استشارة..
ارتديت الحجاب منذ حوالى ثماني سنوات، وكنت على اقتناع تام به، ولكنني بدأت أشعر مؤخراً بالضيق من ارتدائه، بسبب مشاكل الشعر وغيرها، كما أشعر بأنني أخدع نفسي، لأن رغبتي في التزامه تلاشت، وصرت أضعه على رأسي خوفاً من غضب الله فقط، وليس رغبةً أو اقتناعاً، فهل يعد خلع الحجاب معصية كبرى؟ وهل سيعاقبني الله في حال خلعته، إذا ارتديت ثياباً محتشمة، وحافظت على تديّني، وضاعفت الأعمال المستحبة التي أقوم بها؟
وجواب..
لا يخفى عليك يا أختاه أنَّ الحجاب من الواجبات التي أجمع عليها فقهاء المسلمين بمذاهبهم كافة، وأنه من البديهيات التي لا يناقش فيها أحد، وحيث إن الإنسان قد اختار الإسلام عقيدة وشريعة له، وآمن بما أنزل الله تعالى على رسوله(ص)، فقد صار ملزماً بالطاعة حتى لو لم يقتنع بفائدة التشريع أو جدواه، لأن ثمة أحكاماً كثيرة قد لا تكون الحكمة منها واضحة، ويفوتنا إدراكها بسبب نقص معارفنا، وليس أمامنا إلا أن نطيع الله ونستسلم لإرادته، ثقةً منا بحكمته وعدله، وأنه عز وجل لا يكلّفنا إلا بما فيه الخير لنا، حتى لو لم نفهم أسرار ذلك التكليف وفلسفته.
ومن المؤكد أنَّ المسلم لا يقوم بخداع نفسه إذا وثق بالله تعالى، والتزم أوامره التي لا يفهم فائدتها ولا يقتنع بجدواها، بل يكون صادقاً مع نفسه ومع عقيدته وإيمانه، لأنه ينسجم بذلك مع ما يفرضه عليه اعتقاده وإيمانه بدون تذمر ولا اعتراض، وذلك طبقاً لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}[الأحزاب: 36].
وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[النساء: 65].
وهو ما يعني أن حالنا مع الله تعالى تشبه حالة ذلك الجندي الذي لا يصح منه الاعتراض على ما يصدر من أوامر حتى لو لم يفهمها، وعليه الطاعة التامة فوراً. وفي حال اعترض، فقد يسمع جواباً على اعتراضه وقد لا يسمع، بحجة أنه من الأسرار العسكرية مثلاً.
وعلى العموم، فإنه لا خيار لك إلا المحافظة على الحجاب، لأن وجوبه واضح في عدة آيات كريمة، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}[الأحزاب: 59].
كما أنه لن يعوض عن كشف الشعر حرصك على ستر سائر الجسد بطريقة جيدة ومحتشمة، رغم أنه أمر جيد في ذاته ومهم، لأن المطلوب هو ستر جميع الجسد مع الرأس والرقبة، باستثناء الوجه والكفين والقدمين، فلو كشفت المرأة بعض ما يجب ستره، فهي لم تحقق الطاعة المطلوبة، وستعتبر عاصية لله تعالى بمقدار ما كشفت، ومستحقة للعقاب على ذلك.
كما أنه لن يعوض عن كشف الرأس التزامك بسائر الفرائض، ولا مضاعفتك للأعمال المستحبة، فرغم أن الله تعالى سيحاسبنا على قاعدة أن الذي تزيد حسناته عن سيئاته هو من الناجين يوم القيامة، فإننا لا نعلم فعلياً كم سيسجّل لك من سيئات على كشف الرأس، فربما زادت بها السيئات على الحسنات في حسابات يوم القيامة، فنبقى بسبب ذلك مجهولي المصير وعرضة لدخول النار.
نعم، لو كان يترتب على لبس الحجاب ضرر صحي مباشر، ولا علاج له إلا بنزع الحجاب، فيجوز نزعه حينئذ مع الالتزام بعدم الخروج أمام الناظر الأجنبي إلا عند الضرورة.
ودعاؤنا لك بالتوفيق والثبات على الحق والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
***
مرسلة الاستشارة: س.
المجيب عن الاستشارة: الشيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 13 تشرين الثاني 2013م.
نوع الاستشارة: دينية.