ذكرى المبعثِ النَّبويِّ (ص) والإسراءِ والمعراجِ

ذكرى المبعثِ النَّبويِّ (ص) والإسراءِ والمعراجِ
في السابع والعشرين من شهر رجب، كانت ولادة الإسلام في مبعث النبيّ محمَّد (ص) - على أشهر الروايات - وكان يوم الإسراء والمعراج. وهاتان المناسبتان - الإسراء والمعراج - هما فرع من المناسبة الأولى، لأنَّ الله تعالى عندما اصطفى رسوله (ص) للرّسالة، أراد منذ البداية أن يمنحه في عقله وروحه وكلّ عناصر شخصيَّته، الأسرار التي يستطيع من خلالها أن يقوم بالرّسالة في كلّ أبعادها الثقافيَّة والتربويَّة والروحيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، لأنَّ رسالته (ص) ليست رسالة محدودة بزمان أو مكان، أو بقوم دون قوم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ: 28].
ولذلك، لا بدّ أن يكون الرسول (ص) في كل عناصر شخصيَّته، الإنسان الذي يستطيع أن يمنح الإنسان كلَّ حاجته من الثقافة والقيم والاستقامة والصَّلابة والوعي، وكل ما يحقِّق التوازن للحياة وللإنسان في الحياة. ولذلك تعهَّده الله تعالى منذ كان فطيماً، فوكّل به ملكاً من أعظم ملائكته، يلقي إليه في كلّ يوم علماً، وتعهَّده الله بالتربية، حتى قال (ص): "أدَّبني ربّي فأحسن تأديبي" ، وأنزل الله عليه الكتاب من أجل أن يملأ كلَّ عقله به، فهو دستور الحياة كلّها في الزمن كلّه، في العقيدة والشَّريعة والمنهج وكلّ مواقع الحياة، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: 52]، {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ }[هود: 49].
وتعهّده الله تعالى بالتربية في حركيَّة القرآن في نزولـه التدريجي عليه (ص)، ليكون القرآن مرافقاً لكل الحركة النبويَّة الإسلاميَّة، ليوجّه المسلمين هنا، وليشرّع لهم هناك، وليؤصّل المفاهيم هنالك، وليخطِّط لهم الحرب هنا والسِّلم هناك، ولينقدهم في ما يخطئون فيه من تفاصيل الحرب والسِّلم، وليلاحق كلَّ خطواتهم، وليقوّم كلَّ انحرافاتهم، فكان القرآن كتاب الحركة الإسلاميَّة. وبذلك نستطيع أن نقرأ في القرآن شخصيَّة النبي (ص)، ولعلَّ أفضل قراءة لسيرة النبي (ص) لنتعرّفها بشكل نابض حيّ رساليّ هو سيرته في القرآن، لأنَّ الله تعالى تحدَّث عنه من خلال رساليَّته، وخطّ لنا الشخصيَّة الرساليَّة في النبي (ص).
وأراد الله تعالى لنبيّه (ص) أن يعيش تجربة الإسراء والمعراج، استكمالاً لثقافة النبيّ (ص): {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}[الإسراء: 1]، ليأخذ النبيّ (ص) من خلال هذه الرحلة المباركة التي ربطت بين المسجد الحرام، الذي هو قاعدة إبراهيم (ع) منذ أن بناه إبراهيم في الخطّ الرسالي، وتحرك حتى وصل ليكون قاعدة النبيّ (ص) في الرسالة الإسلاميَّة، ليربط بذلك بين موقع الرسالة الجديدة القديمة هنا، وبين موقع الرسالات هناك، ولتتحرَّك القربى الرساليَّة بين النبيّ (ص) وبين الأنبياء. وقد جاء في بعض الآثار التاريخيَّة، أن الله تعالى جمع بين رسوله وبين الأنبياء في إسرائه في بيت المقدس {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، ليطّلع على الآفاق التي نشر الله فيها كلَّ آياته التي تدلّ على عظمته، وتربطه بكلِّ تاريخ الرّسالات والرّسل، حتى ينطلق ليكون الرَّسول الخاتم والرسالة الخاتمة.
وكانت مسألة المعراج هي المسألة التي أراد الله فيها أن يثقّف رسوله بآفاق السَّماء، ليتعرّف أمر الكون من فوق، كما يتعرّف أمر الكون من تحت، وأراد الله تعالى لرسوله أن يقوم بجولة أرضيَّة وجولة كونيَّة على مركب لا يُعرف طبيعته، ولكنَّه يمثِّل قدرة الله ومعجزته في ذلك.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ:29  رجب 1424هـ/ الموافق: ٢٦/٩/٢٠٠٣ م.
في السابع والعشرين من شهر رجب، كانت ولادة الإسلام في مبعث النبيّ محمَّد (ص) - على أشهر الروايات - وكان يوم الإسراء والمعراج. وهاتان المناسبتان - الإسراء والمعراج - هما فرع من المناسبة الأولى، لأنَّ الله تعالى عندما اصطفى رسوله (ص) للرّسالة، أراد منذ البداية أن يمنحه في عقله وروحه وكلّ عناصر شخصيَّته، الأسرار التي يستطيع من خلالها أن يقوم بالرّسالة في كلّ أبعادها الثقافيَّة والتربويَّة والروحيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، لأنَّ رسالته (ص) ليست رسالة محدودة بزمان أو مكان، أو بقوم دون قوم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ: 28].
ولذلك، لا بدّ أن يكون الرسول (ص) في كل عناصر شخصيَّته، الإنسان الذي يستطيع أن يمنح الإنسان كلَّ حاجته من الثقافة والقيم والاستقامة والصَّلابة والوعي، وكل ما يحقِّق التوازن للحياة وللإنسان في الحياة. ولذلك تعهَّده الله تعالى منذ كان فطيماً، فوكّل به ملكاً من أعظم ملائكته، يلقي إليه في كلّ يوم علماً، وتعهَّده الله بالتربية، حتى قال (ص): "أدَّبني ربّي فأحسن تأديبي" ، وأنزل الله عليه الكتاب من أجل أن يملأ كلَّ عقله به، فهو دستور الحياة كلّها في الزمن كلّه، في العقيدة والشَّريعة والمنهج وكلّ مواقع الحياة، {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: 52]، {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ }[هود: 49].
وتعهّده الله تعالى بالتربية في حركيَّة القرآن في نزولـه التدريجي عليه (ص)، ليكون القرآن مرافقاً لكل الحركة النبويَّة الإسلاميَّة، ليوجّه المسلمين هنا، وليشرّع لهم هناك، وليؤصّل المفاهيم هنالك، وليخطِّط لهم الحرب هنا والسِّلم هناك، ولينقدهم في ما يخطئون فيه من تفاصيل الحرب والسِّلم، وليلاحق كلَّ خطواتهم، وليقوّم كلَّ انحرافاتهم، فكان القرآن كتاب الحركة الإسلاميَّة. وبذلك نستطيع أن نقرأ في القرآن شخصيَّة النبي (ص)، ولعلَّ أفضل قراءة لسيرة النبي (ص) لنتعرّفها بشكل نابض حيّ رساليّ هو سيرته في القرآن، لأنَّ الله تعالى تحدَّث عنه من خلال رساليَّته، وخطّ لنا الشخصيَّة الرساليَّة في النبي (ص).
وأراد الله تعالى لنبيّه (ص) أن يعيش تجربة الإسراء والمعراج، استكمالاً لثقافة النبيّ (ص): {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}[الإسراء: 1]، ليأخذ النبيّ (ص) من خلال هذه الرحلة المباركة التي ربطت بين المسجد الحرام، الذي هو قاعدة إبراهيم (ع) منذ أن بناه إبراهيم في الخطّ الرسالي، وتحرك حتى وصل ليكون قاعدة النبيّ (ص) في الرسالة الإسلاميَّة، ليربط بذلك بين موقع الرسالة الجديدة القديمة هنا، وبين موقع الرسالات هناك، ولتتحرَّك القربى الرساليَّة بين النبيّ (ص) وبين الأنبياء. وقد جاء في بعض الآثار التاريخيَّة، أن الله تعالى جمع بين رسوله وبين الأنبياء في إسرائه في بيت المقدس {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، ليطّلع على الآفاق التي نشر الله فيها كلَّ آياته التي تدلّ على عظمته، وتربطه بكلِّ تاريخ الرّسالات والرّسل، حتى ينطلق ليكون الرَّسول الخاتم والرسالة الخاتمة.
وكانت مسألة المعراج هي المسألة التي أراد الله فيها أن يثقّف رسوله بآفاق السَّماء، ليتعرّف أمر الكون من فوق، كما يتعرّف أمر الكون من تحت، وأراد الله تعالى لرسوله أن يقوم بجولة أرضيَّة وجولة كونيَّة على مركب لا يُعرف طبيعته، ولكنَّه يمثِّل قدرة الله ومعجزته في ذلك.
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ:29  رجب 1424هـ/ الموافق: ٢٦/٩/٢٠٠٣ م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية