السّموّ في آفاق الإنسانيّة والأخلاق

السّموّ في آفاق الإنسانيّة والأخلاق
[جاء في دعاء "مكارم الأخلاق" للإمام زين العابدين (ع):]
 

"اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وَسَدّدِني لأَنْ أعَارِضَ مَنْ غشّني بالنُّصْحِ وَأَجزيَ مَنْ هَجَرَني بالبرّ، وأثيبَ مَنْ حَرَمَنِي بالْبَذْلِ، وَأُكَافيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وَأُخَالِفَ مِن اغْتَابَني إلى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحسَنَةَ وأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ".

يا ربّ، إنّني أتطلّع إلى آفاق السموّ في الروح والارتفاع في الموقف، لتكون إنسانيّتي إنسانيّة الفعل الباحث في المواقف الذاتيّة عن العطاء الرّوحيّ الذي ينساب في الإحساس الطّاهر كانسياب الماء من الينبوع الّذي يمنح الاخضرار للأرض، والخصب للحياة، من دون أن يطلب عوضاً عن ذلك، وكانفتاح الشَّمس بالنّور على الكون كلّه، من خلال عفويّة البذل الذي لا يبحث عن مقابل.

اللّهمّ وفّقني للابتعاد عن الأخلاق التجارية التي تتحرّك على أساس ردّ الفعل في الموقف، فيكون النّصح للنّاصحين، والبرّ للبارّين، والبذل للباذلين، والصلة للواصلين، وحسن الذّكر للذّاكرين لي بالخير، ومقابلة الحسنة بالحسنة، والسيّئة بالسيّئة، لأنَّ هذه الأعمال لا تمثّل عمقاً أخلاقيّاً في الذات، بل تنطلق من عمليّة ماديّة تعطي كلّ شيء ثمناً، وتحسب حساب الأشياء التي يقدّمها الآخرون من خلال حجمها وقيمتها الماديّة، بعيداً من أيّ مبادرات روحية في أخلاقيّة الحركة والمبادرة، الأمر الذي يبتعد بالمسألة عن الخطّ الأخلاقي.

إنّ الأخلاق التي تمثّل السموّ في مدارج الكمال، هي التي تتحرّك من خلال المبادرة العفوية بأعمال الخير على أساس الاندفاع الذاتيّ الّذي يتحرّك به الإنسان من موقع إيمانه بالخير، وبعيداً عن الآخرين في ما فعلوه أو لم يفعلوه، لأنّ المنهج الإسلامي هو أن ينطلق الناس بالإحسان من خلال الإحساس بمعناه الكبير في النفس، تماماً كما هي الأشياء الذاتية في حركة الذات، فهذا ما يمنح الإنسان روحية السموّ، في الدرجات العليا من حركة الإنسانية في وجوده.

اللّهمّ اجعلني ممن يتحرّك في كلّ أعماله مع النّاس من موقع الإخلاص لك، والرّغبة في القرب إليك، والانفتاح على محبّتك، والإحسان إلى عبادك في ما أمرتني به من الإحسان إليهم، لأكون الإنسان الذي يفعل الفعل وهو يتطلَّع إليك ويحلّق في سماوات رضاك، ولا يتطلَّع إلى النّاس في ما يرضونه أو لا يرضونه، ليصوغ نفسه على الصّورة التي تحبّها، لا على الصّورة التي يحبّها النّاس بعيداً عن محبّتك.

اللّهمّ اجعلني أعبدك في أخلاقياتي كما أعبدك في صلواتي، لأنّ الأخلاق التي تنطلق من الروح المنفتحة عليك، المشتاقة إلى قربك، المتطلّعة إلى الحصول على رضاك، والإرادة المتحركة في خطّك الأخلاقيّ المستقيم، تمثّل في عمقها الفكري وفي إيحاءاتها الشعوريّة وفي مدلولها الحركيّ، عبادةً روحيّةً في مضمون العبادة الأسمى المتمثّل بالخضوع لك في ما أحببته وأردته وأمرت به، بعيداً عن مواقع الرّغبة الذاتيّة في خصوصيّاتها الخاصّة.

اللّهمّ اجعلني الإنسان المؤمن الذي يفكّر في النصح لكلّ خلقك، لأنّك جعلت النصيحة لهم علامة إيمان المؤمن، ليكون ذلك سرّ إيماني، من دون فرقٍ بين النّاس الذين يمارسون الغشّ معي في أموري عندما أطلب منهم النّصح، وبين النّاس الذين يقدّمون النصح إليّ في قضاياي، ووفّقني في تسديدك لي في أعمالي للسّير على نهجك القويم، لأن أبرّ الناس كلّهم، سواء كانوا من الهاجرين لي والمعقَّدين منّي، أو من الناس البارّين بي، ليكون البرّ حالة إنسانيّة في مبادراتي، لا حالة ذاتية في مصالحي ومنافعي.

واجعلني من الذين لا يبادرون الحرمان بالحرمان، بل يبادرون إلى البذل في مقابل الحرمان، انطلاقاً من روحية العطاء بلا مقابل في معنى الإيمان في عقولهم وفي قلوبهم.

وهب لي الروح التي تدفعني إلى صلة النّاس الذين يقاطعونني، لأتحرّك في ذلك من خلال معنى الإنسانيّة المؤمنة التي تخلق في داخل الإنسان معنى التواصل الاجتماعيّ، من موقع الإيمان بضرورة الترابط الإنساني القائم على الشّعور الحيّ والمسؤولية الاجتماعية.

وارزقني السموّ الأخلاقيّ الذي يدفعني إلى المستوى الرفيع في مقابلة الذين يغتابونني ويتهجّمون عليّ، بالذّكر الحسن، تعفّفاً عن الولوغ في أعراض النّاس، وتجنّباً عن الخوض في عيوبهم، وابتعاداً عن معنى العقدة ضدّهم، لأنَّ القضيّة عندي - في وحي الإيمان - أن أفكّر في أنّ ذكر عيوب الناس وإسقاط كراماتهم هو في مستوى القيمة السلبيّة التي لا يحبّها الله لعباده المؤمنين، فليس لي الحقّ في ممارستها إذا كان الآخرون ينحرفون عن خطّ الاستقامة فيها.

واجعلني ممن يجزي الإحسان بالإحسان، فيشكر الحسنة ولا يتنكّر لها، كبعض الناس الذين تنتفخ ذواتهم في أنفسهم كبرياءً وغروراً، فيخيَّل إليهم أنّ ما يفعله الناس معهم هو واجب مفروض عليهم، فلا يتحسّسون - إزاء ذلك - المسؤوليّة في تقديم الشّكر عليه والاعتراف بالجميل فيه، من دون التفاتٍ إلى أنّ الله يذكر عباده بالخير في مقابل ذكرهم له، وذلك في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}[البقرة: 152].

وهب لي القدرة على الإغضاء عن السيئة وتجاوزها ونسيانها، انطلاقاً من الارتفاع بالنفس عن النـزول إلى مستوى الذين يتحركون فيها، لأنّ ذلك يمثّل ردّاً حاسماً عليهم، لما يمثّله ذلك من معنى الإهمال واللامبالاة من جهة، ومن السموِّ الروحيّ والابتعاد عن السقوط في وحول الصّراع حول الذات من جهة أخرى.

* من كتاب "في رحاب مكارم الأخلاق".

[جاء في دعاء "مكارم الأخلاق" للإمام زين العابدين (ع):]
 

"اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وَسَدّدِني لأَنْ أعَارِضَ مَنْ غشّني بالنُّصْحِ وَأَجزيَ مَنْ هَجَرَني بالبرّ، وأثيبَ مَنْ حَرَمَنِي بالْبَذْلِ، وَأُكَافيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وَأُخَالِفَ مِن اغْتَابَني إلى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحسَنَةَ وأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ".

يا ربّ، إنّني أتطلّع إلى آفاق السموّ في الروح والارتفاع في الموقف، لتكون إنسانيّتي إنسانيّة الفعل الباحث في المواقف الذاتيّة عن العطاء الرّوحيّ الذي ينساب في الإحساس الطّاهر كانسياب الماء من الينبوع الّذي يمنح الاخضرار للأرض، والخصب للحياة، من دون أن يطلب عوضاً عن ذلك، وكانفتاح الشَّمس بالنّور على الكون كلّه، من خلال عفويّة البذل الذي لا يبحث عن مقابل.

اللّهمّ وفّقني للابتعاد عن الأخلاق التجارية التي تتحرّك على أساس ردّ الفعل في الموقف، فيكون النّصح للنّاصحين، والبرّ للبارّين، والبذل للباذلين، والصلة للواصلين، وحسن الذّكر للذّاكرين لي بالخير، ومقابلة الحسنة بالحسنة، والسيّئة بالسيّئة، لأنَّ هذه الأعمال لا تمثّل عمقاً أخلاقيّاً في الذات، بل تنطلق من عمليّة ماديّة تعطي كلّ شيء ثمناً، وتحسب حساب الأشياء التي يقدّمها الآخرون من خلال حجمها وقيمتها الماديّة، بعيداً من أيّ مبادرات روحية في أخلاقيّة الحركة والمبادرة، الأمر الذي يبتعد بالمسألة عن الخطّ الأخلاقي.

إنّ الأخلاق التي تمثّل السموّ في مدارج الكمال، هي التي تتحرّك من خلال المبادرة العفوية بأعمال الخير على أساس الاندفاع الذاتيّ الّذي يتحرّك به الإنسان من موقع إيمانه بالخير، وبعيداً عن الآخرين في ما فعلوه أو لم يفعلوه، لأنّ المنهج الإسلامي هو أن ينطلق الناس بالإحسان من خلال الإحساس بمعناه الكبير في النفس، تماماً كما هي الأشياء الذاتية في حركة الذات، فهذا ما يمنح الإنسان روحية السموّ، في الدرجات العليا من حركة الإنسانية في وجوده.

اللّهمّ اجعلني ممن يتحرّك في كلّ أعماله مع النّاس من موقع الإخلاص لك، والرّغبة في القرب إليك، والانفتاح على محبّتك، والإحسان إلى عبادك في ما أمرتني به من الإحسان إليهم، لأكون الإنسان الذي يفعل الفعل وهو يتطلَّع إليك ويحلّق في سماوات رضاك، ولا يتطلَّع إلى النّاس في ما يرضونه أو لا يرضونه، ليصوغ نفسه على الصّورة التي تحبّها، لا على الصّورة التي يحبّها النّاس بعيداً عن محبّتك.

اللّهمّ اجعلني أعبدك في أخلاقياتي كما أعبدك في صلواتي، لأنّ الأخلاق التي تنطلق من الروح المنفتحة عليك، المشتاقة إلى قربك، المتطلّعة إلى الحصول على رضاك، والإرادة المتحركة في خطّك الأخلاقيّ المستقيم، تمثّل في عمقها الفكري وفي إيحاءاتها الشعوريّة وفي مدلولها الحركيّ، عبادةً روحيّةً في مضمون العبادة الأسمى المتمثّل بالخضوع لك في ما أحببته وأردته وأمرت به، بعيداً عن مواقع الرّغبة الذاتيّة في خصوصيّاتها الخاصّة.

اللّهمّ اجعلني الإنسان المؤمن الذي يفكّر في النصح لكلّ خلقك، لأنّك جعلت النصيحة لهم علامة إيمان المؤمن، ليكون ذلك سرّ إيماني، من دون فرقٍ بين النّاس الذين يمارسون الغشّ معي في أموري عندما أطلب منهم النّصح، وبين النّاس الذين يقدّمون النصح إليّ في قضاياي، ووفّقني في تسديدك لي في أعمالي للسّير على نهجك القويم، لأن أبرّ الناس كلّهم، سواء كانوا من الهاجرين لي والمعقَّدين منّي، أو من الناس البارّين بي، ليكون البرّ حالة إنسانيّة في مبادراتي، لا حالة ذاتية في مصالحي ومنافعي.

واجعلني من الذين لا يبادرون الحرمان بالحرمان، بل يبادرون إلى البذل في مقابل الحرمان، انطلاقاً من روحية العطاء بلا مقابل في معنى الإيمان في عقولهم وفي قلوبهم.

وهب لي الروح التي تدفعني إلى صلة النّاس الذين يقاطعونني، لأتحرّك في ذلك من خلال معنى الإنسانيّة المؤمنة التي تخلق في داخل الإنسان معنى التواصل الاجتماعيّ، من موقع الإيمان بضرورة الترابط الإنساني القائم على الشّعور الحيّ والمسؤولية الاجتماعية.

وارزقني السموّ الأخلاقيّ الذي يدفعني إلى المستوى الرفيع في مقابلة الذين يغتابونني ويتهجّمون عليّ، بالذّكر الحسن، تعفّفاً عن الولوغ في أعراض النّاس، وتجنّباً عن الخوض في عيوبهم، وابتعاداً عن معنى العقدة ضدّهم، لأنَّ القضيّة عندي - في وحي الإيمان - أن أفكّر في أنّ ذكر عيوب الناس وإسقاط كراماتهم هو في مستوى القيمة السلبيّة التي لا يحبّها الله لعباده المؤمنين، فليس لي الحقّ في ممارستها إذا كان الآخرون ينحرفون عن خطّ الاستقامة فيها.

واجعلني ممن يجزي الإحسان بالإحسان، فيشكر الحسنة ولا يتنكّر لها، كبعض الناس الذين تنتفخ ذواتهم في أنفسهم كبرياءً وغروراً، فيخيَّل إليهم أنّ ما يفعله الناس معهم هو واجب مفروض عليهم، فلا يتحسّسون - إزاء ذلك - المسؤوليّة في تقديم الشّكر عليه والاعتراف بالجميل فيه، من دون التفاتٍ إلى أنّ الله يذكر عباده بالخير في مقابل ذكرهم له، وذلك في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}[البقرة: 152].

وهب لي القدرة على الإغضاء عن السيئة وتجاوزها ونسيانها، انطلاقاً من الارتفاع بالنفس عن النـزول إلى مستوى الذين يتحركون فيها، لأنّ ذلك يمثّل ردّاً حاسماً عليهم، لما يمثّله ذلك من معنى الإهمال واللامبالاة من جهة، ومن السموِّ الروحيّ والابتعاد عن السقوط في وحول الصّراع حول الذات من جهة أخرى.

* من كتاب "في رحاب مكارم الأخلاق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية