اليوم
الأربعاء 29 كانون الثاني
عربي
English
ادعم الموقع
الرئيسية
فقه
المكتبة
أرشيف السيد
حقيبة بينات
×
أخبار بينات
كتابات
محاضرات
فقه
تصفح فقه الشريعة (الرسالة العملية)
دليل مناسك الحج
فيديوهات فقهية
الصيد والذبائح
كتب للمطالعة
المكتبة
قراءات
كتب عن السيد
قرآنيات
سياسة و فكر سياسي
أسرة ومجتمع
أهل البيت
عاشوراء
قضايا الهجرة والاغتراب
فقه وأحكام شرعية
شعر وأدب
أبحاث فقهية
تفسير القرآن
كتب باللغة الفرنسية
كتب باللغة الإنكليزية
أخلاق
دعاء
فكر إسلامي
أعلام و سيرة السيد
خطب الجمعة
مفاهيم
عقائد
حديث
كلمات
أديان
الحج
موسوعة الندوة
أرشيف السيد
خطب الجمعة
بيانات
حوارات
أخبار السيّد
أناشيد
أناشيد حول السيد
سيرة السيد
مقابلات
السيد في النجف
السيد في لبنان
العالم الفقيه
المرجعية المؤسسة
زيارات ومؤتمرات
ملف الرحيل
مرجعية السيد فضل الله
مقالات ودراسات
صور العلامة المرجع السيد فضل الله(رض)
ذكريات مع السيّد
مؤسسات السيد فضل الله(رض)
حقيبة بينات
أعمال ومستحبات
مناسبات
مواقيت
المكتبة
دعاء
أدعية الصحيفة السجاديّة
أدعية مشهورة
شرح الدعاء
المناجيات الخمس عشرة
حول الدعاء
أدعية أيام الأسبوع
كتب أدعية
زيارات
صفحات خاصة
الحج
المغتربين
عاشوراء
رمضان
تاريخ وسيرة
أهل البيت
سيرة الرسول(ص)
سيرة الأنبياء(ع)
ملفات تاريخية
قرآن
مسائل قرآنية
مقالات قرآنية
×
أخبار بينات
كتابات
محاضرات
فقه
تصفح فقه الشريعة (الرسالة العملية)
دليل مناسك الحج
فيديوهات فقهية
الصيد والذبائح
كتب للمطالعة
المكتبة
قراءات
كتب عن السيد
قرآنيات
سياسة و فكر سياسي
أسرة ومجتمع
أهل البيت
عاشوراء
قضايا الهجرة والاغتراب
فقه وأحكام شرعية
شعر وأدب
أبحاث فقهية
تفسير القرآن
كتب باللغة الفرنسية
كتب باللغة الإنكليزية
أخلاق
دعاء
فكر إسلامي
أعلام و سيرة السيد
خطب الجمعة
مفاهيم
عقائد
حديث
كلمات
أديان
الحج
موسوعة الندوة
أرشيف السيد
خطب الجمعة
بيانات
حوارات
أخبار السيّد
أناشيد
أناشيد حول السيد
سيرة السيد
مقابلات
السيد في النجف
السيد في لبنان
العالم الفقيه
المرجعية المؤسسة
زيارات ومؤتمرات
ملف الرحيل
مرجعية السيد فضل الله
مقالات ودراسات
صور العلامة المرجع السيد فضل الله(رض)
ذكريات مع السيّد
مؤسسات السيد فضل الله(رض)
حقيبة بينات
أعمال ومستحبات
مناسبات
مواقيت
المكتبة
دعاء
أدعية الصحيفة السجاديّة
أدعية مشهورة
شرح الدعاء
المناجيات الخمس عشرة
حول الدعاء
أدعية أيام الأسبوع
كتب أدعية
زيارات
صفحات خاصة
الحج
المغتربين
عاشوراء
رمضان
تاريخ وسيرة
أهل البيت
سيرة الرسول(ص)
سيرة الأنبياء(ع)
ملفات تاريخية
قرآن
مسائل قرآنية
مقالات قرآنية
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
سيرة السيد
أرشيف خطب الجمعة عام 1998
19/01/2025
النّداءُ القرآنيُّ إلى النَّاس: حُسْنُ التَّخاطبِ وتجنُّبُ الفحشِ والبذاءة
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}
[البقرة: 83]، ويقول سبحانه وتعالى:
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحْسَنُ}
[الإسراء: 53].
دعوةٌ إلى حسنِ التَّخاطبِ
في هاتين الآيتين، نداء إلى النَّاس أن يحسنوا التَّخاطب فيما بينهم، بأن يتحدَّث الإنسان مع الإنسان الآخر، سواء كان قريباً منه أو بعيداً عنه، بالطَّريقة الطيّبة الحسنة الَّتي تقرِّب عقله، وتجذب قلبه، وتفتح نفسه على علاقة المحبَّة مع الآخر.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
، قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقولوه لكم، فكما تحبّ أن يخاطبك النَّاس وأن يتحدَّثوا معك، خاطبهم أنت وتحدَّث معهم بالطَّريقة نفسها، سواء في العلاقات القريبة أو البعيدة.
مثلاً، في حديث الأب مع أولاده، كيف يحبُّ الأبُ لأولاده أن يتحدَّثوا معه؟ إذا كان يجبّ أن يتحدَّثوا معه بالمحبَّة والاحترام لرأيه وفكره، فإنَّ عليه هو أيضاً أن يتحدَّث معهم بهذه الطَّريقة، لأنَّ أولادك إذا أصبحوا في موقع العقل والرّشد، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، فإنَّهم يعيشون إنسانيَّتهم كما تعيش أنت إنسانيَّتك، ويملكون فكراً كما تملك أنت فكراً. ولذلك، فكما تحبّ أن يخاطبك أولادك بالاحترام والمحبَّة والكلمة الطيّبة، فعليك أن تخاطبهم بذلك؛ أن تحترم إنسانيَّتهم كما تريد لهم أن يحترموا إنسانيَّتك.
وكذلك عندما تعيش مع زوجتك، أو تعيش الزَّوجة مع زوجها، فإنَّ على كلّ واحد منهما أن يخاطب الآخر بما يحبّ للآخر أن يخاطبه به، فإذا كان الزَّوج يحبُّ من زوجته أن تخاطبه بالاحترام لذاته وبالمحبَّة له، فعليه أن يخاطب زوجته بالطَّريقة نفسها، لأنَّ مسألة أن تكون رجلاً، ليس معناه أنَّك إنسانٌ من الدَّرجة الأولى، وأنَّ امرأتَكَ إنسانٌ من الدَّرجة الثَّانية، هي في درجتك الإنسانيَّة، فأنت إنسانٌ وهي إنسان
{الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً}
[النّساء: 1].
وهكذا، عندما تعيشون في السَّاحات الاجتماعيَّة العامَّة والخاصَّة، قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقولوه لكم.
وهذا، أيُّها الأحبَّة، هو الَّذي يفتح القلوب بعضها على بعض، وهو الَّذي يفتح العقول بعضها على بعض. إذا كنت لا تحترم إنساناً في ذاته، فكيف تطمع أن يفتح لك قلبه أو عقله؟! إنَّ الكلمةَ الطيّبةَ الحلوةَ هي الَّتي تفتح العقل ليخاطبَه العقلُ الآخر، وهي الَّتي تفتح القلبَ لينجذبَ إلى القلب الآخر...
تحريمُ الفحشِ والبذاءة
لذلك، أيُّها الأحبَّة، لا بدَّ أن نتربَّى على أن نعرف كيف نتكلَّم، فقد يكون هناك شخص تعلّم في المدارس، ووصل إلى الجامعة، ولديه ثقافة، وتعلّم أحدث النظريَّات، ولكنَّه لا يعرف أن يتكلَّم مع الآخرين، ولا أن يستعمل أسلوب الكلام الطيّب معهم...
وهكذا نجد أنَّ بعض النَّاس قد يكون عنده تجارب كثيرة في الحياة، ولكن لا يعرف أن يستعمل الكلمة الَّتي تنفذ إلى عقول الآخرين وقلوبهم، وفي المثل الشَّعبيّ: "كلمة تحنّن، وكلمة تجنّن"، والفرق بينهما نقطة واحدة، فإذا تركنا النّقطة تصبح "تجنّن"، وإذا حذفناها تصبح "تحنّن"، فلنحذفها حتّى نستطيع العيش بعضنا مع بعض بشكل جيّد.
لذلك، اهتمَّ الإسلام كثيراً بهذا الجانب، فحرَّم أشياء لأنَّها تتنافى مع هذا الخطّ، ومن جملة الأشياء الَّتي حرَّمها، ما يسمَّى بالفحش والبذاء وسلاطة اللّسان، فقد اعتبر أنَّ الإنسانَ الفاحشَ والمتفحّش، البذيء في لسانه، هو الَّذي إذا جلس مع النَّاس تجنّبوا سلاطة لسانه، فهو الّذي لمجرَّد أن تتكلَّم معه، يتكلَّم كلام فحش وبذاء وسباب وما أشبه ذلك، ولذا من الأفضل لك أن تتجنّبه وتتَّقي شرَّه. أليس هناك أناس بهذا الشَّكل؟ ألا يقال فلان لا يُحتمَل، لأنّه لا يعرف كيف يتكلّم؟! وهذا الإنسان الَّذي يكون بهذا الشَّكل، قد يكون ممن يصلّي ويصوم، ولكنَّه قد يفقد دخول الجنَّة.
أحاديثُ عن فُحْشِ الكلام
لذلك، سوف نقرأ بعض الأحاديث الواردة في هذا المجال.
عن النَّبيّ (ص):
"إنَّ اللّهَ حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فَحّاشٍ بَذِيءٍ قَليلِ الحَياءِ، لا يُبالِي ما قالَ ولا ما قيلَ لَهُ"
، فهو يتكلَّم كيفما كان، حتّى لو ردّوا عليه بأسلوبه في الكلام، لا يبالي.
وعنه (ص):
"إنَّ اللهَ يُحِبُّ الحَيِيَّ
– الّذي عنده حياء -
المُتَعَفِّفَ، وَيُبْغِضُ البَذِيءَ السَّائِلَ المُلْحِفَ"
.
وقال (ص):
"أَلَا أُخْبركُمْ بِأَبْعَدِكُمْ مِنّي شَبَهاً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: الفَاحِشُ المتَفَحِّشُ البَذِيءُ".
وعن أبي عبد الله الصّادق (ع)، قال:
"قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ لَا يُبَالي مَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ لَهُ، فَإنَّهُ لَغيَّةٌ أَوْ شركُ شَيْطَان"
. واللّغيَّة هو ابن الزّنا.
وفي حديث آخر: "فقيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَفي النَّاسِ شركُ شَيْطَان؟ قَالَ (ص): أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}
"
[الإسراء: 64]، فقد يشارك الشَّيطان بطريقة وبأخرى في صنع هذا الإنسان.
وفي الحديث عن الإمام الصَّادق (ع)، يقول بعض أصحابه:
"كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) صَدِيقٌ لَا يَكَادُ يُفَارِقُه إِذَا ذَهَبَ مَكَاناً، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي مَعَه فِي الْحَذَّائِينَ
- سوق الأحذية -
ومَعَه غُلَامٌ لَه سِنْدِيٌّ
- من السّند، وهو غير مسلم -
إِذ الْتَفَتَ الرَّجُلُ يُرِيدُ غُلَامَه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرَه، فَلَمَّا نَظَرَ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ: يَا بْنَ الْفَاعِلَةِ، أَيْنَ كُنْتَ؟
– ألا يردّد البعض مثل هذا الكلام؟ وابن الفاعلة يعني ابن الزّانية -
قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) يَدَه، فَصَكَّ بِهَا جَبْهَةَ نَفْسِه، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّه! تَقْذِفُ أُمَّه؟! قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ وَرَعاً، فَإِذَا لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ أُمَّه سِنْدِيَّةٌ مُشْرِكَةٌ، فَقَالَ (ع): أمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحاً؟!
– فالإسلام أمضى زواج كلّ الأمم، فلو فرضنا أنَّ امرأة متزوّجة من رجل غير مسلم، أيَّاً كان دينه، فلا يجوز لك أن تتزوَّجها، لأنّها متزوّجة، والإسلام يعترف بهذا الزّواج، حتّى ولو بطريقة غير إسلاميَّة. ثمّ قال له الإمام (ع): -
تَنَحَّ عَنِّي. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُه يَمْشِي مَعَه حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا"
، أي أنَّ الإمام قاطعة مقاطعة تامَّة بسبب ذلك.
والسؤال: ألا نستخدم هذا التَّعبير في كلّ مجال؟ فنحن نرى في الكثير من الحالات، أنَّ بعض الرّجال إذا حدثت مشكلة بينه وبين زوجته، أو كان عنده شيء من الشَّكّ تجاهها، تراه يتحدَّث عنها بالزّنا وبغير ذلك، والإمام (ع) قاطع صاحبة لأنّه رمى امرأة سنديّة مجوسيّة بالزّنا، فهذا لا يجوز.
وفي حديث آخر، وهذا مهمّ جدّاً، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع)، قَالَ:
"كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ، فَدَعَا اللَّه أَنْ يَرْزُقَه غُلَاماً، ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّه لَا يُجِيبُه
– وهو رجل مؤمن يعبد الله -
قَالَ: يَا رَبِّ، أبَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُنِي، أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَلَا تُجِيبُنِي؟ قَالَ: فَأَتَاه آتٍ فِي مَنَامِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَدْعُو اللَّه عَزَّ وجَلَّ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِلِسَانٍ بَذِيءٍ، وقَلْبٍ عَاتٍ غَيْرِ تَقِيٍّ، ونِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ، فَاقْلَعْ عَنْ بَذَائِكَ
- نظِّف لسانك من كلّ الكلمات القذرة والَّتي تؤذي النَّاس -
ولْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ، ولْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَعَا اللَّه، فَوُلِدَ لَه غُلَامٌ".
نفهم من هذا، أنَّ كثيراً من دعواتنا في حاجاتنا الَّتي ندعو الله سبحانه وتعالى ليستجيبها لنا، ولا يستجيبها، يكون السَّبب أنَّ لساننا بذيء، كالَّذي يعرف أنَّ صاحباً له يحبّ طعاماً معيَّناً، فيرسل إليه منه بصحن مليء بالقذارة والميكروبات، فهل يقبله، أم يعيده إليه، حتّى لو كان الطَّعام المفضَّل لديه؟! والدّعاء أيضاً يجب أن يكون بصحن نظيف. لذلك، قد تكون بذاءة اللّسان وفحشه سبباً من أسباب عدم استجابة الدّعاء. ولينتبه الإنسان الَّذي يكون بهذا الشَّكل.
شرُّ العبادِ
وعن النَّبيّ (ص):
"إِنَّ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّه مَنْ تُكْرَه مُجَالَسَتُه لِفُحْشِه".
وعن أبي عبد الله الصَّادق (ع):
"الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، والْجَفَاءُ فِي النَّارِ".
وقال أبو عبد الله (ع):
"إِنَّ الْفُحْشَ والْبَذَاءَ والسَّلَاطَةَ مِنَ النِّفَاقِ".
وهكذا قال رسول الله (ص) لعائشة:
"يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الْفُحْشَ لَوْ كَانَ مُمَثَّلاً، لَكَانَ مِثَالَ سَوْءٍ".
وفي بعض الأحاديث:
"مَنْ فَحُشَ عَلَى أَخِيه الْمُسْلِمِ
– تكلّم عليه كلاماً بذيئاً قذراً -
نَزَعَ اللَّه مِنْه بَرَكَةَ رِزْقِهِ، ووَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وأَفْسَدَ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ".
وعن بعض أصحاب الإمام الصَّادق (ع) واسمه سماعة، قال:
"دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: يَا سَمَاعَةُ، مَا هَذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وبَيْنَ جَمَّالِكَ؟ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشاً أَوْ صَخَّاباً
– تصرخ كثيراً عندما تصطدم مع شخص -
أَوْ لَعَّاناً، فَقُلْتُ: واللَّه لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّه ظَلَمَنِي
– فقد فعلت كلَّ ذلك لأنّه ظلمني ولم يحفظ حقوقي عنده –
فقال (ع): إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْه
– يعني زدت عليه -
إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي
– فأنا إذا اختلفت مع أحد عمّالي أو أيّ أحد من النّاس، لا أفعل ذلك أبداً -
ولَا آمُرُ بِه شِيعَتِي. اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، ولَا تَعُدْ. قُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه ولَا أَعُودُ".
فهل نستغفر الله ولا نعود، كما فعل هذا الرَّجل؟ ونحن أصحاب الإمام الصَّادق (ع) وأصحاب الأئمَّة (ع)، لأنّنا شيعتهم ومواليهم، وأصحاب الإمام الصَّادق (ع) هم أصحاب رسول الله (ص)، لأنَّهم لا يقولون إلا ما يقوله، ولا يأمرون إلا بما يأمر به.
وفي حديثٍ عن رسول الله (ص):
"شَرُّ النَّاسِ
– هذا الَّذي يعتبر نفسه قويّاً، والنّاس تهابه وتخاف منه ومن سلاطة لسانه، وتتّقي شرّه، فقد يكون ممن يملك سلاحاً، أو جاهاً، أو سلطةً، أو موقعاً متقدّماً في المجتمع، ويحاول من خلال كلّ ذلك أن يلقي شرَّه على النَّاس. ماذا يقول الرّسول (ص) عنه؟ يقول (ص) إنَّ شرَّ النَّاس-
عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ".
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال:
"إِنَّ النَّبِيَّ (ص)، بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذ اسْتَأْذَنَ عَلَيْه رَجُلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ. فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلَتِ الْبَيْتَ، وأَذِنَ رَسُولُ اللَّه (ص) لِلرَّجُلِ، فَلَمَّا دَخَلَ، أَقْبَلَ عَلَيْه بِوَجْهِه وبِشْرُه إِلَيْه يُحَدِّثُه، حَتَّى إِذَا فَرَغَ وخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه، بَيْنَا أَنْتَ تَذْكُرُ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا ذَكَرْتَه بِه، إِذْ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِوَجْهِكَ وبِشْرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّه مَنْ تُكْرَه مُجَالَسَتُهُ لِفُحْشِهِ".
الاقتداءُ بأخلاقِ الرَّسول (ص)
هذا الخطّ الإسلاميّ في الكتاب والسنَّة الَّذي يوجِّهنا إلى أن نقول للنَّاس حسناً، أن لا نكون ممن يخافُ النَّاسُ شرَّنا، أن لا نكون ممن يفحش في الكلام، أن لا يكون أسلوبنا في منازعاتنا كلمات فحش أو لعن أو سباب أو صخب.. إنَّ الإسلام يريد للمسلمين في مجتمعه أن يكونوا الطيّبين في كلامهم، ورسول الله هو هدانا وإمامنا ونبيّنا في ذلك:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
[آل عمران: 159]، لو كنت فظّ اللّسان، غليظ القلب، لما اتَّبعك أحد.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، فلبندأ بأن ننظّف ألسنتا؛ بإيماننا، وبخوفنا من ربّنا، وبالاقتداء بنبيّنا وباتّباع سنَّته في ذلك. لنتحدَّث مع النَّاس بأفضل ما يتحدَّث به المتحدّثون، حتَّى نستطيع أن نجعل المحبَّة هي ما توحي به الكلمات، وحتَّى نجعل الخير هو ما تتحرَّك به الكلمات.
أيُّها الأحبَّة، نحن بحاجة إلى نتقارب أكثر، وأن نتحابَّ أكثر، وأن نتعاون أكثر، وأن نتكامل أكثر، ولن يكون ذلك إلَّا إذا احترم كلّ واحد منَّا إنسانيّة أخيه، وإيمان أخيه، واحترم كلّ كرامته وعزَّته.
أيُّها الأحبَّة، هل تريدون الإسلام؟ هذا هو الإسلام الاجتماعيّ الَّذي إذا لم يأخذ به الإنسان، فإنَّه قد يؤدّي إلى سقوط عبادته،
"إنَّ اللهَ حَرَّمَ الجنَّةَ عَلَى كُلّ فَحَّاشٍ بَذِيءِ اللِّسَانِ"
،
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
[الأحزاب: 21].
لقد كان رسول الله (ص) عظيماً في أخلاقه، فلنكن العظماء في أخلاقنا.
الخطبة الثَّانية
عباد الله، اتَّقوا الله في كلّ ما حمَّلكم من مسؤوليَّة في أقوالكم وأفعالكم، وفي علاقاتكم وحركاتكم في كلّ الواقع الَّذي تتحركون فيه.. كونوا مع أولياء الله في كلّ خططهم وحركتهم من أجل إسقاط الباطل وإحياء الحقّ، ولا تكونوا مع أعداء الله.. كونوا للظَّالم خصماً وللمظلوم عوناً، كما أوصى بذلك عليّ (ع).
ولا بدَّ لنا، من خلال ذلك، أن يكون موقفنا مع كلّ الَّذين يظلمون النَّاس، ويبغون عليهم بغير الحقّ، ويستكبرون في العالم، أن يكون موقفنا موقف المواجهة، لأنَّ الله يريد منَّا ذلك، لأنَّ الله يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
[التّوبة: 119]، ويقول:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}
[هود: 113]، ولا بدَّ لنا أن نعرف كيف يتحرَّك الظَّالمون في حياتنا. فماذا هناك؟
الوحشُ الأمريكيُّ يهدّد المنطقة
لا تزال أمريكا تضغط على أكثر من محور دوليّ وإقليميّ لتأييد سياستها، وإشغال العالم سياسيّاً وأمنيّاً بمشروعها الَّذي تسمّيه الحرب على الإرهاب، والواقع أنَّها الحرب على المعارضين لسياستها، في إسقاط الشعوب المستضعفة. ولعلَّ أبلغ دليل على ذلك، قصفها لمصنع الدَّواء في السودان، الَّذي هو أحد المصانع الَّتي عيَّنتها لجنة العقوبات في مجلس الأمن لنقل الأدوية منها إلى العراق بفعل أزمة الدَّواء هناك، ما يعني أنَّ مجلس الأمن يعرف أنَّ هذا المصنع لا ينتج الأسلحة الكيميائيّة، ومع ذلك، فقد رفض هذا المجلس بحث الشّكوى السودانيَّة، بحجَّة أن لا وقت لديه، لأنَّه أصبح مجلساً أمريكياً في قراراته وعقوباته، لأنَّ الَّذين يشرفون على سياسته من أصحاب القرار، هم الَّذين يحرسون مصالح الاستكبار في العالم، وهذا الَّذي يفسِّر سكوت المجلس عن كلّ الإرهاب الأمريكيّ والإسرائيليّ، وخضوعه لأمريكا في فرض الحصار على العراق وليبيا وغيرهما من دول العالم الثَّالث.
لقد أعطت أمريكا لنفسها دور الشّرطيّ العالميّ الَّذي يتحرَّك من أجل أن يصدر الحكم وينفِّذ العقوبة، من دون أن يرجع إلى أيّة مؤسَّسة قضائيّة دوليّة. ولعلَّ من الخطورة أن تتحرَّك أوروبّا مع أمريكا في دعم هذا الدَّور الَّذي سوف يخلق المشاكل للاستقرار في العالم.
لقد برز الوحش الأمريكي في العالم مهدّداً متوعّداً لكلّ من يعارض سياسته العدوانيّة، وعلى العالم أن يعرف كيف يقف أمامه لحماية أمنه واقتصاده وسياسته، قبل أن يفترسه ويحوّله إلى لقمة سائغة لمصالحه الاستكباريّة.
تطوّراتُ العدوانِ على الجنوب
أمَّا على المستوى اللّبنانيّ، فقد تطوَّرت الأحداث في الجنوب والبقاع الغربيّ، في حركة العدوان الإسرائيليّ على المناطق المدنيّة والعسكريّة، بما في ذلك مواقع الجيش اللّبنانيّ، وفي الردّ البطوليّ الَّذي قام به المجاهدون في المقاومة الإسلاميَّة على مستوطنات الاحتلال، في رسالة واضحة بأنَّ العدوان لن يمرَّ من دون عقاب، وقد حاول العدوُّ أن يثير التَّهديد بالاجتياح تارةً، وبقصف البنى التحتيَّة في لبنان تارةً أخرى، ولكنَّه عاد وتوازن في خطابه، ليقدّم شكواه إلى لجنة تفاهم نيسان، تدليلاً على أنَّها – أي لجنة التَّفاهم - لا تزال في حساباته الملجأ الَّذي يلجأ إليه في حركته في تبريد الواقع الأمنيّ، خلافاً للتَّحليلات الَّتي ذكرت أنَّه يستهدف إسقاط هذا التَّفاهم أو تطويره ليكون قناةً للتَّفاوض، فإنَّه لا مصلحة له ولا لأحد في إلغائه، ولا فرصة في أيّ تطوير له من النَّاحية السياسيّة، وقد استطاعت ضربات المقاومة أن تعيد المأزق الإسرائيليّ إلى حركة الدَّاخل عنده، للدَّعوة إلى الانسحاب ولو من جانب واحد.
إنَّنا نرى أنَّ العدوَّ محاصر من النَّاحية السياسيّة بالكثير من التَّعقيدات الَّتي تمنعه من التحرّك بعمل عدوانيّ كبير. إنَّ كلَّ المعطيات السياسيّة الإقليميّة والدوليّة والمحليّة هناك، وكلَّ المعطيات الأمنيّة، تمنع العدوّ من أن يقوم بأيّ اجتياح كبير كعناقيد الغضب، وبأيّ قصف للبنى التحتيّة، ولكن لا بدَّ من الحذر من غدره، لأنَّ تعقيدات المرحلة على الصَّعيدين الإقليميّ والدوليّ، قد تحمل الكثير من المفاجآت الأمنيّة والسياسيّة، ولا سيَّما أنَّ السَّاحة الفلسطينيَّة لا تزال تعيش الاهتزازات في أكثر من جانب، وأنَّ أمريكا مشغولة بمشاكلها الدَّاخليَّة الرّئاسيَّة، وبخططها الإرهابيَّة في العالم، وبالتَّحضير للانتخابات عندها في وقتٍ قريب، ما يجعل أوضاع المنطقة في حالةٍ من انعدام الوزن الَّذي قد تستغلّه إسرائيل في أكثر من مشروع، في ظلّ الغياب العربيّ عن دائرة التَّحدّي، في حركة الضّعف السياسي والعسكري والأمني. وحدها المقاومة، ولا سيَّما المقاومة الإسلاميَّة، الَّتي تضبط حركة الإيقاع، في عمليَّة توازن يمنع العدوّ من أن يأخذ حريته في الضَّغط والعدوان.
وليس بعيداً من ذلك، فإنَّ اغتيال إسرائيل للشَّهيد حسام الأمين، مسؤول حركة أمل، يدلّ على أنَّ العدوَّ لا يفرّق بين فصيلٍ وفصيلٍ آخر من المقاومة، لأنَّه يضع المؤمنين المجاهدين في خانة واحدة من العداء له، بغضّ النَّظر عن أيّ إطار سياسيّ يعملون به، ما يفرض على الجميع أن يضعوا نصب أعينهم وحدة العمل المقاوم، والبعد عن الخلافات الجانبيّة، والتخطيط لقضيّة التحرير، فلا يعلو أيّ صوت على صوت المعركة.
جريمةُ العصر
وعلينا أن نتذكَّر الرَّجل الكبير، السيّد موسى الصَّدر، الَّذي حمل لواء مواجهة الاحتلال، ودعا لتأسيس المجتمع المقاوم، ما يجعله الأبَ لحركة المقاومة في فصائلها المتعدّدة، كما أنَّه الرَّجل الَّذي كان يملك رحابةَ الصَّدر بكلّ سعة، وبكلّ انفتاح، حتَّى مع الَّذين يختلف معهم، ومع الَّذين يخاصمهم، كما كان الرَّجلَ الَّذي يملك المرونة الثَّقافيَّة والسياسيَّة في فهم الواقع المحلّيّ والعربيّ، بما لا يبتعد به عن خطّه الإسلاميّ الأصيل. ولذلك، فإنَّ جريمة اختطافه تعتبر من أخطر الجرائم على لبنان وعلى الإسلام كلّه.
التوحُّدُ خلفَ المجاهدين
وأخيراً، إنَّ خطورة المرحلة، تفرض على اللّبنانيّين جميعاً التوحّد وراء المجاهدين، والوعي العميق لخطط الأعداء الَّذين يريدون الشّرّ بالبلد كلّه، من الدَّاخل والخارج، والضّغط القويّ في مستوى الشَّعب كلّه، من أجل أن تتحرَّك المرحلة المقبلة في كلّ استحقاقها، على واقع التَّغيير السياسي والاقتصادي والأمني الَّذي يخرج النَّاس من هذه الدوَّامة الَّتي يعيش البلد فيها، بفعل تراكمات المشاكل المعقَّدة من دون حلّ.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريح:
28
/08/1998م.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}
[البقرة: 83]، ويقول سبحانه وتعالى:
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحْسَنُ}
[الإسراء: 53].
دعوةٌ إلى حسنِ التَّخاطبِ
في هاتين الآيتين، نداء إلى النَّاس أن يحسنوا التَّخاطب فيما بينهم، بأن يتحدَّث الإنسان مع الإنسان الآخر، سواء كان قريباً منه أو بعيداً عنه، بالطَّريقة الطيّبة الحسنة الَّتي تقرِّب عقله، وتجذب قلبه، وتفتح نفسه على علاقة المحبَّة مع الآخر.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
، قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقولوه لكم، فكما تحبّ أن يخاطبك النَّاس وأن يتحدَّثوا معك، خاطبهم أنت وتحدَّث معهم بالطَّريقة نفسها، سواء في العلاقات القريبة أو البعيدة.
مثلاً، في حديث الأب مع أولاده، كيف يحبُّ الأبُ لأولاده أن يتحدَّثوا معه؟ إذا كان يجبّ أن يتحدَّثوا معه بالمحبَّة والاحترام لرأيه وفكره، فإنَّ عليه هو أيضاً أن يتحدَّث معهم بهذه الطَّريقة، لأنَّ أولادك إذا أصبحوا في موقع العقل والرّشد، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، فإنَّهم يعيشون إنسانيَّتهم كما تعيش أنت إنسانيَّتك، ويملكون فكراً كما تملك أنت فكراً. ولذلك، فكما تحبّ أن يخاطبك أولادك بالاحترام والمحبَّة والكلمة الطيّبة، فعليك أن تخاطبهم بذلك؛ أن تحترم إنسانيَّتهم كما تريد لهم أن يحترموا إنسانيَّتك.
وكذلك عندما تعيش مع زوجتك، أو تعيش الزَّوجة مع زوجها، فإنَّ على كلّ واحد منهما أن يخاطب الآخر بما يحبّ للآخر أن يخاطبه به، فإذا كان الزَّوج يحبُّ من زوجته أن تخاطبه بالاحترام لذاته وبالمحبَّة له، فعليه أن يخاطب زوجته بالطَّريقة نفسها، لأنَّ مسألة أن تكون رجلاً، ليس معناه أنَّك إنسانٌ من الدَّرجة الأولى، وأنَّ امرأتَكَ إنسانٌ من الدَّرجة الثَّانية، هي في درجتك الإنسانيَّة، فأنت إنسانٌ وهي إنسان
{الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً}
[النّساء: 1].
وهكذا، عندما تعيشون في السَّاحات الاجتماعيَّة العامَّة والخاصَّة، قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقولوه لكم.
وهذا، أيُّها الأحبَّة، هو الَّذي يفتح القلوب بعضها على بعض، وهو الَّذي يفتح العقول بعضها على بعض. إذا كنت لا تحترم إنساناً في ذاته، فكيف تطمع أن يفتح لك قلبه أو عقله؟! إنَّ الكلمةَ الطيّبةَ الحلوةَ هي الَّتي تفتح العقل ليخاطبَه العقلُ الآخر، وهي الَّتي تفتح القلبَ لينجذبَ إلى القلب الآخر...
تحريمُ الفحشِ والبذاءة
لذلك، أيُّها الأحبَّة، لا بدَّ أن نتربَّى على أن نعرف كيف نتكلَّم، فقد يكون هناك شخص تعلّم في المدارس، ووصل إلى الجامعة، ولديه ثقافة، وتعلّم أحدث النظريَّات، ولكنَّه لا يعرف أن يتكلَّم مع الآخرين، ولا أن يستعمل أسلوب الكلام الطيّب معهم...
وهكذا نجد أنَّ بعض النَّاس قد يكون عنده تجارب كثيرة في الحياة، ولكن لا يعرف أن يستعمل الكلمة الَّتي تنفذ إلى عقول الآخرين وقلوبهم، وفي المثل الشَّعبيّ: "كلمة تحنّن، وكلمة تجنّن"، والفرق بينهما نقطة واحدة، فإذا تركنا النّقطة تصبح "تجنّن"، وإذا حذفناها تصبح "تحنّن"، فلنحذفها حتّى نستطيع العيش بعضنا مع بعض بشكل جيّد.
لذلك، اهتمَّ الإسلام كثيراً بهذا الجانب، فحرَّم أشياء لأنَّها تتنافى مع هذا الخطّ، ومن جملة الأشياء الَّتي حرَّمها، ما يسمَّى بالفحش والبذاء وسلاطة اللّسان، فقد اعتبر أنَّ الإنسانَ الفاحشَ والمتفحّش، البذيء في لسانه، هو الَّذي إذا جلس مع النَّاس تجنّبوا سلاطة لسانه، فهو الّذي لمجرَّد أن تتكلَّم معه، يتكلَّم كلام فحش وبذاء وسباب وما أشبه ذلك، ولذا من الأفضل لك أن تتجنّبه وتتَّقي شرَّه. أليس هناك أناس بهذا الشَّكل؟ ألا يقال فلان لا يُحتمَل، لأنّه لا يعرف كيف يتكلّم؟! وهذا الإنسان الَّذي يكون بهذا الشَّكل، قد يكون ممن يصلّي ويصوم، ولكنَّه قد يفقد دخول الجنَّة.
أحاديثُ عن فُحْشِ الكلام
لذلك، سوف نقرأ بعض الأحاديث الواردة في هذا المجال.
عن النَّبيّ (ص):
"إنَّ اللّهَ حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فَحّاشٍ بَذِيءٍ قَليلِ الحَياءِ، لا يُبالِي ما قالَ ولا ما قيلَ لَهُ"
، فهو يتكلَّم كيفما كان، حتّى لو ردّوا عليه بأسلوبه في الكلام، لا يبالي.
وعنه (ص):
"إنَّ اللهَ يُحِبُّ الحَيِيَّ
– الّذي عنده حياء -
المُتَعَفِّفَ، وَيُبْغِضُ البَذِيءَ السَّائِلَ المُلْحِفَ"
.
وقال (ص):
"أَلَا أُخْبركُمْ بِأَبْعَدِكُمْ مِنّي شَبَهاً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: الفَاحِشُ المتَفَحِّشُ البَذِيءُ".
وعن أبي عبد الله الصّادق (ع)، قال:
"قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ لَا يُبَالي مَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ لَهُ، فَإنَّهُ لَغيَّةٌ أَوْ شركُ شَيْطَان"
. واللّغيَّة هو ابن الزّنا.
وفي حديث آخر: "فقيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَفي النَّاسِ شركُ شَيْطَان؟ قَالَ (ص): أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}
"
[الإسراء: 64]، فقد يشارك الشَّيطان بطريقة وبأخرى في صنع هذا الإنسان.
وفي الحديث عن الإمام الصَّادق (ع)، يقول بعض أصحابه:
"كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) صَدِيقٌ لَا يَكَادُ يُفَارِقُه إِذَا ذَهَبَ مَكَاناً، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي مَعَه فِي الْحَذَّائِينَ
- سوق الأحذية -
ومَعَه غُلَامٌ لَه سِنْدِيٌّ
- من السّند، وهو غير مسلم -
إِذ الْتَفَتَ الرَّجُلُ يُرِيدُ غُلَامَه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرَه، فَلَمَّا نَظَرَ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ: يَا بْنَ الْفَاعِلَةِ، أَيْنَ كُنْتَ؟
– ألا يردّد البعض مثل هذا الكلام؟ وابن الفاعلة يعني ابن الزّانية -
قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) يَدَه، فَصَكَّ بِهَا جَبْهَةَ نَفْسِه، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّه! تَقْذِفُ أُمَّه؟! قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ وَرَعاً، فَإِذَا لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ أُمَّه سِنْدِيَّةٌ مُشْرِكَةٌ، فَقَالَ (ع): أمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحاً؟!
– فالإسلام أمضى زواج كلّ الأمم، فلو فرضنا أنَّ امرأة متزوّجة من رجل غير مسلم، أيَّاً كان دينه، فلا يجوز لك أن تتزوَّجها، لأنّها متزوّجة، والإسلام يعترف بهذا الزّواج، حتّى ولو بطريقة غير إسلاميَّة. ثمّ قال له الإمام (ع): -
تَنَحَّ عَنِّي. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُه يَمْشِي مَعَه حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا"
، أي أنَّ الإمام قاطعة مقاطعة تامَّة بسبب ذلك.
والسؤال: ألا نستخدم هذا التَّعبير في كلّ مجال؟ فنحن نرى في الكثير من الحالات، أنَّ بعض الرّجال إذا حدثت مشكلة بينه وبين زوجته، أو كان عنده شيء من الشَّكّ تجاهها، تراه يتحدَّث عنها بالزّنا وبغير ذلك، والإمام (ع) قاطع صاحبة لأنّه رمى امرأة سنديّة مجوسيّة بالزّنا، فهذا لا يجوز.
وفي حديث آخر، وهذا مهمّ جدّاً، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع)، قَالَ:
"كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ، فَدَعَا اللَّه أَنْ يَرْزُقَه غُلَاماً، ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّه لَا يُجِيبُه
– وهو رجل مؤمن يعبد الله -
قَالَ: يَا رَبِّ، أبَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُنِي، أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَلَا تُجِيبُنِي؟ قَالَ: فَأَتَاه آتٍ فِي مَنَامِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَدْعُو اللَّه عَزَّ وجَلَّ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِلِسَانٍ بَذِيءٍ، وقَلْبٍ عَاتٍ غَيْرِ تَقِيٍّ، ونِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ، فَاقْلَعْ عَنْ بَذَائِكَ
- نظِّف لسانك من كلّ الكلمات القذرة والَّتي تؤذي النَّاس -
ولْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ، ولْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَعَا اللَّه، فَوُلِدَ لَه غُلَامٌ".
نفهم من هذا، أنَّ كثيراً من دعواتنا في حاجاتنا الَّتي ندعو الله سبحانه وتعالى ليستجيبها لنا، ولا يستجيبها، يكون السَّبب أنَّ لساننا بذيء، كالَّذي يعرف أنَّ صاحباً له يحبّ طعاماً معيَّناً، فيرسل إليه منه بصحن مليء بالقذارة والميكروبات، فهل يقبله، أم يعيده إليه، حتّى لو كان الطَّعام المفضَّل لديه؟! والدّعاء أيضاً يجب أن يكون بصحن نظيف. لذلك، قد تكون بذاءة اللّسان وفحشه سبباً من أسباب عدم استجابة الدّعاء. ولينتبه الإنسان الَّذي يكون بهذا الشَّكل.
شرُّ العبادِ
وعن النَّبيّ (ص):
"إِنَّ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّه مَنْ تُكْرَه مُجَالَسَتُه لِفُحْشِه".
وعن أبي عبد الله الصَّادق (ع):
"الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، والْجَفَاءُ فِي النَّارِ".
وقال أبو عبد الله (ع):
"إِنَّ الْفُحْشَ والْبَذَاءَ والسَّلَاطَةَ مِنَ النِّفَاقِ".
وهكذا قال رسول الله (ص) لعائشة:
"يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الْفُحْشَ لَوْ كَانَ مُمَثَّلاً، لَكَانَ مِثَالَ سَوْءٍ".
وفي بعض الأحاديث:
"مَنْ فَحُشَ عَلَى أَخِيه الْمُسْلِمِ
– تكلّم عليه كلاماً بذيئاً قذراً -
نَزَعَ اللَّه مِنْه بَرَكَةَ رِزْقِهِ، ووَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وأَفْسَدَ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ".
وعن بعض أصحاب الإمام الصَّادق (ع) واسمه سماعة، قال:
"دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع)، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: يَا سَمَاعَةُ، مَا هَذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وبَيْنَ جَمَّالِكَ؟ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشاً أَوْ صَخَّاباً
– تصرخ كثيراً عندما تصطدم مع شخص -
أَوْ لَعَّاناً، فَقُلْتُ: واللَّه لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّه ظَلَمَنِي
– فقد فعلت كلَّ ذلك لأنّه ظلمني ولم يحفظ حقوقي عنده –
فقال (ع): إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْه
– يعني زدت عليه -
إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي
– فأنا إذا اختلفت مع أحد عمّالي أو أيّ أحد من النّاس، لا أفعل ذلك أبداً -
ولَا آمُرُ بِه شِيعَتِي. اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، ولَا تَعُدْ. قُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه ولَا أَعُودُ".
فهل نستغفر الله ولا نعود، كما فعل هذا الرَّجل؟ ونحن أصحاب الإمام الصَّادق (ع) وأصحاب الأئمَّة (ع)، لأنّنا شيعتهم ومواليهم، وأصحاب الإمام الصَّادق (ع) هم أصحاب رسول الله (ص)، لأنَّهم لا يقولون إلا ما يقوله، ولا يأمرون إلا بما يأمر به.
وفي حديثٍ عن رسول الله (ص):
"شَرُّ النَّاسِ
– هذا الَّذي يعتبر نفسه قويّاً، والنّاس تهابه وتخاف منه ومن سلاطة لسانه، وتتّقي شرّه، فقد يكون ممن يملك سلاحاً، أو جاهاً، أو سلطةً، أو موقعاً متقدّماً في المجتمع، ويحاول من خلال كلّ ذلك أن يلقي شرَّه على النَّاس. ماذا يقول الرّسول (ص) عنه؟ يقول (ص) إنَّ شرَّ النَّاس-
عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ".
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال:
"إِنَّ النَّبِيَّ (ص)، بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذ اسْتَأْذَنَ عَلَيْه رَجُلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ. فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلَتِ الْبَيْتَ، وأَذِنَ رَسُولُ اللَّه (ص) لِلرَّجُلِ، فَلَمَّا دَخَلَ، أَقْبَلَ عَلَيْه بِوَجْهِه وبِشْرُه إِلَيْه يُحَدِّثُه، حَتَّى إِذَا فَرَغَ وخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه، بَيْنَا أَنْتَ تَذْكُرُ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا ذَكَرْتَه بِه، إِذْ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِوَجْهِكَ وبِشْرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّه مَنْ تُكْرَه مُجَالَسَتُهُ لِفُحْشِهِ".
الاقتداءُ بأخلاقِ الرَّسول (ص)
هذا الخطّ الإسلاميّ في الكتاب والسنَّة الَّذي يوجِّهنا إلى أن نقول للنَّاس حسناً، أن لا نكون ممن يخافُ النَّاسُ شرَّنا، أن لا نكون ممن يفحش في الكلام، أن لا يكون أسلوبنا في منازعاتنا كلمات فحش أو لعن أو سباب أو صخب.. إنَّ الإسلام يريد للمسلمين في مجتمعه أن يكونوا الطيّبين في كلامهم، ورسول الله هو هدانا وإمامنا ونبيّنا في ذلك:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
[آل عمران: 159]، لو كنت فظّ اللّسان، غليظ القلب، لما اتَّبعك أحد.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، فلبندأ بأن ننظّف ألسنتا؛ بإيماننا، وبخوفنا من ربّنا، وبالاقتداء بنبيّنا وباتّباع سنَّته في ذلك. لنتحدَّث مع النَّاس بأفضل ما يتحدَّث به المتحدّثون، حتَّى نستطيع أن نجعل المحبَّة هي ما توحي به الكلمات، وحتَّى نجعل الخير هو ما تتحرَّك به الكلمات.
أيُّها الأحبَّة، نحن بحاجة إلى نتقارب أكثر، وأن نتحابَّ أكثر، وأن نتعاون أكثر، وأن نتكامل أكثر، ولن يكون ذلك إلَّا إذا احترم كلّ واحد منَّا إنسانيّة أخيه، وإيمان أخيه، واحترم كلّ كرامته وعزَّته.
أيُّها الأحبَّة، هل تريدون الإسلام؟ هذا هو الإسلام الاجتماعيّ الَّذي إذا لم يأخذ به الإنسان، فإنَّه قد يؤدّي إلى سقوط عبادته،
"إنَّ اللهَ حَرَّمَ الجنَّةَ عَلَى كُلّ فَحَّاشٍ بَذِيءِ اللِّسَانِ"
،
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
[الأحزاب: 21].
لقد كان رسول الله (ص) عظيماً في أخلاقه، فلنكن العظماء في أخلاقنا.
الخطبة الثَّانية
عباد الله، اتَّقوا الله في كلّ ما حمَّلكم من مسؤوليَّة في أقوالكم وأفعالكم، وفي علاقاتكم وحركاتكم في كلّ الواقع الَّذي تتحركون فيه.. كونوا مع أولياء الله في كلّ خططهم وحركتهم من أجل إسقاط الباطل وإحياء الحقّ، ولا تكونوا مع أعداء الله.. كونوا للظَّالم خصماً وللمظلوم عوناً، كما أوصى بذلك عليّ (ع).
ولا بدَّ لنا، من خلال ذلك، أن يكون موقفنا مع كلّ الَّذين يظلمون النَّاس، ويبغون عليهم بغير الحقّ، ويستكبرون في العالم، أن يكون موقفنا موقف المواجهة، لأنَّ الله يريد منَّا ذلك، لأنَّ الله يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
[التّوبة: 119]، ويقول:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}
[هود: 113]، ولا بدَّ لنا أن نعرف كيف يتحرَّك الظَّالمون في حياتنا. فماذا هناك؟
الوحشُ الأمريكيُّ يهدّد المنطقة
لا تزال أمريكا تضغط على أكثر من محور دوليّ وإقليميّ لتأييد سياستها، وإشغال العالم سياسيّاً وأمنيّاً بمشروعها الَّذي تسمّيه الحرب على الإرهاب، والواقع أنَّها الحرب على المعارضين لسياستها، في إسقاط الشعوب المستضعفة. ولعلَّ أبلغ دليل على ذلك، قصفها لمصنع الدَّواء في السودان، الَّذي هو أحد المصانع الَّتي عيَّنتها لجنة العقوبات في مجلس الأمن لنقل الأدوية منها إلى العراق بفعل أزمة الدَّواء هناك، ما يعني أنَّ مجلس الأمن يعرف أنَّ هذا المصنع لا ينتج الأسلحة الكيميائيّة، ومع ذلك، فقد رفض هذا المجلس بحث الشّكوى السودانيَّة، بحجَّة أن لا وقت لديه، لأنَّه أصبح مجلساً أمريكياً في قراراته وعقوباته، لأنَّ الَّذين يشرفون على سياسته من أصحاب القرار، هم الَّذين يحرسون مصالح الاستكبار في العالم، وهذا الَّذي يفسِّر سكوت المجلس عن كلّ الإرهاب الأمريكيّ والإسرائيليّ، وخضوعه لأمريكا في فرض الحصار على العراق وليبيا وغيرهما من دول العالم الثَّالث.
لقد أعطت أمريكا لنفسها دور الشّرطيّ العالميّ الَّذي يتحرَّك من أجل أن يصدر الحكم وينفِّذ العقوبة، من دون أن يرجع إلى أيّة مؤسَّسة قضائيّة دوليّة. ولعلَّ من الخطورة أن تتحرَّك أوروبّا مع أمريكا في دعم هذا الدَّور الَّذي سوف يخلق المشاكل للاستقرار في العالم.
لقد برز الوحش الأمريكي في العالم مهدّداً متوعّداً لكلّ من يعارض سياسته العدوانيّة، وعلى العالم أن يعرف كيف يقف أمامه لحماية أمنه واقتصاده وسياسته، قبل أن يفترسه ويحوّله إلى لقمة سائغة لمصالحه الاستكباريّة.
تطوّراتُ العدوانِ على الجنوب
أمَّا على المستوى اللّبنانيّ، فقد تطوَّرت الأحداث في الجنوب والبقاع الغربيّ، في حركة العدوان الإسرائيليّ على المناطق المدنيّة والعسكريّة، بما في ذلك مواقع الجيش اللّبنانيّ، وفي الردّ البطوليّ الَّذي قام به المجاهدون في المقاومة الإسلاميَّة على مستوطنات الاحتلال، في رسالة واضحة بأنَّ العدوان لن يمرَّ من دون عقاب، وقد حاول العدوُّ أن يثير التَّهديد بالاجتياح تارةً، وبقصف البنى التحتيَّة في لبنان تارةً أخرى، ولكنَّه عاد وتوازن في خطابه، ليقدّم شكواه إلى لجنة تفاهم نيسان، تدليلاً على أنَّها – أي لجنة التَّفاهم - لا تزال في حساباته الملجأ الَّذي يلجأ إليه في حركته في تبريد الواقع الأمنيّ، خلافاً للتَّحليلات الَّتي ذكرت أنَّه يستهدف إسقاط هذا التَّفاهم أو تطويره ليكون قناةً للتَّفاوض، فإنَّه لا مصلحة له ولا لأحد في إلغائه، ولا فرصة في أيّ تطوير له من النَّاحية السياسيّة، وقد استطاعت ضربات المقاومة أن تعيد المأزق الإسرائيليّ إلى حركة الدَّاخل عنده، للدَّعوة إلى الانسحاب ولو من جانب واحد.
إنَّنا نرى أنَّ العدوَّ محاصر من النَّاحية السياسيّة بالكثير من التَّعقيدات الَّتي تمنعه من التحرّك بعمل عدوانيّ كبير. إنَّ كلَّ المعطيات السياسيّة الإقليميّة والدوليّة والمحليّة هناك، وكلَّ المعطيات الأمنيّة، تمنع العدوّ من أن يقوم بأيّ اجتياح كبير كعناقيد الغضب، وبأيّ قصف للبنى التحتيّة، ولكن لا بدَّ من الحذر من غدره، لأنَّ تعقيدات المرحلة على الصَّعيدين الإقليميّ والدوليّ، قد تحمل الكثير من المفاجآت الأمنيّة والسياسيّة، ولا سيَّما أنَّ السَّاحة الفلسطينيَّة لا تزال تعيش الاهتزازات في أكثر من جانب، وأنَّ أمريكا مشغولة بمشاكلها الدَّاخليَّة الرّئاسيَّة، وبخططها الإرهابيَّة في العالم، وبالتَّحضير للانتخابات عندها في وقتٍ قريب، ما يجعل أوضاع المنطقة في حالةٍ من انعدام الوزن الَّذي قد تستغلّه إسرائيل في أكثر من مشروع، في ظلّ الغياب العربيّ عن دائرة التَّحدّي، في حركة الضّعف السياسي والعسكري والأمني. وحدها المقاومة، ولا سيَّما المقاومة الإسلاميَّة، الَّتي تضبط حركة الإيقاع، في عمليَّة توازن يمنع العدوّ من أن يأخذ حريته في الضَّغط والعدوان.
وليس بعيداً من ذلك، فإنَّ اغتيال إسرائيل للشَّهيد حسام الأمين، مسؤول حركة أمل، يدلّ على أنَّ العدوَّ لا يفرّق بين فصيلٍ وفصيلٍ آخر من المقاومة، لأنَّه يضع المؤمنين المجاهدين في خانة واحدة من العداء له، بغضّ النَّظر عن أيّ إطار سياسيّ يعملون به، ما يفرض على الجميع أن يضعوا نصب أعينهم وحدة العمل المقاوم، والبعد عن الخلافات الجانبيّة، والتخطيط لقضيّة التحرير، فلا يعلو أيّ صوت على صوت المعركة.
جريمةُ العصر
وعلينا أن نتذكَّر الرَّجل الكبير، السيّد موسى الصَّدر، الَّذي حمل لواء مواجهة الاحتلال، ودعا لتأسيس المجتمع المقاوم، ما يجعله الأبَ لحركة المقاومة في فصائلها المتعدّدة، كما أنَّه الرَّجل الَّذي كان يملك رحابةَ الصَّدر بكلّ سعة، وبكلّ انفتاح، حتَّى مع الَّذين يختلف معهم، ومع الَّذين يخاصمهم، كما كان الرَّجلَ الَّذي يملك المرونة الثَّقافيَّة والسياسيَّة في فهم الواقع المحلّيّ والعربيّ، بما لا يبتعد به عن خطّه الإسلاميّ الأصيل. ولذلك، فإنَّ جريمة اختطافه تعتبر من أخطر الجرائم على لبنان وعلى الإسلام كلّه.
التوحُّدُ خلفَ المجاهدين
وأخيراً، إنَّ خطورة المرحلة، تفرض على اللّبنانيّين جميعاً التوحّد وراء المجاهدين، والوعي العميق لخطط الأعداء الَّذين يريدون الشّرّ بالبلد كلّه، من الدَّاخل والخارج، والضّغط القويّ في مستوى الشَّعب كلّه، من أجل أن تتحرَّك المرحلة المقبلة في كلّ استحقاقها، على واقع التَّغيير السياسي والاقتصادي والأمني الَّذي يخرج النَّاس من هذه الدوَّامة الَّتي يعيش البلد فيها، بفعل تراكمات المشاكل المعقَّدة من دون حلّ.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريح:
28
/08/1998م.
اقرأ المزيد
-
A
+A
أرشيف خطب الجمعة عام 1998
القول الحسن
الفحش
البذاءة
لبنان
فلسطين
أمريكا
إيران
إسرائيل
السيّد موسى الصَّدر
العُجْبُ سلوكٌ ينافي الإيمانَ ويُحبِطُ الأعمال
صورةُ السيِّد المسيح (ع) وصفاتُهُ في القرآن
اخترنا لكم
أرشيف خطب الجمعة عام 1998
يومُ الغدير: الولايةُ لعليٍّ (ع) بنصٍّ إلهيٍّ
أرشيف خطب الجمعة عام 1998
وقفةٌ معَ أهدافِ فريضةِ الحجِّ وأبعادِها
أرشيف خطب الجمعة عام 1998
العُجْبُ سلوكٌ ينافي الإيمانَ ويُحبِطُ الأعمال
بالفيديو
26.12.2024
درّبوا أنفسكم وأولادكم على ثقافة الإبداع
21.11.2024
دعاء المجير
04.10.2024
أوبريت: رحل السيد
03.10.2024
نشيد وداع السيد : وينو الحبيب ...
03.10.2024
نشيد يا لعسفِ السِّنين
03.10.2024
نشيد رب رحماك
03.10.2024
لسْتَ في الموْتِ
06.04.2024
أدعية اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان
06.04.2024
أدعية اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان
نسخ الآية
نُسِخ!
تفسير الآية