عندما ولّي الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) العهد، جاءه جماعة من الصوفيَّة الذين يرون أنّ القيمة، كلّ القيمة، هي أن لا يأكل الإنسان جيِّداً، ولا يلبس جيِّداً، وأن لا يعيش حياة رخيّة، لأنَّ الزهد، في مفهومهم، يمثّل حالة سلبية في واقع حركة الإنسان.
بينما الزهد في المعنى الإسلاميّ الأصيل، يمثِّله عليّ (ع) فيما فهمه من القرآن: "الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن؛ قال الله سبحانه: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}"1[الحديد: 23] ، بأن لا تكون لك علاقة بالدّنيا بحيث تتعبّد لها، فإذا خسرت شيئاً سخطت، وإذا ربحت شيئاً بطرت، وبأن تواجه الرِّبح والخسارة كشيئين طبيعيّين، لأنّ الشيء إذا وجد سببه تحقّق، وإذا لم يوجد سببه لم يتحقَّق، وهذا ما عبَّر عنه الإمام أمير المؤمنين (ع) في رسالته لابن عباس: "أمَّا بعد، فإنَّ المرءَ قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه"2. وفي الحديث عنه (ع): "ليس الزّهد أن لا تملك شيئاً، بل الزّهد أن لا يملكك شيء"3. فالزّهد حالة نفسيّة في الوجدان الإنسانيّ، بحيث يواجه الإنسان الدنيا بكلِّ لذّاتها وشهواتها، فلا يتعلّق قلبه بها بالمستوى الَّذي تفرض عليه كلّ قيمها الماديَّة، بحيث يستطيع أن يقول (لا) إذا أرادت الدنيا أن تفرض عليه معصية الله ليحصل على رغباتها وشهواتها، ويستطيع أن يقول (نعم) عندما تكلِّفه الـ (نعم) الكثير من التضحيات.
ولقد ردّ الإمام الرضا (ع) على الصوفية عندما قالوا له: "إنّ المأمون قد ردَّ الأمر إليك، وإنّك لأحقُّ الناس به، إلَّا أنه يحتاج مَن يتقدَّم منك بقدمك إلى لبس الصّوف وما يخشن لبسه، فقال (ع): "وَيحكُمْ، إنّما يراد من الإمام قسطه وعدله؛ إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز، والخير معروف {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: 32]، وإنّ يوسف الصدّيق لبس الديباج المنسوج بالذَّهب، وجلس على متّكآت فرعون"4. فالإمام هنا يقول لو أنّكم ربطتم الحاكم بالشكليّات، فإنّه من السهولة أن يخذلكم أي شخص يلبس المسوح ويأكل الطعام الجشب فيما هو يظلم الناس، في حين أنّ الناس يرون منه الشَّكل فيقولون إنّه زاهد تقي.
فمسألة الحاكم لا تنطلق من الشكليَّات، وإنّما من خلال طبيعة حكمه، بأن يكون حكمه على أساس العدل، وأن يكون قوله على أساس الصِّدق، وأن يكون وعده على أساس الإنجاز.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
[1]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ص 87.
[2]نهج البلاغة، خطب الإمام (ع)، ج3، ص 20.
[3]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج4، ص 219.
[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي ، ج10، ص 351.
عندما ولّي الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) العهد، جاءه جماعة من الصوفيَّة الذين يرون أنّ القيمة، كلّ القيمة، هي أن لا يأكل الإنسان جيِّداً، ولا يلبس جيِّداً، وأن لا يعيش حياة رخيّة، لأنَّ الزهد، في مفهومهم، يمثّل حالة سلبية في واقع حركة الإنسان.
بينما الزهد في المعنى الإسلاميّ الأصيل، يمثِّله عليّ (ع) فيما فهمه من القرآن: "الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن؛ قال الله سبحانه: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}"1[الحديد: 23] ، بأن لا تكون لك علاقة بالدّنيا بحيث تتعبّد لها، فإذا خسرت شيئاً سخطت، وإذا ربحت شيئاً بطرت، وبأن تواجه الرِّبح والخسارة كشيئين طبيعيّين، لأنّ الشيء إذا وجد سببه تحقّق، وإذا لم يوجد سببه لم يتحقَّق، وهذا ما عبَّر عنه الإمام أمير المؤمنين (ع) في رسالته لابن عباس: "أمَّا بعد، فإنَّ المرءَ قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه"2. وفي الحديث عنه (ع): "ليس الزّهد أن لا تملك شيئاً، بل الزّهد أن لا يملكك شيء"3. فالزّهد حالة نفسيّة في الوجدان الإنسانيّ، بحيث يواجه الإنسان الدنيا بكلِّ لذّاتها وشهواتها، فلا يتعلّق قلبه بها بالمستوى الَّذي تفرض عليه كلّ قيمها الماديَّة، بحيث يستطيع أن يقول (لا) إذا أرادت الدنيا أن تفرض عليه معصية الله ليحصل على رغباتها وشهواتها، ويستطيع أن يقول (نعم) عندما تكلِّفه الـ (نعم) الكثير من التضحيات.
ولقد ردّ الإمام الرضا (ع) على الصوفية عندما قالوا له: "إنّ المأمون قد ردَّ الأمر إليك، وإنّك لأحقُّ الناس به، إلَّا أنه يحتاج مَن يتقدَّم منك بقدمك إلى لبس الصّوف وما يخشن لبسه، فقال (ع): "وَيحكُمْ، إنّما يراد من الإمام قسطه وعدله؛ إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز، والخير معروف {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: 32]، وإنّ يوسف الصدّيق لبس الديباج المنسوج بالذَّهب، وجلس على متّكآت فرعون"4. فالإمام هنا يقول لو أنّكم ربطتم الحاكم بالشكليّات، فإنّه من السهولة أن يخذلكم أي شخص يلبس المسوح ويأكل الطعام الجشب فيما هو يظلم الناس، في حين أنّ الناس يرون منه الشَّكل فيقولون إنّه زاهد تقي.
فمسألة الحاكم لا تنطلق من الشكليَّات، وإنّما من خلال طبيعة حكمه، بأن يكون حكمه على أساس العدل، وأن يكون قوله على أساس الصِّدق، وأن يكون وعده على أساس الإنجاز.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
[1]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ص 87.
[2]نهج البلاغة، خطب الإمام (ع)، ج3، ص 20.
[3]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج4، ص 219.
[4]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي ، ج10، ص 351.