خروج النبيّ(ص) إلى حجة الوداع

خروج النبيّ(ص) إلى حجة الوداع

في العام 10 هـ، أمرَ اللهُ تعالى نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشارك في مراسم الحجّ، ويعلّم مناسكه للناس، ويوقفهم على واجباتهم في هذه العبادة الكبرى عمليّاً، كما يقوم بإزالة كلّ ما ارتبط بها من زوائد طيلة السنوات الماضية، ويعيّن حدود عرفات ومنى ويوم الإفاضة منها. ولذلك، فقد تهيّأ عددٌ كبير من المسلمين لمرافقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الرحلة المباركة، فخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة يوم 26 من ذي القعدة حتى بلغ ذي الحُليفة ـ قرب مسجد الشجرة ـ فأحرم ودخل الحَرم ملبّياً: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحَمدَ والنعمة لك والملك لبّيك، لا شريك لك لبّيك» وهو نداء إبراهيم (عليه السلام).

وكان يكرِّر التّلبية كلّما شاهد راكباً، أو علا مرتفَعاً من الأرض أو هبط وادياً، وعندما شارف مكّة قطع التلبية. فدخل مكّة في اليوم الرابع من شهر ذي الحجّة، متوجّهاً نحو المسجد الحرام رأساً، ودخله من باب بني شيبة، وهو يحمد الله ويثني عليه ويصلّي على إبراهيم (عليه السلام)، فبدأ من الحَجَر الأسود، فاستلمه أوّلاً، ثمّ طاف سبعة أشواط حول الكعبة المعظمة، ثمّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ توجّه نحو الصفا والمروة للسعي بينهما، ثمّ التفت إلى حُجّاج بيت الله الحرام وقال: «من لم يسق منكم هدياً فليحلّ وليجعلها عمرة (أي فليقصّر فيحلّ له ما حرّم عليه الإحرام) ومن ساق منكم هدياً، فليقم على إحرامه».

إلاّ أنَّ البعض منهم كره أن يحلّ إحرامه والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُحرم، فأمرهم بتنفيذ ما قال: «لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرتُ، لفعلتُ كما أمرتكم».

أي أنّني لو كنت أعلم بالمستقبل، وعرفت موقف الناس المتردّد وخلافهم هذا من قبل، لما سقت الهدي، وفعلتُ ما فعلتموه، ولكن ما العمل، وقد سُقتُ الهديَ، فلا يمكنني الإحلال من الإحرام حتى يبلغ الهديُ محلّه. فمن الواجب عليّ أن أبقى في إحرامي، أي أنحر هديي بمنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى، وأما أنتم، فمن لم يسق الهدي منكم، فإنّ عليه أن يحلّ لإحرامه، واحسبوها عمرةً، ثمّ احرموا للحجّ مرّة أُخرى.

وقد كره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال فترة الحجّ أن يمكث في دار أحد، ولذا، فإنّه كان يأمر بضرب ـ أي بإعداد ـ خيمة له خارج مكّة.

وقصد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفات في اليوم الثامن من ذي الحجّة عن طريق منى، التي توقّف فيها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، فركب بعيره نحو عرفات، ونزل في خيمة أُعدَّت له في نمرة، وألقى هناك خطاباً تاريخيّاً هامّاً وهو على ناقته، في جموع بلغت 100 ألف.

وبدأ خطابه قائلاً: «أيّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيـّها النّاس، إنّ دماءَكم وأموالكم ـ وأعراضَكم ـ عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة شهركم هذا، وكحرمة بلدكم هذا، وكحرمة يومكم هذا».

وقد ألغى في هذا الخطاب عادات الثّأر الجاهلية المشؤومة، بادئاً بأقربائه... كما استوصى بالنّساء خيراً.

"وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً، أمراً بيّناً؛ كتاب الله وسنّة نبيّه. والمسلمُ أخو المسلم، والمسلمون إخوة، ولا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم. ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة موضوعٌ تحت قدمي".

ثمّ سار بعد الغروب إلى المزدَلَفة، ووقف فيها من الفجر إلى طلوع الشمس، وتوجَّه في اليوم العاشر إلى منى وأدّى مناسكها، ثمّ توجّه نحو مكّة لأداء بقية المناسك.

وكان الإمام عليّ (عليه السلام) يومذاك في اليمن، فعلم بتوجّه النبيّ «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى مكّة، فخرج مع جنوده للمشاركة في الموسم، واصطحب معه شيئاً من بز اليمن وحريرها، أخذها جزية من أهل نجران. وبعد أن أدّى مناسك العمرة، رجع الإمام (عليه السلام) إلى جنوده حسب ما أمره الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم»، فوجد أنّ نائبه الذي عيّنه أثناء غيابه قد وزّع على كلّ فرد منهم حلّة من البزّ، كان يريد تسليمها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فطلب منهم ردّها مع الأشياء الأخرى من جزية أهل نجران.

*من كتاب "السيرة المحمدية".

في العام 10 هـ، أمرَ اللهُ تعالى نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشارك في مراسم الحجّ، ويعلّم مناسكه للناس، ويوقفهم على واجباتهم في هذه العبادة الكبرى عمليّاً، كما يقوم بإزالة كلّ ما ارتبط بها من زوائد طيلة السنوات الماضية، ويعيّن حدود عرفات ومنى ويوم الإفاضة منها. ولذلك، فقد تهيّأ عددٌ كبير من المسلمين لمرافقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الرحلة المباركة، فخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة يوم 26 من ذي القعدة حتى بلغ ذي الحُليفة ـ قرب مسجد الشجرة ـ فأحرم ودخل الحَرم ملبّياً: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحَمدَ والنعمة لك والملك لبّيك، لا شريك لك لبّيك» وهو نداء إبراهيم (عليه السلام).

وكان يكرِّر التّلبية كلّما شاهد راكباً، أو علا مرتفَعاً من الأرض أو هبط وادياً، وعندما شارف مكّة قطع التلبية. فدخل مكّة في اليوم الرابع من شهر ذي الحجّة، متوجّهاً نحو المسجد الحرام رأساً، ودخله من باب بني شيبة، وهو يحمد الله ويثني عليه ويصلّي على إبراهيم (عليه السلام)، فبدأ من الحَجَر الأسود، فاستلمه أوّلاً، ثمّ طاف سبعة أشواط حول الكعبة المعظمة، ثمّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ توجّه نحو الصفا والمروة للسعي بينهما، ثمّ التفت إلى حُجّاج بيت الله الحرام وقال: «من لم يسق منكم هدياً فليحلّ وليجعلها عمرة (أي فليقصّر فيحلّ له ما حرّم عليه الإحرام) ومن ساق منكم هدياً، فليقم على إحرامه».

إلاّ أنَّ البعض منهم كره أن يحلّ إحرامه والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُحرم، فأمرهم بتنفيذ ما قال: «لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرتُ، لفعلتُ كما أمرتكم».

أي أنّني لو كنت أعلم بالمستقبل، وعرفت موقف الناس المتردّد وخلافهم هذا من قبل، لما سقت الهدي، وفعلتُ ما فعلتموه، ولكن ما العمل، وقد سُقتُ الهديَ، فلا يمكنني الإحلال من الإحرام حتى يبلغ الهديُ محلّه. فمن الواجب عليّ أن أبقى في إحرامي، أي أنحر هديي بمنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى، وأما أنتم، فمن لم يسق الهدي منكم، فإنّ عليه أن يحلّ لإحرامه، واحسبوها عمرةً، ثمّ احرموا للحجّ مرّة أُخرى.

وقد كره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال فترة الحجّ أن يمكث في دار أحد، ولذا، فإنّه كان يأمر بضرب ـ أي بإعداد ـ خيمة له خارج مكّة.

وقصد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفات في اليوم الثامن من ذي الحجّة عن طريق منى، التي توقّف فيها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، فركب بعيره نحو عرفات، ونزل في خيمة أُعدَّت له في نمرة، وألقى هناك خطاباً تاريخيّاً هامّاً وهو على ناقته، في جموع بلغت 100 ألف.

وبدأ خطابه قائلاً: «أيّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيـّها النّاس، إنّ دماءَكم وأموالكم ـ وأعراضَكم ـ عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة شهركم هذا، وكحرمة بلدكم هذا، وكحرمة يومكم هذا».

وقد ألغى في هذا الخطاب عادات الثّأر الجاهلية المشؤومة، بادئاً بأقربائه... كما استوصى بالنّساء خيراً.

"وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً، أمراً بيّناً؛ كتاب الله وسنّة نبيّه. والمسلمُ أخو المسلم، والمسلمون إخوة، ولا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم. ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة موضوعٌ تحت قدمي".

ثمّ سار بعد الغروب إلى المزدَلَفة، ووقف فيها من الفجر إلى طلوع الشمس، وتوجَّه في اليوم العاشر إلى منى وأدّى مناسكها، ثمّ توجّه نحو مكّة لأداء بقية المناسك.

وكان الإمام عليّ (عليه السلام) يومذاك في اليمن، فعلم بتوجّه النبيّ «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى مكّة، فخرج مع جنوده للمشاركة في الموسم، واصطحب معه شيئاً من بز اليمن وحريرها، أخذها جزية من أهل نجران. وبعد أن أدّى مناسك العمرة، رجع الإمام (عليه السلام) إلى جنوده حسب ما أمره الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم»، فوجد أنّ نائبه الذي عيّنه أثناء غيابه قد وزّع على كلّ فرد منهم حلّة من البزّ، كان يريد تسليمها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فطلب منهم ردّها مع الأشياء الأخرى من جزية أهل نجران.

*من كتاب "السيرة المحمدية".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية