دروس من حياة السيِّدة الزَّهراء(ع)

دروس من حياة السيِّدة الزَّهراء(ع)

من الدروس التي لا بدّ من أن نتقنها جيّداً من تعاليم هذه الإنسانة العظيمة [السيّدة الزّهراء(ع)]، ليكون ولاؤنا لها ولاءً حقيقيّاً وحبنا لها صادقاً:

1ـ كونوا للإسلام :

إنّ نداء فاطمة(ع) للمؤمنين والمؤمنات، هو أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم، كما كانت هي للإسلام في كلّ ذلك رغم حياتها القصيرة.

فقد كانت للإسلام عندما وقفت مع رسول الله(ص)، وخفّفت عنه الأذى الذي لحقه من المشركين، وكانت آنذاك في عمر الطفولة، وقد احتضنته وخففت عنه الهموم والآلام، حتى قال عنها إنها "أمّ أبيها".

وكانت للإسلام عندما عاشت مع أمير المؤمنين(ع) ورعته وخدمت بيتها وأولادها بما يرضي الله ورسوله.

وكانت للإسلام عندما بذلت وأنفقت وجاهدت في سبيل الله، وكانت للإسلام بكلّ وجودها وكيانها وحياتها. هذا هو نداء فاطمة(ع): كونوا للإسلام، واعملوا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشّيطان هي السّفلى.

نداؤها أنّ هناك أكثر من قضية تنتظركم على طريق الإسلام، فإذا كان الموقف يستدعي الجهاد فجاهدوا، وإذا كان يفرض أن تقفوا وتتوحّدوا وتجمّدوا كلّ خلافاتكم بالرغم من كلّ مآسي التاريخ وآلامه فافعلوا، وليكن الهدف الكبير والعنوان الأساس الذي تقدِّسونه هو الإسلام، لا مذهبيّاتكم الضيّقة وعصبياتكم المختنقة وأنانياتكم القاتلة. اعملوا من أجل الدعوة إلى الله ودينه الذي ارتضى ليكون الدّين هو الأقوى والأعزّ والأرفع من خلال ما تطرحونه من فكر، وما تتحركون به من خطوات.

2ـ الجار ثم الدّار :

لقد مرّ معنا أن الزهراء(ع) كانت تقوم ليلها وتدعو للآخرين ولا تدعو لنفسها، ولما سألها ابنها الإمام الحسن(ع) عن ذلك أجابته: "يا بنيّ، الجار ثم الدّار". إنّ قولها هذا يعني أنها كانت تعيش هموم الناس قبل همومها، وآلامهم قبل آلامها، وكانت تتطلّع إلى أحلامهم قبل أن تتطلع إلى أحلامها الشخصيّة. وأن يصل الإنسان إلى هذا المستوى الذي يجعله منفتحاً على هموم الناس قبل أن ينفتح على همومه، مع أنّه مثقل بالآلام والهموم، فتلك قمة الإنسانيّة والروحانية، وتلك هي قصّة أصحاب الرسالات الذين يفكرون في الناس قبل أن يفكّروا في أنفسهم، وهي قصّة صعبة، وقد سقط الكثيرون ممن كانوا يحملون الرّسالة في حركتهم، سقطوا عندما تحوّلت الرّسالة عندهم إلى جسرٍ يعبرون من خلاله إلى تحقيق رغباتهم ونزواتهم.

وإنّنا نكرّر دائماً القول بأنّنا لن نكون رساليّين إذا حوّلنا الرّسالة إلى مهنة ولم نعشها كقضية ورسالة، ولن نكون رساليين إذا لم نحبّ الناس الذين يعيشون معنا في ساحة الرسالة، ولكي نصل إلى هذه المنزلة، يلزمنا أوّلاً تربية أنفسنا على محبّة الناس، ومن ثَمّ نربّي مَنْ حولنا ومَنْ يصله صوتنا على ذلك.

وهكذا كانت السيّدة الزهراء(ع) تفكّر في الناس قبل نفسها، وبالجار قبل الدار، لتعطينا درساً بليغاً حاصله أنّ على الإنسان ـ ذكراً كان أو أنثى ـ أن يتخلّص من أسر ذاته، ولا يعيش في سجن الذّات.

