مشكلة اللبنانيين أنهم حزبيون بلا ثقافة فضل الله: المسيحيون أصيلون في المنطقة ويلزمهم القيام بعملية نقد ذاتي |
استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، قبل ظهر اليوم، في دارته بحارة حريك، نقيب المحررين الأستاذ ملحم كرم، وأعضاء مجلس النقابة والمستشارين، حيث كانت جولة أفق في موضوعات الساعة.
وقد استهلّ النقيب كرم اللقاء بكلمة قال فيها: نلتقي اليوم إنساناً من القادة البارزين في مجال الهدى والتنوير، وله أيدٍ بانية في المجال الفقهي والتربوي والإنساني والروحي والعلمي، وهو مؤمن بما قاله الإمام علي(ع): "نعمة الله عليك حاجة الناس إليك".
ثم أجاب سماحته عن الأسئلة التي طرحها الصحافيون، فقال:
إن لبنان لا يزال الساحة التي تلتقي فيها كل أجهزة الاستخبارات، وليس الوطن. كما أن لبنان هو بلد الحرية الدينية والفكرية والسياسية، وأكاد أقول الأمنية.
وأضاف سماحته: لقد تحولت الحرية في لبنان إلى ما يشبه اللعنة، ولكننا نصرّ على التمسّك بها، لأننا نرى أن هذه الحرية التي نتنفّس من خلالها، سياسياً وفكرياً وثقافياً، هي ميزة لبنان التي يفتقر إليها العالم العربي.
وردّاً على سؤال، أجاب سماحته: إن مسؤوليتنا أن نحاول إعطاء اللبناني شيئاً من الوعي حتى نبني وطناً، لأن مشكلة لبنان تكمن في النظام الطائفي الذي كان معبراً للخارج.
وتابع سماحته: إن اللبنانيين حزبيون بلا ثقافة، فعلينا تثقيف اللبنانيين ولاسيما طلاب الجامعات ليفهموا خلفية الشعارات، فلا يكونوا مستعبدين للزعامات الطائفية والمذهبية.
ورأى سماحته أن المشكلة تكمن في أن الزعامات التي كانت سبباً في مأساة لبنان، تمنع الجيل الجديد من إنتاج زعامات شابة جديدة.
ودعا سماحته رداً على سؤال المسيحيين إلى القيام بنقد ذاتي، لأن القضية هي قضية العبقرية المسيحية والعطاء المسيحي والوجود الذي يجب أن يتواصل مع الوجود الإسلامي والعطاء الإسلامي مستعيداً موقعه عند انطلاقة لبنان الاستقلال وما قبله.
وأن لا علاقة للإسلام كدين ومعتقد باستهداف الوجود المسيحي، بل إنّ الفكر التكفيري الذي لا يميّز بين المسيحي والمسلم هو المسؤول عن إنتاج هذا الواقع المؤلم. مجدداً دعوته المسيحيين إلى أن يرتفعوا إلى مستوى المتغيرات الحاصلة في المنطقة.
وقال سماحته: نحن نعتقد أن دور المحرّرين الصحافيين والمحلِّلين أن يفتحوا عقل القارىء على القراءة الواعية لخلفيات الأحداث، فدور المحلِّل والمحرِّر كبيرٌ جداً في تأصيل الفكرة والإضاءة على جوانبها كافة، ومن هذه الأمور التي تمثّل ثقافتنا الإعلامية هي أنه ليس هناك أي شيءٍ لهذه المرحلة محلياً، بل إن المسألة كلها ترتبط بالوضعين الإقليمي والدولي.
وأضاف: إننا نجد في لبنان الساحة التي لا يزال الآخر يتدخّل في شؤونها تحت عناوين مختلفة، ففي الدول التي تُحترَم سيادتها، لا يحقّ للسفير الأجنبي التعليق على قضايا البلد الداخلية. بينما في لبنان نجد الكثير من السفراء الذين يتدخلون في كل شاردة وواردة في المسائل الداخلية، وربما في القضايا الحميمة أيضاً، وقد نجد الإعلام الفضائي اللبناني يستضيف هؤلاء السفراء ليسألهم عن الشأن اللبناني، لتبدو المسألة وكأننا نساعد هؤلاء وغيرهم على إبقاء لبنان ساحة تتحرّك فيها السفارات والاستخبارات، لا للتداول بالمعلومات فحسب، بل لصناعة الوقائع.
واعتبر سماحته: أن علينا أن نعرف أنّ الدول لا تتحرك في لبنان لحساب مصالحنا أو لمصلحة هذه الطائفة وذاك المذهب بقدر ما تتحرّك لحساب مصالحها، كما علينا أن نعرف أن هذه الدول لا تصوغ علاقاتها على قاعدة الصداقة الدائمة أو العداوة المستمرّة. ولكن المسألة بالنسبة إلى أمريكا بالذات هي أنه لا صداقة مستمرة لها ودائمة إلا مع إسرائيل.
وانتقد سماحته محاولة استحضار الماضي في جلسات مجلس النوّاب الأخيرة وعدم النظر في المستقبل، مشيراً إلى أن مسؤوليتنا تكمن في إعطاء اللبنانيين وعياً حضارياً يعين على بناء الدولة على أسسٍ علمية وحضارية متينة.
ورأى أن المرحلة التي نعيشها هي مرحلة دقيقة يضجّ بها العالم بالفتن وحركة الاضطرابات، وأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع في جعلِ لبنان يعيش سلامه الداخلي بعيداً عن الرياح الهوجاء التي قد تهبّ عليه من خلال الأعاصير السياسية والاقتصادية والأمنية القادمة بفعل تصادم مصالح الدول، وفي ظلّ الاهتزازات في العلاقات الدولية والإقليمية.
وقال: إن علينا الدعوة إلى المواطنة ليعيش المواطن الشيعي والسني والمسيحي والدرزي في قلب هذه المواطنة، لا أن ينطلق مذهبياً وحزبياً وطائفياً، لأننا بذلك نفتح أعين الخارج على لبنان ونشرّع أبوابه لتحقيق غاياته، لنجد لبنان السوري أو لبنان الإيراني أو لبنان الأمريكي أو الفرنسي أو السعودي، ولا نجد أو نلتقي بلبنان المواطنة المنفتحة على قضايا الإنسان اللبناني بعيداً عن المسمّيات الحزبية والعصبية.
ورأى أن للمسيحيين فضلاً على الثقافة واللّغة العربية، وهو فضلٌ واضحٌ وبيِّن، كما أن أصالتهم تضرب عميقاً في جذور وتراث المنطقة، فلا ينبغي التعامل معهم كدخلاء على المنطقة العربية والإسلامية، ولكنهم كغيرهم يحتاجون للقيام بعملية نقدٍ ذاتي تجعلهم يقفون على دورهم الريادي، ومسؤولياتهم الكبرى التي انطلقوا من خلالها مع انطلاقة لبنان الوطن والدولة.
وحول الوضع في العراق، قال سماحته: ما دامت أمريكا في العراق، فلا مستقبل واضح للعراق، لأن الولايات المتحدة الأمريكية، بإدارتها المحافظة، لا تسمح لأي حكومة عراقية أن تنجح، كما أن الشركات الأمريكية لا تزال تقوم بعملية نهب منظّم للثروات العراقية، ولن يرتاح العراق إلا عندما تكفُّ الولايات المتحدة الأمريكية عن اعتباره جسراً تعبُر من خلاله لتأمين تحقيق مطامعها ومصالحها في المنطقة.
وختم مؤكداً، أن من الصعوبة بمكان أن تقوم الدولة في لبنان إذا كان من يمسك بقرارها يخلص لعلاقاته الخارجية ولارتباطاته بهذا المحور أو ذاك أكثر ممّا يخلص لوطنه وأمّته.
|