رأس المال التجاري:
يُراد بـ (رأس المال) كلّ ما له علاقة بالعملية التجارية مما يمكن حصر أفراده تحت العنوانين التاليين:
الأول: ما يكون من نوع الوسيلة لتحصيل الربح من الأمور التي يقتنيها العامل أو التاجر وتبقى أعيانها موجودة لاستخدامها دائماً في عملية الإنتاج بمختلف جوانبه، وهي مثل: آلات الإنتاج، وسيارة نقل الموظفين أو توزيع الإنتاج أو تأمين المواد الأولية ونحوها، ومحل الإنتاج، من مصنع وصالة عرض أو دكان أو مستودع أو مكتب علاقات ونحوها، وفرش وتجهيز ذلك البناء، وغير ذلك من الأمور العينية، بل إنَّ هذا العنوان يشتمل على بعض الأمور غير العينية كالمال الذي يدفع "خلواً" عند استئجار مكان للعمل، فإنه، وإن كان نقداً، غير أنه من الأمور التي تعتبر من مقدمات الإنتاج ووسائله لا من الأمور التي يتّجر بها. ويشبه "الخُلوَّ" المالُ النقدي الذي يدفعه التاجر كتأمين يُرَدُّ له فيما بعد للسماح له باستحداث المصنع أو المؤسسة مثلاً وغير ذلك، أمّا ما يدفعه من أجل الترخيص له من دون أن يُردَّ إليه فإنه لا يعدّ في رأس المال الذي يستربح به، بل من مؤنة التجارة ونفقاتها، مثلها كمثل أجرة المحل والعمال.
كذلك يشتمل العنوان الأول على مثل: آلة الفلاحة لمن يمتهنها، وسيارة نقل الركاب لمن يعمل في نقل الركاب، والأرض المغروسة أو المستصلحة للزراعة، والمواشي المقتناة لبيع لبنها وسخالها وفضلاتها، ونحو ذلك من آلات الحرف والصنائع المختلفة.
الثاني: ما يكون من الأمور التي يتجر بها من الأعيان التي يبيعها، سواء في ذلك الأموال نفسها في أعمال البنوك والصيرفة، أو البضائع بشتى أنواعها، أو البناء والعقارات أو غير ذلك.
وهنا لا بُدَّ من ذكر مسائل:
م ـ 1141: يجب تخميس رأس مال التجارة مهما كان نوعه، سواء كان ما يدخل تحت العنوان الأول أو الثاني من الأمور الآنفة الذكر، ولو كانت مثل "الخلو" لمن استأجر محلاً ليتخذه مكتباً له، بحيث لم يكن له رأس مال إلاَّ ذلك الخلو والطاولة والكرسي التي يجلس عليها.
ويستثنى من وجوب التخميس ما يلي:
1 ـ رأس المال المتخذ من مال مخمس سابقاً أو من مال لا يجب تخميسه بالأصل، كالميراث ومهر الزواج وعوض الطلاق الخلعي، فإنَّ مقدار ذلك المال يبقى محفوظاً من دون تخميس مهما تغيّر وتبدل عند الإتجار به، فمن ورث عن أبيه عقاراً مثلاً فباعه واشترى بثمنه مواد غذائية يتجر بها فإنه لا يخمس إلاَّ ما يربحه زيادة على ثمن ذلك العقار، ونفس الكلام يجري لو فرض أنه باع تلك المواد الغذائية واشترى بها سيارات واتجر بها، وهكذا الأمر في المهر وعوض الخلع. ويثبت نفس الحكم لما يتلف منه ويخسره ثُمَّ يجبره من أرباح سنته، فإنه يبقى معتبراً رأسَ مالٍ معفواً من الخمس؛ أمّا إذا تلف بأكمله أو تلف بعضه ولم يقدر على جبره من ربح سنته فإنه يصبح معدوماً ولا يعوض من ربح السنة الثانية كما سيأتي بيانه فيما بعد.
2 ـ المال الذي يساوي مقدار مصروفه السنوي أو يقل عنه، فإنه إذا لم يكن يملك غيره، لا نقداً ولا عيناً يمكن الإستغناء عنها، كالأرض وغيرها، ولم يكن عنده عمل إنتاجي آخر، فإنه إذا رغب في الإتجار بذلك المال، فاشترى سيارة لنقل الركاب مثلاً، أو فتح به حانوتاً لبيع الثياب أو غيرها، أو اشترى به عدّة للحياكة أو النجارة أو غيرهما، لم يجب عليه خمس المال الذي عنده إلاَّ أن يكون قد وجب فيه الخمس قبل ذلك لكونه مالاً مجمداً قد مضت عليه سنة سابقاً.
فإن كان عنده مال آخر أو وظيفة أو تجارة أخرى مثلاً، وكانت تغطي كامل نفقاته لم يشمله هذا الإستثناء ولزمه تخميس رأس ماله كغيره، وأما إذا كانت الوظيفة أو المال الزائد عن مصروفه السنوي لا تغطي إلاَّ بعض مصروفه السنوي فإنه يستثني من ذلك بنسبة ما ينقص عنه من المصروف السنوي فلا يخمسه ويخمس الباقي.
ومثاله: رجل يصرف في السنة عشرة آلاف، وهبه أخوه عشرة آلاف، وليس عنده مال آخر ولا عمل آخر، فإذا أتجر بذلك المال الموهوب له فإنه لا يخمسه.
أمّا إذا كان هذا الرّجل موظفاً وينتج خمسة آلاف في السنة، فإنه يخمس نصف ذلك المبلغ الموهوب له فقط إذا أتجر به، وكذلك لو لم يكن موظفاً لكنه كان يملك خمسة آلاف نقداً أو عيناً زيادة على المبلغ الموهوب له من أخيه.
م ـ 1142: إذا مضت عدّة سنين على التاجر من دون أن يكون له رأس سنة للخمس، فجعل لنفسه رأس سنة، فإذا أراد استثناء مقدار مصروفه السنوي من رأس المال لم يجب عليه أن يستثنيه بمقدار ما كان يصرفه في سنته الأولى التي بدأ فيها تجارته، بل إنَّ له أن يستثنيه بمقدار مصروفه في سنته الفعلية هذه، ولكن الاحتياط بمراعاة مصلحة المستحق أحسن.
م ـ 1143: لا تجب المبادرة إلى تخميس رأس المال التجاري عند بداية الإتجار به، بل يجوز إنتظار مرور سنة على ذلك الإتّجار فيخمسه على رأس السنة إلاَّ أن يتعلّق به الخمس لأسباب أخرى قبل ذلك، وذلك كما لو كان قد مرّت عليه سنة عنده، أو أنتجه خلال السنة ومرّت عليه رأس سنته، أو كان مالاً مختلطاً بالحرام، أو غير ذلك من الأسباب، وحيث يسوغ تخميسه آخر السنة، فإنه لو اشترى به مثلاً آلات للخياطة أو الزراعة فنقصت قيمتها آخر السنة فإنه يخمسها بقيمتها الحالية لا بقيمتها عند الشراء.