3ـ الثّبات في المواقف:

نتعلّم من حياة الزهراء(ع) وسيرتها الثّبات في المواقف، والصّبر في الشّدائد، إذ لم يشغلها مرضها وألمها وحزنها على رسول الله(ص) بعد وفاته عن الوقوف مع الحقّ لتدافع عنه بكلّ ما آتاها الله من قوة، فوقفت وخطبت وتكلمت واحتجّت بكلّ الوسائل لإثبات حقّ الإمام أمير المؤمنين(ع)، حتى إنّها واصلت الاحتجاج إلى ما بعد وفاتها، عندما أوصت بأن تدفن ليلاً ويعفى قبرها ولا يشارك في تشييعها الّذين ظلموها، وعلينا أن نأخذ من ذلك درساً، لنتعلم أنّه إذا واجهتنا بعض المشاكل الشخصيّة أو الاجتماعيّة، فعلينا أن لا نجعل تلك المشاكل مبرّراً للابتعاد عن مسؤوليّاتنا العامّة أو الخاصّة. كما أنّ الزهراء(ع) لم يشغلها كلّ اهتمامها ببيتها وزوجها وتربية أولادها عن القيام بواجبها الإسلاميّ، بتعليم المسلمات والمسلمين أحكام دينهم وتعاليمه، وعن الحضور الفاعل في كلّ ساحات الصّراع الجهادي والسياسي والثقافي.

4 ـ شرعيّة العمل السياسي للمرأة:

عندما نستذكر الزّهراء(ع) ونستعيد حركيتها في الواقع الإسلاميّ، ووقوفها إلى جانب أمير المؤمنين(ع)، ومواجهتها لكلّ الظّلم الذي وقع عليه وعليها، وخروجها إلى نساء المهاجرين والأنصار لتذكيرهم والاحتجاج عليهم ومخاطبتهم بالحقائق الإسلامية والقرآنية، إننا عندما نستعيد ذلك كله، فإننا نستوحي منه شرعية دخول المرأة في ساحة الصّراع السياسي من موقع المسؤولية المنفتحة على الإسلام والمسلمين، لأنَّ الزهراء(ع) هي المرأة المعصومة، وبالتّالي، فإنَّ ما تقوم به من عمل وتتحرّك به أو تتتحدّث به، إنّما يمثّل شرعية بكلّ ما تعنيه الشرعيّة، كما أننا نستطيع أن نستفيد شرعيّة العمل السياسي للمرأة من القرآن أيضاً، من خلال قوله سبحانه وتعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}[التوبة:71] ، فإنّ المعروف يتسع لكلّ عدل وكل حق في الحياة، والمنكر على عكسه تماماً، فالمعروف لا ينحصر بالصّلاة والصّوم والحجّ وغيرها من العبادات وأعمال الخير، كما أنّ المنكر لا ينحصر بشرب الخمر وأكل مال اليتيم وغيرها من المحرّمات، بل هو يتسع لكلّ الظلم والباطل في الحياة.

إن المعروف والمنكر يتجاوزان ذلك، ويتجاوزان معنى الحركة الفردية في واقع المسلمين، ويمتدان إلى الحركة العامة والاجتماعية المتعلقة بقضايا المسلمين العامة. والآية الشريفة، كما نلاحظ، لم تقصر مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ بالمعنى الذي ذكرناه للمنكر والمعروف ـ على الرّجل، بل جعلت المرأة في صفّ الرّجل، والمؤمنين إلى جانب المؤمنات في هذه المهمة، وهي مهمّة الأمر بالمعروف الذي ينطلق من خلال يدٍ تتحدَّى وكلمة تثور وقلب يرفض، ومهمة النهي عن المنكر، سواء المنكر السياسي أو الشرعي أو العقيدي أو الاجتماعي، تماماً كما هي مهمة الأمر بالمعروف، تشمل الرّجل والمرأة معاً.

هكذا كانت الزهراء(ع) رائدةً في العمل السياسي والجهادي، من خلال معارضتها وثورتها واحتجاجها وخطبها في المسجد ـ مسجد رسول الله ـ ومع نساء المهاجرين والأنصار، وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة مقتدية بالزهراء(ع) ، غير منشغلة بنفسها وزينتها عن القيام بواجباتها الاجتماعية والسياسية.

5 ـ مسؤوليّة المرأة الثقافيّة :

عرفنا ممّا مرّ معنا من حياة سيدتنا فاطمة الزهراء(ع)، أنها كانت تكتسب العلم عن أبيها رسول الله(ص)، حتى إنها كانت أول مؤلفة في الإسلام، وعرفنا أنها كانت تلقي دروساً إسلاميّة على نساء المهاجرين والأنصار اللّواتي كنّ يجتمعن عندها لغرض التعلم.

والدرس الذي نستفيده من ذلك، هو أن على المرأة المسلمة والمثقفة إسلامياً، أن تجعل حياتها في خدمة الدّعوة الإسلاميّة والتّبليغ، وهذا يفرض عليها أوّلاً أن تنمّي ثقافتها الإسلاميّة وتغنيها بالمعارف الإلهية المتنوعة، ومن ثَمّ تعمل على القيام بوظيفة الدعوة والتبليغ بما يتناسب مع حجابها والتزامها الشّرعي والتزاماتها الزوجية، كما قامت سيّدتنا فاطمة(ع) بواجبهـا خيـر قيـام.

ونستوحي من هذه المسألة، أنّ المرأة لا بدّ من أن تتحمل مسؤولية العلم، مسؤولية ما تقرأ وتدرس وتعقل، مسؤولية أن تكتب بحسب إمكاناتها في الكتابة، ومسؤوليّة أن تنقل ما تتعلمه إلى الآخرين ما أمكنها ذلك ، كما كانت الزهراء تنقل علمها للآخرين. إننا نتساءل: لماذا لا يكون لدينا كاتبات مسلمات؟ مع أنَّ في نسائنا من الطاقات الكامنة والدّفينة ما لو تفجرت لقدَّمت للمكتبة الإسلامية وللأمّة الإسلاميّة الكثير من الكتب النافعة والمفيدة، إننا ندعو النساء المؤمنات إلى محاولة تدريب أنفسهن على الكتابة، فقد تكتشف أكثر من واحدة أنها مشروع كاتبة مستقبلية.

إنّ على المرأة أن لا تحتقر طاقاتها أو تستصغر إمكاناتها، فقد يكتشف الإنسان نفسه بالتّجربة، فإذا لم يجرب فلن يكتشف نفسه.

إننا ندعو إلى حركة المرأة الفكرية والثقافية وحركة المرأة الأدبيّة وحركة المرأة السياسية والجهادية وحركة المرأة في خطّ الدعوة إلى الله سبحانه، وأن تستهدي الزّهراء في كلّ خطواتها، لأننا عندما ندرس شخصيّة الزّهراء، فإننا نجد أنها تمثّل الشرعيّة في كلّ ما عاشته وانطلقت فيه ودخلت فيه من ساحات.

6 ـ نداء فاطمة للمرأة :

إنّ نداء فاطمة للمرأة في العالم هو: كوني إنسانة ولا تكوني مجرّد أنثى تتحرك بأنوثتها لتسقط إنسانيّتها، كوني إنسانة مع الله ومع النّاس، إنسانة بالمعنى الروحي والعقلي والحركي، وكوني رساليّة تفكّر في الرسالة لا في الذات، فتقدِّم الذات فداءً للرسالة.

وإنَّ الإسلام يقول للمرأة في العالم، وكذلك للرّجل، هذه فاطمة سيدة نساء العالمين لا بنسبها، ولكنها سيّدة نساء العالمين بفضائلها، ولهذا، انطلقوا لتتعلّموا منها كيف يكون الحبّ للإنسان والعطاء للإنسان، وكيف تكون المسؤوليّة الثقافيّة، وكيف تكون المواجهة والمعارضة للظّلم والانحراف، ولتكنْ الزَّهراء(ع) قدوتكم في العبادة، وقدوتكم في الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار.

[العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، كتاب "الزهراء القدوة"، ص 316-327].

من الدروس التي لا بدّ من أن نتقنها جيّداً من تعاليم هذه الإنسانة العظيمة [السيّدة الزّهراء(ع)]، ليكون ولاؤنا لها ولاءً حقيقيّاً وحبنا لها صادقاً:

1ـ كونوا للإسلام :

إنّ نداء فاطمة(ع) للمؤمنين والمؤمنات، هو أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم، كما كانت هي للإسلام في كلّ ذلك رغم حياتها القصيرة.

فقد كانت للإسلام عندما وقفت مع رسول الله(ص)، وخفّفت عنه الأذى الذي لحقه من المشركين، وكانت آنذاك في عمر الطفولة، وقد احتضنته وخففت عنه الهموم والآلام، حتى قال عنها إنها "أمّ أبيها".

وكانت للإسلام عندما عاشت مع أمير المؤمنين(ع) ورعته وخدمت بيتها وأولادها بما يرضي الله ورسوله.

وكانت للإسلام عندما بذلت وأنفقت وجاهدت في سبيل الله، وكانت للإسلام بكلّ وجودها وكيانها وحياتها. هذا هو نداء فاطمة(ع): كونوا للإسلام، واعملوا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشّيطان هي السّفلى.

نداؤها أنّ هناك أكثر من قضية تنتظركم على طريق الإسلام، فإذا كان الموقف يستدعي الجهاد فجاهدوا، وإذا كان يفرض أن تقفوا وتتوحّدوا وتجمّدوا كلّ خلافاتكم بالرغم من كلّ مآسي التاريخ وآلامه فافعلوا، وليكن الهدف الكبير والعنوان الأساس الذي تقدِّسونه هو الإسلام، لا مذهبيّاتكم الضيّقة وعصبياتكم المختنقة وأنانياتكم القاتلة. اعملوا من أجل الدعوة إلى الله ودينه الذي ارتضى ليكون الدّين هو الأقوى والأعزّ والأرفع من خلال ما تطرحونه من فكر، وما تتحركون به من خطوات.

2ـ الجار ثم الدّار :

لقد مرّ معنا أن الزهراء(ع) كانت تقوم ليلها وتدعو للآخرين ولا تدعو لنفسها، ولما سألها ابنها الإمام الحسن(ع) عن ذلك أجابته: "يا بنيّ، الجار ثم الدّار". إنّ قولها هذا يعني أنها كانت تعيش هموم الناس قبل همومها، وآلامهم قبل آلامها، وكانت تتطلّع إلى أحلامهم قبل أن تتطلع إلى أحلامها الشخصيّة. وأن يصل الإنسان إلى هذا المستوى الذي يجعله منفتحاً على هموم الناس قبل أن ينفتح على همومه، مع أنّه مثقل بالآلام والهموم، فتلك قمة الإنسانيّة والروحانية، وتلك هي قصّة أصحاب الرسالات الذين يفكرون في الناس قبل أن يفكّروا في أنفسهم، وهي قصّة صعبة، وقد سقط الكثيرون ممن كانوا يحملون الرّسالة في حركتهم، سقطوا عندما تحوّلت الرّسالة عندهم إلى جسرٍ يعبرون من خلاله إلى تحقيق رغباتهم ونزواتهم.

وإنّنا نكرّر دائماً القول بأنّنا لن نكون رساليّين إذا حوّلنا الرّسالة إلى مهنة ولم نعشها كقضية ورسالة، ولن نكون رساليين إذا لم نحبّ الناس الذين يعيشون معنا في ساحة الرسالة، ولكي نصل إلى هذه المنزلة، يلزمنا أوّلاً تربية أنفسنا على محبّة الناس، ومن ثَمّ نربّي مَنْ حولنا ومَنْ يصله صوتنا على ذلك.

وهكذا كانت السيّدة الزهراء(ع) تفكّر في الناس قبل نفسها، وبالجار قبل الدار، لتعطينا درساً بليغاً حاصله أنّ على الإنسان ـ ذكراً كان أو أنثى ـ أن يتخلّص من أسر ذاته، ولا يعيش في سجن الذّات.

3ـ الثّبات في المواقف:

نتعلّم من حياة الزهراء(ع) وسيرتها الثّبات في المواقف، والصّبر في الشّدائد، إذ لم يشغلها مرضها وألمها وحزنها على رسول الله(ص) بعد وفاته عن الوقوف مع الحقّ لتدافع عنه بكلّ ما آتاها الله من قوة، فوقفت وخطبت وتكلمت واحتجّت بكلّ الوسائل لإثبات حقّ الإمام أمير المؤمنين(ع)، حتى إنّها واصلت الاحتجاج إلى ما بعد وفاتها، عندما أوصت بأن تدفن ليلاً ويعفى قبرها ولا يشارك في تشييعها الّذين ظلموها، وعلينا أن نأخذ من ذلك درساً، لنتعلم أنّه إذا واجهتنا بعض المشاكل الشخصيّة أو الاجتماعيّة، فعلينا أن لا نجعل تلك المشاكل مبرّراً للابتعاد عن مسؤوليّاتنا العامّة أو الخاصّة. كما أنّ الزهراء(ع) لم يشغلها كلّ اهتمامها ببيتها وزوجها وتربية أولادها عن القيام بواجبها الإسلاميّ، بتعليم المسلمات والمسلمين أحكام دينهم وتعاليمه، وعن الحضور الفاعل في كلّ ساحات الصّراع الجهادي والسياسي والثقافي.

4 ـ شرعيّة العمل السياسي للمرأة:

عندما نستذكر الزّهراء(ع) ونستعيد حركيتها في الواقع الإسلاميّ، ووقوفها إلى جانب أمير المؤمنين(ع)، ومواجهتها لكلّ الظّلم الذي وقع عليه وعليها، وخروجها إلى نساء المهاجرين والأنصار لتذكيرهم والاحتجاج عليهم ومخاطبتهم بالحقائق الإسلامية والقرآنية، إننا عندما نستعيد ذلك كله، فإننا نستوحي منه شرعية دخول المرأة في ساحة الصّراع السياسي من موقع المسؤولية المنفتحة على الإسلام والمسلمين، لأنَّ الزهراء(ع) هي المرأة المعصومة، وبالتّالي، فإنَّ ما تقوم به من عمل وتتحرّك به أو تتتحدّث به، إنّما يمثّل شرعية بكلّ ما تعنيه الشرعيّة، كما أننا نستطيع أن نستفيد شرعيّة العمل السياسي للمرأة من القرآن أيضاً، من خلال قوله سبحانه وتعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}[التوبة:71] ، فإنّ المعروف يتسع لكلّ عدل وكل حق في الحياة، والمنكر على عكسه تماماً، فالمعروف لا ينحصر بالصّلاة والصّوم والحجّ وغيرها من العبادات وأعمال الخير، كما أنّ المنكر لا ينحصر بشرب الخمر وأكل مال اليتيم وغيرها من المحرّمات، بل هو يتسع لكلّ الظلم والباطل في الحياة.

إن المعروف والمنكر يتجاوزان ذلك، ويتجاوزان معنى الحركة الفردية في واقع المسلمين، ويمتدان إلى الحركة العامة والاجتماعية المتعلقة بقضايا المسلمين العامة. والآية الشريفة، كما نلاحظ، لم تقصر مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ بالمعنى الذي ذكرناه للمنكر والمعروف ـ على الرّجل، بل جعلت المرأة في صفّ الرّجل، والمؤمنين إلى جانب المؤمنات في هذه المهمة، وهي مهمّة الأمر بالمعروف الذي ينطلق من خلال يدٍ تتحدَّى وكلمة تثور وقلب يرفض، ومهمة النهي عن المنكر، سواء المنكر السياسي أو الشرعي أو العقيدي أو الاجتماعي، تماماً كما هي مهمة الأمر بالمعروف، تشمل الرّجل والمرأة معاً.

هكذا كانت الزهراء(ع) رائدةً في العمل السياسي والجهادي، من خلال معارضتها وثورتها واحتجاجها وخطبها في المسجد ـ مسجد رسول الله ـ ومع نساء المهاجرين والأنصار، وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة مقتدية بالزهراء(ع) ، غير منشغلة بنفسها وزينتها عن القيام بواجباتها الاجتماعية والسياسية.

5 ـ مسؤوليّة المرأة الثقافيّة :

عرفنا ممّا مرّ معنا من حياة سيدتنا فاطمة الزهراء(ع)، أنها كانت تكتسب العلم عن أبيها رسول الله(ص)، حتى إنها كانت أول مؤلفة في الإسلام، وعرفنا أنها كانت تلقي دروساً إسلاميّة على نساء المهاجرين والأنصار اللّواتي كنّ يجتمعن عندها لغرض التعلم.

والدرس الذي نستفيده من ذلك، هو أن على المرأة المسلمة والمثقفة إسلامياً، أن تجعل حياتها في خدمة الدّعوة الإسلاميّة والتّبليغ، وهذا يفرض عليها أوّلاً أن تنمّي ثقافتها الإسلاميّة وتغنيها بالمعارف الإلهية المتنوعة، ومن ثَمّ تعمل على القيام بوظيفة الدعوة والتبليغ بما يتناسب مع حجابها والتزامها الشّرعي والتزاماتها الزوجية، كما قامت سيّدتنا فاطمة(ع) بواجبهـا خيـر قيـام.

ونستوحي من هذه المسألة، أنّ المرأة لا بدّ من أن تتحمل مسؤولية العلم، مسؤولية ما تقرأ وتدرس وتعقل، مسؤولية أن تكتب بحسب إمكاناتها في الكتابة، ومسؤوليّة أن تنقل ما تتعلمه إلى الآخرين ما أمكنها ذلك ، كما كانت الزهراء تنقل علمها للآخرين. إننا نتساءل: لماذا لا يكون لدينا كاتبات مسلمات؟ مع أنَّ في نسائنا من الطاقات الكامنة والدّفينة ما لو تفجرت لقدَّمت للمكتبة الإسلامية وللأمّة الإسلاميّة الكثير من الكتب النافعة والمفيدة، إننا ندعو النساء المؤمنات إلى محاولة تدريب أنفسهن على الكتابة، فقد تكتشف أكثر من واحدة أنها مشروع كاتبة مستقبلية.

إنّ على المرأة أن لا تحتقر طاقاتها أو تستصغر إمكاناتها، فقد يكتشف الإنسان نفسه بالتّجربة، فإذا لم يجرب فلن يكتشف نفسه.

إننا ندعو إلى حركة المرأة الفكرية والثقافية وحركة المرأة الأدبيّة وحركة المرأة السياسية والجهادية وحركة المرأة في خطّ الدعوة إلى الله سبحانه، وأن تستهدي الزّهراء في كلّ خطواتها، لأننا عندما ندرس شخصيّة الزّهراء، فإننا نجد أنها تمثّل الشرعيّة في كلّ ما عاشته وانطلقت فيه ودخلت فيه من ساحات.

6 ـ نداء فاطمة للمرأة :

إنّ نداء فاطمة للمرأة في العالم هو: كوني إنسانة ولا تكوني مجرّد أنثى تتحرك بأنوثتها لتسقط إنسانيّتها، كوني إنسانة مع الله ومع النّاس، إنسانة بالمعنى الروحي والعقلي والحركي، وكوني رساليّة تفكّر في الرسالة لا في الذات، فتقدِّم الذات فداءً للرسالة.

وإنَّ الإسلام يقول للمرأة في العالم، وكذلك للرّجل، هذه فاطمة سيدة نساء العالمين لا بنسبها، ولكنها سيّدة نساء العالمين بفضائلها، ولهذا، انطلقوا لتتعلّموا منها كيف يكون الحبّ للإنسان والعطاء للإنسان، وكيف تكون المسؤوليّة الثقافيّة، وكيف تكون المواجهة والمعارضة للظّلم والانحراف، ولتكنْ الزَّهراء(ع) قدوتكم في العبادة، وقدوتكم في الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار.

[العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، كتاب "الزهراء القدوة"، ص 316-327].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية