دراسات
17/05/2013

الهمّ الإسلامي في شعر السيِّد: شواهد شعريَّة

الهمّ الإسلامي في شعر السيِّد: شواهد شعريَّة
لأنَّ المسيرة لا بدَّ لها من غذاء، كان الله رباً وملجأً وملاذاً وموضع شكوى ومناجاة وقوة يُستند إليها في حلبة الصّراع، وكان لهذه المفردة حقل واسع من ديوان "قصائد للإسلام والحياة" للشاعر السيد محمد حسين فضل الله، بعنوان "مع الله"، جعله في الصفحات الأولى من الديوان، إيحاءً بأنه يستمدّ قوَّته منه في الموقف من التحدي الَّذي يستهدف عباد الله ودين الله، فلا بدَّ ـ والحال هذه ـ من العودة إلى الله ذاته، وإلى دينه وشرعه بعد ذلك.
مع الله.. دعاء ومناجاة

ويلاحظ على طابع الدّعاء في الديوان، أنَّه ذو شقين: الشقّ الأوَّل فردي، والثاني جماعي يمثِّل صوت الأمة وصوت الجماعة الرائدة المؤمنة فيها.
في الشقِّ الأول، يبرز العبد المذنب الَّذي يطلب رحمة الله وغفرانه، ويستمد منه العون على طاعته، ويبدو أثر الصَّحيفة السّجادية واضحاً في هذا المجال، وهذا أمر غير غريب، لأنَّ السيّد ألف أجواء الدعاء هذه منذ صباه، نظراً إلى صلة أسرته وبيئته بأدعية أهل البيت، ومن أمثلة ذلك:
أنا راجٍ غفران ذنبي وإن ضجَّ بنتن الذنوب مني الفضـاءُ
وأنا من أنا؟ سوى الفقر للرحمة والعفو حسْبُ قلبي الرجاءُ
أنت ربي وقد صنعتَ بنعماك كياني.. وفاضت النعمـاءُ(1)

وهذا هو الغالب في الديوان، ومعه يكون التوجه الجماعي نحو الله في مسيرة الكدح والجهاد والدعوة والوقوف في مواجهة الأعداء بوجوههم المتعدّدة، كما يلاحظ في هذا النموذج:
أنت حسبي، يا ربّ إن جُنّتِ الأهوالُ حولي من عاديات الزمان
كل عمري للحـقّ، للخيـر، للإسلام، للنور في ربيع الجنـانِ
فليكن ما يكونُ، مـاذا يقولون؟ أنخشى ضـراوة الأضغـان؟
أبداً نحن جنـد دينـك في الساحـة نحيـا لموعـد الإيمـانِ
إنها قصة الجهـاد إذا اشتدت على الدربِ هجمـة الطغيـانِ(2)

فالحس الجمعي الإيماني للجماعة المؤمنة، يجعلها أكثر قدرةً على خوض الصراع في غمرة من الإحساس بالمدد الإلهي والتسديد الإلهي الذي يُستنـزل بالدعاء والصدق والوحدة.
الدعوة والعمل
مرّ على أمة الإسلام حينٌ من الدهر استمرأت فيه الخمول والكسل والاتكالية، حتى صدقت عليها مقولة "القابلية للاستعمار"، وكان يغذي هذا المرض أناس فهموا القرآن وفهموا الإسلام على أنه عبادة فردية منعزلة عن حركة الحياة، والأقسى من هذا، أنهم يقفون في طريق العاملين والدعاة، ويسمونهم بصفات تنفّر الناس منهم، فصاروا عقبةً في طريق العمل لا تقل عن العقبات التي يضعها العدو الأجنبي والعدو المحلي الذي يتمثل بالحكام وأتباعهم.
من هذا النمط البشري المثبط، يسخر السيد الشاعر سخرية لاذعة حين يصور منطقهم في التعامل مع حركة الحياة ومفردات التحدي:
ويظلّـون يهمسون تعالوا ننشد الأمن بين ظلٍّ ومـاء
إنها نغمة الحياة.. اشتهاءٌ أريحيُّ اللّذاتِ فوق اشتهـاء
ما لنا والدخول بين السلاطين فهذي طريقة الغوغـاء
نحن لا نفهم السياسة فلنتركْ خطاها لعُصبةِ الزعمـاء
ولنسبِّـح لله تسبيحـة الخاشـع فـي أريحيـة الآلاء
إننا ها هنـا لنعبـد في روح النبواتِ خالقَ الأشيـاء
ثم نجري لنحضن الجنّة الخضراء حباً في هدأة الإغفاء(3)
 
وعن الذين يضعون العقبات أمام العاملين للإسلام؛ الداعين دعوة الحق، يكتب السيد قصيدة "علام الضجيج"، ويخاطبهم قائلاً:
علامَ الضجيج؟
وماذا فعلنـا؟
وأنتم تثيرون أنى اتجهنا
غبار الطريق علينا
لأنّا دعونا إلى الله فيما دعونا
وأنّا أردنا هنا
أن يظلّ الطريقُ بوحي الهدى يتغنّى
ويعلوَ صوتُ السماءِ الحنونِ
وإن عربد البغي يوماً وُجنّا(4)

ويرى أن هذه سنّة أخرى من سنن الله الاجتماعيَّة، فكلما ظهرت دعوة للحق على ألسنة الأنبياء، انبرى أصحاب المصالح، والذين في قلوبهم مرض، والذين لا تبصر عيونهم النور، انبروا بشتى الأساليب للوقوف في وجه دعوة الحق... وها هي الأهداف نفسها وإن تغيّرت أساليبها، من نمرود وفرعون وأبي جهل، إلى رموز الكفر والضلال والفساد المعاصرة:
كالأساليب القديمة
كحكايات أبي جهل اللئيمة
عندما لوَّنت الدعوة أجفان الحياة
بالشعاع الوادع السمح، بألطاف الإله
إنهم اليوم مثل أسلافهم، يتفنّنون بالإشاعات وإلصاق التهم ومحاربة عباد الرحمن، ولكن صوت هؤلاء العباد يتحداهم بعنف:
غير أنّا سوف ندعو للأساليب الكريمة
وستندكُّ مع الفجر
الأساليب القديمة(5)
معنى الإسلام وعظمته

لا بدَّ لحَمَلَة الهم الإسلامي من أن يوضحوا فهمهم القديم الجديد للإسلام، بعدما عمل الغرب وأعوانه من المسلمين على طمس معالمه، ورسموه بصورة لا تغري بالإيمان به، إن لم تشوهه وتأتي على كل جانب إيجابي بنّاء فيه، فكان أن انبرى حملةُ الرسالة الجدد، من الغرباء الذين يُحيون ما أمات الناس من سنة محمد(ص)، لبيان عظمة الإسلام والخير الذي يبشِّر به البشرية جميعاً، إنْ هي سارت تحت لوائه. وإليك هذا البيان الشعري للإسلام:
الدين لو وعـت الحياة معاشـرٌ                     فكرٌ تُحرَّرُ باسمـه الآراءُ
يدعو لتحرير الشعوب فليس من                  قانونه أن يقهر الضعفـاءُ
أو ينحني شعب لسطوة غاصبٍ                  أو ينتشي ذئبٌ لتنحرَ شاءُ
ونظـام حـقٍ تلتقـي بكيانـه                         وبروحـه روحيّـة وإخاءُ
ومحبـة تسمـو لتنقـذ عالمـاً                          من أن يحطم جانحيه فنـاءُ
وعدالةٌ تأبـى طبيعـة وحيهـا                        إلا بأن يتصاغـر الإثراءُ
هذا هـو الإسلامُ نهجٌ واضـح                      للمهتدين ودعوة سمحـاءُ(6)
وليست هذه دعاوى، بل حقائق ينطق بها تاريخ الحضارة وسجل الأجيال التي قادت البشرية إلى شواطئ العدل والأمن والعلم.
إنه الإسـلام دربُ العبقريات السـخيّةْ
دربنا المشـرق في ظل حيـاةٍ أريحيــةْ
في مدانا حيث يحيا الفكر في أرض نديـةْ
حيث يجتاز الطريق الوعر في روحٍ رضـيّةْ
ويثير النور في أعماق درب البشـريـةْ(7)
 
وشتان بين الروح الشعري حين يؤمن بالمبادئ، فيهبها قلبه وأحاسيسه، وتتفاعل خلاله الذات والموضوع، حتى ليبدوا شيئاً واحداً، "أنا مَنْ أهوى ومن أهوى أنا"، شتان بينه وبين العقل البارد الذي يحلِّل الأشياء بطريقة منطقية محايدة!
ومن المعلوم أن التبشير بمبادئ الإسلام هذه، كان في بدايات الدعوة إلى الإسلام الحيوي والحركي، فكرة غريبة احتاجت إلى فترة من الزمن كي ترسخ جذورها في أوساط الشباب الذين ألفوا الفهم الغربي عن الدين عامة، وعن الإسلام خاصة.
أمل وثقة وإصرار
منذ بدايات العمل الجاد، حيث قلّ النصير وقلّ من يعي وظيفة الإنسان المسلم في حياة الصراع المعاصرة، كان هناك أمل يحدو العاملين يغذ السير لتحقيق الحلم؛ حلم أن تكون حرية الإنسان المسلم في ألا يعبد إلا الله، وألا يطيع إلا الله أو من سار على هدى الله، وأن يكون همّه تعبيد الناس لله وحده، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ورسالته هي الشرع القائم بين الناس، وأن يُدحر الشيطان ويُرغم أنفه. منذ البداية كان هذا الحلم:
ما زالت الأجيال.. في ملاحم الصراع
ولن يـزال
هذا الدجى يعتصر الشعاع
ويحطم اليـراع
ولم نزل نبحث عن حياةْ
عن أغنياتٍ تنسج الصباح
عقيدة تحضنها الرياح
فتغزل الشروق
حلْماً حريرياً كخفقة العروق(8)
ومنذ البداية، كان هناك الإصرار والتحدي والقوة المستمدة من ربّ القوى وناصر المؤمنين:
وهنا نحن أعين ترمق الفجـر وأيـدٍ تشـلُّ كفَّ الحقـودِ
سوف نجري ومشعلُ الحقّ يهدينا إلى نهجكَ العظيم السديدِ
وسيبقى صداك يُبدعُ الوعـي بأعماقنـا لفجـر ولُـودِ(9)
كان هذا في ذكرى المولد النبوي، حيث يستمد من الذكرى القوة والأمل والعبر، وهكذا كان الأمر في كل مناسبة تتعلق بميلاد الأئمة(ع)، لأن في حياتهم عبراً، وفي حياتهم قدوة للاستمرار والتضحية والترقب الصابر.
وقد لاحظنا كيف كان الدعاء مناسبة للتزود بزاد الشهادة، والاستعداد لمراقي التضحية، وكيف كان اللقاء بالله في لحظات العبادة الداعية، فرصة للّعب المتشوق من الذات الواهبة القادرة العالمة الموفقة.
وسوف نختم هذه المفردة بآخر مقطع من الديوان، وهو يمثل حالة من حالات القوة والتحدي والإصرار الواعد، لأنه مقطع من رحاب الدعاء والتوجه إلى الله وطلب العون منه، للتوفيق لنيل المرتبة العليا؛ مرتبة العبودية والعمل على إعلاء شأن الدين ورفع لوائه:
أبداً.. سوف يشهد الكون، في تاريخنا الطهر، مصرع الشيطانِ
وسنبقى في روعه القدس، من وحيك، نحيا انطلاقة الوجـدانِ
أنت ربُّ الحياة والموت، منك الخوف، في راحتيكَ سرّ الأمانِ(10)
 
الهامش: (1) فضل الله، محمد حسين، قصائد للإسلام والحياة، الطبعة الثانية، دار الملاك، بيروت، 2001م، ص 19.
(2) المصدر نفسه، 405.
(3) المصدر نفسه، ص: 174.
(4) المصدر نفسه، ص: 123.
(5) المصدر نفسه، ص: 127، 129.
(6) المصدر نفسه، ص: 85.
(7) المصدر نفسه، ص: 159.
(8) المصدر نفسه، ص: 119، 120.
(9) المصدر السابق نفسه، ص: 65.
(10) المصدر السابق نفسه، ص: 405.
المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر، بتصرف
لأنَّ المسيرة لا بدَّ لها من غذاء، كان الله رباً وملجأً وملاذاً وموضع شكوى ومناجاة وقوة يُستند إليها في حلبة الصّراع، وكان لهذه المفردة حقل واسع من ديوان "قصائد للإسلام والحياة" للشاعر السيد محمد حسين فضل الله، بعنوان "مع الله"، جعله في الصفحات الأولى من الديوان، إيحاءً بأنه يستمدّ قوَّته منه في الموقف من التحدي الَّذي يستهدف عباد الله ودين الله، فلا بدَّ ـ والحال هذه ـ من العودة إلى الله ذاته، وإلى دينه وشرعه بعد ذلك.
مع الله.. دعاء ومناجاة

ويلاحظ على طابع الدّعاء في الديوان، أنَّه ذو شقين: الشقّ الأوَّل فردي، والثاني جماعي يمثِّل صوت الأمة وصوت الجماعة الرائدة المؤمنة فيها.
في الشقِّ الأول، يبرز العبد المذنب الَّذي يطلب رحمة الله وغفرانه، ويستمد منه العون على طاعته، ويبدو أثر الصَّحيفة السّجادية واضحاً في هذا المجال، وهذا أمر غير غريب، لأنَّ السيّد ألف أجواء الدعاء هذه منذ صباه، نظراً إلى صلة أسرته وبيئته بأدعية أهل البيت، ومن أمثلة ذلك:
أنا راجٍ غفران ذنبي وإن ضجَّ بنتن الذنوب مني الفضـاءُ
وأنا من أنا؟ سوى الفقر للرحمة والعفو حسْبُ قلبي الرجاءُ
أنت ربي وقد صنعتَ بنعماك كياني.. وفاضت النعمـاءُ(1)

وهذا هو الغالب في الديوان، ومعه يكون التوجه الجماعي نحو الله في مسيرة الكدح والجهاد والدعوة والوقوف في مواجهة الأعداء بوجوههم المتعدّدة، كما يلاحظ في هذا النموذج:
أنت حسبي، يا ربّ إن جُنّتِ الأهوالُ حولي من عاديات الزمان
كل عمري للحـقّ، للخيـر، للإسلام، للنور في ربيع الجنـانِ
فليكن ما يكونُ، مـاذا يقولون؟ أنخشى ضـراوة الأضغـان؟
أبداً نحن جنـد دينـك في الساحـة نحيـا لموعـد الإيمـانِ
إنها قصة الجهـاد إذا اشتدت على الدربِ هجمـة الطغيـانِ(2)

فالحس الجمعي الإيماني للجماعة المؤمنة، يجعلها أكثر قدرةً على خوض الصراع في غمرة من الإحساس بالمدد الإلهي والتسديد الإلهي الذي يُستنـزل بالدعاء والصدق والوحدة.
الدعوة والعمل
مرّ على أمة الإسلام حينٌ من الدهر استمرأت فيه الخمول والكسل والاتكالية، حتى صدقت عليها مقولة "القابلية للاستعمار"، وكان يغذي هذا المرض أناس فهموا القرآن وفهموا الإسلام على أنه عبادة فردية منعزلة عن حركة الحياة، والأقسى من هذا، أنهم يقفون في طريق العاملين والدعاة، ويسمونهم بصفات تنفّر الناس منهم، فصاروا عقبةً في طريق العمل لا تقل عن العقبات التي يضعها العدو الأجنبي والعدو المحلي الذي يتمثل بالحكام وأتباعهم.
من هذا النمط البشري المثبط، يسخر السيد الشاعر سخرية لاذعة حين يصور منطقهم في التعامل مع حركة الحياة ومفردات التحدي:
ويظلّـون يهمسون تعالوا ننشد الأمن بين ظلٍّ ومـاء
إنها نغمة الحياة.. اشتهاءٌ أريحيُّ اللّذاتِ فوق اشتهـاء
ما لنا والدخول بين السلاطين فهذي طريقة الغوغـاء
نحن لا نفهم السياسة فلنتركْ خطاها لعُصبةِ الزعمـاء
ولنسبِّـح لله تسبيحـة الخاشـع فـي أريحيـة الآلاء
إننا ها هنـا لنعبـد في روح النبواتِ خالقَ الأشيـاء
ثم نجري لنحضن الجنّة الخضراء حباً في هدأة الإغفاء(3)
 
وعن الذين يضعون العقبات أمام العاملين للإسلام؛ الداعين دعوة الحق، يكتب السيد قصيدة "علام الضجيج"، ويخاطبهم قائلاً:
علامَ الضجيج؟
وماذا فعلنـا؟
وأنتم تثيرون أنى اتجهنا
غبار الطريق علينا
لأنّا دعونا إلى الله فيما دعونا
وأنّا أردنا هنا
أن يظلّ الطريقُ بوحي الهدى يتغنّى
ويعلوَ صوتُ السماءِ الحنونِ
وإن عربد البغي يوماً وُجنّا(4)

ويرى أن هذه سنّة أخرى من سنن الله الاجتماعيَّة، فكلما ظهرت دعوة للحق على ألسنة الأنبياء، انبرى أصحاب المصالح، والذين في قلوبهم مرض، والذين لا تبصر عيونهم النور، انبروا بشتى الأساليب للوقوف في وجه دعوة الحق... وها هي الأهداف نفسها وإن تغيّرت أساليبها، من نمرود وفرعون وأبي جهل، إلى رموز الكفر والضلال والفساد المعاصرة:
كالأساليب القديمة
كحكايات أبي جهل اللئيمة
عندما لوَّنت الدعوة أجفان الحياة
بالشعاع الوادع السمح، بألطاف الإله
إنهم اليوم مثل أسلافهم، يتفنّنون بالإشاعات وإلصاق التهم ومحاربة عباد الرحمن، ولكن صوت هؤلاء العباد يتحداهم بعنف:
غير أنّا سوف ندعو للأساليب الكريمة
وستندكُّ مع الفجر
الأساليب القديمة(5)
معنى الإسلام وعظمته

لا بدَّ لحَمَلَة الهم الإسلامي من أن يوضحوا فهمهم القديم الجديد للإسلام، بعدما عمل الغرب وأعوانه من المسلمين على طمس معالمه، ورسموه بصورة لا تغري بالإيمان به، إن لم تشوهه وتأتي على كل جانب إيجابي بنّاء فيه، فكان أن انبرى حملةُ الرسالة الجدد، من الغرباء الذين يُحيون ما أمات الناس من سنة محمد(ص)، لبيان عظمة الإسلام والخير الذي يبشِّر به البشرية جميعاً، إنْ هي سارت تحت لوائه. وإليك هذا البيان الشعري للإسلام:
الدين لو وعـت الحياة معاشـرٌ                     فكرٌ تُحرَّرُ باسمـه الآراءُ
يدعو لتحرير الشعوب فليس من                  قانونه أن يقهر الضعفـاءُ
أو ينحني شعب لسطوة غاصبٍ                  أو ينتشي ذئبٌ لتنحرَ شاءُ
ونظـام حـقٍ تلتقـي بكيانـه                         وبروحـه روحيّـة وإخاءُ
ومحبـة تسمـو لتنقـذ عالمـاً                          من أن يحطم جانحيه فنـاءُ
وعدالةٌ تأبـى طبيعـة وحيهـا                        إلا بأن يتصاغـر الإثراءُ
هذا هـو الإسلامُ نهجٌ واضـح                      للمهتدين ودعوة سمحـاءُ(6)
وليست هذه دعاوى، بل حقائق ينطق بها تاريخ الحضارة وسجل الأجيال التي قادت البشرية إلى شواطئ العدل والأمن والعلم.
إنه الإسـلام دربُ العبقريات السـخيّةْ
دربنا المشـرق في ظل حيـاةٍ أريحيــةْ
في مدانا حيث يحيا الفكر في أرض نديـةْ
حيث يجتاز الطريق الوعر في روحٍ رضـيّةْ
ويثير النور في أعماق درب البشـريـةْ(7)
 
وشتان بين الروح الشعري حين يؤمن بالمبادئ، فيهبها قلبه وأحاسيسه، وتتفاعل خلاله الذات والموضوع، حتى ليبدوا شيئاً واحداً، "أنا مَنْ أهوى ومن أهوى أنا"، شتان بينه وبين العقل البارد الذي يحلِّل الأشياء بطريقة منطقية محايدة!
ومن المعلوم أن التبشير بمبادئ الإسلام هذه، كان في بدايات الدعوة إلى الإسلام الحيوي والحركي، فكرة غريبة احتاجت إلى فترة من الزمن كي ترسخ جذورها في أوساط الشباب الذين ألفوا الفهم الغربي عن الدين عامة، وعن الإسلام خاصة.
أمل وثقة وإصرار
منذ بدايات العمل الجاد، حيث قلّ النصير وقلّ من يعي وظيفة الإنسان المسلم في حياة الصراع المعاصرة، كان هناك أمل يحدو العاملين يغذ السير لتحقيق الحلم؛ حلم أن تكون حرية الإنسان المسلم في ألا يعبد إلا الله، وألا يطيع إلا الله أو من سار على هدى الله، وأن يكون همّه تعبيد الناس لله وحده، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ورسالته هي الشرع القائم بين الناس، وأن يُدحر الشيطان ويُرغم أنفه. منذ البداية كان هذا الحلم:
ما زالت الأجيال.. في ملاحم الصراع
ولن يـزال
هذا الدجى يعتصر الشعاع
ويحطم اليـراع
ولم نزل نبحث عن حياةْ
عن أغنياتٍ تنسج الصباح
عقيدة تحضنها الرياح
فتغزل الشروق
حلْماً حريرياً كخفقة العروق(8)
ومنذ البداية، كان هناك الإصرار والتحدي والقوة المستمدة من ربّ القوى وناصر المؤمنين:
وهنا نحن أعين ترمق الفجـر وأيـدٍ تشـلُّ كفَّ الحقـودِ
سوف نجري ومشعلُ الحقّ يهدينا إلى نهجكَ العظيم السديدِ
وسيبقى صداك يُبدعُ الوعـي بأعماقنـا لفجـر ولُـودِ(9)
كان هذا في ذكرى المولد النبوي، حيث يستمد من الذكرى القوة والأمل والعبر، وهكذا كان الأمر في كل مناسبة تتعلق بميلاد الأئمة(ع)، لأن في حياتهم عبراً، وفي حياتهم قدوة للاستمرار والتضحية والترقب الصابر.
وقد لاحظنا كيف كان الدعاء مناسبة للتزود بزاد الشهادة، والاستعداد لمراقي التضحية، وكيف كان اللقاء بالله في لحظات العبادة الداعية، فرصة للّعب المتشوق من الذات الواهبة القادرة العالمة الموفقة.
وسوف نختم هذه المفردة بآخر مقطع من الديوان، وهو يمثل حالة من حالات القوة والتحدي والإصرار الواعد، لأنه مقطع من رحاب الدعاء والتوجه إلى الله وطلب العون منه، للتوفيق لنيل المرتبة العليا؛ مرتبة العبودية والعمل على إعلاء شأن الدين ورفع لوائه:
أبداً.. سوف يشهد الكون، في تاريخنا الطهر، مصرع الشيطانِ
وسنبقى في روعه القدس، من وحيك، نحيا انطلاقة الوجـدانِ
أنت ربُّ الحياة والموت، منك الخوف، في راحتيكَ سرّ الأمانِ(10)
 
الهامش: (1) فضل الله، محمد حسين، قصائد للإسلام والحياة، الطبعة الثانية، دار الملاك، بيروت، 2001م، ص 19.
(2) المصدر نفسه، 405.
(3) المصدر نفسه، ص: 174.
(4) المصدر نفسه، ص: 123.
(5) المصدر نفسه، ص: 127، 129.
(6) المصدر نفسه، ص: 85.
(7) المصدر نفسه، ص: 159.
(8) المصدر نفسه، ص: 119، 120.
(9) المصدر السابق نفسه، ص: 65.
(10) المصدر السابق نفسه، ص: 405.
المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر، بتصرف
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية