التقى الإمام الرّضا (ع) بتلميذه (السيّد عبد العظيم الحسني) الذي يزار في منطقة الريّ، ويسمّى (الشاه عبد العظيم)، فلقد كان يرسله ليبلّغ أولياءه ما يريد منهم... قال [له]: "يا عبد العظيم، أبلغ عنّي أوليائي السّلام، وقل لهم أن لا يجعلوا للشّيطان على أنفسهم سبيلاً".
أن يعرفوا خطوات الشّيطان ووساوس الشيطان وحيل الشيطان وألاعيبه، وأن يعملوا على أن يتفادوا ذلك كلّه في سلوكهم العمليّ، فيغلقوا كلّ النوافذ التي يمكن أن يطلّ عليهم منها، ويسدّوا كلّ الطرق التي يمكن أن يأتي إليهم منها.
والوصيّة لكم أيضاً، لأنه يوصي أولياءه، وأنتم من أوليائه في كلّ مكان وزمان.
"ومرْهم بالصّدق في الحديث"، أن لا يكونوا الكاذبين فيما يحدِّثون به، لأنّ الكذب يعطّل وضوح الحقيقة في الواقع، فعندما نعيش الواقع في جزئيّاته وكليّاته بعيداً من الحقيقة، فإنّه سوف يصاب بالضّياع وبالارتباك وبالخلل في موازينه وفي أحكامه.
"وأداء الأمانة"، لأنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها، سواء كان أهلها من الكافرين أو من المسلمين، ولأنَّ أداء الأمانة، سواء كانت أمانة مال أو أمانة سرّ أو أمانة مسؤوليّة، هي التي تحافظ على توازن المجتمع، وعلى تركيز قواعد الثقة الاجتماعيّة بين أفراد المجتمع، عندما يحترم كلّ شخصٍ الآخر من خلال ما اؤتمن عليه في حياته، مالاً كان أو أمراً سياسياً أو اجتماعياً.
"ومرْهم بالسكوت"، بالصّمت الذي ينطلق به الإنسان ليفكّر، لا صمت الغباء، ولكن صمت الفكر، لأنّ الإنسان إذا لم يعطِ نفسه فرصة للصَّمت وللسّكوت، فإنه قد لا يجد فرصة للتفكير الصافي المنفتح.
لذلك، نحن بحاجة ـ أيّها الأحبّة ـ إلى بعض الصمت وبعض السكوت، حتى نستطيع من خلال صفاء الفكر وهدوئه وابتعاده عن الضّجيج، أن نفكّر فيما عملناه وفيما قلناه وفيما خطّطنا له، لندرس إيجابياته وسلبياته، ولنعرف ما نريد أن نخطّط له أو نقوله أو أن نفعله، لندرس نقاط ضعفه ونقاط قوّته في أين الصّواب هنا وأين الخطأ هناك.
"وترك الجدال فيما لا يعنيهم". وهذه وصيّة حيّة مهمة رائعة، وهي أنك عندما تدخل في جدالٍ حول أمر تختلف فيه مع الآخر، فكّر في هذا الأمر الّذي تثير الجدال فيه؛ هل هو من الأمور التي تتّصل بالخطوط الأساسية للعقيدة، باعتبار أنّ عقيدتك مسؤولية فكرك الذي تقدّم فيه حسابك إلى الله، أو أنه يتصل بخطّ حيويّ بالشريعة، باعتبار أن الشريعة تمثّل حركة حياتك في مسؤوليّاتك السلبية أو الإيجابية أمام الله، أو هل يتصل بشأن من شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يتعلّق بقضايا المصير؟
أما إذا رأيت أنّ هذا الأمر لا علاقة له بالعقيدة، ولا علاقة له بالشّريعة، ولا علاقة له بالحياة، ولا علاقة له بالمصير، وإنما هو مجرّد شيء تجريديّ، سواء اعتقدته أو لم تعتقده، فإنه لن يغيّر من الأمر شيئاً...
"وإقبال بعضهم على بعض"، وذلك بأن لا يتقاطعوا، وأن يقبل المؤمن على المؤمن بعقله ليعطي النصيحة، وبقلبه ليعطي المحبّة، وبحياته ليعطي الطاقة.
"والمزاورة"، بأن يزور بعضهم بعضاً، "فإنّ ذلك قربة إليّ"، لأنهم بذلك يوحّدون الصّفّ، وبذلك يقوى الموقع.
"ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً"، في حين أنّ الكثيرين يزورون الإمام الرّضا (ع)، وهم يمزّقون بعضهم بعضاً عنده، أو قريباً منه، أو في أجوائه على كلّ المستويات، والفئات تمزّق بعضها بعضاً، والمشايخ يمزّقون بعضهم بعضاً، والعوائل والأعراق، كأنهم لا يشعرون بأنّ "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً"1، وكأنهم لا يعرفون أنَّ "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمَّى والسّهر"2.
"فإنّي آليت على نفسي أنّه من فعل ذلك" من شيعتي ومن أوليائي، "وأسخط وليّاً من أوليائي"، بالإساءة إليه، وباتهامه بما ليس فيه، وبغيبته وبتشويه صورته وبإسقاط موقعه، "دعوت الله ليعذّبه في الدّنيا أشدّ العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين".
وهذه تحتاج إلى تأمّل، فلو دعا عليك شخص فالأمر هيّن، ولكنّ الإمام الرضا (ع) يقول أنا أخذت على نفسي عهداً أمام الله أن أدعو عليهم بأن يعذّبهم الله أشدّ العذاب.
"وعرّفهم أنَّ الله قد غفر لمحسنهم"، عندما ينطلقون من قاعدة الإسلام ومن قاعدة الخطّ الأصيل، وهو خطّ الولاية في الإسلام.
"وتجاوز عن مسيئهم، إلّا من أشرك به، أو آذى وليّاً من أوليائي، أو أضمر له سوءاً، فإنَّ الله لا يغفر له حتّى يرجع عنه"، أي عندما تعود القلوب مفتوحةً على المحبّة بعضنا لبعض، فإذا كان الشّخص يؤذي وليّاً أو يضمر له سوءاً، "فإنَّ الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فإن رجع عنه، تاب الله عليه، وإلّا نزع روح الإيمان من قلبه، وخرج من ولايتي، ولم يكن له نصيب في ولايتنا، وأعوذ بالله من ذلك"3...
* من كتاب "النّدوة"، ج 4.
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 58، ص 152.
[2]بحار الأنوار، ج 58، ص 152.
[3]بحار الأنوار، ج71، ص 232.