"محمد حسين فضل الله، دراسة تاريخيَّة 1936-2010"، هو عنوان رسالة للباحثة مروة سليم حبيب. ويتكوّن من أربعة فصول، وخاتمة، وجريدة، ومصادر ومراجع. تعرض مروة حبيب في الفصل الأول للسيرة الشخصية لسماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض). أما الفصل الثاني، فتتحدث فيه عن المنهجية والنشاط الفكري والخيري لسماحته(رض)، ويتعلّق الفصل الثالث بالمواقف السياسية لسماحته فيما يتعلق بالشأن اللبناني، فيما يتعلق الفصل الرابع بمواقفه تجاه القضايا الإقليمية. وقد أعدّت الباحثة في نهاية رسالتها، ملخصاً عنها باللغة الإنكليزية.
وتمهِّد الباحثة لدراستها بعرضٍ للبيئة التي ترعرع فيها سماحته(رض)، وهي البيئة النجفية، وكل ما يتصل بها من صفات وخصائص طبيعية وسياسية وتاريخية ودينية واجتماعية، وتأثير هذه البيئة في تكوينه الشخصي، وما تركه السيد(رض) ذاته من تأثير في هذه البيئة، كما في بيئة جبل عامل المتميزة.
وأشارت إلى أنّ المرحلة التي عاشها السيد(رض) في النجف، شهدت تحوّلات كبرى على مستوى العراق والمنطقة العربية، حتى بعد استقراره في لبنان العام 1966، حيث يذكر السيد فضل الله(رض) نفسه، أن هناك ظروفاً شخصية فرضت عليه الهجرة من النجف الأشرف إلى لبنان، ويقول: إنها لم تكن ضغوطات حكومية، وإنما تمنيات للمثقفين بالمجيء إلى لبنان...[1].
ويقول: "استطعت أن أجد في لبنان حركتي في فهم العالم أكثر، فرأي الشرق والغرب اجتمع في لبنان، ورأي المسيحية والإسلام عاش فيه بين قيم مشتركة ومشكلات متنوعة في الواقع السياسي، ورأيت لبنان يختزن كل مشكلات العالم العربي، وربما الإسلامي"[2].
وترى الباحثة، أن دراسة المفكّرين تعتبر ركناً مهماً وأساسياً لفهم تاريخ الشعوب، لما لها من علاقة بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتلفت إلى أن الدراسات التاريخية، تناولت عدداً من المفكرين الذين قاموا بدورهم في صنع الأحداث، ويمثّل السيد فضل الله(رض) أحد أولئك الذين أسهموا في بعض جوانبها السياسية والاجتماعية والفكرية على صعيد لبنان، وعلى الصعيدين العربي والإسلامي.
وتنتهي الباحثة إلى أن العلاقة التاريخية العلمية والدينية بين سكان النجف وسكان جبل عامل، كانت دافعاً للتأثر والتأثير المتبادل بينهم، وإن هاتين البيئتين مثّلتا الأحداث البارزة في حياة السيد فضل الله(رض).
وتلفت الباحثة إلى أنَّ دراستها التاريخية لسماحته(رض)، تعود إلى كونه من المفكرين المعاصرين الإسلاميين، الذين تعرّضوا إلى حملات عدة، هدفها التشويه والطعن في آرائهم الفكرية والفقهية. وقد امتدّ الطعن حتى في مواقفه السياسية، لأسباب تتراوح بين التخلّف الحضاري، والتعصّب الأعمى، أو الخوف من انتشار فكر فقهي متنوِّر يقوم على خدمة المجتمع والدين.
وتوضح الباحثة أنّ سماحته(رض) تميّز بالكتابة في مجالات عديدة تهمّ الحياة والمجتمع والأسرة، وانفرد بمنهج خاص وأسلوب متميّز في مجال الكتابات الدينية والعقائدية، وامتلاكه الجرأة العلمية على طرح نظرياته الفقهية عندما يتوصّل إلى قناعة ثابتة بها، حيث رأى "أنه في ظل وضوح الرؤية لدى الفقيه ليس ثمّة مبرِّر له في الاحتياط، لأنه لا بد من أن يرتكز على دراسة واقعية لظروف المكلفين، لا لظروف المجتهدين".
وتتناول الباحثة منهجية سماحته(رض)، في سبيل الوصول إلى أفضل الطرق لدراسة التاريخ بروح علمية عميقة، وقراءة واعية، فالتاريخ لدى السيد فضل الله(رض) ليس مجرد تسجيل حرفي لقضية من قضايا الماضي، بل أصبح أداة فاعلة في صناعة الحاضر والمستقبل، كما وينبغي على كل باحث ودارس للتاريخ، كتابته بشكل واقعي وصحيح، بعيد عن القدسية لشخصية معينة، أو لقضيةٍ ما، باستثناء ما ثبت من سيرة الرسول(ص) والأئمة(ع). ويؤكّد السيد فضل الله(رض)، بحسب الباحثة، أنه لا يمكن للأمة والمجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة، أن تنهض من تخلّفها الحضاري الراهن، ما لم تمارس عملية نقد علمي موضوعي لتاريخها.
بعدها، تذكر الباحثة في الفصل الثاني مؤلفات سماحته(رض) العميقة والمهمة في القرآن الكريم، منها: (أسلوب الدعوة في القرآن)، الذي يحاول فيه اكتشاف العناصر الأصلية في الأسلوب الإسلامي للدعوة من خلال القرآن، و(الحوار في القرآن)، و(حركة النبوة في مواجهة الانحراف)، و(من عرفان القرآن)، ثم (تفسير من وحي القرآن). وتورد الباحثة مؤلفاته بحق أهل البيت(ع)، وبحوثه الفقهية المتنوعة والغنية، ولا تنسى الإشارة إلى المحاضرات والحوارات الفقهية والعقائدية لسماحته(رض).
بعد ذلك، تورد الباحثة مؤلفات سماحته(رض) السياسية والفكرية والأدبية، ومنها (الحكمة في خط الإسلام، (المقاومة الإسلامية آفاق وتطلعات)، (الإسلام ومنطق القوة)، (أحاديث في الوحدة الإسلامية)، (المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية)، (قضايا إسلامية معاصرة)، وغيرها من المؤلفات التي قدمت الباحثة بعضاً من الإضاءات عليها. ولا تنسى الباحثة الإشارة إلى الرسائل العملية المتصلة بأحكام الشريعة وفقه الحياة بوجه عام، والأسلوب الواضح والمميز لمباحثها.
ثم يأتي ذكر المواضيع الاجتماعية والإنسانية، ومنها مؤلّفاته حول المرأة، التي أولادها اهتماماً خاصاً، وتحدّث عن كل ما يتصل بها من شؤون وأوضاع، وبيّن الكثير من الأحكام والتفاصيل عنها، بأسلوب عميق وشامل.
وتتطرق إلى الكتابات الشعرية، وقبلها تعرض لمفهوم سماحته(رض) للشعر، وتأثير البيئة النجفية في تجربته الشعرية، فهذه التجربة تتميّز بالتجديد الشعري، الذي واكبه من خلال الحداثة وتيارها الذي كان سائداً في تلك الفترة، فقد كان سماحته(رض) يرى في الشعر كل الإحساس بالحياة وبجمالاتها، كما أنه ليس وسيلة فحسب، بل يجب أن يرتبط بالواقع الذي يعيشه الإنسان ليكون الشعر هو المحور الأساس في الحياة، والذي يجب أن يتصدّى لقضايا العصر، ويتولّى بناء المجتمع.
وترى الباحثة أن شعره كان يولي المضمون أهمية، أكثر من الشكل الشعري، حيث قال عن ذلك "إن القضية هي قضية المضمون الذي يعيش في داخل شخصية الشاعر، فهو يعطي للكلمة والشكل حيويتهما وإبداعهما"..[3] .
ولم تقتصر تجربة السيد فضل الله الشعرية ـ تتابع الباحثة ـ على قضايا المجتمع المعاصرة أو الوطنية، بل امتدت لتشمل أهل البيت، الذين وجد فيهم الفضاء الرحب والميدان الواسع، الذي أبدعت فيه تجربته الشعرية.
بعد ذلك، يأتي الكلام على نشاطه الخيري، ومتابعته للهمّ الاجتماعي والإنساني، فقد أولى سماحته(رض) اهتماماً كبيراً لرعاية الأيتام، واعتبر ذلك من صميم المسؤولية الشرعية والإنسانية العامة. وقد رعى مشروع حماية اليتيم وكفالته عبر مشروعين: المبرات الخيرية، التي تحولت من رعاية اجتماعية إلى رعاية شمولية في التربية والتعليم والثقافة ونواحي الحياة كافة، ورعاية الأيتام في أسرهم..
ويشمل النشاط الخيري مساعدة الفقراء والمساكين والمعوقين ورعاية المسنين، ناهيك بالمؤسسات المهنية والتربوية والصحية، من مستشفيات ومستوصفات ومراكز صحية اجتماعية. كذلك، تأسيس مراكز للعبادة، من مساجد وقاعات ومكتبات ومراكز ثقافية إسلامية، وتأسيس حوزات علمية، إضافة إلى المؤسسات الإعلامية، التي أولاها سماحته(رض) أهمية خاصة، نظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في العالم، الأمر الذي يوسِّع آفاق الدعوة الإسلامية.
وفي الفصل الثالث من الرسالة، تستعرض الباحثة المواقف السياسية للسيّد فضل الله في الشأن المحلي اللبناني، وأحداثه البارزة، ودوره في مجريات الحياة السياسية العامة، ودوره الكبير في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، واستنهاض روح المقاومة لدى الشعب اللبناني، وموقفه من عدوان تموز العام 2006، ودعمه الكبير للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه.
وتلفت الباحثة إلى بدايات عمل السيّد(رض) وجهاده، حيث انطلق في هذا العالم بقوة في بئر العبد، وتحديداً من مسجد بئر العبد، حيث كان يلقي المحاضرات، ويقيم الدروس والندوات، ويؤسس الجيل المقاومة، وقد كان له أثر في نفوس المقاومة، وذلك من خلال مشاركته الأساسية في المقاومة، وموقفه المعادي والمتشدّد من إسرائيل والصهيونية.
ويعزو السيد(رض) أسباب الحرب الأهلية، إلى مسألة الحركة الدولية والعربية، ليكون لبنان ساحة للضغط على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فالذي أشعل فتيل الحرب الأهلية لم يكن لبنانياً، بل كان إقليمياً ودولياً، حيث تمثل الجانب الإقليمي بإسرائيل، والجانب الدولي بأمريكا.
وفي أحد مباحثها، تعرض معدّة الرسالة لموقف سماحته(رض) من الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982م، فمن وجهة نظره، كانت من جملة أهدافه إسقاط القضية الفلسطينية، وإيهام العالم العربي بأن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً على العرب، ويجب التخلّص منها بدلاً من الدفاع عنها أو دعمها، ووضع الفلسطينيين خارج الحركة السياسية، ومنعهم من المشاركة في كل القضايا، كما تشير الباحثة إلى دور سماحته(رض) في رفض اتفاق 17 أيار بين بعض الجهات المحلية وإسرائيل.
وتلفت الباحثة في سياق متصل، إلى محاولات الاغتيال العديدة التي تعرّض لها سماحته، وأبرزها متفجرة بئر العبد العام 1985م.
وتطرّقت إلى موقفه من عدوان تموز العام 2006م، حيث خاض حرباً على مختلف الجبهات السياسية والفكرية والمؤسسية والروحية والثقافية والدينية، مازجاً بين روحية المرجع وعنفوان المقاومة في معركة الدفاع عن القيم والمفاهيم والوجود.
واعتبر أنّ هذه الحرب التي شنّتها إسرائيل على جنوب لبنان، هي حرب وحشية بربرية تمثّل العنصرية الحاقدة على الإنسانية كلها، وبخاصة على العرب والمسلمين، وتمثّل الحقد الأمريكي على الإنسان العربي واللبناني، انسجاماً مع التحالف اليهودي ـ الأمريكي.
كما تذكر الباحثة في أحد الفصول المواقف السياسية لسماحته من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي استحوذت على الجزء الأهم من تفكير سماحته، على مدى سنوات عمره، وأيضاً اهتمامه بالثورة الإسلامية في إيران، وما مثلته من انعطافات حقيقية في تاريخ المنطقة والعالم.
وتطرّقت الباحثة إلى موقفه من العراق، الذي يعتبر حاضراً على الدوام في صلب اهتماماته وتطلعاته، وموقفه من الحرب الأمريكية على العراق العام 2003م، حيث شكّلت الفتوى التي أطلقها سماحته في تحريم التعاون مع أمريكا وحلفائها على ضرب العراق، موقفاً إسلامياً وشيعياً متطوراً على صعيد طريقة التعاطي مع الملف العراقي. وكان توقيت إصدار هذه الفتوى بالغ الأهمية مع تصاعد التطورات الدولية والإقليمية بشأن الوضع في العراق. وهذه الفتوى ومواقفه المعارضة للتعاون مع الأمريكيين، قد لعبت دوراً فاعلاً في بروز حالة المقاومة ضد الأمريكيين في المناطق الجنوبية العراقية...
وفي الختام، تعرض الباحثة لمرحلة وفاة سماحته(رض) وما صاحبها ووصاياه العامة والخاصة.
بطاقة البحث: "محمد حسين فضل الله، دراسة تاريخية 1936-2010"، إعداد الطالبة: مروة سليم حبيب، رسالة أعدّت لنيل درجة الماجستير في التاريخ الحديث، مقدّمة إلى مجلس كلية التربية للعلوم الإنسانية ـ جامعة بابل العراق، إشراف الأستاذ المساعد، الدكتورة "وفاء كاظم ماضي الكندي".
تلخيص البحث: محرر موقع بينات
[1]جريدة بينات، العدد623، بتاريخ 25 نيسان/ أبريل 2008م
[2] سلسلة حوارات عقائدية وفقهية وقرآنية، بيروت 2002، ص:74
[3] علي حسن سرور: العلامة فضل الله وتحدي الممنوع، ص:19