رعاية المسنّين.. بين الدَّعم والاحتضان

رعاية المسنّين.. بين الدَّعم والاحتضان

المسنّون هم آباؤنا وأمّهاتنا الّذين وصلوا إلى عمر باتوا بحاجة إلينا، إلى دعمنا واحتضاننا وحبّنا ورعايتنا، بعد أن قاموا بأكثر ممّا عليهم طوال عمرهم تجاهنا، وأدّوا ما عليهم من مسؤوليّة وأكثر، وتحمّلوا منّا ما لا يتحمّله أحد غيرهم، وأوصلونا إلى ما نحن عليه..

من حقّهم وهم يعيشون العمر المتقدّم، أن نكون إلى جانبهم، أن نشعرهم بالرّعاية والحبّ والاهتمام، أن لا نتركهم يعيشون الوحدة والحزن...

موقع بيّنات، أجرى هذا الحوار مع أستاذ علم النّفس الاجتماعي، الدّكتور محمّد أيّوب الشّحيمي، حول وضع المسنّ، ومسوؤليّة المحيط تجاهه. وهذا نصّ الحوار:

***

الحاجة إلى الدّعم

س: ماذا ينتظر المسنّ نفسياً من محيطه العائلي؟

ج: بطبيعة الحال، الحاجة إلى الدعم النفسي، هي ضرورة لجميع المراحل العمريّة؛ مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة. الإنسان طالما هو في حالة حياة، هو بحاجة إلى دعم، ولكن يختلف أسلوب هذا الدّعم من مرحلة إلى أخرى.

بدايةً، أوجّه الحديث إلى المحيطين بالمسنّ، لأقول لهم إنّ الشيخوخة ليست عارضاً أو مرضاً أو حالة نفسيّة أو مرضيّة أو اجتماعيّة. نحن جميعنا مسنون مع وقف التنفيذ، نحن سائرون وصائرون إلى الشّيخوخة الأولى، هذه المرحلة لها مواصفاتها الخاصّة، نتيجة الضعف ونتيجة الخوف ونتيجة القلق ممّا هو أصعب من ذلك.. فكلّما تقدم المسنّ بالعمر، شعر بالقلق أكثر، وبالخوف أكثر، وبالضّعف أكثر.

هذه المكوّنات كلّها توحي بالتشاؤم. فمن أجل ذلك، يقتضي على المحيطين بالمسنّ؛ الأولاد والإخوة والأخوات والمجتمع، أن يعطي هذا المسن تعويضاً عن هذا الضعف، وعن هذا الشعور بالإحباط الذي يعتريه. ما هو هذا التعويض؟ هو الحبّ، العطف، التقدير، والرعاية، ولا يجب أن يشعر هذا المسنّ بأنه هو مريض ومنبوذ.

سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، عندما قدمت له كتاباً كتبته عن المسنين، وقبل أن يفتح الكتاب، أشاد باختيار الموضوع.

موضوع المسنين لم يلق حتى تاريخنا العناية اللازمة، حتى المثقفون، بكل أسف، إذا ما تحدثوا عن الشيخوخة أو عن المسنين، يتحدثون عن شريحة من الناس هي أشبه بشريحة المعوَّقين أو المرضى، والواقع ليس كذلك..

قلت وأكرّر، نحن جميعاً مسنون مع وقف التنفيذ.

إذاً، هذا الدّعم هو حقّ لهم، وإضافةً إلى ذلك، هذه الخبرة التراكمية من تجارب العمر والاختبارات، منها ما نجح ومنها ما أخفق، ومنها ما كان سبباً في سعادة... يجب أن يستثمرها الأبناء والأجيال القادمة.

بكلّ أسف، نحن أمام أمرين خطيرين نحذّر منهما، وهما النظر إلى المسنّ على أنه حالة مرضية، والأمر الثاني هي النظرة الّتي تعتري شبابنا اليوم، وهي النظر إلى كلّ ما هو قديم بأنه "دقّة قديمة"، أو "موضة باطلة"، أو "عملة باطلة". الواقع ليس كذلك.. أناشدهم بكتاب الله، وبالأخلاق وبالمجتمع وبالوطنيّة، أوروبا عندما نهضت، لم تلغ القديم، أبقت على الأدب اللاتيني، أبقت حتى على العمارة كذخيرة لتنطلق فيها من جديد.. نحن لا ندعو الشباب إلى العودة إلى الوراء، وأن يتركوا التكنولوجيا أبداً، ولكنّنا نحذّر من إلغاء القديم، لأنه قد يشمل القيم والدين والأخلاق والاجتماعيات، وهذا ما بدأنا نشهده اليوم في منازلنا جميعاً.. هذا ما نحذِّر منه وما نرجو استثماره من المسنّين.

تغيّر النّظرة إلى المسنّ؟!

س: هل هناك تقصير من المجتمع بحقّ المسنّ؟ وهل تغيرت النظرة إلى المسنّ عما كانت إليه سابقاً، عندما كان للمسنّ صدر الجلسات؟ وما هو السبب في رأيكم؟

ج: دعينا نربط بين العولمة والنظرة إلى المسنّين والنظرة إلى الأسرة.

هذه العولمة التي زيّن لنا الكثير من إيجابياتها، ومن أنها ستدخلنا في جنة الفردوس، ثبت لنا أن فيها من المخاطر ما يشيب له رأس الغلام. من هذه المخاطر التي حملتها العولمة أو النظام العالمي الجديد، هي النظرة إلى الأسرة؛ لم تعد الأسرة التي كنا نحسد من قبل الغرب عليها، الأسرة الصغرى والممتدّة، وهذه معروفة بعلم الاجتماع، أن الأسرة الصغرى تشمل الزوج والزوجة والأبناء، والكبرى تشمل العموم والأخوال والأجداد والعائلة ككلّ..

نحن اليوم نخسر هذه الأسرة، ولم نعد نلتفت إلى المسنّين. هذا القول في الماضي يقال اليوم عكسه، كان يقال: "الكبار هم ذخيرة هم بركة هم الخير هم العطاء"، أصبح ينظر إليهم على أنهم عملة بطل تداولها، وهذا أمر مخيف.

يجب الالتفات إلى النوادي أو المصحات النفسية أو المراكز، مهما جمِّلت هذه الأسماء، فهي تترك أثرا كبيراً في نفس المسنّ.. دار العجزة، دار المسنين، إلى ما هنالك، ثبت أنها تترك في نفوس المسنين آلاماً مبرحة، بحيث يغادرون هذه الحياة والجراحات ترافقهم إلى ما بعد الموت.

أجريت تجربة في أوروبا، وهم معروفون بأنهم رواد في مسألة رعاية المسنّين، وأصبح الأمر عادياً بأنّ الأب أو الأمّ عندما يصلان إلى مرحلة معينة من العمر، نرسلهم إلى الدار، ويقدم لهم جميع ما يريدون، وأكثر من المأكل والمشرب والعلاج الطبي والرحلات، كل الأمور والترفيه.

قام علماء النفس بدراسة هؤلاء المسنين، وجد أن الغالبية العظمى منهم مصابون بالخواء النفسي، وأنّهم يائسون حزينون مقهورون يبكون.. نحن عملنا كل ذلك لإسعاد هذه الشريحة، فما الذي يحدث؟ استنتجوا أن الحياة الأسرية لا بديل لها.

قاموا بعدها بإكمال الدراسة، بأن أعلنوا للعائلات أنّ بإمكانهم أن يتبنوا مسنّاً مقابل دعم مالي معيّن.. وزع قسم من هؤلاء نزلاء على العائلة، وأجري اختبار آخر، فوجد أن منسوب التفاؤل ارتفع إلى حدّ بعيد، وهذا يذكّرنا بآيات القرآن الكريم، وهي كثيرة: {وبالوالدين إحسان}، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِير}...

دفقٌ من الآيات الرائعة التي توصي بالمسنّين، وباحتضان المسن في بيته ورعايته، وهذا لا يحجب دور الدولة طبعاً، فهناك حالات لا يمكن احتواؤها في الأسر

المسنّون هم آباؤنا وأمّهاتنا الّذين وصلوا إلى عمر باتوا بحاجة إلينا، إلى دعمنا واحتضاننا وحبّنا ورعايتنا، بعد أن قاموا بأكثر ممّا عليهم طوال عمرهم تجاهنا، وأدّوا ما عليهم من مسؤوليّة وأكثر، وتحمّلوا منّا ما لا يتحمّله أحد غيرهم، وأوصلونا إلى ما نحن عليه..

من حقّهم وهم يعيشون العمر المتقدّم، أن نكون إلى جانبهم، أن نشعرهم بالرّعاية والحبّ والاهتمام، أن لا نتركهم يعيشون الوحدة والحزن...

موقع بيّنات، أجرى هذا الحوار مع أستاذ علم النّفس الاجتماعي، الدّكتور محمّد أيّوب الشّحيمي، حول وضع المسنّ، ومسوؤليّة المحيط تجاهه. وهذا نصّ الحوار:

***

الحاجة إلى الدّعم

س: ماذا ينتظر المسنّ نفسياً من محيطه العائلي؟

ج: بطبيعة الحال، الحاجة إلى الدعم النفسي، هي ضرورة لجميع المراحل العمريّة؛ مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة. الإنسان طالما هو في حالة حياة، هو بحاجة إلى دعم، ولكن يختلف أسلوب هذا الدّعم من مرحلة إلى أخرى.

بدايةً، أوجّه الحديث إلى المحيطين بالمسنّ، لأقول لهم إنّ الشيخوخة ليست عارضاً أو مرضاً أو حالة نفسيّة أو مرضيّة أو اجتماعيّة. نحن جميعنا مسنون مع وقف التنفيذ، نحن سائرون وصائرون إلى الشّيخوخة الأولى، هذه المرحلة لها مواصفاتها الخاصّة، نتيجة الضعف ونتيجة الخوف ونتيجة القلق ممّا هو أصعب من ذلك.. فكلّما تقدم المسنّ بالعمر، شعر بالقلق أكثر، وبالخوف أكثر، وبالضّعف أكثر.

هذه المكوّنات كلّها توحي بالتشاؤم. فمن أجل ذلك، يقتضي على المحيطين بالمسنّ؛ الأولاد والإخوة والأخوات والمجتمع، أن يعطي هذا المسن تعويضاً عن هذا الضعف، وعن هذا الشعور بالإحباط الذي يعتريه. ما هو هذا التعويض؟ هو الحبّ، العطف، التقدير، والرعاية، ولا يجب أن يشعر هذا المسنّ بأنه هو مريض ومنبوذ.

سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، عندما قدمت له كتاباً كتبته عن المسنين، وقبل أن يفتح الكتاب، أشاد باختيار الموضوع.

موضوع المسنين لم يلق حتى تاريخنا العناية اللازمة، حتى المثقفون، بكل أسف، إذا ما تحدثوا عن الشيخوخة أو عن المسنين، يتحدثون عن شريحة من الناس هي أشبه بشريحة المعوَّقين أو المرضى، والواقع ليس كذلك..

قلت وأكرّر، نحن جميعاً مسنون مع وقف التنفيذ.

إذاً، هذا الدّعم هو حقّ لهم، وإضافةً إلى ذلك، هذه الخبرة التراكمية من تجارب العمر والاختبارات، منها ما نجح ومنها ما أخفق، ومنها ما كان سبباً في سعادة... يجب أن يستثمرها الأبناء والأجيال القادمة.

بكلّ أسف، نحن أمام أمرين خطيرين نحذّر منهما، وهما النظر إلى المسنّ على أنه حالة مرضية، والأمر الثاني هي النظرة الّتي تعتري شبابنا اليوم، وهي النظر إلى كلّ ما هو قديم بأنه "دقّة قديمة"، أو "موضة باطلة"، أو "عملة باطلة". الواقع ليس كذلك.. أناشدهم بكتاب الله، وبالأخلاق وبالمجتمع وبالوطنيّة، أوروبا عندما نهضت، لم تلغ القديم، أبقت على الأدب اللاتيني، أبقت حتى على العمارة كذخيرة لتنطلق فيها من جديد.. نحن لا ندعو الشباب إلى العودة إلى الوراء، وأن يتركوا التكنولوجيا أبداً، ولكنّنا نحذّر من إلغاء القديم، لأنه قد يشمل القيم والدين والأخلاق والاجتماعيات، وهذا ما بدأنا نشهده اليوم في منازلنا جميعاً.. هذا ما نحذِّر منه وما نرجو استثماره من المسنّين.

تغيّر النّظرة إلى المسنّ؟!

س: هل هناك تقصير من المجتمع بحقّ المسنّ؟ وهل تغيرت النظرة إلى المسنّ عما كانت إليه سابقاً، عندما كان للمسنّ صدر الجلسات؟ وما هو السبب في رأيكم؟

ج: دعينا نربط بين العولمة والنظرة إلى المسنّين والنظرة إلى الأسرة.

هذه العولمة التي زيّن لنا الكثير من إيجابياتها، ومن أنها ستدخلنا في جنة الفردوس، ثبت لنا أن فيها من المخاطر ما يشيب له رأس الغلام. من هذه المخاطر التي حملتها العولمة أو النظام العالمي الجديد، هي النظرة إلى الأسرة؛ لم تعد الأسرة التي كنا نحسد من قبل الغرب عليها، الأسرة الصغرى والممتدّة، وهذه معروفة بعلم الاجتماع، أن الأسرة الصغرى تشمل الزوج والزوجة والأبناء، والكبرى تشمل العموم والأخوال والأجداد والعائلة ككلّ..

نحن اليوم نخسر هذه الأسرة، ولم نعد نلتفت إلى المسنّين. هذا القول في الماضي يقال اليوم عكسه، كان يقال: "الكبار هم ذخيرة هم بركة هم الخير هم العطاء"، أصبح ينظر إليهم على أنهم عملة بطل تداولها، وهذا أمر مخيف.

يجب الالتفات إلى النوادي أو المصحات النفسية أو المراكز، مهما جمِّلت هذه الأسماء، فهي تترك أثرا كبيراً في نفس المسنّ.. دار العجزة، دار المسنين، إلى ما هنالك، ثبت أنها تترك في نفوس المسنين آلاماً مبرحة، بحيث يغادرون هذه الحياة والجراحات ترافقهم إلى ما بعد الموت.

أجريت تجربة في أوروبا، وهم معروفون بأنهم رواد في مسألة رعاية المسنّين، وأصبح الأمر عادياً بأنّ الأب أو الأمّ عندما يصلان إلى مرحلة معينة من العمر، نرسلهم إلى الدار، ويقدم لهم جميع ما يريدون، وأكثر من المأكل والمشرب والعلاج الطبي والرحلات، كل الأمور والترفيه.

قام علماء النفس بدراسة هؤلاء المسنين، وجد أن الغالبية العظمى منهم مصابون بالخواء النفسي، وأنّهم يائسون حزينون مقهورون يبكون.. نحن عملنا كل ذلك لإسعاد هذه الشريحة، فما الذي يحدث؟ استنتجوا أن الحياة الأسرية لا بديل لها.

قاموا بعدها بإكمال الدراسة، بأن أعلنوا للعائلات أنّ بإمكانهم أن يتبنوا مسنّاً مقابل دعم مالي معيّن.. وزع قسم من هؤلاء نزلاء على العائلة، وأجري اختبار آخر، فوجد أن منسوب التفاؤل ارتفع إلى حدّ بعيد، وهذا يذكّرنا بآيات القرآن الكريم، وهي كثيرة: {وبالوالدين إحسان}، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِير}...

دفقٌ من الآيات الرائعة التي توصي بالمسنّين، وباحتضان المسن في بيته ورعايته، وهذا لا يحجب دور الدولة طبعاً، فهناك حالات لا يمكن احتواؤها في الأسر

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية