علّق سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في تصريح له حول القرار الصادر في حقّ الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، جاء فيه:
يُمثّل صدّام حسين الشخصية التي استخدمت من قبل الاستكبار العالمي لضرب الثورة الإسلامية في إيران من خلال حربه المدمّرة ضد إيران، وهي الحرب التي عطّلت الطاقات الإيرانية والعراقية لحساب الغرب المستكبر الذي انطلق مع الشرق في حرب ظالمة ضد إيران دمّرت الاقتصاد الإيراني ومنعت الثورة الإسلامية من أن تتطور وتتقدم في مشروعها الإسلامي التغييري، وكل ذلك تمّ من خلال صدام حسين ونظامه.
أضاف: كذلك استطاع الاستكبار الأمريكي أن يوظّف صدام حسين مجدداً في حربه ضد الكويت في كل الفظاعات التي ارتكبها خلال احتلاله للكويت وفي إبقائه على مسألة الأسرى الكويتيين في متاهات المجهول، من أجل تقديم فرصة جديدة لأمريكا للسيطرة على المنطقة ووضع الأسس لقواعد عسكرية دائمة فيها ومن ثم الإعداد لاحتلال هذا البلد العربي أو ذاك البلد الإسلامي وترويع الجميع لحساب المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
ولذلك، فإن صدام حسين يمثل الشخصية التي استطاعت أن تعيق كل الحركات التغييرية والإصلاحية في العراق وخارجه، والتي عملت على اغتيال المعارضين دونما رحمة أو شفقة، كما أنها الشخصية التي أفسحت في المجال أمام كل الخطط الغربية التي انطلقت لإفقار الشعب العراقي لتجد لها الأرضية والمكان، وهو الشخصية التي عملت على إرباك الواقع العربي والإسلامي كله لحساب الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد مثّلت سياسته دماراً أصاب القضية الفلسطينية في العمق، كما أن حكمه مثّل دماراً للعراق والمنطقة من الداخل وأفسح في المجال لاستهداف العراق والمنطقة من الخارج.
أضاف سماحته: ولكننا في الوقت الذي نعتقد بعدالة الحكم الصادر عن المحكمة العراقية حيال صدام حسين، نؤكد ضرورة أن تحاكم معه السياسة الأمريكية التي وظفته والتي استخدمته لتنفيذ كل مؤامراتها في تدمير المنطقة والسيطرة عليها.
وتابع: إن الإدارات الأمريكية السابقة، وهذه الإدارة بالذات، مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن الجرائم التي ارتكبها صدام حسين في حقّ شعبه وحقّ الشعوب الأخرى، ولاسيما الشعبين الإيراني والكويتي، فهي التي خططت وساعدت وساهمت وأشرفت على حروبه، وهي التي منحته الفرص الكبرى للفتك بشعبه واستخدام أبشع الأسلحة ضده وضد الآخرين.
وقال: إن الرئيس الأمريكي جورج بوش لا يختلف في العمق عن صدام حسين، وهو يمثل الشخصية التي أفسحت في المجال لكل هذه الجرائم في المنطقة، وخصوصاً تلك التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، وهي من الفظاعات التي لا تشرّف أي إدارة ولا تمثل القيمة ولا تحمل أي عنوان إنساني ولا يقبل بها أي قانون وضعي أو ديني أو ما إلى ذلك.
كما أن هذه الإدارة برئاسة بوش نفسه تمثل الإدارة القاتلة للشعبين الفلسطيني واللبناني، من خلال تغطيتها للجرائم الإسرائيلية ضد اللبنانيين والفلسطينيين وتأمينها التغطية المستمرة لحكومة العدو في جرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين، وليس آخرها ما يحصل في غزة في هذه الأيام.
إننا في الوقت الذي لا نستبعد استغلال الرئيس الأمريكي وأقطاب إدارته للحكم الصادر في حقّ صدام حسين في الجانب السياسي والانتخابي، نعتقد بأن الرأي العام الأمريكي قد تجاوز شخصية صدام حسين وما تركته من انطباعات، لأنه يعيش عمق الأزمة في وجود القوات الأمريكية المحتلة للعراق وفي الخسائر التي تتكبدها يومياً هناك.
وخلص سماحته إلى دعوة الشعوب العربية والإسلامية إلى أن تتأمّل ملياً في تاريخ صدام حسين وفي استخدام أمريكا له، وألا تفسح في المجال لإظهاره كشخصية عربية مناهضة للمشروع الأمريكي الصهيوني لكونه تماهى مع هذا المشروع إلى أبعد الحدود، وذلك حتى رأت أمريكا بأن مهمته قد انتهت، فقررت أن تسقط نظامه لحساب مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة.
كما دعا سماحته الشعب العراقي ـ الذي تعرض بجميع أطيافه لظلم صدام حسين ونظامه ـ إلى الوحدة وألا ينظر إلى المسألة في النطاق الطائفي، بل أن يعتبر المسألة بمثابة الفرصة المتاحة أمامه لمنع ولادة أي ديكتاتور جديد من شأنه أن يمنع تقدم هذا الشعب أو أن يحقق آماله وطموحاته في الاستقلال والوحدة وإخراج المحتل من العراق وإقامة الدولة العادلة الحرة ورفض كل أشكال التقسيم والتجزئة وما إلى ذلك.