الهجوم على الإسلام عنوان المرحلة، والمطلوب إثبات أننا أمة تستحقُّ الحياة

الهجوم على الإسلام عنوان المرحلة، والمطلوب إثبات أننا أمة تستحقُّ الحياة

المرجع السيد محمد حسين فضل الله في العاشر من محرَّم:
الهجوم على الإسلام عنوان المرحلة، والمطلوب إثبات أننا أمة تستحقُّ الحياة

السَّلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.

عظَّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيدنا أبي عبد الله الحسين(ع) والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه يا أبا عبد الله، إن كان لم يُجبك بدني عند استنصارك، فقد أجابك عقلي وقلبي وروحي، لأنك الإمام الذي أعطى كل حياته لله، ولأنه الإنسان الكبير الذي عاش للإسلام كله وللأمة كلها.

العهد الصادق

يا أبا عبد الله، نحن في امتداد الزمن نحدّق في كربلاء كيف كنت وحيداً بين يدي الله، تعظهم فلا يتّعظون، وتوجّههم فلا يتوجهون، لقد أطبق الشيطان على عقولهم وعلى قلوبهم، ونحن يا أبا عبد الله في هذه المرحلة من الزمن، نعيش كما عشت؛ كان القوم يحيطون بك من كل جانب، هذا يضربك بسهم وهذا يضربك بسيف، وهذا يرميك بالحجارة والنبل، ونحن يا أبا عبد الله كأمة إسلامية، يحيط بنا المستكبرون والكافرون والظالمون من كلِّ جانب، من الشرق تارةً، ومن الغرب أخرى، فإذا كان القوم يهجمون عليك ليسقطوا جسدك من دون أن تسقط روحك، فإن القوم يريدون أن يُسقطوا الإسلام في عقول المسلمين وفي قلوبهم، ويريدون أن يسقطوه بكل مواقعه وبكل قواه، ليسقط اقتصادنا، ليكون اقتصادنا على هامش اقتصاده، وليسقط أمننا، ليكون أمننا على هامش أمنه، ولتسقط ثقافتنا وسياستنا.

يا أبا عبد الله، إنّا نعاهدك والقوم يحيطون بنا من كلِّ جانب، كان جيش بني أمية يحيطون بك ويقولون لك أنزل على حكم يزيد وابن زياد وكانت وقفتك العزيزة الحرة تصيح بهم: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»، «هيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت، وجدود طهرت، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

ونحن يا أبا عبد الله نقف في كربلاء العالم، وفي كربلاء الإسلام، نقف لنقول لهم، لنقول لأمريكا ولأوروبا: لا والله، لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذليل، ولا نقر لكم إقرار العبيد، لقد أردتم أن نقف بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة.

يا أبا عبد الله، لن تكون دموعنا الهدية لك، إنما نعاهدك لنكون على خطك مع كل الطيبين والصالحين، ومع كلِّ الأحرار من المسلمين الذين نذروا أنفسهم لله، وعاهدوه على أن ينصروه بنصرته في قلب كل مؤمن. فينا أكثر من دمعة تختلط بكل المحبة والعاطفة، في عقل كل منا أكثر من قضية تنفتح على ما تحركت به في حياة كل واحد منا، لن نضرب رؤوسنا بالسيف، ولكننا سنضرب أعداء الأمة بكل ما نملك من سلاح، لن نتراجع، لن نضعف، لن نحزن.

يا أبا عبد الله، نحن في هذا اليوم نبايعك على أن نكون كما كنت، أن نطلب الإصلاح في أمة جدك، أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، أن نصبر لا صبر المنهزمين، بل صبر الأقوياء الذين يخططون والذين يصمدون والذين يثبتون. لن نخاف الموت في سبيل الإسلام، الشهادة لنا عادة، في كل تاريخنا وفي كل مراحلنا.

أيُّها الأحبَّة، لا بدّ لنا ونحن نختتم هذا الموسم العاشورائي الكربلائي، أن ندرس ما هي الخطة التي لا بدَّ للأمة من أن تخطها في مستقبل أيامنا، لأنه لا بد لكل عاشوراء من خطة تنفتح على صناعة المستقبل، مستقبل الإسلام كله والحرية كلها، فالمرحلة التي نعيشها الآن تستهدف إضعاف المسلمين وإسقاط كل معاني الإسلام، وفي مقدِّمة ذلك، تأتي الحملة على رسول الله(ص)، التي شوّهت قداسة صورته، فهم يصوّرونه إنساناً يلبس عمامة في شكل القنبلة، ليقولوا إن هذا الإنسان هو إنسان يعمل على قتل الناس وتدميرهم، إنهم يشوهون صورته في أخلاقياته وفي إنسانيته وفي كل معاني الحق والعدل في شخصيته.

حرية الهجوم على الإسلام

إنَّ المسألة ليست مسألة حرية تعبير كما يقولون، نحن نفهم التعبير وحرية الفكر التي يتشدَّق بها الغرب، نفهم أن حريته أن يناقش الفكرة بالفكرة، وأن يحرك النقد لكل الأفكار، ولكنَّنا لا نفهم أن تكون حرية التعبير واجهة للسباب وللشتائم ولمهاجمة كل مشاعر المسلمين في العالم وكل أحاسيسهم وكل مقدّساتهم. إنهم يكذبون، لقد قلنا لهم وقلنا لبعض سفرائهم من الغربيين، قلنا لهم إنكم لا توافقون على أن تنشر أية صحيفة أو تتحدث أية إذاعة أو أية وسيلة إعلامية عن اليهود إلا بما يرضيهم، وحميتم أسطورة المحرقة التي حاول اليهود أن يحملوا العالم مسؤوليتها في ما فعله هتلر معهم ومع كثير من الشّعوب. إنَّكم تحاكمون كلَّ من يتحدَّث عن المحرقة بطريقة علامات الاستفهام، وتحاكمون كل من يتحدث عن اليهود في جرائمهم التاريخية وفي جرائمهم الحاضرة، لأنكم أصدرتم قانوناً ضد معاداة السامية.

وهكذا نجدُ أنَّ المجلس الوطني الفرنسي للإعلام منع تلفزيون المنار، لأنه حسب زعمه يثير الكراهية بين الناس عندما يتحدث عن إسرائيل بما لا يرضيها، ولكن قلتها لبعض السفراء الغربيين، أية إثارة للكراهية تتحرك في النفوس عندما تنشر صحيفة دانمركية أو نرويجية أو سويسرية أو فرنسية أو بريطانية، وما معنى أن تنشر أية صحيفة هذه الصور التي تثير مشاعر أكثر من مليار إنسان في العالم، وتخلق الكراهية ضد الغرب، ونحن لا نريد أن نتعامل معكم بالكراهية.

إن كثيرين من المسؤولين الأمريكيين يقولون لماذا يكرهنا العرب؟! ولماذا يكرهنا المسلمون؟! إننا نقول لهم لماذا نحبكم؟! علَّمنا الإسلام أن نكون أصدقاء العالم {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34). ولكن كيف نحبكم وأنتم تدمِّرون اقتصادنا وسياستنا وأمَّتنا، وتشوّهون صورة نبيّنا. كنا نقول لهم ذلك، وكانوا لا يحيرون جواباً، كانوا يقولون إنه القانون، قلنا لهم إن الديمقراطيات تغير قوانينها إذا رأت أنها تضر بسلامتها وتضر بأوضاعها، وقد أرسلنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، أن عليه أن يقدم إلى مجلس الأمن مشروعاً من أجل إصدار قانون يحرِّم محاربة الأديان والاعتداء عليها، وحمّلنا ممثله هنا رسالة إليه في هذا المقام، حتى نستطيع أن نحترم بعضنا بعضاً. قلتها له، نحن لا نقول لكم أصدروا قانوناً يحرِّم محاربة الإسلام، لأن الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية كما يعترف بالإسلام في هذا المجال.

أيُّها الأحبة، الحملة لا تزال مستمرة، لا في مسألة الإساءة إلى النبي(ص)؟، بل في الإساءة إلى الإسلام، إنّهم يتهمون الإسلام بأنَّه دين عنف، وبأنه دين إرهاب، وبأنَّه يحمل السيف من أجل أن يقتل كلَّ إنسان في العالم. إنهم يشوِّهون صورة الإسلام ليمنعوا الناس في العالم من أن يدخلوا فيه وأن يفكروا فيه.

نحن نصرُّ على أن ننصر الإسلام وأهله، ونريد أن نثبت للعالم في نصرة الإسلام ونصرة نبي الإسلام، بأننا حضاريون، وبأننا إنسانيون، فعندما نحتجّ، نحتج بالوسائل الأخلاقية الحضارية، وعندما نتظاهر، نتظاهر دون أن نسيء إلى أحد، ولا سيما إلى مواقع الأديان الأخرى. يمكن أيها الأحبة، أن نواجه هذا العالم الذي يحارب شخصيَّة النبي(ص) وشخصية الإسلام بالمقاطعة الاقتصادية، العالم اقتصاد، إن الدانمارك من خلال رئيس وزرائها رفضت في البداية استقبال سفراء الدول الإسلامية، ورفض حتّى أن يتحدّث معهم، ولكن عندما بدأت المقاطعة الاقتصادية في بعض دول الخليج للبضائع الدانماركية، بدأ رئيس وزرائها يتحدث عن الاعتذار بطريقة وبأخرى، وبدأ يطلب من السفراء أن يلتقوا به.

مقاطعة العدوّ ودعم فلسطين

إن ما نحتاجه، ونحن شعوب مستهلكة ليست فقط أوروبا وأمريكا هي التي تلبيه، هناك بضائع نصنعها نحن في بلادنا، وهناك بضائع في آسيا الممتدة التي استطاعت أن تتطور وتتقدم في مصانعها، فلنستبدل في الحالات التي نريد فيها أن نحتج ونستنكر، فلنستبدل البضائع الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية بالبضائع الآسيوية. علينا أن نثبت أننا أمَّةٌ تستحقُّ الحياة، وإنّنا أمة تعاقب من يعاقبها، لا بالعنف الذي يمكن أن يخلق لنا مشاكل أمنية، ولكن بالمقاطعة، وأن ننفتح على الحوار، لنعرِّف الناس في الغرب بأنهم مخطئون في حكمهم على الإسلام.

إننا الآن نتطلع إلى القضية الفلسطينية التي فاجأت العالم من خلال الشعب الفلسطيني الذي نصر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المجاهدة، حيث بدأت أمريكا وإسرائيل وأوروبا تكشِّر عن أنيابها، لتعاقب الشعب الفلسطيني على اختياره. إنهم عندما يهدِّدون الفلسطينيين، الذين دمَّرت إسرائيل ومعها أمريكا اقتصادهم، عندما يهدّدونهم بمنع المساعدات الاقتصادية عنهم، فمعنى ذلك أنهم كاذبون في حديثهم عن الديمقراطية. إنَّ الديمقراطية، حسب مفهومهم، هي الخضوع لإرادة الخيار الشعبي مهما كانت نتائجه، والاعتراف بهذه النتائج، ولكنهم يريدون، في العالم الإسلامي وفي فلسطين بالذات، ديمقراطية تحقق لإسرائيل كل استراتيجيتها، وتحقق للإمبرالية الأمريكية كل خططها.

لذلك، علينا في هذه المرحلة أن نقف مع الشعب الفلسطيني، من أجل أن يؤسس حكومته على أساس الحق والعدل والحرية والإسلام، وندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى أن يستبدلوا المساعدات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، بمساعدات عربية _ إسلامية، لأن فلسطين إذا سقطت، فسيسقط كل العالم العربي والإسلامي معها.

التكفيريون مشكلة للإسلام

ثم، نحن نواجه المشكلة في العراق، في كل يوم يسقط أكثر من ضحية من المدنيين ويسقط أكثر من مسلم، هناك التكفيريون الذين يقتلون الناس في مساجدهم، ويقتلونهم في مزاراتهم، ويقتلونهم في أماكن عملهم. هؤلاء الذين يتحدثون عن المقاومة، ولكن عدد القتلى الضحايا من المدنيين العراقيين يفوق بالآلاف القتلى من قوات الاحتلال، إنَّ التكفيريين الذين يعيشون الحقد ضد المسلمين، ولا سيما ضد أتباع أهل البيت(ع)، يمثلون مشكلة للإسلام والمسلمين في العالم.

نحن مع كل المسلمين في مواجهة الاحتلال، سواء كان احتلالاً إسرائيلياً أو أمريكياً في العراق أو أمريكياً في أفغانستان، ولكننا نريد أن نواجه الاحتلال لنكون مع الأمة كلّها، لنحفظها، ولنحميها، لا أن نقتل المسلمين باسم مواجهة الاحتلال.

إننا نتوجَّه إلى الشعب العراقي الذي يحتفل اليوم بالنجف وفي كربلاء وفي الكاظمية وفي كل مكان من العراق بذكرى سيد الشهداء(ع)، إننا نتوجه إليه أن يجد في الحسين وحدته، وأن يجد في الحسين عزته، وأن يجد في الحسين حريته، وأن يعمل يداً واحدة من أجل حكومة وطنية، ومن أجل مواجهة واحدة قوية للاحتلال كله، ولكلِّ عملاء الاحتلال.

وحدة الموقف لمواجهة الخونة

ونحن، أيُّها الأحبة، نعيش في هذا البلد الذي يمثل بلد التعايش الذي يلتقي فيه المسلمون والمسيحيون على أساس وطن واحد، ويلتقي فيه السنة والشيعة على أساس موقف إسلامي واحد، ويلتقي فيه المواطنون وكل التيارات المتنوعة المختلفة، ليكون لبنان بلد التعايش بين مختلف المذاهب والأديان، وبلد التعايش بين الاتجاهات والأفكار...

إننا نقول للبنانيين الذين يتراشقون الآن من خلال سياسييهم، ومن خلال بعض مسؤوليهم، بالكلمات التي تخوِّن هذا وتتهم ذاك، وتتحرك من أجل توزيع الاتهامات التي تنشر الحقد والعداوة والضغينة، إننا نقول لهم: أيها اللبنانيون، ارحموا بلدكم، ارحموا إنسانكم، ارحموا الجياع في كل المناطق المحرومة في البقاع وفي عكار وفي الجنوب وفي ضواحي بيروت، ارحموا هؤلاء الناس الذين لا يجدون ما يتقوّتون به، ولا يجدون ما يرتوون به، ولا يجدون العمل الشريف، فينطلقون إلى بلاد الله الواسعة، ليعطوا كل طاقاتهم للناس خارج لبنان. إنكم تخونون مسؤولياتكم وتخونون بلدكم إذا بقيتم على هذه الحالة. إن المسألة الآن أنّه إذا أريد للبنان أن يتجدَّد، فينبغي أن يطرد من المسؤوليّة كل الذين سرقوا، وأن يطرد كل الذين أهدروا، ويطرد كل الذين يأتون بالاستعمار إلى بلدهم ليستبدلوا وصاية عربية بوصاية أمريكية. إننا نريد للبنان الجديد أن يكون لبنان الشباب الذين لم يتلوَّثوا بالفساد وبالسرقة.

أيُّها الأحبة، ثم إنَّ هناك مسألة لا بدَّ لنا من أن نختم بها حديثنا، وهي الوحدة الإسلامية، نحن لا بدَّ لنا من أن نتوحَّد كمسلمين، لا وحدة العصبية، ولكن وحدة الرسالية. ليكن الإسلام رسالتنا، ولنرجع إلى الله ورسوله في ما اختلفنا فيه على ما قاله الله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59). إن الوحدة الإسلامية هي الشرط للوحدة الوطنية. علينا أن نتحمل مسؤولية السلم الأهلي في البلد، علينا أن نتحمل مسؤولية الاستقرار في البلد، علينا أن تكون المحبة هي ما يربطنا ببعضنا البعض. وعندما نلتقي بالحسين في عاشوراء، فعلينا أن نتوحد بمحبة الحسين(ع) ومحبة جده وأبيه وأمه وأخيه، أن لا نثير الفتنة بيننا، أن لا نثير العداوة والبغضاء فيما بيننا، أن نتعاون على أن نعيش الحرية كل الحرية؛ الحرية أمام المستكبرين، والحرية أمام الظالمين، أن نعيش العزة التي هي شعار الإمام الحسين(ع) في كل أوضاعنا السياسية، أن نرفض كلِّ الذين يبغون في الأرض بغير الحق.

أيها الأحبة، إن علينا أن نبدأ سنة جديدة من عاشوراء لنلتقي في عاشوراء القادمة ونحن أكثر وحدة وأكثر قوة وأكثر تخطيطاً وعزة وحرية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى أنه أرحم الراحمين.

المرجع السيد محمد حسين فضل الله في العاشر من محرَّم:
الهجوم على الإسلام عنوان المرحلة، والمطلوب إثبات أننا أمة تستحقُّ الحياة

السَّلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.

عظَّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيدنا أبي عبد الله الحسين(ع) والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه يا أبا عبد الله، إن كان لم يُجبك بدني عند استنصارك، فقد أجابك عقلي وقلبي وروحي، لأنك الإمام الذي أعطى كل حياته لله، ولأنه الإنسان الكبير الذي عاش للإسلام كله وللأمة كلها.

العهد الصادق

يا أبا عبد الله، نحن في امتداد الزمن نحدّق في كربلاء كيف كنت وحيداً بين يدي الله، تعظهم فلا يتّعظون، وتوجّههم فلا يتوجهون، لقد أطبق الشيطان على عقولهم وعلى قلوبهم، ونحن يا أبا عبد الله في هذه المرحلة من الزمن، نعيش كما عشت؛ كان القوم يحيطون بك من كل جانب، هذا يضربك بسهم وهذا يضربك بسيف، وهذا يرميك بالحجارة والنبل، ونحن يا أبا عبد الله كأمة إسلامية، يحيط بنا المستكبرون والكافرون والظالمون من كلِّ جانب، من الشرق تارةً، ومن الغرب أخرى، فإذا كان القوم يهجمون عليك ليسقطوا جسدك من دون أن تسقط روحك، فإن القوم يريدون أن يُسقطوا الإسلام في عقول المسلمين وفي قلوبهم، ويريدون أن يسقطوه بكل مواقعه وبكل قواه، ليسقط اقتصادنا، ليكون اقتصادنا على هامش اقتصاده، وليسقط أمننا، ليكون أمننا على هامش أمنه، ولتسقط ثقافتنا وسياستنا.

يا أبا عبد الله، إنّا نعاهدك والقوم يحيطون بنا من كلِّ جانب، كان جيش بني أمية يحيطون بك ويقولون لك أنزل على حكم يزيد وابن زياد وكانت وقفتك العزيزة الحرة تصيح بهم: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»، «هيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت، وجدود طهرت، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

ونحن يا أبا عبد الله نقف في كربلاء العالم، وفي كربلاء الإسلام، نقف لنقول لهم، لنقول لأمريكا ولأوروبا: لا والله، لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذليل، ولا نقر لكم إقرار العبيد، لقد أردتم أن نقف بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة.

يا أبا عبد الله، لن تكون دموعنا الهدية لك، إنما نعاهدك لنكون على خطك مع كل الطيبين والصالحين، ومع كلِّ الأحرار من المسلمين الذين نذروا أنفسهم لله، وعاهدوه على أن ينصروه بنصرته في قلب كل مؤمن. فينا أكثر من دمعة تختلط بكل المحبة والعاطفة، في عقل كل منا أكثر من قضية تنفتح على ما تحركت به في حياة كل واحد منا، لن نضرب رؤوسنا بالسيف، ولكننا سنضرب أعداء الأمة بكل ما نملك من سلاح، لن نتراجع، لن نضعف، لن نحزن.

يا أبا عبد الله، نحن في هذا اليوم نبايعك على أن نكون كما كنت، أن نطلب الإصلاح في أمة جدك، أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، أن نصبر لا صبر المنهزمين، بل صبر الأقوياء الذين يخططون والذين يصمدون والذين يثبتون. لن نخاف الموت في سبيل الإسلام، الشهادة لنا عادة، في كل تاريخنا وفي كل مراحلنا.

أيُّها الأحبَّة، لا بدّ لنا ونحن نختتم هذا الموسم العاشورائي الكربلائي، أن ندرس ما هي الخطة التي لا بدَّ للأمة من أن تخطها في مستقبل أيامنا، لأنه لا بد لكل عاشوراء من خطة تنفتح على صناعة المستقبل، مستقبل الإسلام كله والحرية كلها، فالمرحلة التي نعيشها الآن تستهدف إضعاف المسلمين وإسقاط كل معاني الإسلام، وفي مقدِّمة ذلك، تأتي الحملة على رسول الله(ص)، التي شوّهت قداسة صورته، فهم يصوّرونه إنساناً يلبس عمامة في شكل القنبلة، ليقولوا إن هذا الإنسان هو إنسان يعمل على قتل الناس وتدميرهم، إنهم يشوهون صورته في أخلاقياته وفي إنسانيته وفي كل معاني الحق والعدل في شخصيته.

حرية الهجوم على الإسلام

إنَّ المسألة ليست مسألة حرية تعبير كما يقولون، نحن نفهم التعبير وحرية الفكر التي يتشدَّق بها الغرب، نفهم أن حريته أن يناقش الفكرة بالفكرة، وأن يحرك النقد لكل الأفكار، ولكنَّنا لا نفهم أن تكون حرية التعبير واجهة للسباب وللشتائم ولمهاجمة كل مشاعر المسلمين في العالم وكل أحاسيسهم وكل مقدّساتهم. إنهم يكذبون، لقد قلنا لهم وقلنا لبعض سفرائهم من الغربيين، قلنا لهم إنكم لا توافقون على أن تنشر أية صحيفة أو تتحدث أية إذاعة أو أية وسيلة إعلامية عن اليهود إلا بما يرضيهم، وحميتم أسطورة المحرقة التي حاول اليهود أن يحملوا العالم مسؤوليتها في ما فعله هتلر معهم ومع كثير من الشّعوب. إنَّكم تحاكمون كلَّ من يتحدَّث عن المحرقة بطريقة علامات الاستفهام، وتحاكمون كل من يتحدث عن اليهود في جرائمهم التاريخية وفي جرائمهم الحاضرة، لأنكم أصدرتم قانوناً ضد معاداة السامية.

وهكذا نجدُ أنَّ المجلس الوطني الفرنسي للإعلام منع تلفزيون المنار، لأنه حسب زعمه يثير الكراهية بين الناس عندما يتحدث عن إسرائيل بما لا يرضيها، ولكن قلتها لبعض السفراء الغربيين، أية إثارة للكراهية تتحرك في النفوس عندما تنشر صحيفة دانمركية أو نرويجية أو سويسرية أو فرنسية أو بريطانية، وما معنى أن تنشر أية صحيفة هذه الصور التي تثير مشاعر أكثر من مليار إنسان في العالم، وتخلق الكراهية ضد الغرب، ونحن لا نريد أن نتعامل معكم بالكراهية.

إن كثيرين من المسؤولين الأمريكيين يقولون لماذا يكرهنا العرب؟! ولماذا يكرهنا المسلمون؟! إننا نقول لهم لماذا نحبكم؟! علَّمنا الإسلام أن نكون أصدقاء العالم {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34). ولكن كيف نحبكم وأنتم تدمِّرون اقتصادنا وسياستنا وأمَّتنا، وتشوّهون صورة نبيّنا. كنا نقول لهم ذلك، وكانوا لا يحيرون جواباً، كانوا يقولون إنه القانون، قلنا لهم إن الديمقراطيات تغير قوانينها إذا رأت أنها تضر بسلامتها وتضر بأوضاعها، وقد أرسلنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، أن عليه أن يقدم إلى مجلس الأمن مشروعاً من أجل إصدار قانون يحرِّم محاربة الأديان والاعتداء عليها، وحمّلنا ممثله هنا رسالة إليه في هذا المقام، حتى نستطيع أن نحترم بعضنا بعضاً. قلتها له، نحن لا نقول لكم أصدروا قانوناً يحرِّم محاربة الإسلام، لأن الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية كما يعترف بالإسلام في هذا المجال.

أيُّها الأحبة، الحملة لا تزال مستمرة، لا في مسألة الإساءة إلى النبي(ص)؟، بل في الإساءة إلى الإسلام، إنّهم يتهمون الإسلام بأنَّه دين عنف، وبأنه دين إرهاب، وبأنَّه يحمل السيف من أجل أن يقتل كلَّ إنسان في العالم. إنهم يشوِّهون صورة الإسلام ليمنعوا الناس في العالم من أن يدخلوا فيه وأن يفكروا فيه.

نحن نصرُّ على أن ننصر الإسلام وأهله، ونريد أن نثبت للعالم في نصرة الإسلام ونصرة نبي الإسلام، بأننا حضاريون، وبأننا إنسانيون، فعندما نحتجّ، نحتج بالوسائل الأخلاقية الحضارية، وعندما نتظاهر، نتظاهر دون أن نسيء إلى أحد، ولا سيما إلى مواقع الأديان الأخرى. يمكن أيها الأحبة، أن نواجه هذا العالم الذي يحارب شخصيَّة النبي(ص) وشخصية الإسلام بالمقاطعة الاقتصادية، العالم اقتصاد، إن الدانمارك من خلال رئيس وزرائها رفضت في البداية استقبال سفراء الدول الإسلامية، ورفض حتّى أن يتحدّث معهم، ولكن عندما بدأت المقاطعة الاقتصادية في بعض دول الخليج للبضائع الدانماركية، بدأ رئيس وزرائها يتحدث عن الاعتذار بطريقة وبأخرى، وبدأ يطلب من السفراء أن يلتقوا به.

مقاطعة العدوّ ودعم فلسطين

إن ما نحتاجه، ونحن شعوب مستهلكة ليست فقط أوروبا وأمريكا هي التي تلبيه، هناك بضائع نصنعها نحن في بلادنا، وهناك بضائع في آسيا الممتدة التي استطاعت أن تتطور وتتقدم في مصانعها، فلنستبدل في الحالات التي نريد فيها أن نحتج ونستنكر، فلنستبدل البضائع الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية بالبضائع الآسيوية. علينا أن نثبت أننا أمَّةٌ تستحقُّ الحياة، وإنّنا أمة تعاقب من يعاقبها، لا بالعنف الذي يمكن أن يخلق لنا مشاكل أمنية، ولكن بالمقاطعة، وأن ننفتح على الحوار، لنعرِّف الناس في الغرب بأنهم مخطئون في حكمهم على الإسلام.

إننا الآن نتطلع إلى القضية الفلسطينية التي فاجأت العالم من خلال الشعب الفلسطيني الذي نصر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المجاهدة، حيث بدأت أمريكا وإسرائيل وأوروبا تكشِّر عن أنيابها، لتعاقب الشعب الفلسطيني على اختياره. إنهم عندما يهدِّدون الفلسطينيين، الذين دمَّرت إسرائيل ومعها أمريكا اقتصادهم، عندما يهدّدونهم بمنع المساعدات الاقتصادية عنهم، فمعنى ذلك أنهم كاذبون في حديثهم عن الديمقراطية. إنَّ الديمقراطية، حسب مفهومهم، هي الخضوع لإرادة الخيار الشعبي مهما كانت نتائجه، والاعتراف بهذه النتائج، ولكنهم يريدون، في العالم الإسلامي وفي فلسطين بالذات، ديمقراطية تحقق لإسرائيل كل استراتيجيتها، وتحقق للإمبرالية الأمريكية كل خططها.

لذلك، علينا في هذه المرحلة أن نقف مع الشعب الفلسطيني، من أجل أن يؤسس حكومته على أساس الحق والعدل والحرية والإسلام، وندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى أن يستبدلوا المساعدات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، بمساعدات عربية _ إسلامية، لأن فلسطين إذا سقطت، فسيسقط كل العالم العربي والإسلامي معها.

التكفيريون مشكلة للإسلام

ثم، نحن نواجه المشكلة في العراق، في كل يوم يسقط أكثر من ضحية من المدنيين ويسقط أكثر من مسلم، هناك التكفيريون الذين يقتلون الناس في مساجدهم، ويقتلونهم في مزاراتهم، ويقتلونهم في أماكن عملهم. هؤلاء الذين يتحدثون عن المقاومة، ولكن عدد القتلى الضحايا من المدنيين العراقيين يفوق بالآلاف القتلى من قوات الاحتلال، إنَّ التكفيريين الذين يعيشون الحقد ضد المسلمين، ولا سيما ضد أتباع أهل البيت(ع)، يمثلون مشكلة للإسلام والمسلمين في العالم.

نحن مع كل المسلمين في مواجهة الاحتلال، سواء كان احتلالاً إسرائيلياً أو أمريكياً في العراق أو أمريكياً في أفغانستان، ولكننا نريد أن نواجه الاحتلال لنكون مع الأمة كلّها، لنحفظها، ولنحميها، لا أن نقتل المسلمين باسم مواجهة الاحتلال.

إننا نتوجَّه إلى الشعب العراقي الذي يحتفل اليوم بالنجف وفي كربلاء وفي الكاظمية وفي كل مكان من العراق بذكرى سيد الشهداء(ع)، إننا نتوجه إليه أن يجد في الحسين وحدته، وأن يجد في الحسين عزته، وأن يجد في الحسين حريته، وأن يعمل يداً واحدة من أجل حكومة وطنية، ومن أجل مواجهة واحدة قوية للاحتلال كله، ولكلِّ عملاء الاحتلال.

وحدة الموقف لمواجهة الخونة

ونحن، أيُّها الأحبة، نعيش في هذا البلد الذي يمثل بلد التعايش الذي يلتقي فيه المسلمون والمسيحيون على أساس وطن واحد، ويلتقي فيه السنة والشيعة على أساس موقف إسلامي واحد، ويلتقي فيه المواطنون وكل التيارات المتنوعة المختلفة، ليكون لبنان بلد التعايش بين مختلف المذاهب والأديان، وبلد التعايش بين الاتجاهات والأفكار...

إننا نقول للبنانيين الذين يتراشقون الآن من خلال سياسييهم، ومن خلال بعض مسؤوليهم، بالكلمات التي تخوِّن هذا وتتهم ذاك، وتتحرك من أجل توزيع الاتهامات التي تنشر الحقد والعداوة والضغينة، إننا نقول لهم: أيها اللبنانيون، ارحموا بلدكم، ارحموا إنسانكم، ارحموا الجياع في كل المناطق المحرومة في البقاع وفي عكار وفي الجنوب وفي ضواحي بيروت، ارحموا هؤلاء الناس الذين لا يجدون ما يتقوّتون به، ولا يجدون ما يرتوون به، ولا يجدون العمل الشريف، فينطلقون إلى بلاد الله الواسعة، ليعطوا كل طاقاتهم للناس خارج لبنان. إنكم تخونون مسؤولياتكم وتخونون بلدكم إذا بقيتم على هذه الحالة. إن المسألة الآن أنّه إذا أريد للبنان أن يتجدَّد، فينبغي أن يطرد من المسؤوليّة كل الذين سرقوا، وأن يطرد كل الذين أهدروا، ويطرد كل الذين يأتون بالاستعمار إلى بلدهم ليستبدلوا وصاية عربية بوصاية أمريكية. إننا نريد للبنان الجديد أن يكون لبنان الشباب الذين لم يتلوَّثوا بالفساد وبالسرقة.

أيُّها الأحبة، ثم إنَّ هناك مسألة لا بدَّ لنا من أن نختم بها حديثنا، وهي الوحدة الإسلامية، نحن لا بدَّ لنا من أن نتوحَّد كمسلمين، لا وحدة العصبية، ولكن وحدة الرسالية. ليكن الإسلام رسالتنا، ولنرجع إلى الله ورسوله في ما اختلفنا فيه على ما قاله الله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59). إن الوحدة الإسلامية هي الشرط للوحدة الوطنية. علينا أن نتحمل مسؤولية السلم الأهلي في البلد، علينا أن نتحمل مسؤولية الاستقرار في البلد، علينا أن تكون المحبة هي ما يربطنا ببعضنا البعض. وعندما نلتقي بالحسين في عاشوراء، فعلينا أن نتوحد بمحبة الحسين(ع) ومحبة جده وأبيه وأمه وأخيه، أن لا نثير الفتنة بيننا، أن لا نثير العداوة والبغضاء فيما بيننا، أن نتعاون على أن نعيش الحرية كل الحرية؛ الحرية أمام المستكبرين، والحرية أمام الظالمين، أن نعيش العزة التي هي شعار الإمام الحسين(ع) في كل أوضاعنا السياسية، أن نرفض كلِّ الذين يبغون في الأرض بغير الحق.

أيها الأحبة، إن علينا أن نبدأ سنة جديدة من عاشوراء لنلتقي في عاشوراء القادمة ونحن أكثر وحدة وأكثر قوة وأكثر تخطيطاً وعزة وحرية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى أنه أرحم الراحمين.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية