ضمن برنامج "روافد"، أجرت قناة العربيَّة الفضائيَّة مقابلةً مع سماحة الفقيه المجدِّد، السيِّد محمد حسين فضل الله(ره)، سألته فيها عن مختلف القضايا الفكريَّة والسياسيَّة والشعريَّة، وذلك بتاريخ 21 جمادى الأولى 1425 هـ/ الموافق: 9 تموز - يوليو 2004 م، اقتطعنا منه هذا الجزء المتعلّق ببعض القضايا المتَّصلة بالشّعر:
أقرأ إنسانيَّتي في الشِّعر
س: لننتقل من الحديث الفكريّ إلى الشِّعر. سماحتك قلت في أحد الحوارات: عندما أقرأ الشِّعر أقرأ إنسانيَّتي، ولا أقرأ موقعي الّذي يمثّل انفتاحي، حتّى موقعي المرجعيّ لا يمنعني من التَّحليق كإنسان يعيش كبقيّة النّاس..
ج: إنّني أعتقد أنَّ الإنسان لا بدَّ من أن يعيش رحابة إنسانيَّته، لأنَّ الإنسان الذي يخضع لتقاليد موقعه، هو إنسان يسجن نفسه في موقعه، وعندما أعيش موقعاً مرجعيّاً أو اجتماعيّاً، فذلك لا يمنعني من أن أعيش كلّ جمالات الطبيعة وكلّ أسرارها وكلّ أسرار النفس الإنسانيّة، والشّعر هو فنّ يعبّر عن عمق، عن عمق الأحاسيس والتطلّعات والانفتاحات والإيحاءات واللّمسات الإنسانيَّة.
س: ولكن ألا يحدّ العلاّمة والفقيه فيك من تجلّياتك أمام القصيدة؟
ج: إنّني أعتقد أنَّ الإنسان يمثّل وحدة؛ فالفقه، والشّعر، والسياسة، هي كلّها ظهورات لما تختزنه في ذاتك، ولذلك فإنِّي أتصوَّر أنّ كلّ أفق تعيش فيه يدعم الأفق الآخر. أنا أعتبر أنّ الفقه لا بدَّ في تأصيله وفي انفتاحه من أن يعيش الإنسان الفقيه الذّوق الفنّي المرهف الّذي يساعده على أن يفهم النصّ، لأنّ النصّ ـ ولا سيَّما النصّ القرآنيّ أو النصّ النبويّ ـ يمثّل كياناً، كيانا لغويّاً أدبيّاً، وخصوصاً أنّنا نقول إنّ القرآن يمثّل قمة البلاغة، ومن لا يعش الفنّ البلاغيّ لفهم الكلمة، فكيف يكون فقيهاً؟!
س: سماحة السيّد، كما نعلم أنّك ولدت في بيت فقه وشعر ومعرفة، فهل عشت طفولتك كما ينبغي؟ بمعنى هل كنت حرّاً؟
ج: عشت في مجتمع تقليديّ 100%، باعتبار أنّي ولدت في النَّجف الأشرف، البلد الّذي يضمّ الحوزة العلميَّة، والّتي تمتدّ في تقاليدها إلى مئات السّنين، ولكنَّ النَّجف في الوقت نفسه كانت تنبض بالجانب الثقافيّ والشّعريّ، بل كان الإنسان فيها يتنفّس شعراً. لذلك كنّا نعيش بعض هذه الانفتاحات، وخصوصاً أنّنا كنّا نعيش على كتف الصّحراء الممتدّة، كما كنّا نعيش على كتف التّاريخ عندما نلتقي بمرقد الإمام عليّ(ع)، وكنّا نعيش على كتف العالم الآخر عندما نلتقي بمقبرة وادي السّلام الّتي تُعدّ أكبر مقبرة في العالم، حيث إنّ الكثير من العراقيّين والشّيعة يدفنون موتاهم فيها، وهي تقوم على كتف الصّحراء. فكنّا ننتقل من كتف التّاريخ إلى كتف العالم الآخر، إلى كتف الشّعر والأدب والفقه والفلسفة وما إلى ذلك. وهكذا كان يمكن للإنسان عندما ينتقل من كتف إلى كتف، أن يشعر بشيء من الهواء يتنفّسه.
فلسفة الفرح والحزن
س: سماحة السيّد، تروي لنا أيضاً أنَّك عشت طفولةً ينقصها بعض الفرح، وفيها شيء من القسوة. هل استطعت لاحقاً أن تعوِّض عن تلك الخسارة؟
ج: أنا لا أعيش المأساة لأتجمّد فيها، ولكنّي أعيشها لأتحرَّر من تأثيراتها السلبيّة، وأكتشف في داخل المأساة الفرح، وهناك بيت شعر أقوله في هذا المجال:
فأنا أخلق وحدي جنّتي فأرى اللّذّة في أعماق حزني
س: بيت الشّعر هذا، من أيّ قصيدة سماحة السيّد؟
ج: هذه قصيدة قلتها في أواخر الخمسينات، وهي قصيدة قد يكون شكلها وجدانيّاً، ولكنّ عمقها فلسفيّ، أقول فيها:
أنا يا ليلاي مـا زلت أغنّي للضّحى حبي وللإشراق فنّي
وحياتي فكرة لـم يكتمـل في حنايا روحها وحي المغنّي
هبطت للأرض عذراء المنـى ترشف الأطياب في أطهر دنّي
أنا يا ليلاي مهـما يعتصـر من دمائي اللّيل في عزف التجنّي
فدمي قيثـارة تعـزف لـي أغنيات النّور في وحـي التغنّي
وأنا عبر المـدى ما ضـرّني أنّني وحـدي أحـيى وأغـنّي
أزرع البسمة في دنيا غـدي وأثير النّور في أطيـاف جفني
وأناجيك وحولي جنّةٌ من رؤى فنٍّ ومن أطياب حُسْنِ
فأنـا أخلق وحدي جنّتـي فأرى اللّذّة في أعماق حـزني
فتعالي نقطـع العمـر معـاً بين لهوٍ وعـذابٍ وتغــنّي
فهوانا لـم يعـد أسطـورةً في خيال يبدع النّجوى وظنّي
إنّه كون رحيب يغـدق الخـ صب نعماه على الرّوض الأغنِّ
فتعالي نبدع الحبَّ فما العمـ ـر إن لم يهدم الحبّ ويبنـي
غاية العمر حيـاة ينتشـي في حناياها الضّحى منك ومنّي
حياة الحبّ وحبّ الحياة
س: هذه القصيدة فيها الكثير من الحبّ، وأنت تقول إنّك لم تعش الحبّ من النّاحية الحسيّة، بل عشته بالفكر، ألم يحدث معك أبداً أن عشت قصّة حبّ؟
ج: أنا لم أعش الحياة بهذه التنوّعات الإنسانيّة الإحساسيّة الذّاتيّة؛ لأنّ المجتمع الّذي عشت فيه كان أقرب إلى المجتمع المنغلق منه إلى المجتمع المنفتح الّذي قد يُغري أو يوحي بمثل هذا الجوّ.
س: ألا تعتقد أنّ الحبّ يشكّل حافزاً أساسيّاً من حوافز الخلق والإبداع؟
ج: من الطبيعيّ جدّاً أنّ الحبّ يمثّل حيويّة التجدّد الإنساني، حيث يفتح إنسانيّتك ليحرّك العقل عندما تخطِّط لحركة الحبّ في الواقع، ويحرّك القلب في نبضاته وخفقاته، ويحرّك الإحساس والشّعور؛ إنّه يمثّل الصّفاء الّذي يحسّ به الإنسان، وخصوصاً عندما يعيش إنسانيّته في إنسانيّة الآخر. ليس من الضّروريّ أن يكون الحبّ غريزةً في الجانب الحيوانيّ للغريزة، ولكنّ الحبّ ينفتح على كلّ الكون، فنحن نعيش في صوفيّتنا الإيمانيّة، نعيش الحبّ لله، وأذكر بعضاً من قصيدةٍ لي في مناجاةٍ مع الله، أقول له فيها:
ضمَّنـي في بحيـرة الحـبّ إنّي غارق في بحيرة من دمائـي
ربِّ هبني الصّفاء في الرّوح إنّي أغرق العمر في كؤوس الصّفاءِ
آراء في المرأة والموت والحياة
س: سماحة السيِّد، ماذا عن حضور المرأة في التَّجربة وفي الحياة؟
ج: أنا لا أوافق على أن تكون المرأة مجرَّد كائن جنسيّ يوحي بالجنس، كما هي الفكرة عند الكثير من النَّاس في الشَّرق، بحيث كانت في النّظرة العامّة حالةً إذا تصوَّرتها، فإنّك تتصوّر الجنس، لأنَّنا حبسنا المرأة في تاريخنا الثَّقافيّ والاجتماعيّ، وحتَّى العائليّ، في هذه الدّائرة، وأغلقنا على المرأة عالم الفكر وعالم التَّجربة والحركة والحياة، مع أنَّ الله سبحانه وتعالى اعتبر الكون ينطلق من هذه الزّوجيَّة الّتي يندمج فيها الرَّجل في المرأة والمرأة في الرَّجل، لا اندماج الجسد بالجسد، ولكن اندماج العقل بالعقل، والرّوح بالرّوح، والحياة بالحياة.
س: سماحة السيِّد، ألا ترغب أحياناً بينك وبين نفسك في أن تعيش حياة مختلفة، حياة أخرى، مثلاً أن تذهب إلى البريَّة، أن تتأمَّل في الوجود.. أن...؟
ج: أنا كنت أمارس ذلك، فكنت أخرج إلى الصّحراء لأعيش ما يقترب ولو حسيّاً من اللانهاية واللامكان، إذا صحَّ التَّعبير، وكنت أخرج إلى البساتين، وأصعد إلى الجبال، وأتأثَّر بجمال الطَّبيعة، ولم يكن هذا بعيداً عن واقعي في الحياة.
س: سماحة السيِّد، تقول في بعض الأحاديث إنَّك لا تخاف الموت، ولكنَّك تخاف أن تموت قبل أن تنجز ما تفكّر فيه؟
ج: أنا أحبّ الحياة، أحبّها لأعيش كلّ تطلّعاتي فيها، على الرّغم من إيماني بأنَّنا ننتقل من حياةٍ إلى حياة أرجو أن تكون حياةً سعيدةً ورضيّة، إنّني أحبّ الحياة ولا أزال أحبّها من أجل أن أستكمل تطلّعاتي ومشاريعي فيها؛ لأنَّ مسألة ما أعيشه من فكر ومن تطلّع ومن محبّة للإنسان، ومن حركيّة في تحقيق القضايا الإنسانيّة الكبرى، الّتي تمتدّ إلى السّاحة العالميّة، تدفعني لأن أستهلك كلّ حياتي لأحقّق ما أمكن من أفكاري وأحلامي، بحيث لا يبقى للحياة عندي شيء، وعند ذلك فإنّني أواجه مسألة موت الحياة.
ربِّ مالي أبكي ومالـي أغنّي وحياتي تصـدُّ نجواك عـنّي
أنا أهواك لا لنعماك تستهـ وي كياني ولا لجنّة عـدنِ
أنا أهواك للهوى ترعش الرّو ح بأفيـائه ويهتـزّ لحنــي
للسّماء الزّرقاء تنساب منهـا شعلة النّور في جلالٍ وفـنِّ
للصّبا يوقظ الصّبابة في الأعـ ماق والحبّ في الضّلوع يغنّي
للصّباح الضّحوك ينهلُّ كالشلْـ لال للنّور مائـجاً بالتغنّي
للشّواطي تماوج النَّسَم الرّخ ـو بآفاقها بألطـف جفـن
أنا أهواك إنّ آثامي السّو ـد ستنداح في شعاعك عنّي
أنا أدري بأنّ خلف ظلال الـ موت إن ثارت الغريزة سجني
وبأنّي إذا اقتحمت لـذاذا تي وأترعت بالغوايـة دَنِّي
سوف أهوي إلى الجحيم ولكن أنا أرجو في ظلّ عفوك أمني
ربِّ هذي حقيبتي ليس فيـها لي من قربةٍ سوى حسن ظنِّي
ضمن برنامج "روافد"، أجرت قناة العربيَّة الفضائيَّة مقابلةً مع سماحة الفقيه المجدِّد، السيِّد محمد حسين فضل الله(ره)، سألته فيها عن مختلف القضايا الفكريَّة والسياسيَّة والشعريَّة، وذلك بتاريخ 21 جمادى الأولى 1425 هـ/ الموافق: 9 تموز - يوليو 2004 م، اقتطعنا منه هذا الجزء المتعلّق ببعض القضايا المتَّصلة بالشّعر:
أقرأ إنسانيَّتي في الشِّعر
س: لننتقل من الحديث الفكريّ إلى الشِّعر. سماحتك قلت في أحد الحوارات: عندما أقرأ الشِّعر أقرأ إنسانيَّتي، ولا أقرأ موقعي الّذي يمثّل انفتاحي، حتّى موقعي المرجعيّ لا يمنعني من التَّحليق كإنسان يعيش كبقيّة النّاس..
ج: إنّني أعتقد أنَّ الإنسان لا بدَّ من أن يعيش رحابة إنسانيَّته، لأنَّ الإنسان الذي يخضع لتقاليد موقعه، هو إنسان يسجن نفسه في موقعه، وعندما أعيش موقعاً مرجعيّاً أو اجتماعيّاً، فذلك لا يمنعني من أن أعيش كلّ جمالات الطبيعة وكلّ أسرارها وكلّ أسرار النفس الإنسانيّة، والشّعر هو فنّ يعبّر عن عمق، عن عمق الأحاسيس والتطلّعات والانفتاحات والإيحاءات واللّمسات الإنسانيَّة.
س: ولكن ألا يحدّ العلاّمة والفقيه فيك من تجلّياتك أمام القصيدة؟
ج: إنّني أعتقد أنَّ الإنسان يمثّل وحدة؛ فالفقه، والشّعر، والسياسة، هي كلّها ظهورات لما تختزنه في ذاتك، ولذلك فإنِّي أتصوَّر أنّ كلّ أفق تعيش فيه يدعم الأفق الآخر. أنا أعتبر أنّ الفقه لا بدَّ في تأصيله وفي انفتاحه من أن يعيش الإنسان الفقيه الذّوق الفنّي المرهف الّذي يساعده على أن يفهم النصّ، لأنّ النصّ ـ ولا سيَّما النصّ القرآنيّ أو النصّ النبويّ ـ يمثّل كياناً، كيانا لغويّاً أدبيّاً، وخصوصاً أنّنا نقول إنّ القرآن يمثّل قمة البلاغة، ومن لا يعش الفنّ البلاغيّ لفهم الكلمة، فكيف يكون فقيهاً؟!
س: سماحة السيّد، كما نعلم أنّك ولدت في بيت فقه وشعر ومعرفة، فهل عشت طفولتك كما ينبغي؟ بمعنى هل كنت حرّاً؟
ج: عشت في مجتمع تقليديّ 100%، باعتبار أنّي ولدت في النَّجف الأشرف، البلد الّذي يضمّ الحوزة العلميَّة، والّتي تمتدّ في تقاليدها إلى مئات السّنين، ولكنَّ النَّجف في الوقت نفسه كانت تنبض بالجانب الثقافيّ والشّعريّ، بل كان الإنسان فيها يتنفّس شعراً. لذلك كنّا نعيش بعض هذه الانفتاحات، وخصوصاً أنّنا كنّا نعيش على كتف الصّحراء الممتدّة، كما كنّا نعيش على كتف التّاريخ عندما نلتقي بمرقد الإمام عليّ(ع)، وكنّا نعيش على كتف العالم الآخر عندما نلتقي بمقبرة وادي السّلام الّتي تُعدّ أكبر مقبرة في العالم، حيث إنّ الكثير من العراقيّين والشّيعة يدفنون موتاهم فيها، وهي تقوم على كتف الصّحراء. فكنّا ننتقل من كتف التّاريخ إلى كتف العالم الآخر، إلى كتف الشّعر والأدب والفقه والفلسفة وما إلى ذلك. وهكذا كان يمكن للإنسان عندما ينتقل من كتف إلى كتف، أن يشعر بشيء من الهواء يتنفّسه.
فلسفة الفرح والحزن
س: سماحة السيّد، تروي لنا أيضاً أنَّك عشت طفولةً ينقصها بعض الفرح، وفيها شيء من القسوة. هل استطعت لاحقاً أن تعوِّض عن تلك الخسارة؟
ج: أنا لا أعيش المأساة لأتجمّد فيها، ولكنّي أعيشها لأتحرَّر من تأثيراتها السلبيّة، وأكتشف في داخل المأساة الفرح، وهناك بيت شعر أقوله في هذا المجال:
فأنا أخلق وحدي جنّتي فأرى اللّذّة في أعماق حزني
س: بيت الشّعر هذا، من أيّ قصيدة سماحة السيّد؟
ج: هذه قصيدة قلتها في أواخر الخمسينات، وهي قصيدة قد يكون شكلها وجدانيّاً، ولكنّ عمقها فلسفيّ، أقول فيها:
أنا يا ليلاي مـا زلت أغنّي للضّحى حبي وللإشراق فنّي
وحياتي فكرة لـم يكتمـل في حنايا روحها وحي المغنّي
هبطت للأرض عذراء المنـى ترشف الأطياب في أطهر دنّي
أنا يا ليلاي مهـما يعتصـر من دمائي اللّيل في عزف التجنّي
فدمي قيثـارة تعـزف لـي أغنيات النّور في وحـي التغنّي
وأنا عبر المـدى ما ضـرّني أنّني وحـدي أحـيى وأغـنّي
أزرع البسمة في دنيا غـدي وأثير النّور في أطيـاف جفني
وأناجيك وحولي جنّةٌ من رؤى فنٍّ ومن أطياب حُسْنِ
فأنـا أخلق وحدي جنّتـي فأرى اللّذّة في أعماق حـزني
فتعالي نقطـع العمـر معـاً بين لهوٍ وعـذابٍ وتغــنّي
فهوانا لـم يعـد أسطـورةً في خيال يبدع النّجوى وظنّي
إنّه كون رحيب يغـدق الخـ صب نعماه على الرّوض الأغنِّ
فتعالي نبدع الحبَّ فما العمـ ـر إن لم يهدم الحبّ ويبنـي
غاية العمر حيـاة ينتشـي في حناياها الضّحى منك ومنّي
حياة الحبّ وحبّ الحياة
س: هذه القصيدة فيها الكثير من الحبّ، وأنت تقول إنّك لم تعش الحبّ من النّاحية الحسيّة، بل عشته بالفكر، ألم يحدث معك أبداً أن عشت قصّة حبّ؟
ج: أنا لم أعش الحياة بهذه التنوّعات الإنسانيّة الإحساسيّة الذّاتيّة؛ لأنّ المجتمع الّذي عشت فيه كان أقرب إلى المجتمع المنغلق منه إلى المجتمع المنفتح الّذي قد يُغري أو يوحي بمثل هذا الجوّ.
س: ألا تعتقد أنّ الحبّ يشكّل حافزاً أساسيّاً من حوافز الخلق والإبداع؟
ج: من الطبيعيّ جدّاً أنّ الحبّ يمثّل حيويّة التجدّد الإنساني، حيث يفتح إنسانيّتك ليحرّك العقل عندما تخطِّط لحركة الحبّ في الواقع، ويحرّك القلب في نبضاته وخفقاته، ويحرّك الإحساس والشّعور؛ إنّه يمثّل الصّفاء الّذي يحسّ به الإنسان، وخصوصاً عندما يعيش إنسانيّته في إنسانيّة الآخر. ليس من الضّروريّ أن يكون الحبّ غريزةً في الجانب الحيوانيّ للغريزة، ولكنّ الحبّ ينفتح على كلّ الكون، فنحن نعيش في صوفيّتنا الإيمانيّة، نعيش الحبّ لله، وأذكر بعضاً من قصيدةٍ لي في مناجاةٍ مع الله، أقول له فيها:
ضمَّنـي في بحيـرة الحـبّ إنّي غارق في بحيرة من دمائـي
ربِّ هبني الصّفاء في الرّوح إنّي أغرق العمر في كؤوس الصّفاءِ
آراء في المرأة والموت والحياة
س: سماحة السيِّد، ماذا عن حضور المرأة في التَّجربة وفي الحياة؟
ج: أنا لا أوافق على أن تكون المرأة مجرَّد كائن جنسيّ يوحي بالجنس، كما هي الفكرة عند الكثير من النَّاس في الشَّرق، بحيث كانت في النّظرة العامّة حالةً إذا تصوَّرتها، فإنّك تتصوّر الجنس، لأنَّنا حبسنا المرأة في تاريخنا الثَّقافيّ والاجتماعيّ، وحتَّى العائليّ، في هذه الدّائرة، وأغلقنا على المرأة عالم الفكر وعالم التَّجربة والحركة والحياة، مع أنَّ الله سبحانه وتعالى اعتبر الكون ينطلق من هذه الزّوجيَّة الّتي يندمج فيها الرَّجل في المرأة والمرأة في الرَّجل، لا اندماج الجسد بالجسد، ولكن اندماج العقل بالعقل، والرّوح بالرّوح، والحياة بالحياة.
س: سماحة السيِّد، ألا ترغب أحياناً بينك وبين نفسك في أن تعيش حياة مختلفة، حياة أخرى، مثلاً أن تذهب إلى البريَّة، أن تتأمَّل في الوجود.. أن...؟
ج: أنا كنت أمارس ذلك، فكنت أخرج إلى الصّحراء لأعيش ما يقترب ولو حسيّاً من اللانهاية واللامكان، إذا صحَّ التَّعبير، وكنت أخرج إلى البساتين، وأصعد إلى الجبال، وأتأثَّر بجمال الطَّبيعة، ولم يكن هذا بعيداً عن واقعي في الحياة.
س: سماحة السيِّد، تقول في بعض الأحاديث إنَّك لا تخاف الموت، ولكنَّك تخاف أن تموت قبل أن تنجز ما تفكّر فيه؟
ج: أنا أحبّ الحياة، أحبّها لأعيش كلّ تطلّعاتي فيها، على الرّغم من إيماني بأنَّنا ننتقل من حياةٍ إلى حياة أرجو أن تكون حياةً سعيدةً ورضيّة، إنّني أحبّ الحياة ولا أزال أحبّها من أجل أن أستكمل تطلّعاتي ومشاريعي فيها؛ لأنَّ مسألة ما أعيشه من فكر ومن تطلّع ومن محبّة للإنسان، ومن حركيّة في تحقيق القضايا الإنسانيّة الكبرى، الّتي تمتدّ إلى السّاحة العالميّة، تدفعني لأن أستهلك كلّ حياتي لأحقّق ما أمكن من أفكاري وأحلامي، بحيث لا يبقى للحياة عندي شيء، وعند ذلك فإنّني أواجه مسألة موت الحياة.
ربِّ مالي أبكي ومالـي أغنّي وحياتي تصـدُّ نجواك عـنّي
أنا أهواك لا لنعماك تستهـ وي كياني ولا لجنّة عـدنِ
أنا أهواك للهوى ترعش الرّو ح بأفيـائه ويهتـزّ لحنــي
للسّماء الزّرقاء تنساب منهـا شعلة النّور في جلالٍ وفـنِّ
للصّبا يوقظ الصّبابة في الأعـ ماق والحبّ في الضّلوع يغنّي
للصّباح الضّحوك ينهلُّ كالشلْـ لال للنّور مائـجاً بالتغنّي
للشّواطي تماوج النَّسَم الرّخ ـو بآفاقها بألطـف جفـن
أنا أهواك إنّ آثامي السّو ـد ستنداح في شعاعك عنّي
أنا أدري بأنّ خلف ظلال الـ موت إن ثارت الغريزة سجني
وبأنّي إذا اقتحمت لـذاذا تي وأترعت بالغوايـة دَنِّي
سوف أهوي إلى الجحيم ولكن أنا أرجو في ظلّ عفوك أمني
ربِّ هذي حقيبتي ليس فيـها لي من قربةٍ سوى حسن ظنِّي