لا بدَّ لحَمَلَة الهم الإسلامي من أن يوضحوا فهمهم القديم الجديد للإسلام، بعدما عمل الغرب وأعوانه من المسلمين على طمس معالمه، ورسموه بصورة لا تغري بالإيمان به، إن لم تشوهه وتأتي على كل جانب إيجابي بنّاء فيه، فكان أن انبرى حملةُ الرسالة الجدد، من الغرباء الذين يُحيون ما أمات الناس من سنة محمد(ص)، لبيان عظمة الإسلام والخير الذي يبشِّر به البشرية جميعاً، إنْ هي سارت تحت لوائه. وإليك هذا البيان الشعري للإسلام:
وليست هذه دعاوى، بل حقائق ينطق بها تاريخ الحضارة وسجل الأجيال التي قادت البشرية إلى شواطئ العدل والأمن والعلم.
وشتان بين الروح الشعري حين يؤمن بالمبادئ، فيهبها قلبه وأحاسيسه، وتتفاعل خلاله الذات والموضوع، حتى ليبدوا شيئاً واحداً، "أنا مَنْ أهوى ومن أهوى أنا"، شتان بينه وبين العقل البارد الذي يحلِّل الأشياء بطريقة منطقية محايدة!
ومن المعلوم أن التبشير بمبادئ الإسلام هذه، كان في بدايات الدعوة إلى الإسلام الحيوي والحركي، فكرة غريبة احتاجت إلى فترة من الزمن كي ترسخ جذورها في أوساط الشباب الذين ألفوا الفهم الغربي عن الدين عامة، وعن الإسلام خاصة.
أمل وثقة وإصرار
منذ بدايات العمل الجاد، حيث قلّ النصير وقلّ من يعي وظيفة الإنسان المسلم في حياة الصراع المعاصرة، كان هناك أمل يحدو العاملين يغذ السير لتحقيق الحلم؛ حلم أن تكون حرية الإنسان المسلم في ألا يعبد إلا الله، وألا يطيع إلا الله أو من سار على هدى الله، وأن يكون همّه تعبيد الناس لله وحده، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ورسالته هي الشرع القائم بين الناس، وأن يُدحر الشيطان ويُرغم أنفه. منذ البداية كان هذا الحلم:
ما زالت الأجيال.. في ملاحم الصراع
ولن يـزال
هذا الدجى يعتصر الشعاع
ويحطم اليـراع
ولم نزل نبحث عن حياةْ
عن أغنياتٍ تنسج الصباح
عقيدة تحضنها الرياح
فتغزل الشروق
حلْماً حريرياً كخفقة العروق(8)
ومنذ البداية، كان هناك الإصرار والتحدي والقوة المستمدة من ربّ القوى وناصر المؤمنين:
وهنا نحن أعين ترمق الفجـر وأيـدٍ تشـلُّ كفَّ الحقـودِ
سوف نجري ومشعلُ الحقّ يهدينا إلى نهجكَ العظيم السديدِ
وسيبقى صداك يُبدعُ الوعـي بأعماقنـا لفجـر ولُـودِ(9)
كان هذا في ذكرى المولد النبوي، حيث يستمد من الذكرى القوة والأمل والعبر، وهكذا كان الأمر في كل مناسبة تتعلق بميلاد الأئمة(ع)، لأن في حياتهم عبراً، وفي حياتهم قدوة للاستمرار والتضحية والترقب الصابر.
وقد لاحظنا كيف كان الدعاء مناسبة للتزود بزاد الشهادة، والاستعداد لمراقي التضحية، وكيف كان اللقاء بالله في لحظات العبادة الداعية، فرصة للّعب المتشوق من الذات الواهبة القادرة العالمة الموفقة.
وسوف نختم هذه المفردة بآخر مقطع من الديوان، وهو يمثل حالة من حالات القوة والتحدي والإصرار الواعد، لأنه مقطع من رحاب الدعاء والتوجه إلى الله وطلب العون منه، للتوفيق لنيل المرتبة العليا؛ مرتبة العبودية والعمل على إعلاء شأن الدين ورفع لوائه:
أبداً.. سوف يشهد الكون، في تاريخنا الطهر، مصرع الشيطانِ
وسنبقى في روعه القدس، من وحيك، نحيا انطلاقة الوجـدانِ
أنت ربُّ الحياة والموت، منك الخوف، في راحتيكَ سرّ الأمانِ(10)
الهامش: (1) فضل الله، محمد حسين، قصائد للإسلام والحياة، الطبعة الثانية، دار الملاك، بيروت، 2001م، ص 19.
(2) المصدر نفسه، 405.
(3) المصدر نفسه، ص: 174.
(4) المصدر نفسه، ص: 123.
(5) المصدر نفسه، ص: 127، 129.
(6) المصدر نفسه، ص: 85.
(7) المصدر نفسه، ص: 159.
(8) المصدر نفسه، ص: 119، 120.
(9) المصدر السابق نفسه، ص: 65.
(10) المصدر السابق نفسه، ص: 405.
المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر، بتصرف