كان الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) لا يُسأل عن مسألة إلَّا ويجيب عنها، وكانت أجوبته انتزاعات من القرآن، بحيث كان لا يجيب بجواب إلا ويجعل القرآن الأساس الفكري في مضمون الجواب، ليحقِّق نقطتين:
الأولى، أن يربط الناس بالقرآن ليتعلّموا كيف يتدبّرون القرآن ويفكّرون فيه جيداً، حتى يتعمّقوا في معانيه، وحتى ينفتحوا على آفاقه، فإذا نابتهم نائبة أو أشكلت عليهم مشكلة، أو انفتح لهم درب لا يعرفون مداه، لجأوا إلى القرآن ليروا النور فيه.
والثانية: هي أن يعطي الفكرة بأنّ في القرآن ـــ لو وعينا القرآن حقّ وعيه ـــ تبياناً لكلّ شيء ممّا نحتاجه، ونحن هنا لا نتحدَّث عن تبيان الكيمياء أو الفيزياء وما إلى ذلك من العلوم، فليس للقرآن دخل في ذلك، وإن كان يشير إلى بعض اللمحات في هذه المجالات، لكنّ القرآن ليس كتاباً يتحدّث عن علوم البيئة، وإنّما يتحدّث عن الإنسان، وعمّا ينفتح بالإنسان على ربّه وعلى واقعه وعلى نفسه.
وهذا ما ينبغي لنا ـــ أيّها الأحبّة ـــ أن نتعلّمه من الإمام الرضا (ع)، وهو أن نجيب الناس في كلّ ما يسألونه، أن لا تكون هناك ثقافة خاصة للنخبة وثقافة أخرى عامة للناس، فالإسلام كلّه للناس، فلقد أراد الله لهم أن يعوه كلّه؛ في عقيدته وفي فلسفته وفي شريعته وفي منهجه وفي أسلوبه الحركيّ، هو للناس كافّة، لأنّ الله أرسل رسوله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ: 28].
ولذلك، فلا بدّ أن نعطي الحقيقة كلّها للناس، وإن كان المفروض أن يُعطى كل إنسان بحسب عقله وبحسب ثقافته وبحسب إمكاناته، أمّا أن نقول هذا أمر ينبغي أن لا نعطيه للناس، فهذا للخاصة وذاك للعامة، فمن الذي جعل إسلاماً للخاصة وإسلاماً للعامة؟! في حين نجد أنّ القرآن يخاطب كل الناس، وأنّ النبيّ تحدّث مع كل الناس.
وربّما يتفذلك بعض الناس، فيحدّثونك أنه لا بدّ لمن يملك علماً كبيراً عميقاً واسعاً، أن لا يتحدّث إلَّا بالمستوى الذي يتناسب مع مستواه، بينما لو قرأنا القرآن وقرأنا الآيات التي يسأل فيها النَّاس عن أشياء بسيطة، نرى أنّ الله يجيب عليها كلّها {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}[البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة: 215]، وهذا معناه أن تجيب الناس، لا من خلال ما أنت فيه من علم لتتحدّث عن مستوى لا بدّ أن يطلّ على الناس من فوق، بل أن تتحدَّث للناس كما كان يتحدَّث الأنبياء: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناسَ على قدر عقولهم"1، وفي الحديث: "ما كلّم رسول الله (ص) العباد بكُنهِ عقله قطُّ"2، إنّ عقله سيِّد العقول، ولكنه، كما يصفه أصحابه، "كان فينا كأحدنا"، يتحدّث معهم كما يتحدّث بعضهم مع بعض، وكان يفكر معهم عندما يشاورونه ويشاورهم.
فعلينا أن نأخذ من رسول الله (ص) ومن أبناء رسول الله الأئمّة (ع)، أن نأخذ منهم هذا التواضع الرسالي، وهذا التواضع العلميّ، وهذه الرسالية المنفتحة على الإنسان كلّه.
هذا ما نتعلّمه من الإمام الرّضا (ع)؛ أن ننفتح على كلّ الأسئلة، فلقد أحصي من أجوبة مسائله ثمانية عشر ألف مسألة، وكان ينتزع ذلك من القرآن. وعلينا أن ننفتح على القرآن ليكون أساس عقيدتنا، وأساس الخطوط العامَّة في شريعتنا، وإذا انطلقنا إلى السنّة، فعلينا أن نجعل القرآن هو الحاكم عليها: "كلُّ حديثٍ لا يوافقُ كتابَ الله فهو زخرف"3، "ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالَف كتاب الله فذروه"4.
ولعلّنا إذا انفتحنا على القرآن أوَّلاً، وأخذنا أصول العقيدة منه، واستلهمنا الخطوط العامَّة للشريعة منه، وأخذنا المفاهيم العامَّة للحياة منه، عند ذلك، يمكن أن نفهم الأحاديث فهماً آخر، لأنَّ القرآن هو الذي يضيء للحديث معناه {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ}[المائدة: 15].
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
[1]الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 23.
[2]المصدر نفسه.
[3]المصدر نفسه، ص 69.
[4]المصدر نفسه.
كان الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) لا يُسأل عن مسألة إلَّا ويجيب عنها، وكانت أجوبته انتزاعات من القرآن، بحيث كان لا يجيب بجواب إلا ويجعل القرآن الأساس الفكري في مضمون الجواب، ليحقِّق نقطتين:
الأولى، أن يربط الناس بالقرآن ليتعلّموا كيف يتدبّرون القرآن ويفكّرون فيه جيداً، حتى يتعمّقوا في معانيه، وحتى ينفتحوا على آفاقه، فإذا نابتهم نائبة أو أشكلت عليهم مشكلة، أو انفتح لهم درب لا يعرفون مداه، لجأوا إلى القرآن ليروا النور فيه.
والثانية: هي أن يعطي الفكرة بأنّ في القرآن ـــ لو وعينا القرآن حقّ وعيه ـــ تبياناً لكلّ شيء ممّا نحتاجه، ونحن هنا لا نتحدَّث عن تبيان الكيمياء أو الفيزياء وما إلى ذلك من العلوم، فليس للقرآن دخل في ذلك، وإن كان يشير إلى بعض اللمحات في هذه المجالات، لكنّ القرآن ليس كتاباً يتحدّث عن علوم البيئة، وإنّما يتحدّث عن الإنسان، وعمّا ينفتح بالإنسان على ربّه وعلى واقعه وعلى نفسه.
وهذا ما ينبغي لنا ـــ أيّها الأحبّة ـــ أن نتعلّمه من الإمام الرضا (ع)، وهو أن نجيب الناس في كلّ ما يسألونه، أن لا تكون هناك ثقافة خاصة للنخبة وثقافة أخرى عامة للناس، فالإسلام كلّه للناس، فلقد أراد الله لهم أن يعوه كلّه؛ في عقيدته وفي فلسفته وفي شريعته وفي منهجه وفي أسلوبه الحركيّ، هو للناس كافّة، لأنّ الله أرسل رسوله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ: 28].
ولذلك، فلا بدّ أن نعطي الحقيقة كلّها للناس، وإن كان المفروض أن يُعطى كل إنسان بحسب عقله وبحسب ثقافته وبحسب إمكاناته، أمّا أن نقول هذا أمر ينبغي أن لا نعطيه للناس، فهذا للخاصة وذاك للعامة، فمن الذي جعل إسلاماً للخاصة وإسلاماً للعامة؟! في حين نجد أنّ القرآن يخاطب كل الناس، وأنّ النبيّ تحدّث مع كل الناس.
وربّما يتفذلك بعض الناس، فيحدّثونك أنه لا بدّ لمن يملك علماً كبيراً عميقاً واسعاً، أن لا يتحدّث إلَّا بالمستوى الذي يتناسب مع مستواه، بينما لو قرأنا القرآن وقرأنا الآيات التي يسأل فيها النَّاس عن أشياء بسيطة، نرى أنّ الله يجيب عليها كلّها {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}[البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة: 215]، وهذا معناه أن تجيب الناس، لا من خلال ما أنت فيه من علم لتتحدّث عن مستوى لا بدّ أن يطلّ على الناس من فوق، بل أن تتحدَّث للناس كما كان يتحدَّث الأنبياء: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناسَ على قدر عقولهم"1، وفي الحديث: "ما كلّم رسول الله (ص) العباد بكُنهِ عقله قطُّ"2، إنّ عقله سيِّد العقول، ولكنه، كما يصفه أصحابه، "كان فينا كأحدنا"، يتحدّث معهم كما يتحدّث بعضهم مع بعض، وكان يفكر معهم عندما يشاورونه ويشاورهم.
فعلينا أن نأخذ من رسول الله (ص) ومن أبناء رسول الله الأئمّة (ع)، أن نأخذ منهم هذا التواضع الرسالي، وهذا التواضع العلميّ، وهذه الرسالية المنفتحة على الإنسان كلّه.
هذا ما نتعلّمه من الإمام الرّضا (ع)؛ أن ننفتح على كلّ الأسئلة، فلقد أحصي من أجوبة مسائله ثمانية عشر ألف مسألة، وكان ينتزع ذلك من القرآن. وعلينا أن ننفتح على القرآن ليكون أساس عقيدتنا، وأساس الخطوط العامَّة في شريعتنا، وإذا انطلقنا إلى السنّة، فعلينا أن نجعل القرآن هو الحاكم عليها: "كلُّ حديثٍ لا يوافقُ كتابَ الله فهو زخرف"3، "ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالَف كتاب الله فذروه"4.
ولعلّنا إذا انفتحنا على القرآن أوَّلاً، وأخذنا أصول العقيدة منه، واستلهمنا الخطوط العامَّة للشريعة منه، وأخذنا المفاهيم العامَّة للحياة منه، عند ذلك، يمكن أن نفهم الأحاديث فهماً آخر، لأنَّ القرآن هو الذي يضيء للحديث معناه {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ}[المائدة: 15].
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
[1]الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 23.
[2]المصدر نفسه.
[3]المصدر نفسه، ص 69.
[4]المصدر نفسه.