في عبادتهم.. وليشعروا بأنَّهم يستطيعون أن يتوحَّدوا في مواقفهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة كما توحَّدوا في موقفهم بعرفات.. الوحدة هنا نموذج مصغَّر للوحدة العالميَّة للمسلمين، ولهذا أراد الله لهم أن يطرحوا أيَّ شيء في الحج".[كتاب من أجل الإسلام، ص 245 ـ 247].

من هنا، لا بدَّ من الوعي الدّائم لآفاق العبادة ومضمونها، والَّتي تريد للإنسان أن يسمو بها، ويحوِّل واقعه إلى حجٍّ دائمٍ وسعيٍ دائم في سبيل المنفعة، وفي سبيل نشر القيم الإسلاميّة الحركيّة الّتي تجعل من الإنسان عبداً صالحاً ومخلصاً لله تعالى.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

الحجّ في أجوائه وإيحاءاته الروحيَّة والعباديَّة، يضع المسلم في موقعٍ يشعر فيه بالعزّة والكرامة، ويشعر فيه بالقوَّة والمناعة، وأنّه ليس إنساناً وحيداً وضعيفاً يعيش على جزيرةٍ منعزلةٍ عن الآخرين، بل على العكس، إنّه جزء من عالمٍ إسلاميٍّ ومجتمعٍ إسلاميٍّ كبير، يهتمّ لشؤونه، ويقف معه في محنته، ويساند قضاياه العامَّة، ويساهم في تعزيز مسيرته.

إنَّ الحجَّ هو الاجتماع الإنسانيّ الكبير، حيث القلوب تتلاقى مع القلوب، فتشعر بالألفة والمحبَّة والوحدة، والعقول تتلاقى مع العقول، لتفكِّر في الحاضر، ولتفكِّر في المستقبل، ولتفكِّر كيف تصنع غداً مشرقاً ومنيعاً للمسلمين وللإنسانيَّة.

إنَّه مؤتمر الألفة، حيث التطهّر من الأنانيَّات والمصالح الفرديّة والجهويّة، إذ لا يمكن للإنسان أن يقصد الله تعالى، ولديه العصبيَّة والأنانيَّة والحسابات والطموحات الضيِّقة، ولا يمكن للإنسان أن يقصد الله تعالى، وهو لا يحمل في قلبه المودّة والرّحمة للآخرين وللنّاس من حوله، ولا يعطي من قوَّته قوّةً للضّعفاء والمحتاجين.

عندما ينظر الإنسان إلى هذه الجموع الغفيرة الآتية من أقاصي الأرض مجتمعةً على كلمة التّوحيد والإخلاص، يشعر بأنّه جزء من هذا العالم الإسلاميّ الكبير، حيث تذوب كلّ الفروقات المذهبيَّة والطائفيَّة، وتلغى كلّ الحواجز التي تحاول إعاقة الإنسان في وجوده ومسيرته.

فعندما تجتمع الطّاقات كلّها، ما عليها سوى أن تأخذ من بعضها البعض، وأن تستفيد من بعضها البعض، فعندها يكون المسلمون أقوياء بتعاونهم وتضامنهم وتكافلهم، فلا يفكِّر المسلم في دائرته الضيّقة، بل يفكّر على مستوى عالمه الكبير، وما على المسلمين هناك سوى أن ينفتحوا على بعضهم البعض، وأن يشعروا بقوّة بعضهم البعض، ويستمعوا إلى صوت القرآن الّذي يناديهم ليكونوا أمّةً وسطاً، ويكونوا شهداء على النّاس في رفع لواء التّوحيد، وفي وحدتهم وتوادّهم وتراحمهم، في وحدتهم السياسيّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وأن يكونوا المهاجرين فعلاً إلى الله، هجرةً حقيقيّةً يتركون فيها التعلُّق بالأنانيّات والحسابات والعصبيّات، ويرفضون كلّ ما من شأنه أن يجمِّد معنى عبادتهم، ويقتصر بها على الشَّكليّات والطقوس، بل أن تكون عبادتهم مليئةً بالنّضج والعمق والالتزام بخطِّ الله بوعي ومسؤوليَّة.

وعن الحجّ ودلالاته، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "وفي الحجّ مؤتمر إسلاميّ يجتمع فيه النّاس من أقصى العالم الإسلاميّ... والعالم الإسلاميّ لا يعرف الكثير من قضايا بعضه البعض، فمن في الصّين وأفريقيا وأندونسيا والهند من المسلمين، قد لا يعرفون الكثير من قضايانا، وقد لا نعرف الكثير من قضاياهم.. لذا أراد الله تعالى من الحجّ أن يجمعهم ليتعارفوا ويتآلفوا، وليحاولوا أن يعرضوا كلَّ قضاياهم هناك، وليشعر الشَّعب الضَّعيف من المسلمين ـ عندما يرى الشّعوب الأخرى من بلاده كثيرة ـ أنّه ليس ضعيفاً، لأنَّه جزءٌ من عالمٍ إسلاميّ كبير.. وليحاول كلّ بلدٍ مسلمٍ متقدّمٍ أن يعطي تجربته للبلدان المسلمة الواقعة تحت الطغيان والاستعمار دون أن تعرف ماذا تصنع.. أراد الله تعالى من الحجّ أن يشعر كلّ بلدٍ مسلم بأنَّ الإسلام يمكن أن يتحوَّل إلى قوّة عالميَّة كبيرة، لأنَّ ضعف المسلمين في وعيهم للإسلام، وضعفهم أمام مطالبتهم بحكم الإسلام للعالم، ناتج من أنَّ كلّ مسلمٍ يفكّر ضمن دائرته الضيّقة"..

ويتابع: "... لذلك، أراد للمسلمين أن يتعبَّدوه هناك، وفرض أن لا يخلو منهم البيت الحرام في كلِّ سنة، حتى إنَّ التَّشريع الإسلاميَّ يقول لك ولأولي الأمر: إذا مرَّت سنة ولم يوجد هناك مستطيع، فعلى وليّ الأمر أن يدفع من بيت المال حتى يحصل الحجّ ولا ينقطع سنة واحدة.. وإذا امتنع النّاس عن الحجّ وهم قادرون على ذلك، فعلى الوالي أن يجبرهم، ولو بالسّوط، لأنَّ الله تعالى لا يريد لبيته أن يخلو سنة واحدة من المسلمين، ويريد للمسلمين أن يلتقوا فيه ليشعروا بأنَّ هناك ما يوحِّدهم ويجمعهم، وليشعروا بأنَّ باستطاعتهم أن يتوحَّدوا في حياتهم كما توحَّدوا في عبادتهم.. وليشعروا بأنَّهم يستطيعون أن يتوحَّدوا في مواقفهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة كما توحَّدوا في موقفهم بعرفات.. الوحدة هنا نموذج مصغَّر للوحدة العالميَّة للمسلمين، ولهذا أراد الله لهم أن يطرحوا أيَّ شيء في الحج".[كتاب من أجل الإسلام، ص 245 ـ 247].

من هنا، لا بدَّ من الوعي الدّائم لآفاق العبادة ومضمونها، والَّتي تريد للإنسان أن يسمو بها، ويحوِّل واقعه إلى حجٍّ دائمٍ وسعيٍ دائم في سبيل المنفعة، وفي سبيل نشر القيم الإسلاميّة الحركيّة الّتي تجعل من الإنسان عبداً صالحاً ومخلصاً لله تعالى.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية