ذكرى المبعث النّبويّ الشّريف ذكرى ولادة الإسلام

ذكرى المبعث النّبويّ الشّريف ذكرى ولادة الإسلام

عشنا قبل أيّام ذكرى المبعث النبوي الشّريف، وذكرى «الإسراء والمعراج»، ونستقبل في هذا الشّهر المبارك «شهر شعبان»، أكثر من ذكرى، تتقدَّمها ذكرى مولد الإمام الحسين(ع) والإمام السجَّاد(ع) وأبو الفضل العباس(ع)، وذكرى إمام العصر والزّمان حجّة آل محمّد «عجل الله تعالى فرجه».

وقفة تأمّل

وعلينا، أمام هذه الذّكريات الإسلاميّة، أن نقف وقفة تأمل، وأن نسأل: لماذا الذكرى؟ هل نريد أن نجعل من ذكرياتنا الإسلاميّة تقاليد شعبيّة يهرب فيها مضمون الذكرى ليبقى لنا الشّكل، وننفصل عن كلِّ خلفيّاتها التاريخيّة والحركيّة ليبقى لنا شعاراتها؟! أو أن فلسفة الذكرى هي التذكّر، فالله تحدّث عن كلمة الذكرى وعن التذكّر في أكثر من آية {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[1]. {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}[2]، {إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}[3]

إنَّ الله يريدُ لنا أن تكون الذّكريات رفضاً لحالة الاستغراق في خصوصيَّاتنا، وفي أوضاعنا الجامدة، حتى تهزَّ أعماقنا في عمليّة وعيٍ، وعقولنا في عمليّة تفكير، وتاريخنا في عمليّة درسٍ وعبرة وتأمّل.

ذكرى المبعث

فنحن عندما نلتقي بذكرى المبعث النبوي الشّريف، فإنَّ علينا أن نعرف أنها ذكرى ولادة الإسلام، ذلك أنَّ الإسلام ولد في يوم المبعث، لأنّ الله بعث رسوله ورسالته في هذا اليوم. وإذا كنّا نستقبل الإسلام في يوم ولادته، فإنَّ علينا أن نتذكَّر كيف عاش الإسلام طفولته في بداية الدعوة، وكيف احتضنه النبيّ(ص)، وكيف احتضن المسلمون الأوائل الإسلام في بداية عهد الدعوة، وكيف ربّوه في عقولهم وقلوبهم، وكيف عملوا على حياطته من كلِّ الذين أرادوا أن يعبثوا به ويظاهروا عليه وينحرفوا به، ويقودوا رسوله بعيداً عن خطّه، وهو المعصوم من ذلك كلِّه.

كيف حملوا الإسلام في طفولته الأولى إلى «الحبشة» واحتضنوه هناك عندما أراد المشركون أن يقتلوا هذا الطفل في نفوسهم، وكيف عملوا على تنميته هناك في إطار الدعوة حتى من المنطقة النصرانيّة، وكيف كانوا يبحثون له عن أرض يرتاح وينمو نمواً طبيعياً.

وكانت هجرة المسلمين إلى «يثرب» وحداناً، إلى أن كانت الهجرة العظيمة، هجرة النبيّ(ص) إلى يثرب، وبذلك بدأ الإسلام نموّه الطبيعي، حيث بدأ يقوى ويمتد في شبابه، وبدأ يتحدّى بعد أن كان الآخرون يطلقون التحديات الصعبة القاسية في وجهه. راح يتحدى ويحارب ويجادل ويركِّز قواعده في الأرض الجديدة، وبدأ يربط علاقته بكلِّ الناس، حتى إن هناك من آمن بالإسلام من أهل الكتاب. وكانت أوّل وثيقة من وثائق المعاهدات، هي المعاهدة التي أجراها النبي(ص) في المدينة بين المهاجرين والأنصار، وبين اليهود وسكّان المدينة.

ماذا عملنا للإسلام؟

فعلينا في ذكرى المبعث أن ندرس كيف انطلق الإسلام في شبابه، وأن ندرس كيف تحرَّك الإسلام في العالم، وكيف دخل أكثر من معركة وأكثر من ساحة صراع، واندفع في العالم ليواجه الحرب الثقافية والنفسية والحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

أيُّها الأحبَّة، لا بدَّ من أن تكون ذكرى مبعث النبي(ص) ذكرى نتأمَّل فيها كيف انطلق الإسلام وكيف تحرّك وكيف هو الآن، حيث لا يكفي أن نثير الأجواء الاحتفالية في يوم «المبعث» أو في يوم الإسراء والمعراج، فالمسلمون أخذوا اِنتماءهم الإسلامي من ذلك اليوم. فلا بدّ من أن نفكّر ونتساءل: ماذا عملنا للإسلام؟ ماذا عملنا في الإسلام لأنفسنا أوّلاً؟

ما هي ثقافتنا الإسلاميّة؟ كيف هي علاقتنا بالمسلمين؟ ما هو جهدنا الإسلامي في حركية الإسلام؟ ما هي تجربتنا الإسلامية في المواقع كلّها؟ ما هو الواقع الإسلامي الذي تتحرّك فيه التحديات في شرق العالم وغربه؟ كيف هو موقف المستكبرين من الإسلام؟ وكيف هو موقف الكافرين من الإسلام؟

لابدَّ لنا من أن نعيش هذه المشاعر، وأن نتذكَّر كيف نجعل من الإسلام أكبر وأقوى وأنمى وأوسع وأرحب، بأن نعطي للإسلام من عقولنا عقلاً نتحرّك به، ومن قوّتنا قوةً نصارع بها، وأن نعطي للإسلام من كلِّ طاقاتنا طاقةً جديدة.

أيّها الأحبّة: هناك آية يردّدها القرآن في أكثر من موضع وهو يتحدّث عن قصص السابقين، فيقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[4].

فلقد استطاعوا أن يوصلوا الإسلام إلينا. والسؤال هو: كيف يمكن أن نوصل مشعل الإسلام إلى الجيل القادم؟ كيف لنا أن نصنع جيلاً إسلامياً يعيش الإسلام في عقله ويعيش الإسلام في قلبه، ويعيش الإسلام في قوته وفي حركته وفي كل علاقاته؟

الإسلام هو أمانة الله في أعناقنا، وسيسألنا الله عن تلك الأمانة، والله يقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[5]. وأهلُ أمانة الإسلام هو الله، فنحن عندما نقرأ أئمتنا أهل البيت(ع) في تطلّعاتهم، نجد أنَّ كلَّ هاجسهم كان الإسلام وحمايته.

حبُّ الإسلام

ففي رواية عن الإمام زين العابدين(ع)، أنّه كان يتوجَّه إلى شيعته بالقول: «أحبّونا حبَّ الإسلام»؛ ليكن حبّكم لنا حبّاً ينطلق في خطِّ الإسلام ومن موقع الإسلام، ولا يكن حبّكم لنا حبَّ الذات للذّات، كما يحبّ بعضكم بعضاً، ولكن أحبّونا من موقع الإسلام فينا ومن موقعنا في الإسلام. ليكن ارتباطكم بنا ارتباطاً إسلامياً لا ارتباطاً شخصياً. وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين علي(ع) عندما تحدَّث عن قرابة النبي «إنّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بَعُدَت لحمته، وإن عدوَّ محمّدٍ من عصى الله وإن قربت قرابته»[6]

فالعلاقة هي علاقة إسلام، لأنَّ أهل البيت(ع) لم يكن لديهم إلاّ الإسلام، وقد تستمعون في بعض الكلمات التي تقرأ عليكم، أنَّ لكلّ إمام دفتراً يختلف عن دفتر الإمام الذي قبله أو بعده. هذا كلام لا يقوم على أساس؛ دفتر الأئمّة كلّهم هو دفتر رسول الله، ودفتر رسول الله هو دفتر الله، فليس هناك دفاتر إلاّ دفتر واحد، هو دفتر الله فقط، والإمام الباقر(ع) يقول كما في (أصول الكافي): «من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ. وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع»[7].

اليوم الإسلامي

وعندما تقرأ في دعاء الإمام زين العابدين(ع)، كشاهد على هذه الاهتمامات اليومية في أن يكون يومك إسلاميّاً، لا أن تكون أنت مسلماً فحسب، ترى أنّه يعلّمنا يومياً كيف نعيش هاجس الإسلام في كلِّ مفرداته، وهذا ما نقرأه في (دعاء الصباح والمساء)، في(الصحيفة السجادية): «اللّهمَّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه، لاستعمال الخير، وهجران الشّر، وشكر النعم، واتّباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف». هذا هو يوم زين العابدين(ع)، اليوم الّذي تتوزَّع كلّ نشاطاته في هذه الأمور المذكورة. فليكن يومك يحمل اهتمامات الإسلام في كلِّ مواقعه وفي كلِّ موارده.

 لذلك أيّها الأحبَّة، لا بدّ لنا عندما نتذكّر نبيّنا(ع) في مبعثه وإسرائه ومعراجه، وعندما نتذكَّر أئمّتنا(ع) في مواليدهم أو وفياتهم، لا بدَّ من أن نحيل الذّكريات إلى دورات تثقيفيّة نعيش فيها النبيّ، أو نعيش فيها الإمام، في كلِّ فكره، وفي كلِّ رسالته، وفي كلّ نشاطه، وفي كلِّ جهاده، حتى نكون صورةً منهم، بل حتى نملك ولو بعض ملامح الصورة.

ومن هذا المنطلق، لا نريد أن تكون مواليدنا مجرَّد زغاريد وهتافات وأناشيد وتصفيقات تبعد عنا الصّورة الحقيقيّة. نحن لا ننكر أن يكون هناك مثل هذه الاحتفالات، ولكن نقول: لا يشغلنَّكم ذلك كلّه عن فهم واقع النبوّة والنبيّ، وفهم الإسلام كلّه. إنّ الانتماء، أيّها الأحبّة، مسؤوليّة، فأن تكون مسلماً، يعني أن تكون داعيةً {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}[8]. أن تكون مسلماً، يعني أن تعيش اهتمامات المسلمين كلّهم؛ لأنّ «من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم»[9]، ولأنَّ «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»[10]. وفي ضوء ذلك، فإنّ الإسلام هو ديننا، وهو قوّتنا، وهو انتماؤنا، وهو كلّنا، فليكن كل واحد منا تجسيداً للإسلام، كما كان رسول الله)ص) والأئمة من أهل بيته تجسيداً له.

 والحمد لله ربِّ العالمين.

محاضرة فكر وثقافة، الجزء الأوّل، المحاضرة الخامسة عشرة، 23/12/1995.


[1] (الأعلى: 9).

[2] (الذّاريات: 55).

[3] (المدّثّر: 54-55).

[4] (البقرة: 134).

[5] (النساء: 58).

[6] نهج البلاغة، ج4، ص22.

[7] جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج14، ص92.

[8] (آل عمران: 104).

[9] الوافي، الفيض الكاشاني، ج5، ص535.

[10] الوافي، ج15، ص197.

عشنا قبل أيّام ذكرى المبعث النبوي الشّريف، وذكرى «الإسراء والمعراج»، ونستقبل في هذا الشّهر المبارك «شهر شعبان»، أكثر من ذكرى، تتقدَّمها ذكرى مولد الإمام الحسين(ع) والإمام السجَّاد(ع) وأبو الفضل العباس(ع)، وذكرى إمام العصر والزّمان حجّة آل محمّد «عجل الله تعالى فرجه».

وقفة تأمّل

وعلينا، أمام هذه الذّكريات الإسلاميّة، أن نقف وقفة تأمل، وأن نسأل: لماذا الذكرى؟ هل نريد أن نجعل من ذكرياتنا الإسلاميّة تقاليد شعبيّة يهرب فيها مضمون الذكرى ليبقى لنا الشّكل، وننفصل عن كلِّ خلفيّاتها التاريخيّة والحركيّة ليبقى لنا شعاراتها؟! أو أن فلسفة الذكرى هي التذكّر، فالله تحدّث عن كلمة الذكرى وعن التذكّر في أكثر من آية {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[1]. {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}[2]، {إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}[3]

إنَّ الله يريدُ لنا أن تكون الذّكريات رفضاً لحالة الاستغراق في خصوصيَّاتنا، وفي أوضاعنا الجامدة، حتى تهزَّ أعماقنا في عمليّة وعيٍ، وعقولنا في عمليّة تفكير، وتاريخنا في عمليّة درسٍ وعبرة وتأمّل.

ذكرى المبعث

فنحن عندما نلتقي بذكرى المبعث النبوي الشّريف، فإنَّ علينا أن نعرف أنها ذكرى ولادة الإسلام، ذلك أنَّ الإسلام ولد في يوم المبعث، لأنّ الله بعث رسوله ورسالته في هذا اليوم. وإذا كنّا نستقبل الإسلام في يوم ولادته، فإنَّ علينا أن نتذكَّر كيف عاش الإسلام طفولته في بداية الدعوة، وكيف احتضنه النبيّ(ص)، وكيف احتضن المسلمون الأوائل الإسلام في بداية عهد الدعوة، وكيف ربّوه في عقولهم وقلوبهم، وكيف عملوا على حياطته من كلِّ الذين أرادوا أن يعبثوا به ويظاهروا عليه وينحرفوا به، ويقودوا رسوله بعيداً عن خطّه، وهو المعصوم من ذلك كلِّه.

كيف حملوا الإسلام في طفولته الأولى إلى «الحبشة» واحتضنوه هناك عندما أراد المشركون أن يقتلوا هذا الطفل في نفوسهم، وكيف عملوا على تنميته هناك في إطار الدعوة حتى من المنطقة النصرانيّة، وكيف كانوا يبحثون له عن أرض يرتاح وينمو نمواً طبيعياً.

وكانت هجرة المسلمين إلى «يثرب» وحداناً، إلى أن كانت الهجرة العظيمة، هجرة النبيّ(ص) إلى يثرب، وبذلك بدأ الإسلام نموّه الطبيعي، حيث بدأ يقوى ويمتد في شبابه، وبدأ يتحدّى بعد أن كان الآخرون يطلقون التحديات الصعبة القاسية في وجهه. راح يتحدى ويحارب ويجادل ويركِّز قواعده في الأرض الجديدة، وبدأ يربط علاقته بكلِّ الناس، حتى إن هناك من آمن بالإسلام من أهل الكتاب. وكانت أوّل وثيقة من وثائق المعاهدات، هي المعاهدة التي أجراها النبي(ص) في المدينة بين المهاجرين والأنصار، وبين اليهود وسكّان المدينة.

ماذا عملنا للإسلام؟

فعلينا في ذكرى المبعث أن ندرس كيف انطلق الإسلام في شبابه، وأن ندرس كيف تحرَّك الإسلام في العالم، وكيف دخل أكثر من معركة وأكثر من ساحة صراع، واندفع في العالم ليواجه الحرب الثقافية والنفسية والحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

أيُّها الأحبَّة، لا بدَّ من أن تكون ذكرى مبعث النبي(ص) ذكرى نتأمَّل فيها كيف انطلق الإسلام وكيف تحرّك وكيف هو الآن، حيث لا يكفي أن نثير الأجواء الاحتفالية في يوم «المبعث» أو في يوم الإسراء والمعراج، فالمسلمون أخذوا اِنتماءهم الإسلامي من ذلك اليوم. فلا بدّ من أن نفكّر ونتساءل: ماذا عملنا للإسلام؟ ماذا عملنا في الإسلام لأنفسنا أوّلاً؟

ما هي ثقافتنا الإسلاميّة؟ كيف هي علاقتنا بالمسلمين؟ ما هو جهدنا الإسلامي في حركية الإسلام؟ ما هي تجربتنا الإسلامية في المواقع كلّها؟ ما هو الواقع الإسلامي الذي تتحرّك فيه التحديات في شرق العالم وغربه؟ كيف هو موقف المستكبرين من الإسلام؟ وكيف هو موقف الكافرين من الإسلام؟

لابدَّ لنا من أن نعيش هذه المشاعر، وأن نتذكَّر كيف نجعل من الإسلام أكبر وأقوى وأنمى وأوسع وأرحب، بأن نعطي للإسلام من عقولنا عقلاً نتحرّك به، ومن قوّتنا قوةً نصارع بها، وأن نعطي للإسلام من كلِّ طاقاتنا طاقةً جديدة.

أيّها الأحبّة: هناك آية يردّدها القرآن في أكثر من موضع وهو يتحدّث عن قصص السابقين، فيقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[4].

فلقد استطاعوا أن يوصلوا الإسلام إلينا. والسؤال هو: كيف يمكن أن نوصل مشعل الإسلام إلى الجيل القادم؟ كيف لنا أن نصنع جيلاً إسلامياً يعيش الإسلام في عقله ويعيش الإسلام في قلبه، ويعيش الإسلام في قوته وفي حركته وفي كل علاقاته؟

الإسلام هو أمانة الله في أعناقنا، وسيسألنا الله عن تلك الأمانة، والله يقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[5]. وأهلُ أمانة الإسلام هو الله، فنحن عندما نقرأ أئمتنا أهل البيت(ع) في تطلّعاتهم، نجد أنَّ كلَّ هاجسهم كان الإسلام وحمايته.

حبُّ الإسلام

ففي رواية عن الإمام زين العابدين(ع)، أنّه كان يتوجَّه إلى شيعته بالقول: «أحبّونا حبَّ الإسلام»؛ ليكن حبّكم لنا حبّاً ينطلق في خطِّ الإسلام ومن موقع الإسلام، ولا يكن حبّكم لنا حبَّ الذات للذّات، كما يحبّ بعضكم بعضاً، ولكن أحبّونا من موقع الإسلام فينا ومن موقعنا في الإسلام. ليكن ارتباطكم بنا ارتباطاً إسلامياً لا ارتباطاً شخصياً. وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين علي(ع) عندما تحدَّث عن قرابة النبي «إنّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بَعُدَت لحمته، وإن عدوَّ محمّدٍ من عصى الله وإن قربت قرابته»[6]

فالعلاقة هي علاقة إسلام، لأنَّ أهل البيت(ع) لم يكن لديهم إلاّ الإسلام، وقد تستمعون في بعض الكلمات التي تقرأ عليكم، أنَّ لكلّ إمام دفتراً يختلف عن دفتر الإمام الذي قبله أو بعده. هذا كلام لا يقوم على أساس؛ دفتر الأئمّة كلّهم هو دفتر رسول الله، ودفتر رسول الله هو دفتر الله، فليس هناك دفاتر إلاّ دفتر واحد، هو دفتر الله فقط، والإمام الباقر(ع) يقول كما في (أصول الكافي): «من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ. وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع»[7].

اليوم الإسلامي

وعندما تقرأ في دعاء الإمام زين العابدين(ع)، كشاهد على هذه الاهتمامات اليومية في أن يكون يومك إسلاميّاً، لا أن تكون أنت مسلماً فحسب، ترى أنّه يعلّمنا يومياً كيف نعيش هاجس الإسلام في كلِّ مفرداته، وهذا ما نقرأه في (دعاء الصباح والمساء)، في(الصحيفة السجادية): «اللّهمَّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه، لاستعمال الخير، وهجران الشّر، وشكر النعم، واتّباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف». هذا هو يوم زين العابدين(ع)، اليوم الّذي تتوزَّع كلّ نشاطاته في هذه الأمور المذكورة. فليكن يومك يحمل اهتمامات الإسلام في كلِّ مواقعه وفي كلِّ موارده.

 لذلك أيّها الأحبَّة، لا بدّ لنا عندما نتذكّر نبيّنا(ع) في مبعثه وإسرائه ومعراجه، وعندما نتذكَّر أئمّتنا(ع) في مواليدهم أو وفياتهم، لا بدَّ من أن نحيل الذّكريات إلى دورات تثقيفيّة نعيش فيها النبيّ، أو نعيش فيها الإمام، في كلِّ فكره، وفي كلِّ رسالته، وفي كلّ نشاطه، وفي كلِّ جهاده، حتى نكون صورةً منهم، بل حتى نملك ولو بعض ملامح الصورة.

ومن هذا المنطلق، لا نريد أن تكون مواليدنا مجرَّد زغاريد وهتافات وأناشيد وتصفيقات تبعد عنا الصّورة الحقيقيّة. نحن لا ننكر أن يكون هناك مثل هذه الاحتفالات، ولكن نقول: لا يشغلنَّكم ذلك كلّه عن فهم واقع النبوّة والنبيّ، وفهم الإسلام كلّه. إنّ الانتماء، أيّها الأحبّة، مسؤوليّة، فأن تكون مسلماً، يعني أن تكون داعيةً {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}[8]. أن تكون مسلماً، يعني أن تعيش اهتمامات المسلمين كلّهم؛ لأنّ «من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم»[9]، ولأنَّ «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»[10]. وفي ضوء ذلك، فإنّ الإسلام هو ديننا، وهو قوّتنا، وهو انتماؤنا، وهو كلّنا، فليكن كل واحد منا تجسيداً للإسلام، كما كان رسول الله)ص) والأئمة من أهل بيته تجسيداً له.

 والحمد لله ربِّ العالمين.

محاضرة فكر وثقافة، الجزء الأوّل، المحاضرة الخامسة عشرة، 23/12/1995.


[1] (الأعلى: 9).

[2] (الذّاريات: 55).

[3] (المدّثّر: 54-55).

[4] (البقرة: 134).

[5] (النساء: 58).

[6] نهج البلاغة، ج4، ص22.

[7] جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج14، ص92.

[8] (آل عمران: 104).

[9] الوافي، الفيض الكاشاني، ج5، ص535.

[10] الوافي، ج15، ص197.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية