إخبار النبيّ (ص) عن الغيب

إخبار النبيّ (ص) عن الغيب

قال الله تبارك وتعالى في سورة الجنّ: {عٰالِمُ اَلْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ}.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج ٤، ص ٣٥٣]، روى بسنده عن ابن عباس، قال: كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب، أبو اليسر بن عمرو، وهو كعب بن عمرو، واحد بني سلمة، فقال رسول الله(ص): كيف أسرته يا أبا اليسر؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل، هيئته كذا. قال: فقال رسول الله(ص): لقد أعانك عليه ملك كريم. وقال للعباس: يا عباس، اِفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم، أحد بني الحارث ابن فهر. قال: فأبى وقال: اني قد كنت مسلماً قبل ذلك، وإنما استكرهوني. قال: الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدّعي حقاً، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك، فقد كان علينا فافد نفسك. وكان رسول الله (ص) قد أخذ منه عشرين أوقية ذهب، فقال: يا رسول الله، احسبها لي من فداي، قال لا، ذاك شيء أعطاناه الله منك. قال: إنه ليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكّة، حيث خرجت عند أم الفضل وليس معكما أحد غيركما. فقلت: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد الله كذا؟ قال: فوالذي بعثك بالحقّ، ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله.

[مستدرك الصحيحين، ج ٣، ص ٢٤٦] روى بسنده عن علي بن عيسى النوفلي، قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر، قال رسول الله(ص): اِفد نفسك يا نوفل، قال: مالي شيء أفدي به يا رسول الله. قال: اِفد نفسك برماحك التي بجدة، قال: والله ما علم أحد أن لي بجدّة رماحاً بعد الله غيري، أشهد أنك رسول الله. ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح (الحديث).

[طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١، ص ١٢٥]. روى بسنده عن شيخ من قريش، أنّ قريشاً لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله(ص)، وكانوا تكاتبوا ألا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم، ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلّموهم، فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، إلا ما كان من أبي لهب، فإنه لم يدخل معهم، ودخل معهم بنو المطلب بن عبد مناف، فلما مضت ثلاث سنين، أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم، وأنّ الأرض قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم، وبقي ما كان من ذكر الله، فذكر ذلك رسول الله(ص) لأبي طالب، فقال أبو طالب: أحقّ ما تخبرني يابن أخي؟ قال: نعم والله، قال: فذكر ذلك أبو طالب لأخوته، فقالوا له: ما ظنّك به؟ قال: فقال أبو طالب: والله ما كذبني قطّ. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ما تجدون من الثياب، ثم تخرجوا إلى قريش، فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر. قال: فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فصمدوا الى الحجر ـ وكان لا يجلس فيه إلّا مسان قريش وذوو نهاهم ـ فترفّعت إليهم المجالس ينظرون ماذا يقولون، فقال أبو طالب: إنّا قد جئنا لأمر، فأجيبوا فيه بالذي يعرف لكم. قالوا: مرحباً بكم وأهلاً، وعندنا ما يسرّك، فما طلبت؟ قال: ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قطّ، أنّ الله سلّط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة، فلحست كلّ ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كلّ ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقاً، نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذباً، دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم، قالوا: قد أنصفتنا. فأرسلوا إلى الصحيفة، فلما أتي بها، قال أبو طالب: اقرأوها. فلما فتحوها، إذا هي كما قال رسول الله(ص)، قد أكلت كلها، إلا ما كان من ذكر الله فيها. قال: فسقط في أيدي القوم، ثم نكسوا على رؤوسهم.

فقال أبو طالب: هل تبيّن لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة؟ فلم يراجعه أحد من القوم، وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، فمكثوا غير كثير، ورجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: يا معشر قريش، علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر؟ ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة، فقال: اللّهم انصرنا ممن ظلمنا، وقطع أرحامنا، واستحلّ منا ما يحرم عليه منا. ثم انصرفوا.

[تاريخ بغداد، ج ٣، ص ١٦٧] روى بسنده عن زيد بن أرقم، قال: أتي النبيّ(ص) أعرابيّ، وهو شاد عليه ردنه أو عباءه، فقال: أيكم محمد؟ فقالوا: صاحب الوجه الأزهر، فقال إن يكن نبيّاً فما معي؟ قال: إن أخبرتك فهل تقرّ بالشهادة؟ وقال أبو العلاء: فهل أنت مؤمن؟ قال نعم، قال: إنّك مررت بوادي آل فلان ـ أو قال شعب آل فلان ـ وإنك بصرت فيه بوكر حمامة فيه فرخان لها، وإنّك أخذت الفرخين من وكرها، وإنّ الحمامة أتت إلى وكرها، فلم تر فرخيها، فصفقت في البادية، فلم تر غيرك، فرفرفت عليك، ففتحت لها ردنك ـ أو قال عباءك ـ فانقضت فيه، فها هي ناشرة جناحيها، مقبلة على فرخيها. ففتح الأعرابي ردنه ـ أو قال عباءه ـ فكان كما قاله النبيّ، فعجب أصحاب رسول الله(ص) منها وإقبالها على فرخيها، فقال: أتعجبون منها وإقبالها على فرخيها؟ فالله أشدّ فرحاً وأشدّ إقبالاً على عبده المؤمن حين توبته من هذه بفرخيها (الحديث).

[مرقاة المفاتيح، ج ٥، ص ٤٨١] في المتن، قال: وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكّة والمدينة، ثم ساق الحديث (إلى أن قال) ثم أنشأ ـ أي عمر ـ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن رسول الله(ص) كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، قال عمر: والذي بعثه بالحقّ، ما أخطأوا الحدود التي حدّها رسول الله(ص). قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله(ص) حتى انتهى إليهم، فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقاً، فقال عمر: يا رسول الله، كيف تكلّم أجساداً لا أرواح فيها؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئاً (قال) رواه مسلم.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٤] قال عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن أُمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله(ص) وأصحابه، ويلقون منه عناء أذاهم بمكة، وكان وهب بن عمير بن وهب في أساري أصحاب بدر، قال فذكروا أصحاب القليب بمصابهم، فقال: والله إنّ في العيش خيراً بعدهم، فقال عمير بن وهب: صدقت والله، لولا دين عليّ ليس عندي قضاؤه وعيالي أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإنّ لي فيهم علّة، ابني عندهم أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا، لا نسعهم بعجز عنهم، قال عمير: اكتم عني شأني وشأنك، قال: أفعل. ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ وسمّ، ثم انطلق إلى المدينة، فبينما عمر بالمدينة في نفر من المسلمين يتذاكرون يوم بدر، وما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوّهم، إذ نظر إلى عمير بن وهب قد أناخ بباب المسجد متوشّح السيف، فقال: هذا الكلب والله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشرّ، هذا الذي حرش بيننا وحرزنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله(ص)، فقال: يا رسول الله، هذا عمير بن وهب قد جاء متوشّح السيف. قال: فأدخله. فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه بها، وقال عمر لرجال من الأنصار ممن كان معه: ادخلوا على رسول الله(ص)، فاجلسوا عنده، واحذروا هذا الكلب عليه، فإنه غير مأمون. ثم دخل على رسول الله به، وعمر آخذ بحمالة سيفه، فقال: أرسله يا عمر. ادنُ يا عمير. فدنا فقال: أنعموا صباحاً ـ وكانت تحيّة أهل الجاهلية بينهم ـ فقال رسول الله(ص) قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيّتك يا عمير، السّلام تحيّة أهل الجنة، فقال: أما والله يا محمّد، إن كنت لحديث عهد بها، قال: فما جاء بك؟ قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فاحسبه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، فهل أغنت عنا شيئاً؟! قال: أصدقني ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لهذا، قال: بلى، قعدت أنت وصفوان بن لعية في الحجر، فتذاكرتما أصحاب القليب من قريش، فقلت: لولا دين عليّ وعيالي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان لك بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذّبك بما كنت تأتينا من خبر السّماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أنبأك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله(ص): فقّهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحبّ أن تأذن لي، فأقدم مكّة فادعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعلّ الله أن يهديهم ولا أؤذيهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم. فأذن له رسول الله(ص) فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب قال لقريش: أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب، فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلّمه أبداً، ولا ينفعه بنفع أبداً. فلما قدم عمير مكّة، أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديداً، فأسلم على يديه ناس كثير (قال) رواه الطبراني مرسلاً، وإسناده جيد.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٧] قال: وعن أبي بكرة، قال: لما بعث رسول الله(ص)، بعث كسرى إلى عامله على أرض اليمن ومن يليه من العرب ـ وكان يقال له بادام ـ أنه بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبيّ، فقل له فليكفّ عن ذلك، أو لأبعثنّ إليه من يقتله أو يقتل قومه. قال: فجاء رسول بادام إلى النبي(ص)، فقال له هذا، فقال رسول الله(ص): لو كان شيء فعلته من قبلي كففت، ولكن الله عزّ وجلّ بعثني، فأقام الرسول عنده، فقال له رسول الله(ص): إن ربي قتل كسرى ولا كسرى بعد اليوم، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم، قال: فكتب قوله في السّاعة التي حدثه، واليوم الذي حدثه، والشهر الذي حدثه فيه، ثم رجع إلى بادام، فاذا كسرى قد مات، وإذا قيصر قد قتل. قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصّحيح.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٨] قال: وعن خريم بن أوس قال: سمعت رسول الله(ص)، يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود، قلت: يا رسول الله، إن دخلنا الحيرة ووجدتها على هذه الصفة فهي لي، قال: هي لك، ثم ارتدت العرب فلم يرتد أحد من طيّئ، فكنا نقاتل قيساً على الإسلام، ومنهم عتبة بن حصن، وساق الحديث (إلى أن قال) ثم سار خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فسرنا معه، فلما فرغنا من مسيلمة وأصحابه، أقبلنا إلى ناحية البصرة، فلقينا هرمز بكاظمة في جمع عظيم ـ ولم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز ـ فبرز له ابن الوليد، ودعا إلى البراز، فبرز له هرمز، فقتله خالد، فَنَفَلَهُ سَلْبَهُ، فبلغت قلنسوته مائة ألف درهم، ثم سرنا على طريق الطف، حتى دخلنا الحيرة، فكان أول من تلقانا فيها شماء بنت بقيلة على بغلة لها شهباء بخمار أسود، فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله(ص)، فدعاني خالد عليها البينة، فأتيته بها، فسلّمها إليّ ونزل إلينا أخوها عبدالمسيح، فقال لي: بعنيها، فقلت له: لا أنقصها والله من عشر مائة شيئاً، فدفع إليّ الف درهم، فقيل لي: لو قلت: مائة ألف دفعها إليك، فقلت لا أحسب أنّ مالاً أكثر من عشر مائة (قال) رواه الطبراني.

[سنن الدّارمي، ج ١، ص ٣٣] روى بسنده عن جابر بن عبد الله، أن يهودية من أهل خيبر، سمت شاة مصلية، ثم أهدتها إلى النبيّ(ص)، فأخذ النبي(ص) منها الذراع، فأكل منها، وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبيّ(ص): ارفعوا أيديكم. وأرسل النبيّ(ص) إلى اليهودية، فدعاها، فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبيّ(ص) أخبرتني هذه في يدي الذّراع، فقالت: نعم، قال: فماذا أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن لم يكن نبيّاً استرحنا منه. فعفا عنها رسول الله(ص) ولم يعاقبها (الحديث).

*من كتاب "فضائل الخمسة من الصحاح الستة".

قال الله تبارك وتعالى في سورة الجنّ: {عٰالِمُ اَلْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ}.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج ٤، ص ٣٥٣]، روى بسنده عن ابن عباس، قال: كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب، أبو اليسر بن عمرو، وهو كعب بن عمرو، واحد بني سلمة، فقال رسول الله(ص): كيف أسرته يا أبا اليسر؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل، هيئته كذا. قال: فقال رسول الله(ص): لقد أعانك عليه ملك كريم. وقال للعباس: يا عباس، اِفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم، أحد بني الحارث ابن فهر. قال: فأبى وقال: اني قد كنت مسلماً قبل ذلك، وإنما استكرهوني. قال: الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدّعي حقاً، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك، فقد كان علينا فافد نفسك. وكان رسول الله (ص) قد أخذ منه عشرين أوقية ذهب، فقال: يا رسول الله، احسبها لي من فداي، قال لا، ذاك شيء أعطاناه الله منك. قال: إنه ليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكّة، حيث خرجت عند أم الفضل وليس معكما أحد غيركما. فقلت: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد الله كذا؟ قال: فوالذي بعثك بالحقّ، ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله.

[مستدرك الصحيحين، ج ٣، ص ٢٤٦] روى بسنده عن علي بن عيسى النوفلي، قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر، قال رسول الله(ص): اِفد نفسك يا نوفل، قال: مالي شيء أفدي به يا رسول الله. قال: اِفد نفسك برماحك التي بجدة، قال: والله ما علم أحد أن لي بجدّة رماحاً بعد الله غيري، أشهد أنك رسول الله. ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح (الحديث).

[طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١، ص ١٢٥]. روى بسنده عن شيخ من قريش، أنّ قريشاً لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله(ص)، وكانوا تكاتبوا ألا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم، ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلّموهم، فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، إلا ما كان من أبي لهب، فإنه لم يدخل معهم، ودخل معهم بنو المطلب بن عبد مناف، فلما مضت ثلاث سنين، أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم، وأنّ الأرض قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم، وبقي ما كان من ذكر الله، فذكر ذلك رسول الله(ص) لأبي طالب، فقال أبو طالب: أحقّ ما تخبرني يابن أخي؟ قال: نعم والله، قال: فذكر ذلك أبو طالب لأخوته، فقالوا له: ما ظنّك به؟ قال: فقال أبو طالب: والله ما كذبني قطّ. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ما تجدون من الثياب، ثم تخرجوا إلى قريش، فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر. قال: فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فصمدوا الى الحجر ـ وكان لا يجلس فيه إلّا مسان قريش وذوو نهاهم ـ فترفّعت إليهم المجالس ينظرون ماذا يقولون، فقال أبو طالب: إنّا قد جئنا لأمر، فأجيبوا فيه بالذي يعرف لكم. قالوا: مرحباً بكم وأهلاً، وعندنا ما يسرّك، فما طلبت؟ قال: ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قطّ، أنّ الله سلّط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة، فلحست كلّ ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كلّ ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقاً، نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذباً، دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم، قالوا: قد أنصفتنا. فأرسلوا إلى الصحيفة، فلما أتي بها، قال أبو طالب: اقرأوها. فلما فتحوها، إذا هي كما قال رسول الله(ص)، قد أكلت كلها، إلا ما كان من ذكر الله فيها. قال: فسقط في أيدي القوم، ثم نكسوا على رؤوسهم.

فقال أبو طالب: هل تبيّن لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة؟ فلم يراجعه أحد من القوم، وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، فمكثوا غير كثير، ورجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: يا معشر قريش، علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر؟ ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة، فقال: اللّهم انصرنا ممن ظلمنا، وقطع أرحامنا، واستحلّ منا ما يحرم عليه منا. ثم انصرفوا.

[تاريخ بغداد، ج ٣، ص ١٦٧] روى بسنده عن زيد بن أرقم، قال: أتي النبيّ(ص) أعرابيّ، وهو شاد عليه ردنه أو عباءه، فقال: أيكم محمد؟ فقالوا: صاحب الوجه الأزهر، فقال إن يكن نبيّاً فما معي؟ قال: إن أخبرتك فهل تقرّ بالشهادة؟ وقال أبو العلاء: فهل أنت مؤمن؟ قال نعم، قال: إنّك مررت بوادي آل فلان ـ أو قال شعب آل فلان ـ وإنك بصرت فيه بوكر حمامة فيه فرخان لها، وإنّك أخذت الفرخين من وكرها، وإنّ الحمامة أتت إلى وكرها، فلم تر فرخيها، فصفقت في البادية، فلم تر غيرك، فرفرفت عليك، ففتحت لها ردنك ـ أو قال عباءك ـ فانقضت فيه، فها هي ناشرة جناحيها، مقبلة على فرخيها. ففتح الأعرابي ردنه ـ أو قال عباءه ـ فكان كما قاله النبيّ، فعجب أصحاب رسول الله(ص) منها وإقبالها على فرخيها، فقال: أتعجبون منها وإقبالها على فرخيها؟ فالله أشدّ فرحاً وأشدّ إقبالاً على عبده المؤمن حين توبته من هذه بفرخيها (الحديث).

[مرقاة المفاتيح، ج ٥، ص ٤٨١] في المتن، قال: وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكّة والمدينة، ثم ساق الحديث (إلى أن قال) ثم أنشأ ـ أي عمر ـ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن رسول الله(ص) كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، قال عمر: والذي بعثه بالحقّ، ما أخطأوا الحدود التي حدّها رسول الله(ص). قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله(ص) حتى انتهى إليهم، فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقاً، فقال عمر: يا رسول الله، كيف تكلّم أجساداً لا أرواح فيها؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئاً (قال) رواه مسلم.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٤] قال عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن أُمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله(ص) وأصحابه، ويلقون منه عناء أذاهم بمكة، وكان وهب بن عمير بن وهب في أساري أصحاب بدر، قال فذكروا أصحاب القليب بمصابهم، فقال: والله إنّ في العيش خيراً بعدهم، فقال عمير بن وهب: صدقت والله، لولا دين عليّ ليس عندي قضاؤه وعيالي أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإنّ لي فيهم علّة، ابني عندهم أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا، لا نسعهم بعجز عنهم، قال عمير: اكتم عني شأني وشأنك، قال: أفعل. ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ وسمّ، ثم انطلق إلى المدينة، فبينما عمر بالمدينة في نفر من المسلمين يتذاكرون يوم بدر، وما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوّهم، إذ نظر إلى عمير بن وهب قد أناخ بباب المسجد متوشّح السيف، فقال: هذا الكلب والله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشرّ، هذا الذي حرش بيننا وحرزنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله(ص)، فقال: يا رسول الله، هذا عمير بن وهب قد جاء متوشّح السيف. قال: فأدخله. فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه بها، وقال عمر لرجال من الأنصار ممن كان معه: ادخلوا على رسول الله(ص)، فاجلسوا عنده، واحذروا هذا الكلب عليه، فإنه غير مأمون. ثم دخل على رسول الله به، وعمر آخذ بحمالة سيفه، فقال: أرسله يا عمر. ادنُ يا عمير. فدنا فقال: أنعموا صباحاً ـ وكانت تحيّة أهل الجاهلية بينهم ـ فقال رسول الله(ص) قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيّتك يا عمير، السّلام تحيّة أهل الجنة، فقال: أما والله يا محمّد، إن كنت لحديث عهد بها، قال: فما جاء بك؟ قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فاحسبه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، فهل أغنت عنا شيئاً؟! قال: أصدقني ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لهذا، قال: بلى، قعدت أنت وصفوان بن لعية في الحجر، فتذاكرتما أصحاب القليب من قريش، فقلت: لولا دين عليّ وعيالي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان لك بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذّبك بما كنت تأتينا من خبر السّماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أنبأك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله(ص): فقّهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحبّ أن تأذن لي، فأقدم مكّة فادعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعلّ الله أن يهديهم ولا أؤذيهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم. فأذن له رسول الله(ص) فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب قال لقريش: أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب، فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلّمه أبداً، ولا ينفعه بنفع أبداً. فلما قدم عمير مكّة، أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديداً، فأسلم على يديه ناس كثير (قال) رواه الطبراني مرسلاً، وإسناده جيد.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٧] قال: وعن أبي بكرة، قال: لما بعث رسول الله(ص)، بعث كسرى إلى عامله على أرض اليمن ومن يليه من العرب ـ وكان يقال له بادام ـ أنه بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبيّ، فقل له فليكفّ عن ذلك، أو لأبعثنّ إليه من يقتله أو يقتل قومه. قال: فجاء رسول بادام إلى النبي(ص)، فقال له هذا، فقال رسول الله(ص): لو كان شيء فعلته من قبلي كففت، ولكن الله عزّ وجلّ بعثني، فأقام الرسول عنده، فقال له رسول الله(ص): إن ربي قتل كسرى ولا كسرى بعد اليوم، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم، قال: فكتب قوله في السّاعة التي حدثه، واليوم الذي حدثه، والشهر الذي حدثه فيه، ثم رجع إلى بادام، فاذا كسرى قد مات، وإذا قيصر قد قتل. قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصّحيح.

[الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٨٨] قال: وعن خريم بن أوس قال: سمعت رسول الله(ص)، يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود، قلت: يا رسول الله، إن دخلنا الحيرة ووجدتها على هذه الصفة فهي لي، قال: هي لك، ثم ارتدت العرب فلم يرتد أحد من طيّئ، فكنا نقاتل قيساً على الإسلام، ومنهم عتبة بن حصن، وساق الحديث (إلى أن قال) ثم سار خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فسرنا معه، فلما فرغنا من مسيلمة وأصحابه، أقبلنا إلى ناحية البصرة، فلقينا هرمز بكاظمة في جمع عظيم ـ ولم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز ـ فبرز له ابن الوليد، ودعا إلى البراز، فبرز له هرمز، فقتله خالد، فَنَفَلَهُ سَلْبَهُ، فبلغت قلنسوته مائة ألف درهم، ثم سرنا على طريق الطف، حتى دخلنا الحيرة، فكان أول من تلقانا فيها شماء بنت بقيلة على بغلة لها شهباء بخمار أسود، فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله(ص)، فدعاني خالد عليها البينة، فأتيته بها، فسلّمها إليّ ونزل إلينا أخوها عبدالمسيح، فقال لي: بعنيها، فقلت له: لا أنقصها والله من عشر مائة شيئاً، فدفع إليّ الف درهم، فقيل لي: لو قلت: مائة ألف دفعها إليك، فقلت لا أحسب أنّ مالاً أكثر من عشر مائة (قال) رواه الطبراني.

[سنن الدّارمي، ج ١، ص ٣٣] روى بسنده عن جابر بن عبد الله، أن يهودية من أهل خيبر، سمت شاة مصلية، ثم أهدتها إلى النبيّ(ص)، فأخذ النبي(ص) منها الذراع، فأكل منها، وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبيّ(ص): ارفعوا أيديكم. وأرسل النبيّ(ص) إلى اليهودية، فدعاها، فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبيّ(ص) أخبرتني هذه في يدي الذّراع، فقالت: نعم، قال: فماذا أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن لم يكن نبيّاً استرحنا منه. فعفا عنها رسول الله(ص) ولم يعاقبها (الحديث).

*من كتاب "فضائل الخمسة من الصحاح الستة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية