دراسات
17/05/2013

الدُّعاء في شعر السيِّد

الدُّعاء في شعر السيِّد
ويبدأ السيِّد بالدُّعاء؛ الدّعاء الَّذي أحبّه وسكن قلبه، فكان أنيس الليل وسمير اللحظات الأُنسية، فللمناجاة في ضمير السيِّد عنوانٌ أرَّخه بين حنايا النَّجف، فناجى وابتهل وتضرَّع ودعا:


ويناجيك في ابتهـالٍ مع اللَّـيلِ فتهمي الدُّموعُ من نـاظريَّا
لم يجـدْ في الوجـودِ قلباً حنوناً فأنـلْه حنـانَك العُلْوِيـَّا
هكذا هـكذا يعـيشُ بدنـياهُ يعـاني شقـاءَه السَّرمدِيَّا
ثم يذوي على الضلوعِ من الوجدِ ويلـقي نِـدَاه في أذنيـّا
خفقةً خفقةً ويهوي مع الـرُّوحِ فيلـقى هـدوءه الأبـدِيَّا

وتتوالى قصائد الروح ومقطوعات الدُّعاء، لترسُم بخطوطٍ من سحرٍ انتفاضة آهات الجراح، في وقتٍ نأت القيم والمُثُل والتعلُّق بالله والاستمساك بالعروة الوثقى.. وينطلقُ نداءُ السيِّد في هدأةِ الليل البهيم، معبِّراً عمّا آلت إليه حالة العلامة الروحيّة، فإذا بسماحته يعيش الصِّراع في أفقِ نفسِهِ، متسائلاً عن الحياة التي مصيرها إلى زوال، وهذا ما نقرأه في قصيدة "صوفية شاعر"، التي تُعدُّ من روائع السيّد الخالدة، ومن مطوّلاته الشعريّة الحكميّة، لأنّها صلاة الوجدان والخواطر:

"ربِّ ـ إنّي وفي انتفاضات آهاتـي جـراحٌ، وفي حشاي نُـصُولُ
أتلظّى بين الجـحيم وفي روحـي نـداءٌ إليـكَ كيـفَ السَّبـيلُ
تاه بي عالـمي إلى حيـثُ لا أدري، فـدنياي وحـشةٌ وذهولُ
ودُعاءٌ، في هـدأةِ اللّيلِ يستهـديك، والـدَّرْبُ موحِـشٌ مجهـولٌ
كيـف أسـمو إلى الحقيـقةِ حـُراً وكيـانـي مـقيّدٌ مغـلول"

إنها الحقيقة الَّتي بحث عنها السّيد في توسّله ودعائه، "لأنَّ الله هو الحقُّ والحقيقة، ولأنَّ حياته لم تعد كما كان يأمل:

"وحيـاتي شلـوٌ تنـاهبـهُ الريحُ، وألـوى بجـانبيـهِ الـذبُـولُ
وصـراعٌ فـي أفـقِ نفسـي، يجتـاح شعـوري بـه سؤالٌ طويـلُ
عذَّبـتْني أوهـامُـهُ زمـناً مـرَّ تعـاصـت علـيَّ فيـه الـحلـولُ
مـا حيـاتي هنـا.. ونحـنُ على الكـونِ ظِـلالٌ سَتمَّـحي وتـزولُ
رنّحتـنا الغيـومُ في هـدأة الليـلِ فمـاجت بنـا الرُّبـى والسهـولُ
ومضيـنا مـع الضّبـاب كمـا يرتَـعُ فـي وحشـةِ المكـانِ النّزيـلُ
هـكذا نـحن، حـيرةٌ يرقـصُ الوهـمُ عليـها، وتستطيـلُ السُّـدولُ
ربِّ هبـني بَـرْد اليقـين فقلـبي شعلـةٌ مـاج حولـها التَّضـلـيلُ
"

لم ينسَ السيِّد وهو في أوج دعائهِ واقعه الذي يئِنُّ ويرزحُ تحت وطأته، وهو واقع التّضليل والوحشة والحيرة والوهم، لذلك، كان كما عليّ(ع): "يأنس بالليل ووحدتِهِ ويستوحشُ من الدُّنيا وزهرتها"، فإذا ما حلَّ الليل رَفَعَ يديه، وهو الذي ما رفعهما إلا لصلاةٍ أو لدعاءٍ داعياً وراجياً، لأنّ هدأة الليل كانت بالنسبة إليه هدأة شعريّة يتنسَّمُ من خلالها همسات العاشقين وخشوع الزاهدين الدّاعين:

"ربِّ هذا الليلُ البهيم هدوءٌ شاعري طلقٌ وأفـقٌ جـميلُ
ونسيمٌ يموجُ في سرحةِ الروح نديٌّ ـ كما تشاءُ ـ عليلُ
وشعاعٌ ترقرقت فيه ألوانٌ من السِّحرِ رجرجتها الحـقولُ
نورُكَ الحُرُّ: منْهُ ينبعثُ الطُّهْرُ، وينَـدى به الصَّباحُ البليلُ
يبعثُ الشّاعر المُدَلَّه صوفـيّاً يناجيك: والنجـومُ مُثُـولُ
أنتَ رمزُ الهوى المشعُّ بدنياهُ.. وأنت الهادي وأنت المقيلُ"

هكذا كان النورُ ينبثقُ من عيني السيّد في جوّ الظلام وهو يدعو ربَّه، وقد هدأت نفسُهُ واستقرَّت آمالُه، واطمأنَّت أحلامُهُ معبِّراً عن ذاته بقوله:

"أنا في لُـجِّهِ أطـوفُ ولكن زورقي مُـجْهَدٌ وعبـئي ثقـيلُ
لم يَزل في يديَّ يرتعِـدُ المجـذَافُ، والـموجُ هائِـجٌ مخبـولُ
وشراعي مرنَّـحٌ، تلـعبُ الريحُ بأطرافـهِ، وطـرفي كلـيلُ
أتملَّى الضِّفاف، في حيرة الفكرِ، وقد لاح لي شُعـاعٌ ضئيلُ
أتملّى بهـا مَـدَاي كأنِّـي تائـِهٌ شاقَـهُ الـمَدى المجهـولُ
أستحثُّ الفجرَ الطليقَ يغنّي بسـنَاهُ الضُّحى ويزهـو الأصـيلُ
والدُّجى يصرعُ الحياةَ ويهوي من ذُراها فـيه كـيانٌ قـتيـلُ
ربِّ هبني إشعاعةً تبعثُ الوحيَ بروحـي فقد دَهَـاهُ المحـُولُ"

هذا هو السِّيدُ في اتجاهه الروحي سبيل النورِ والهداية، فالسِّيدُ تلميذُ القرآن، والقرآن كتاب الله الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، لأنّ الله ولي الذين آمنوا، وهو وليُّ السيد في شتّى لحظات حياتِهِ، فكيف إن كانت هذه اللحظات هي التي يشتاقها ويأنس بها. والدُّعاء سلاحُ المؤمن، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: 60]،{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان: 77]، فلئن رنّحتِ الغيوم حياة العلاَّمة السيّد، ولئن لعبت الريِّح بأطراف شراعه، فإنَّه بقي يأمل طلوع الفجرِ الصَّادق؛ فجر النور الإلهي، وفجر الحياة والحقيقة في زمن الجدبِ والمحول والقحط:

"وأنا هائمٌ وروحي تلتاعُ، ودنيـايَ في سمـاكَ تـجولُ
أستحثُّ الخطى إليك، كأنّ الشَّوق في جانحيَّ نارٌ أَكولُ"

لقد صار السيِّدُ في أجواء روحيّته وعبقات إيمانه طائراً، تقتاتُ جانحيه نار الحنين لعالم العدل الإلهي، حيث يرى الملائكة حافّين من حول العرشِ يُسبِّحون بحمد الله وشكرهِ:
 
"حملتني روحي إليك فباركْها، وروحي ـ كما علمتَ ـ بتـولُ
سئِـمتْ أفقـها المكـبّل بالأغـلالِ فاقـتادها إلـيك الدلـيلُ
وتخلّـت عن عـالمٍ يمرحُ الإثـم علـيه، ويسـرحُ الـتّدجـيلُ
لا تـرى فيـه غـير مذأبةٍ تعوي وكونٍ على الضعيـفِ يصـولُ"
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"
 
ويبدأ السيِّد بالدُّعاء؛ الدّعاء الَّذي أحبّه وسكن قلبه، فكان أنيس الليل وسمير اللحظات الأُنسية، فللمناجاة في ضمير السيِّد عنوانٌ أرَّخه بين حنايا النَّجف، فناجى وابتهل وتضرَّع ودعا:


ويناجيك في ابتهـالٍ مع اللَّـيلِ فتهمي الدُّموعُ من نـاظريَّا
لم يجـدْ في الوجـودِ قلباً حنوناً فأنـلْه حنـانَك العُلْوِيـَّا
هكذا هـكذا يعـيشُ بدنـياهُ يعـاني شقـاءَه السَّرمدِيَّا
ثم يذوي على الضلوعِ من الوجدِ ويلـقي نِـدَاه في أذنيـّا
خفقةً خفقةً ويهوي مع الـرُّوحِ فيلـقى هـدوءه الأبـدِيَّا

وتتوالى قصائد الروح ومقطوعات الدُّعاء، لترسُم بخطوطٍ من سحرٍ انتفاضة آهات الجراح، في وقتٍ نأت القيم والمُثُل والتعلُّق بالله والاستمساك بالعروة الوثقى.. وينطلقُ نداءُ السيِّد في هدأةِ الليل البهيم، معبِّراً عمّا آلت إليه حالة العلامة الروحيّة، فإذا بسماحته يعيش الصِّراع في أفقِ نفسِهِ، متسائلاً عن الحياة التي مصيرها إلى زوال، وهذا ما نقرأه في قصيدة "صوفية شاعر"، التي تُعدُّ من روائع السيّد الخالدة، ومن مطوّلاته الشعريّة الحكميّة، لأنّها صلاة الوجدان والخواطر:

"ربِّ ـ إنّي وفي انتفاضات آهاتـي جـراحٌ، وفي حشاي نُـصُولُ
أتلظّى بين الجـحيم وفي روحـي نـداءٌ إليـكَ كيـفَ السَّبـيلُ
تاه بي عالـمي إلى حيـثُ لا أدري، فـدنياي وحـشةٌ وذهولُ
ودُعاءٌ، في هـدأةِ اللّيلِ يستهـديك، والـدَّرْبُ موحِـشٌ مجهـولٌ
كيـف أسـمو إلى الحقيـقةِ حـُراً وكيـانـي مـقيّدٌ مغـلول"

إنها الحقيقة الَّتي بحث عنها السّيد في توسّله ودعائه، "لأنَّ الله هو الحقُّ والحقيقة، ولأنَّ حياته لم تعد كما كان يأمل:

"وحيـاتي شلـوٌ تنـاهبـهُ الريحُ، وألـوى بجـانبيـهِ الـذبُـولُ
وصـراعٌ فـي أفـقِ نفسـي، يجتـاح شعـوري بـه سؤالٌ طويـلُ
عذَّبـتْني أوهـامُـهُ زمـناً مـرَّ تعـاصـت علـيَّ فيـه الـحلـولُ
مـا حيـاتي هنـا.. ونحـنُ على الكـونِ ظِـلالٌ سَتمَّـحي وتـزولُ
رنّحتـنا الغيـومُ في هـدأة الليـلِ فمـاجت بنـا الرُّبـى والسهـولُ
ومضيـنا مـع الضّبـاب كمـا يرتَـعُ فـي وحشـةِ المكـانِ النّزيـلُ
هـكذا نـحن، حـيرةٌ يرقـصُ الوهـمُ عليـها، وتستطيـلُ السُّـدولُ
ربِّ هبـني بَـرْد اليقـين فقلـبي شعلـةٌ مـاج حولـها التَّضـلـيلُ
"

لم ينسَ السيِّد وهو في أوج دعائهِ واقعه الذي يئِنُّ ويرزحُ تحت وطأته، وهو واقع التّضليل والوحشة والحيرة والوهم، لذلك، كان كما عليّ(ع): "يأنس بالليل ووحدتِهِ ويستوحشُ من الدُّنيا وزهرتها"، فإذا ما حلَّ الليل رَفَعَ يديه، وهو الذي ما رفعهما إلا لصلاةٍ أو لدعاءٍ داعياً وراجياً، لأنّ هدأة الليل كانت بالنسبة إليه هدأة شعريّة يتنسَّمُ من خلالها همسات العاشقين وخشوع الزاهدين الدّاعين:

"ربِّ هذا الليلُ البهيم هدوءٌ شاعري طلقٌ وأفـقٌ جـميلُ
ونسيمٌ يموجُ في سرحةِ الروح نديٌّ ـ كما تشاءُ ـ عليلُ
وشعاعٌ ترقرقت فيه ألوانٌ من السِّحرِ رجرجتها الحـقولُ
نورُكَ الحُرُّ: منْهُ ينبعثُ الطُّهْرُ، وينَـدى به الصَّباحُ البليلُ
يبعثُ الشّاعر المُدَلَّه صوفـيّاً يناجيك: والنجـومُ مُثُـولُ
أنتَ رمزُ الهوى المشعُّ بدنياهُ.. وأنت الهادي وأنت المقيلُ"

هكذا كان النورُ ينبثقُ من عيني السيّد في جوّ الظلام وهو يدعو ربَّه، وقد هدأت نفسُهُ واستقرَّت آمالُه، واطمأنَّت أحلامُهُ معبِّراً عن ذاته بقوله:

"أنا في لُـجِّهِ أطـوفُ ولكن زورقي مُـجْهَدٌ وعبـئي ثقـيلُ
لم يَزل في يديَّ يرتعِـدُ المجـذَافُ، والـموجُ هائِـجٌ مخبـولُ
وشراعي مرنَّـحٌ، تلـعبُ الريحُ بأطرافـهِ، وطـرفي كلـيلُ
أتملَّى الضِّفاف، في حيرة الفكرِ، وقد لاح لي شُعـاعٌ ضئيلُ
أتملّى بهـا مَـدَاي كأنِّـي تائـِهٌ شاقَـهُ الـمَدى المجهـولُ
أستحثُّ الفجرَ الطليقَ يغنّي بسـنَاهُ الضُّحى ويزهـو الأصـيلُ
والدُّجى يصرعُ الحياةَ ويهوي من ذُراها فـيه كـيانٌ قـتيـلُ
ربِّ هبني إشعاعةً تبعثُ الوحيَ بروحـي فقد دَهَـاهُ المحـُولُ"

هذا هو السِّيدُ في اتجاهه الروحي سبيل النورِ والهداية، فالسِّيدُ تلميذُ القرآن، والقرآن كتاب الله الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، لأنّ الله ولي الذين آمنوا، وهو وليُّ السيد في شتّى لحظات حياتِهِ، فكيف إن كانت هذه اللحظات هي التي يشتاقها ويأنس بها. والدُّعاء سلاحُ المؤمن، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: 60]،{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان: 77]، فلئن رنّحتِ الغيوم حياة العلاَّمة السيّد، ولئن لعبت الريِّح بأطراف شراعه، فإنَّه بقي يأمل طلوع الفجرِ الصَّادق؛ فجر النور الإلهي، وفجر الحياة والحقيقة في زمن الجدبِ والمحول والقحط:

"وأنا هائمٌ وروحي تلتاعُ، ودنيـايَ في سمـاكَ تـجولُ
أستحثُّ الخطى إليك، كأنّ الشَّوق في جانحيَّ نارٌ أَكولُ"

لقد صار السيِّدُ في أجواء روحيّته وعبقات إيمانه طائراً، تقتاتُ جانحيه نار الحنين لعالم العدل الإلهي، حيث يرى الملائكة حافّين من حول العرشِ يُسبِّحون بحمد الله وشكرهِ:
 
"حملتني روحي إليك فباركْها، وروحي ـ كما علمتَ ـ بتـولُ
سئِـمتْ أفقـها المكـبّل بالأغـلالِ فاقـتادها إلـيك الدلـيلُ
وتخلّـت عن عـالمٍ يمرحُ الإثـم علـيه، ويسـرحُ الـتّدجـيلُ
لا تـرى فيـه غـير مذأبةٍ تعوي وكونٍ على الضعيـفِ يصـولُ"
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية