"اللّهُمَّ إني أخْلصْتُ بانقطاعي إليكَ، وأقبلتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ، وَصَرفْتُ وجهي عمّن يحتاج إلى رِفدِكَ، وقلبتُ مسْألتي عمن لم يستغنِ عن فضلك".
يا ربّ، إنني عبدك الذي خلقته ضعيفاً، يتحرّك الخوف في قلبه، وينطلق الرّعب في وجدانه، ويلهث الفزع في مشاعره، فيعيش الحيرة في ذلك، ويتساءل: إلى أين، وإلى من، وما هو المصير؟... ويلتهب الوعي الإيماني في عمق ذاته؛ إنّه الله الذي يمنح الأمن للخائفين، والفرح للمرعوبين، والطّمأنينة للفزِعين الحائرين، فأنت الملجأ والمفزع، فإذا اشتدّ الخوف فزعنا إليك، وإذا طاردتنا المشاكل التجأنا إليك، وإذا أطبقت علينا الضّغوط لذنا بك، وإذا واجهتنا الشّدائد وجدنا الفرج عندك، وإذا حاصرتنا البلايا فزعنا إلى المخرج لديك.
يا ربّ، لم يكن الإخلاص لديّ مجرّد إحساس في الذات في الالتزام بربوبيّتك، والإيمان بألوهيّتك، مع الغفلة عن معنى ذلك في الوجدان الحركي والواقع الحيّ، بل كان ذوباناً في سرّك من خلال معرفتي بالحقّ الكامن في معناك، ومن خلال الصفاء الروحي الذي يلتقي ينبوع الصفاء والنقاء في اسمك. لقد نزعت من قلبي كلّ الذين يعبثون بخفقات القلوب ونبضاتها؛ من هؤلاء الذين يقدّمون أنفسهم إلى الناس على أنهم في موقع الإله في القدرة والطاعة، وفرّغته من كلّ شيء يحجبني عنك أو يجذبني إلى غيرك.
إنّه إخلاصي لك ـ يا ربّ ـ في حركته الإيجابيّة بالالتزام بك، والسلبيّة بالابتعاد عن غيرك، وبإقبالي بكلّ عقلي وقلبي وجوارحي عليك، فلا رجاء لي بغيرك في شيء، ولا التفات في وجهي لكلّ أولئك الذين يوجّهون وجوههم إليهم. فأنت أنت ـ يا ربّ ـ الذي وجَّهت وجهي إليه، وجعلت حياتي له، وأسلمت أمري إليه، فلم ألتفت إلى عبادك الذين كانت كلّ حياتهم في حاجاتهم الطبيعيّة حاجةً إلى رفدك، ولم أطرح مسألتي إلى هؤلاء الفقراء في كلّ وجودهم إليك، فلم يستغنوا عن فضلك في كلّ شؤونهم.
إنّه الانفتاح عليك، والانغلاق عن غيرك، إلا من النّافذة التي تطلّ عليك، والأفق الذي يمتدّ في رحابك، فهم الوسائط وأنت الأساس، وهم الأسباب وأنت المسبِّب.
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج2.