حديث الله
الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) طويلٌ وعميقٌ عميق، فقد ملأ هذا الإمام العظيم دنيا الإسلام علماً وحركةً ووعياً وتقوى، واستطاع المسلمون من خلال علمه أن يجدوا لكلِّ مسألةٍ جواباً في كلِّ ما يشعرون أنَّ عليهم أن يسألوا عنه، ولكلِّ مشكلة حلاً في كلِّ ما يواجهونه من مشاكل الفكر والعقيدة والشريعة والحياة.. لقد تحدّث الإمام الصادق(ع) في ما تنقله لنا سيرته عن كلِّ شيءٍ كان يدور عنه الحديث في المجتمع الإسلاميّ.. ومن هنا، فإنَّنا عندما نستعرض حديثه، فإنَّنا نستطيع أن نعرف صورة العصر الذي عاش فيه بكلِّ قضاياه ومشاكله وبكلِّ اهتماماته، كما نستطيع أن نتعرّف على الخطوط المستقيمة التي خطّطها للعصور القادمة، ليهتدي المسلمون بالإسلام الصافي النقيّ الذي يمثّله فكرُ أهل البيت(ع) في فهمهم للإسلام، ووعي أهل البيت(ع) في حركيّتهم في خطِّ الإسلام.. ولذلك انتسب المذهب الإمامي الشيعي إليه، علماً بأنَّنا نعرف أنَّ مذهب أهل البيت لا يتصل بإمام دون إمام، فكلامُهم واحد، وآخرهم يعبِّر عما يعبِّر عنه أوّلهم.. ولا سيما أنَّ حديث الأئمة(ع) يُعتبر امتداداً لحديث النبيّ(ص) ومتفرّعاً عنه ومستمداً منه، فإنَّهم(ع) أمناؤه على شريعته وخلفاؤه في أمته، يُوضحون للناس دينهم، ويقرّبونه إليهم بأساليب متعدّدة، ومهما اختلفت، فإنَّها لا تنفصل عن الينبوع الصافي الذي يتفجّر من حديث النبيِّ(ص) وكلامه، ولهم من عصمة الله في ما يقولون ويفعلون ما يرفع عنهم الخطأ في القول أو الغفلة في الحكم..
وقد صرّحوا بذلك في ما روي عن الإمام الصادق(ع)، حيث قال: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله(ص)، وحديث رسول الله قول الله تعالى"(1).
وعلى هذا الأساس، ليس للإمام الصادق(ع) مذهبٌ في الفقه يختلف عن بقية الأئمة المعصومين(ع) ، لأنَّهم ينطلقون جميعاً من قاعدةٍ واحدة، فهم لا ينطلقون من حالة اجتهاديّة ذاتية كما يفعل المجتهدون، فيصيبون ويخطئون.. إنهم(ع) المعصومون في ما يتحدّثون به، وعلى هذا، فمذهبهم هو مذهب أهل البيت الذي ينطلق من الإسلام كتاباً وسنّة وفي كلِّ شريعة الإسلام ومناهجه.
التراث الموسوعيّ
استطاع الإمام الصادق(ع) أن يجعل مدرسته المفتوحة على كلِّ الناس مدرسةً تتحرّك لتعطي الثقافة الإسلاميّة أكثر الأساليب والوسائل شمولاً وسَعَةً.. وكان(ع) قد اتخذ من مسجد الكوفة، ولفترة زمنيّة معيّنة، معهداً للتدريس، وفي هذا، يقول حسن بن عليّ الوشّا الكوفي من مشايخ رواة الحديث: "أدركت في هذا المسجد ـ مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كلٌّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد"(2). وهكذا روى المؤلّفون أسماء الذين تتلمذوا عليه من شيوخ الذين يقصدهم الناس للأخذ بما رووه، فقدّموا أربعة آلاف راوٍ من الأشخاص الذين يعطون للمسلمين ثقافة ما رووه، وفي هذا يقول الشيخ المفيد: "ونقل الناسُ عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نُقِل عنه، ولا لقيَ أحدٌ منهم من أهل الاثار ونَقَلَةِ الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله ـ الصادق(ع) ـ، فإنَّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقاة، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل"(3).
وفي هذا أيضاً، يقول السيد علي مير الهندي، وهو يتحدّث عن مرحلة الإمام الصادق(ع): "إنَّ الذي تزعّم حركة فكِّ الفكر من عقاله، هو حفيد عليّ بن أبي طالب(ع) المسمّى بالإمام الصادق، وهو رجلٌ رحبُ أفقِ التفكير، بعيد أغوار العقل، مُلِمٌّ كلَّ الإلمام بعلوم عصره، ويُعتبر في الواقع أنَّه أوّل من أسَّس المدارس الفلسفيّة المشهورة في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته (مجلس درسه) أولئك الذين أصبحوا مؤسّسي المذاهب الفقهيّة فحسب، ولكن كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصية".
وعندما نريد أن نطلّ على شخصيّة الإمام الصادق(ع)، فإنَّنا قد نحتاج إلى أن نتعرّف كيف كان ينظر إليه علماء عصره ممن لا يرى رأيه ولا مذهبه، من بعض أئمة المذاهب الإسلامية، لا لنستزيد في تعظيمه، لأنَّ إمامته هي سرُّ عظمته، فهي تمثّل اللطف الإلهيّ به ورعاية الله له، باعتباره الحجّة على عباده، وليس في ذلك زيادةً لمستزيد. ولكننا نعرف من خلال هذه الشهادات كيف استطاع الإمام الصادق(ع)، بالرغم من اختلاف الناس حول الإمامة وحوله بالذات في موقع الإمامة، أن يفرض عظمته وعلمه وكلَّ القِيَم المتمثّلة فيه على كلِّ رجالات عصره. يقول مالك بن أنس: "ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً" (4).
وقد سُئِل أبو حنيفة عن أفقه الناس في زمانه، فقال: جعفر بن محمد(5).. وكان يقول عنه: "أليس أنَّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس"(6).. وقد قال أبو حنيفة ذلك عندما أقدم الخليفة العباسي المنصور الإمام الصادق(ع) وطلب من أبي حنيفة مناظرته، فقال المنصور: "يا أبا حنيفة، إنَّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمد، فهيىء لنا من مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليَّ أبو جعفر (المنصور) وهو بالحيرة فأتيته.. فدخلت عليه، وجعفر جالسٌ عن يمينه، فلما بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلّمت عليه، فأومأ إليَّ فجلست، ثم التفت إليه، فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثم التفت إليَّ فقال: يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت أُلقي عليه فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلَّ منها بشيء"(7).
وقد وصف أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى عام 430هـ الإمام الصادق(ع) بأنه: "الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونمى عن الرئاسة والجموع.. وروى عن جعفر عدّة من التابعين: منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وأبو عمرو بن العلاء، ويزيد بن عبد الله بن الهاد. وحدّث عنه من الأئمة والأعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجّاج، وسفيان الثوري، وابن جريج، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وإبراهيم بن طمحان، وأخرج عنه مسلم ابن الحجّاج في صحيحه محتجّاً بحديثه"(8).
وفي التواريخ أنَّ ابن عُقدة صنّف كتاب الرجال لأبي عبد الله(ع) عدّدهم فيه، وكان حفص بن غياث إذا حدّث عنه قال: حدّثني خير الجعافر جعفر بن محمد، وكان عليّ بن غراب يقول: حدّثني الصادق جعفر بن محمد(9).
وقال نوح بن درّاج لابن أبي ليلى: أكنت تاركاً قولاً قلته، أو قضاءً قضيته لقول أحد؟ قال: لا، إلاَّ رجلٌ واحدٌ، قلت: مَنْ هو؟ قال: جعفر بن محمد(10)، ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه، يقولون: قال جعفر بن محمد الصادق(ع). ذكره النقاش والثعلبي والقشيري والقزويني في تفاسيرهم، وذُكر في كتاب الحلية والإبانة وأسباب النزول والترغيب والترهيب، وشرف المصطفى، وفضائل الصحابة، وفي تاريخ الطبري والبلاذري والخطيب ومسند أبي حنيفة، واللالكاني، وقوت القلوب، ومعرفة علوم الحديث لابن البيع(11).
ولم تنحصر علومه في علم دون علم، حتى أنّه(ع) كان أستاذ جابر بن حيّان في علم الكيمياء الذي انتقل من خلاله إلى أوروبا(12).
ومن هنا نعرف أنَّ الإمام الصادق(ع) ملأ المرحلة التي عاشها مع أبيه الباقر(ع) في العصر الأمويّ، وبداية العصر العباسيّ، وكان(ع) يفتح مدرسته الممتدّة في الواقع الإسلاميّ لكلِّ المسلمين، سواء كانوا من الذين يؤمنون بإمامته وإمامة الأئمة من آبائه وأجداده، أو من الذين لا يؤمنون بإمامته، فقد كان يستقبل تلامذته من جميع المذاهب. وتروي كتب السيرة أنَّ أبا حنيفة النعمان، إمام المذهب الحنفي، تتلمذ عليه في مدى سنتين، وكان يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان".
ولم تكن لدى الصادق(ع) عقدةٌ من اللقاء بمن يختلفون معه في المذاهب.. فقد كان يمثّل رحابة العقل والقلب والعلم.. ولذلك، فإنَّنا نعتقد أنَّ من الضروريّ لكلِّ عالم مسلم ولكلِّ طالب علم ومثقّف، حتى ولو كان من غير المسلمين، أن يطّلع على تراث الإمام الصادق(ع)، لأنَّه تراثٌ موسوعيّ ينفتح على كلِّ قضايا الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية والسياسيّة، حيث كان(ع) يعيش حرية الفكر، ويعطي للناس الفكر، ويريد لهم أن يتحدّثوا بكلِّ شيء، وكان يحاور كلَّ الناس، ليؤكّد في سيرته وحديثه أنَّ على الإنسان العالم أن يفتح عقله وقلبه وعلمه لكلِّ إنسانٍ يطرح مشكلةً ويُثير شبهةً ويلتزم عقيدةً، حتى ولو كان هذا الإنسان يختلف معه في الأسس.. وهذا ما يختصره زيد بن علي الشهيد الذي قال: "في كلِّ زمانٍ رجلٌ منا أهل البيت، يحتجُّ الله به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضلُّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه"(13)، وزيد الثائر الشهيد الذي يقول بعض الناس، ولا سيما في اليمن، بإمامته، لم يكن يرى نفسه إماماً بالرغم من قول بعض الناس بذلك، وكان يرى استحقاق أخيه (الإمام زين العابدين) للإمامة من قبله، وكانت وصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله(ع) ، ولمّا استُشهد بلغ ذلك من الإمام الصادق كلَّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بانَ عليه(14).
لقد أغنى(ع) المرحلة بكلِّ العلم، حيث كان يتدخّل فكرياً في كلِّ القضايا التي تُثار في مرحلته، وكان لا يقتصر على جانب من الجوانب، وهذا ما دعا الشهرستاني في كتاب الملل والنحل أن يقول عنه(ع) : "وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، وحكمة بالغة في الدنيا، وزهد بالغ في الدين، وورع تام في الشهوات".. كان(ع) إذا انطلقت أية مشكلة ثقافية في الجوانب الكلاميّة أو الفلسفيّة أو الفقهية أو التفسيريّة، يطلق أحاديثه ويدفع بتلامذته إلى ألاَّ يتركوا علامة استفهام في وجدان أيِّ إنسان، سواء كان ممن أطلقها أو ممن سمعها، لأنَّه كان يريد لأيّة مرحلةٍ يعيشها إمامٌ أو عالم أو مفكّر، أن يحتوي كلَّ القضايا التي تُثارُ فيها.
وفي هذا يقول اليعقوبي في تاريخه: "كان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالِم"(15).
لذلك، ليس هناك مجالٌ للإنسان المسؤول أن يعيش في موقع اللامبالاة، أمام كلِّ الثقافات التي تتحدّى الإسلام، وأمام كلِّ التيارات التي تواجه حركته، وأمام كلِّ الأوضاع التي تحيط به.. وعلى العالم ألا يستغرق في جانب معيّن، بل لا بدَّ له أن يتحرّك في كلِّ الجوانب، حتى يقيم الحجّة على النّاس في ذلك، وهكذا كان أئمتنا(ع) يملأون المرحلة التي يعيشون فيها ويجيبون عن كلِّ مسألة، ويعملون على حلِّ أيّة مشكلة بحسب ما تسمح لهم الظروف بذلك. وقد كان الصادق(ع) يحثُّ أصحابه على ذلك، فيقول: "أحسنوا النظر في ما لا يسعكم جهلُه، وانصحوا لأنفسكم وجاهدوها في طلب معرفة ما لا عُذْرَ لكم في جهله، فإنَّ لدين الله أركاناً لا ينفع من جهلها شدّةُ اجتهاده في طلَب ظاهر عبادته، ولا يضرُّ من عرفها فدانَ بها حسنُ اقتصاده، ولا سبيل لأحدٍ إلى ذلك إلا بعون من الله عزَّ وجلّ"(16).
إمام الحوار
لقد كان الإمام جعفر الصادق(ع) إمام الحوار، كان يجلس في بيت الله الحرام ليحاور المثقفين الكبار في ذلك العصر من العلمانيين الذين كان الكثيرون منهم يلتزمون الإلحاد كخطٍّ فكريّ، وينكرون على الإسلام وعلى الأديان كلِّها.. كان(ع) يجلس إليهم بعقل مفتوح وصدر واسع ليستمع إليهم بكلِّ هدوء، حتى في الحالات التي كان فيها كلامهم قاسياً، وربما كان بعضهم يتحدّث بأسلوب السخرية على ما يقوم به المسلمون من أعمال الحجّ، ولكنَّ الإمام الصادق(ع) كان ينتظر انتهاءَهم من كلامهم، ليُطلق عليهم الحجّة التي إذا لم يقتنعوا بها عناداً فإنها تُسكتهم.
ففي الإرشاد للشيخ المفيد: "أنَّ ابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الأعمى وابن المقفّع في نفر من الزنادقة، كانوا مجتمعين في الموسم (موسم الحجّ) بالمسجد الحرام، وأبو عبد الله جعفر بن محمد(ع) فيه إذ ذاك يُفتي الناس، ويُفسِّر لهم القرآن، ويجيب عن المسائل بالحجج والبيّنات..
فقال القوم لابن أبي العوجاء: هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به؟ فقد ترى فتنة الناس به، وهو علاّمة زمانه. فقال لهم ابن أبي العوجاء: نعم، ثمَّ تقدّم ففرّق الناس وقال: فتأذن في السؤال؟ قال له أبو عبد الله(ع): "سل إن شئت".. فقال له ابن أبي العوجاء: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر (لأسود) وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر (الكعبة)، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر (إشارة للطواف حول البيت الحرام)؟ من فكّر في ذلك وقدّر، علم أنَّه فعلٌ غير حكيم ولا ذي نَظَر، فقُلْ فإنَّك رأسُ هذا الأمر وسنامُه، وأبوك أسُّه ونظامُه.
فقال له الصادق(ع): "إنَّ مَنْ أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقَّ فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليَّه وربَّه يُوردُه مناهلَ الهَلَكَة، وهذا بيتٌ استعبدَ الله به خلقَه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وجعله قبلةً للمصلّين له، فهو شُعبةٌ من رضوانه، وطريقٌ يؤدي إلى غفرانه، منصوبٌ على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال، فأحقُّ مَنْ أُطيعَ في ما أمر وانُتهي عمّا زَجَر، اللهُ عزَّ وجلَّ المنشىءُ للأرواح والصُور".
فقال له ابن أبي العوجاء: ذكرت ـ أبا عبد الله ـ فأحَلْتَ على غائب. فقال الصادق(ع): "كيف يكون ـ يا ويلك ـ عنَّا غائباً مَنْ هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقربُ من حبل الوريد؟ يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم، لا يخلو منه مكانٌ، ولا يشتغل به مكانٌ، ولا يكون إلى مكانٍ أقربَ من مكان، تشهد له بذلك آثاره، وتدلُّ عليه أفعاله، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة، محمد(ص) جاءنا بهذه العبادة، فإنْ شككت في شيءٍ من أمره، فاسأل عنه أُوضِحْهُ لك".
فأبلس ابن أبي العوجاء، ولم يدرِ ما يقول، فانصرف من بين يديه، وقال لأصحابه: سألتكم أن تلتمسوا لي خُمرةً فألقيتموني على جمرة، قالوا له: اسكت، فواللهِ لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا أحقرَ منك اليوم في مجلسه، فقال: ألي تقولون هذا؟ إنَّه ابنُ من حلَقَ رؤوسَ من ترون، وأومأ بيده إلى أهل الموسم (الحجيج)"(17).
ويسأله منكرٌ: كيف يعبدُ اللهَ الخلقُ ولم يروه؟ فيقول(ع): "رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حُسْن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته"، ثم سأله: "أليس هو قادراً أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيُعبد على يقين"؟ قال(ع): "ليس للمحال جواب" قال: "فمن أين أثبتَّ أنبياءً ورسلاً؟"، قال(ع): "إنَّا لما أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه، ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنَّ له سفراء في خلقه وعباده يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في حكماء مؤدّبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤدّين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد"(18).
فالإمام الصادق(ع) المؤتمن على الرسالة، كان لا يضيق صدره عندما يواجه الأسئلة القلقة في العقيدة والشريعة والتفسير وشتى المعارف والعلوم، ومن هنا يقول عمرو بن أبي المقدام: "كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنَّه من سلالة النبيين"(19). ونشير إلى أنَّه(ع) كان يعلّم أصحابه منطق الحوار، ونحن نقرأ في ذلك العصر أنَّ الكثيرين من قضاة أهل السُّنّة الذين لا يلتزمون بإمامة أهل البيت(ع) ، كانوا يسألون دائماً أصحابَ الإمام الصادق(ع) في الكثير من المسائل، فإذا عرفوا ذلك حكموا به.. لم تكن هناك عقدةٌ، بل كانوا يجتمعون مع بعضهم البعض، ويتحاورون في كلِّ شؤون الفكر والشريعة والعقيدة.. ومن هنا، فقد كانت الحركة الإسلاميّة في ذلك الوقت في الجانب الوحدويّ حركةً وحدويّة على المستوى الثقافي والفكري، وكان المسلمون لا يخافون في عصر الإمام الصادق(ع) من بعضهم البعض، فإذا كان لبعضهم رأي مخالفٌ، فإنَّه يصارحه ويحدّثه به، ولكن كانت المشكلة مع السلطة التي تحمل عنوان الإسلام، وكانت تتحرّك بطريقة منحرفة.. وقد عانى الإمام الصادق(ع) من ذلك، حتى أنَّه(ع) حُوصِر في بعض الأحيان، وقد نقل المؤرخون ذلك، وهو "أنَّ المنصور كان قد همَّ بقتل أبي عبد الله(ع) غير مرّة، ومنع الناس عنه، ومنعه من القعود للنّاس، واستقصى عليه أشدَّ الاستقصاء" (20)، ولكن الصادق(ع) كان يخترق هذا الحصار بتسديدٍ من الله وبحكمته.. ويكتب إليه المنصور: "لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟" فأجابه: "ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمةٍ فنهنئك، ولا تراها نقمةً فنعزيك بها، فما نصنع عندك"؟ فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه(ع): "مَنْ أراد الدنيا لا ينصحك، ومَن أراد الاخرة لا يصحبك". فقال المنصور: والله لقد ميّز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة، وإنَّه ممن يريد الآخرة لا الدنيا"(21).
ونعود للحديث عن تربيته لتلامذته وأصحابه الذين أعطاهم من علمه علماً، لتستفيد الأمة منهم، وقد جاء في الرواية عن الصادق(ع) قال: "لما حضرت ـ أبي الباقر ـ الوفاة،ُ قال: يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً، قلت: جُعلت فداك، والله لأدعََنّهم والرجلُ منهم يكون في المصر فلا يسألُ أحداً"(22)، يطلب الباقر(ع) منه أن يرعى أصحابه الذين تعلّموا عنده، فيجيبه(ع) بأنَّه سيعلّمهم بحيث لا يحتاجون إلى علم أحد.. فما هي دلالة هذا الكلام؟
إنَّ الإمام(ع) كان قبل أن يتسلّم زمام الإمامة يخطّط لأن يكون الناس الذين ربّاهم أبوه، والذين يعيشون معه بعد ذلك، على تربية علمية وثقافية، بحيث يملكون العلم بالمستوى الذي لا يحتاجون فيه إلى أن يسألوا أحداً، وهذا هو المستوى العالي من التخطيط لإغناء الناس بالثقافة، بحيث إنّه لا يقتصر في حركته العلميّة على أن يسألوه ليجيب، بل إنَّه كان يريد أن يحيط بهم من جميع الجوانب، حتى يعطيهم هذا العلم، وليتمثّلوا هذا العلم في أفكارهم وعقولهم.
وكان الإمام الباقر(ع) يعرف ذلك، فينقل بعض أصحابه وهو (أبو الصبَّاح الكنانيّ)، قال: "نظر أبو جعفر(ع) إلى أبي عبد الله(ع)، فقال: ترى هذا، هذا من الذين قال الله عزَّ وجلّ: {ونُريدُ أنْ نَمُنَّ على الذينَ استُضْعِفُوا في الأرض ونَجعَلَهُم أئمّةً ونَجْعَلَهُم الوارثين}(23) [القصص:5]، كان الإمام الباقر(ع) يعرف طاقات ولده الصادق(ع)، ويعرف كلَّ إحساسه بالمسؤوليّة، لأنَّ قضيّة أيِّ إمام من الأئمة(ع) في ما نعتقده، ليست أنَّه عالمٌ يريد أن يعلّم الناس، ولكنّه يتمثّل مسؤوليته في كونه امتداداً للرسول(ص) من دون رسوليّة ومن دون نبوّة، بحيث يعيش همَّ الإسلام والمسلمين بالدرجة التي يريد أن يحوِّل الحياة كلَّها إسلاماً في الخطِّ الأصيل.
وقد عادوا إليه(ع) في ما أشكل عليهم من مسائل، حيث إنهم كانوا يقصدونه إلى المدينة من الأماكن البعيدة، وقد ذهب إلى هذا المرحوم السيّد محسن الأمين، (روى الكليني في الكافي بسنده أنَّ ابن أبي العوجاء سأل هشام بن الحكم ـ وهو أحد تلاميذ الصادق ـ فقال: أليس الله حكيماً، قال: بلى وهو أحكم الحاكمين. قال: فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلّ: {فانْكِحُوا ما طابَ لَكُم مِنَ النساء مثنى وثلاث ورباع فإنْ خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة} [النساء:3] أليس هذا بـ(فرض)؟ قال: بلى، قال: فأخبرني عن قوله عزَّ وجلّ: {ولَنْ تستطيعوا أن تَعْدِلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلَّ الميل} [النساء:129] أيُّ حكيم يتكلّم بهذا، فلم يكن عنده جوابٌ، فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله(ع) . فقال: يا هشام، في غير وقت حجّ ولا عمرة؟ قال: نعم، جعلت فداك لأمرٍ أهمّني، إنَّ ابنَ أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيءٌ، قال: وما هي؟ فأخبره بالقصّة. فقال أبو عبد الله(ع) : أما قوله عزَّ وجلّ: {فانكحوا ما طابَ لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة} يعني في النفقة، وأما قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلّقة} يعني في المودّة.. فلما قدم عليه (على ابن أبي العوجاء) هشام بهذا الجواب: قال: والله ما هذا من عندك"(24).
وكان(ع) يركّز في خطِّ الدعوة، وهو يعلّم أصحابه، منهجيّة الحوار على مجانبة الأسلوب الجدليّ الذي يحاول أن يستفيد من الباطل، في سبيل إسكات الطرف المحاور الآخر، فكان(ع) يؤكّد أن الدعوة إلى الحقّ ينبغي أن تعتبر الحقّ هو العنصر الأساس في الوسيلة والعنصر الأساس في النتيجة، لأنَّك عندما تأخذ من الباطل حجّةً على حقِّك، فإنَّ معنى ذلك أنَّك توحي بضعف الحقّ عن مواجهة التحديات التي توجَّه إليك، ولذلك تلجأ للاستعانة بالباطل في مقام تأكيد صوابية رأيك.
ومن هنا، فإنَّنا نرى الإمام الصادق(ع) يوجّه أصحابه إلى مجادلة أحد المخالفين، ثم يتوجّه لنقدهم بعد أن تغلّب أحدهم عليه بطريقة غير منطقيّة، فينتقده قائلاً له: "إنَّك تمزج الحقَّ بالباطل، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل"(25)، فكأنَّه يقول له: ما الفرق بينك وبينه؟ إنَّه جحد حقّاً وجحدت مثله، فهو جحد الحقَّ في النتائج، وأنت جحدت الحق في الوسيلة.
وهكذا، فإنَّ الإمام(ع) يريد أن يوحي لنا بأنَّ على الإنسان ألا يظلم الآخر عندما يستعين في الحوار معه بأمور غير حقيقيّة في سبيل تركيز الفكرة، لأنَّ القضيّة الأساس هي أن نعطي الإنسان الحقّ كلَّه، لينطلق الحقُّ بكلِّه في عقله ووجدانه.. وهذه قاعدةٌ من قواعد أسلوب الدعوة عند أهل البيت(ع) ، وكم لهم من أساليب كثيرة تتمثّل في كلِّ حواراتهم وكلِّ حياتهم.
وكان قومٌ من الصوفية ذهبوا في معاشهم إلى ما فيه مخالفة لكتاب الله وسُنّة رسوله، وجرى حوار بينهم وبين الصادق(ع) ، حيث روى الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول، خبر دخول سفيان الثوري على الصادق(ع) ومعه قومٌ ممن يظهرون التزهّد ويدعون الناس إلى أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف، فقالوا: إنَّ حجتنا من كتاب الله. قال لهم: فأدلوا بها، فإنَّها أحقُّ ما اتبع وعُمِل به. قالوا: يقول الله تبارك وتعالى يخبر عن قومٍ من أصحاب النبيّ(ص): {ويُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شُحَّ نفسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون} [الحشر:9]، فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر: {ويُطعمونَ الطعامَ على حُبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}[الإنسان:8] فنحن نكتفي بهذا.. فقال أبو عبد الله(ع) : أخبروني أيُّها النفر، ألكم علمٌ بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضلَّ من ضلّ، وهلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا: أو بعضه، فأمّا كلّه فلا، فقال لهم: من ها هنا أتيتم، وكذلك أحاديث رسول الله(ص)، أما ما ذكرتم من إخبار الله إيّانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحاً جائزاً، ولم يكونوا نُهُوا عنه، وثوابهم منه على الله، وذلك أنَّ الله جلَّ وتقدّس أمر بخلاف ما عملوا به، فصار أمره ناسخاً لفعلهم، وكان ينهى تبارك وتعالى رحمةً للمؤمنين ونظراً لكي لا يضرّوا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضعفة الصغار والولدان والشيخ الفان والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون عن الجوع.. فإن تصدّقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعاً، فمن ثمّ قال رسول الله(ص): "خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها، فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثم الثانية على نفسه وعياله، ثم الثالثة على القرابة وإخوانه المؤمنين، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله، وهو أخسّها (أقلّها) ـ أجراً لأنَّ الله في ذاته ليس بحاجة إلى ذلك ـ ثم قال: حدّثني أبي أنَّ النبيّ(ص) قال: ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى، ثم هذا ما نطق به الكتاب ردّاً لقولكم ونهياً عنه مفروض من الله العزيز الحكيم، قال: {الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} أفلا ترون أنَّ الله تبارك وتعالى عيّر ما أراكم تدعون إليه والمسرفين في غير آية من كتاب الله، يقول: {إنَّه لا يحبُّ المسرفين} فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير، لكنْ أمرٌ بين أمرين، لا يعطي (الإنسان) جميع ما عنده، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له، للحديث الذي جاء عن النبيّ(ص): أنّ أصنافاً من الناس لا يُستجاب لهم دعاؤُهم: رجلٌ يدعو على والديه، ورجلٌ يدعو على غريم ذهب له بمالٍ ولم يُشهد عليه، ورجلٌ يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده، ورجلٌ يقعد في البيت ويقول: يا رب ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق، فيقول الله عزَّ وجلّ عبدي أولم أجعل لك السبيلَ إلى الطلب والضرب في الأرض، ورجلٌ رزقه الله مالاً كثيراً فأنفقه، ثم أقبل يدعو: يا رب ارزقني، فيقول الله: ألم أرزقك رزقاً واسعاً، أفلا اقتصدت فيه كما أمرتُك.. ثم علّم الله نبيّه كيف يُنفق، وذلك أنّه كان عنده أوقية من ذهب، فكَرِهَ أن تبيت عنده فتصدّق بها، وأصبح ليس عنده شيءٌ، وجاءه مَنْ يسأله، فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، واغتمَّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، وكان رحيماً رفيقاً، فأدّب الله نبيّه بأمره إيّاه {ولا تجعلْ يدَك مغلولةً إلى عُنُقِك ولا تَبْسطْها كلَّ البَسْط فتقعدَ ملوماً محسوراً} [الإسراء:29] يقول، إنَّ الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد خسرت من المال.
أخبروني، لو كان الناس كلّهم كما تريدون زهّاداً لا حاجة لهم في متاع غيرهم، فعلى من كان يتصدّق بكفارات الإيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحدٍ أن يحبس شيئاً من عرَض الدنيا إلا قدّمه، وإن كان به خصاصة، فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله وسنّة نبيّه وأحاديثه التي يصدِّقها الكتاب المُنزَل"(26).
وهكذا نراه(ع) يتقبّل كلَّ سؤال، فيأتي إليه شخصٌ يقول له: دلّني على معبودي؟ ويتحدّث معه برفق الكلمة التي يريدها أن تكون رقيقةً في عمق المعنى، لتدخل إلى عقله برفق، ولتملأ عقله بالفكر. وكان يأتيه بعض الناس ليطرح أسئلة أشبه بالتحدّي غير العقلاني ليقول له: هل يستطيع ربُّك أن يُدخل الدنيا في بيضة فلا تكبر ولا تصغر البيضة أو الدنيا؟ وأراد الإمام(ع) لهذا الشخص الذي لا يتحدّث بفكر، وإنَّما يتحدّث بسذاجة أن يفتح عقله، فقال له: تطلّع بعينيك، ماذا ترى؟ فقال له: إنني أرى سماءً وأرضاً وجبالاً وأناساً، وما إلى ذلك، فأجاب الإمام بما مضمونه، إنَّ الله الذي هو قادرٌ على أن يجعل كلَّ هذا في هذا البؤبؤ قادرٌ على أن يفعل كلّ شيء، ولكنَّ هذا لا يكون، فالبيضة لا قابلية لها لأن تحتوي الدنيا، وإذاً، فالعجز ليس في القادر، ولكنّه في المقدور.
المصادر:
(1) بحار الأنوار، ج:2، ص:178.
(2) ترجمة الوشّا في رجال النجاشي، ص:30.
(3) الإرشاد، للشيخ المفيد، ص:179، طبعة بيروت.
(4) مناقب ابن شهرآشوب، ج:3، ص:372.
(5) بحار الأنوا، ج:47، ص:217.
(6) المصدر نفسه، ص:218.
(7) الصدر نفسه، ص:217
(8) حلية الأولياء، ص:192ـ198، طبعة بيروت ـ دار الفكر 1416هـ ـ 1996م.
(9) بحار الأنوار، ج:47، ص:27.
(10)بحار الأنوار، ج:47، ص:29.
(11)المصدر نفسه، ص:30.
(12)ينقل المؤرخ السيد حسن الأمين عن الدكتور محمد يحيى الهاشمي أنّ مَن برع في علم الكيمياء جابر بن حيان، ويمكننا أن نعدّ رسائله أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدرسة الإسلامية، وقد اتصل جابر بالإمام الصادق وتلقّى علم الكيمياء في مدرسته، وأصبح هذا الرجل بذلك كيماوي العرب الأول، ثم اعتُبر على مرّ القرون قمّة شامخة في تطوّر هذا العلم، ولم يكن لجابر هذا أستاذٌ غير الإمام الصادق، وقد كرّر جابر ذكر اسم أستاذه في أكثر كتبه وبتعابير مختلفة. (الإمام جعفر الصادق ـ صادر عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية، ص:181).
(13)أمالي الصدوق، ص:243.
(14)ذهب إلى هذا الرأي أيضاً الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، 173.
(15)تاريخ اليعقوبي، ج:3، ص:119، طبعة1964.
(16)الإرشاد، للمفيد، ص:205.
(17)الإرشاد، للمفيد، ص:200ـ201.
(18)بحار الأنوار، ج:10، ص:165.
(19)حلية الأولياء، طبعة بيروت ـ ج3، ص:153.
(20)مناقب ابن شهرآشوب، ج:3، ص:364.
(21)كشف الغمة، ج:2، ص:448.
(22)الإرشاد، للمفيد، ص:180.
(23)الإرشاد، للمفيد، ص:180.
(24)في رحاب أئمة أهل البيت، ج:5، ص:38، دار التعارف ـ بيروت.
(25)بحار الأنوار، ج:23، ص:13.
(26)في رحاب أئمة أهل البيت، ج:5، ص:37.