كونوا أمّة العدل، لأنّ الظلم لا دين له

كونوا أمّة العدل، لأنّ الظلم لا دين له

كونوا أمّة العدل، لأنّ الظلم لا دين له


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

يقول الله تعالى: {ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين* ونمكِّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (القصص:5-6).

تمكين المستضعفين في الأرض

لقد تحدث الله تعالى عن المستضعفين في الأرض، وتحدث عن المستكبرين فيها، باعتبار أن الله سبحانه يرفض الظلم كله، ويرفض أن يستضعف المستكبرون الضعفاء، ليظلموهم ويستغلوهم ويسقطوهم ويصادروا إنسانيتهم، لأن الله عندما خلق الناس، أراد لهم أن يأخذوا بأسباب العدل، حتى إنه أرسل الأنبياء وأنزل عليهم الكتب ووضع لهم الميزان الذي يزن الحق والباطل من أجل أن يقوم الناس بالعدل، لأن الحياة عندما تقوم على أساس العدل، بحيث يأخذ كل إنسان حقه، ويعيش كل إنسان إنسانيته، فإن الحياة ستحفل عند ذلك بالخير وبالسلام، بينما إذا ساد الظلم في الأرض، فإن الحياة ستتحرك بالشر وتنطلق في خط الحرب والنزاع والخلاف.

وقد أراد الله تعالى أن لا تنتهي الدنيا إلا وقد أخذ المستضعفون دورهم الذي صادره المستكبرون، ولذلك، فإن هذه الآية تتحدث عن أن الله يمنّ على المستضعفين ويجعلهم القادة في الأرض، ويسقط فرعون وهامان كنموذجين للقيادة الظالمة التي تأمر جنودها وحكومتها باضطهاد الناس، وهذا ما ننتظره فيما ننتظر إمامنا المهدي(عج)، لينطلق في ظهوره من أجل أن يقيم العدل الكلي في الناس.

ومن الملاحظ أنّ الأحاديث التي تحدثت عن ظهور الإمام(عج)، لم تتحدث إلا عن العدل وعن الظلم، مع أنّه إمام الإسلام الذي يخرج ليدعو الناس إلى رسالة النبي محمد(ص) في كل ما اشتملت عليه من عقيدة التوحيد؛ التوحيد في الربوبية، والتوحيد في العبادة، والتوحيد في الطاعة، وفي كل ما انفتحت عليه من الشرائع التي تنظم للناس حياتهم، ومع ذلك لم يتناول هذا الحديث عن ظهور الإمام كل ذلك، بل تحدّث عن أنه يقيم العدل كله، وذلك لأن كلمة العدل تجسِّد كل عقيدة التوحيد، وكلّ ما تريده رسالة الإسلام في العلاقة مع الله ومع الآخرين.

وهذا ما أكّده القرآن الكريم في حديثه عن العدل في أكثر من آية: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (النحل:90) {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} (الأنعام:152) {ولا يجرمنَّكم شنآن قوم ـ ممن تعادونهم أو تخاصمونهم ـ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:8). اعدل مع قريبك، فلا تعطه ما لا حقّ له، واعدل مع عدوّك، فلا تمنعه حقه، وأيضاً: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله} (النساء:135)، والقسط هو العدل.

الظلم لا دين له

وإذا كان الدين كله قائماً على أساس العدل، وإذا كنا ننتظر في نهاية المطاف أن يسود العدل العالم، فإن علينا أن ندرّب أنفسنا ونربّي أوضاعنا على أساس أن نأخذ بالعدل، وأن نرفض الظلم كله، سواء كنا ممّن يملكون السلطة التي تتيح لنا السيطرة على الناس، أو كنا من الناس الذين يملكون بعض مواقع القوة. إن علينا أن لا نظلم من هم تحت أيدينا، لأن الله سوف يحاسب كل من يظلم مَن تحت يديه، وقد ورد في الحديث: "إن الله أوحى إلى نبيٍ من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين، أن ائت هذا الجبار وقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء واتّخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً"، بمعنى أنّ الله لا يريد حتى للكافر أن يُظلَم فيما له من حق، كما لا يريد للمؤمن أن يُضطَهد. فالعدل لا دين له، فهو لكل الناس، والظلم لا دين له، فهو مرفوض من كل الناس.

وقد ورد في الحديث عن عليٍّ(ع) في تقسيمه للظلم: "الظلم ثلاثة؛ فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك؛ وظلم مغفور لا يُطلَب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشّرك بالله ـ وهذا ما جاء في كلام لقمان لولده: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان:13)، لا ظلم القوة، ولكن بأن لا يعطيه حقّه في التوحيد ـ قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، وأمذا الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ وهي المعاصي الصغيرة ـ وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً"؛ أن تظلم الإنسان الآخر إذا كان له عليك حق في أي مجال من المجالات.

أثر الظلم ونتائجه

ويتابع الإمام علي(ع) ليبيّن للظالمين الذين يظلمون غيرهم، كيف يواجهون الله يوم القيامة، فيقول: "القصاص هناك شديد ـ يعني أن الله سوف يقتصّ للمظلوم من الظالم يوم القيامة ـ ليس هو جرحاً بالمدى ـ يعني السكاكين وما ينتج عنها من ألم ـ ولا ضرباً بالسياط، ولكنه ما يستصغر ذلك معه"، أي أن الجرح بالمدى والضرب بالسياط لا يمكن أن يقارنا بطبيعة القصاص هناك.

وقد ورد عن الرسول(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع) الكثير من الأحاديث عن الظلم الذي يمارسه الظالم القوي على المظلوم الضعيف. ففي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله عز وجل"؛ أن تظلم شخصاً لا عشيرة له ولا سلاح ولا حزب، فتستضعفه، وتظلمه حقه، أو تضربه وتضطهده وتسجنه من دون حق، فهذه مظلمة لا يوجد مظلمة أشدّ منها.

وفي حديث عن الإمام زين العابدين(ع) فيما أوصى به ولده الإمام محمد الباقر(ع) عند وفاته، قال: "يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، وهو الشخص الذي ليس عنده من يستعين به ويستقوي به إلا الله سبحانه.

وهكذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع)، عن الشخص الذي يعيش في نفسه رفض الظلم لأي أحد: "من أصبح لا ينوي ظلم أحد ـ عنده روحية العدل بين الناس والمحبة للناس ـ غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم، ما لم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حراماً"، فالإنسان الذي لا يفكر في الظلم، ويبدأ يومه وهو لا ينوي أن يظلم أحداً، يغفر الله له كل ذنوبه، ما عدا قتل النفس بغير حقّ، وأكل مال اليتيم ظلماً.

وفي الحديث عن الرسول(ص): "من أصبح لا يهم بظلم أحد، غفر الله له ما اجترم ـ ما ارتكب من ذنب، وقال(ص): "اتّقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة".

وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من أكل مال أخيه ظلماً، ولم يردّه إليه ـ كالذي يستغلّ قوته ووجاهته ويظلم من له مال عنده، فلا يردّه إليه، باعتبار أن لا وثيقة لديه تثبت هذا الحق، فمن يفعل ذلك ـ أكل جذوةً من النار يوم القيامة"، أي أنّ الله يأتي له بجمرة ويقول له: كل هذه الجمرة في مقابل ما أكلته من مال أخيك.

وهناك حالات ظلم يمارسها بعض أفراد المجتمع، وذلك عندما يُظلَم شخص مستضعف من خلال الحكومة أو من خلال طرف آخر، فنجد بعض الناس يعذرون الظالم في ظلم هذا المستضعف. ألا نسمع بعض الناس يقولون: "يستأهل"، وهذا ما نجد له شاهداً من خلال ما حدث مع الحسين(ع) عندما وقف في وجه يزيد، وقام البعض ليبرر ليزيد ظلمه. يقول الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من عذر ظالماً بظلمه، سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره على ظلامته"، فالله ينتقم للمظلوم منك، بأن يجعلك تعيش في مجتمع ظالم يظلمك فيه الآخرون، فتدعو ولا يستجيب الله دعاءك في ذلك.

وقد ورد عن أبي عبد الله(ع) أيضاً: "العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم". فهؤلاء يعاملهم الله على أساس أنهم شركاء في الظلم.

وعن رسول الله(ص) أيضاً: "من خاف القصاص كفّ عن ظلم الناس".

تربية النفس على العدل

وفي رواية، "دخل رجلان على أبي عبد الله(ص) في مداراة بينهما ومعاملة، فلمّا أن سمع كلامهما قال(ع): أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر إذا فُعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً". فلمّا سمع الرجلان هذا الكلام، اصطلحا قبل أن يقوما، لأنّ الإنسان الذي يفتح عقله وقلبه على الموعظة، يتراجع عن كلّ ما يمكن أن يجعله في موقع الظلم للآخرين.

أيها الأحبة، إن المسألة هي أننا سوف نقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وسوف يطلب المظلومون من ربهم أن يقتصّ لهم من ظالميهم، والإنسان المظلوم سيقف بين يدي الله ويقول: يا عدل يا حكيم، أحكم بيني وبين فلان فإنه قد ظلمني. فعلى الإنسان أن يعمل على أن لا يظلم أحداً؛ أن لا يظلم زوجته، ولا أولاده، ولا الموظّف الضعيف الذي عنده... وقد قال أحد الشعراء:

تنام عينك والمظلوم منتبه          يدعو عليك وعين الله لم تنم

وهذا ما ينبغي أن نربّي أنفسنا عليه.

 

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا مسؤولياتكم بالعدل وارفضوا الظلم كله والاستكبار كله في الحياة، فماذا هناك:

أمريكا بوش: الفساد القانوني والقضائي

في المشهد الغربي، نلتقي بالرئيس بوش، الذي لا يكفّ عن إطلاق نصائحه ومواعظه للمسؤولين العراقيين في الحكومة والبرلمان، والزعماء السياسيين، من أجل الانسجام مع سياسته الاحتلالية التي أدّت إلى إرباك موقعه السياسي لدى الرأي العام الأمريكي، بما في ذلك مجلسي النواب والشيوخ اللذين يطالبانه بالإسراع في الانسحاب من العراق، في الوقت الذي يعرف العالم كله أنه أخفق حتى في إدارة الاحتلال، وأن زيادة القوات الأمريكية لم تستطع أن تحقق الأمن للشعب العراقي، بل إنّ الاحتلال يعمد في حركته الهجومية على أكثر من منطقة، إلى قصف المدنيين وقتل النساء والشيوخ والأطفال بحجة اعتقال المتطرفين من دون تدقيق. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن الاستقالات تتتابع من أصدقاء الرئيس بوش، الذين اعتمدهم في التخطيط لسياسته، وهناك أيضاً الفساد الإداري الذي يطبع إدارته حتى في وزارة العدل، فقد قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، إن وزارة العدل تحت قيادة بوش، تعرّضت لأزمة خطيرة أفسدت نظام ال

عدل من خلال تعريضه للتأثيرات السياسية، وأمل في أن يكون قرار وزير العدل ـ في الاستقالة ـ خطوةً في اتجاه معرفة حقيقة مستوى النفوذ السياسي الذي يمارسه هذا البيت الأبيض على وزارة العدل. ونحن نعرف خطورة الفساد في وزارة مسؤولة عن حركة العدل في أوضاع الشعب الأمريكي على المستويين القانوني والقضائي...

العراق ساحة للإرهاب الأمريكي

هذا، إضافةً إلى الفضائح الكبيرة التي تحدّث عنها الإعلام في نهب ثروة الشعب العراقي من قِبَل قيادات الجيش الأمريكي ومسؤولي الإدارة في العراق، فضلاً عن وسائل تعذيب السجناء إلى حدّ القتل، والقصف الجوي الأمريكي للمدنيين، ما جعل من الساحة العراقية ساحةً يتمثل فيها الإرهاب الأمريكي المدني والعسكري في أبشع صوره، في الوقت الذي نعرف بطريقة موثوقة، كيف يخطط الاحتلال لأكثر من لقاء مع الإرهابيين التكفيريين والدعوة إلى المصالحة والتفاهم معهم.

وفي المسألة العراقية، نلتقي بالأحداث الدامية التي شهدتها كربلاء، والتي تزامنت مع الاحتفال بولادة الإمام المهدي(عج)، وهي أحداث مثّلت مأساةً جديدةً أضيفت إلى مآسي العراقيين الكبيرة.

إننا ندين هذه الأحداث بشدّة، ونعلن أنَّ من انطلق بها وقتل الزوار وأساء إلى قدسية المناسبة والمكان، يتحمل المسؤولية الكبرى عن فعلته التي قد تزيدها الحالات العصبية والانفعالية اشتعالاً، من خلال التخلف المتمثّل بالتزام الأشخاص على حساب التزام المبادىء.

إننا نخشى أن تتطوَّر الأمور في أكثر من موقع عراقي بطريقة مماثلة؛ الأمر الذي قد يشجع الاحتلال على البقاء أكثر، من خلال تصوير أن الذين يقودون العملية السياسية والأمنية، لا يستطيعون حماية الشعب العراقي، وليدور الحديث مجدداً في أن الذين يتحدثون عن المقدسات، إنّما يتصرفون على أساس تدميرها.

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي، وإدارته من خلفه، في الحرب ضد الإرهاب، لم تراعِ ظروف الشعوب العربية والإسلامية في مشاكلها القاسية مع حكامها من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وعملائها، كما لم تراعِ أوضاعها الاقتصادية ومشاكلها الأمنية والسياسية، فكانت تمارس في مواقعها الضغط والتعسّف والقتل والنهب لثرواتها، في سياق التخطيط لحماية أمن أمريكا، ممّا قد تمارسه الجهات المتطرفة على طريقة أحداث 11أيلول، وذلك من دون أن تأبه لأمن تلك البلدان المنكوبة، وما يمكن أن تفعله فيها حربها الاستكبارية المجنونة، الأمر الذي جعل تلك الشعوب تستنفر طاقاتها بمختلف الوسائل لمواجهة هذه الحرب المفتعلة المدمّرة لأوضاعها، حتى تحوّل الوضع الأمني في أكثر من بلد إلى ساحة للعنف المدمّر، بحيث انطلقت المواجهة الشعبية ضد مسؤولي الأنظمة المتحالفة مع أمريكا، كباكستان التي يتحرك الحكم فيها مع الخطة الأمريكية في الحرب على ما يسمى الإرهاب، فيعمل على ملاحقة الأحرار والمعارضين الذين يعارضون السياسة الأمريكية، ويريدون لبلدهم أن يكون بلداً حراً في سياسته واقتصاده وأمنه.

وهذا ما لاحظناه في الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، والساعي لتحويلها إلى قوة عسكرية ضاربة في مواجهة العالم العربي والإسلامي، وبالاعتماد على التحالف الاستراتيجي معها لضرب أيّ دولة لا تتحرك وفق مصالحها، كما نسمعه في إمكانية هجوم إسرائيل على إيران بالتعاون مع أمريكا. وإذا كانت أمريكا تتحدث عن مؤتمر دولي إقليمي للسلام، فإن الظروف المحيطة به، والشروط الإسرائيلية التعجيزية، والخضوع العربي لما تريده بشكل وبآخر، سوف يؤدِّي به إلى الفشل الذي ظهرت معالمه في كل لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية مع رئيس وزراء العدو، لأن حكومة العدو لا تريد تقديم أي تنازلٍ لحساب الدولة الفلسطينية التي يراد لها أن تكون مسخاً ومن دون أن تحمل عمق الدولة ومعناها.

الاتحاد الأوروبي: إطلاق يد إسرائيل

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ بعض المسؤولين الأوروبيين يعلن دائماً أنه صديق لإسرائيل وأنّه لن يساوم على أمنها، ولم نسمعه مرة يقول إنه صديق للعرب وللمسلمين وإنه يحترم أمنهم، بل إنه لا يوافق على الضغط على إسرائيل لإزالة احتلالها للأراضي المحتلة، رافضاً مقاومة الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل، ولاسيما حماس، لأنه لا يريد للشعب الفلسطيني أن يدافع عن حرية بلده وإنسانه. وقد تحدث هذا المسؤول عن الصلة بين الإرهاب والإسلام، ولكنَّه يتغاضى عن إرهاب إسرائيل في تشريدها للشعب الفلسطيني ومنعها له من حقّ في العودة إلى أرضه، كما ينسى أيضاً إرهاب أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان، وتهديدها المتكرّر لإيران بالعقوبات والقصف إذا خططت للقنبلة النووية، باعتبار أنها أسوأ ما يثقل النظام الدولي، ناسياً القنبلة الذرية الإسرائيلية التي يراد تصويرها وتقديمها للعالم بأنها قنبلة سلام، بالرغم من عدوان إسرائيل على المنطقة منذ تأسيسها، وتهديدها الدائم للجميع بسلاحها المدمّر.

إن المشكلة لدى أكثر دول الاتحاد الأوروبي، أنها تترك لإسرائيل الحرية في إرباك العالم، ولا تجد للعالم العربي والإسلامي الحق في مواجهة عدوانها على المنطقة كلها، وهذا ما لا بدّ للعرب والمسلمين من أن يفهموه بشكل واعٍ لحماية أنفسهم من الواقع العدواني.

لبنان: ظلام سياسي واجتماعي

أما لبنان، فإنَّ الجميع ينتظرون السفير الأمريكي في إجاباته عن الأسئلة التي قدِّمت لحكومته حول الوضع في لبنان، ولاسيما في مسألة الاستحقاق الرئاسي، كما ينتظرون الوزير الفرنسي ومبادرته التي لا تزال تتحرك من عقدة إلى عقدة، هذا إلى جانب التجاذب السياسي في إيجاد التعقيدات التي تمنع حلّ الأزمة المستحكمة والتراشق بالاتهامات بالوصاية الإقليمية من جانب، والوصاية الدولية من جانب آخر، مع التأكيد أن يكون الرئيس من فريق سياسي معين لا يثق به الفريق الآخر. إضافةً إلى أن الطريقة التي تُدار بها التصريحات التي لا تخلو من كلمات السباب والشتائم وحتى البذاءة، تؤدّي إلى التعقيد في العلاقات العربية ـ العربية، من خلال كلمات ينكرها هذا ويثبتها ذاك، وتترك انعكاساتها السلبية على الساحة اللبنانية.

إن هذا الواقع الذي يتمظهر بمظهر الخصوصيات الطائفية، ويبتعد عن القيم الأخلاقية والإنسانية، يدل على أن اللبنانيين في شكل عام، فقدوا الانتماء إلى الوطن، واستغرقوا في الانتماء إلى الطائفة من جهة، وإلى الخطوط الإقليمية والدولية من جهة أخرى، ولا يزال البعض يعمل على إثارة المواطنين في عصبياتهم المذهبية والطائفية والحزبية، وتحويلهم إلى ما يشبه العبودية لهذا الزعيم أو ذاك، بحيث يفقدون حريتهم في التفكير والموقف والحركة، حتى بات الناس يخافون من أن تتحرك عصبيات الزعماء الطائفيين لإيجاد حالةٍ أمنيةٍ سلبية لتلبية حاجاتهم الشخصانية في تأكيد مواقعهم التي تجعل جماعتهم يلهثون وراءهم بالمزيد من الهتاف والتصفيق والتهليل في شكل ساذج، بحيث ينسى الناس أمام هذه العصبيات الانفعالية قضاياهم الحيوية المصيرية، ويعيشون في الغيبوبة السياسية في ظلام المغاور والكهوف التي يصنعها الداخل والخارج، ليستمر لبنان ساحةً تفتقد الضوء المستقبلي، فضلاً عمّا تعيشه في نطاق العتمة وافتقادها للكهرباء. ويبقى للفقراء أن يواجهوا حركة الظلام الدامس الذي لا ينتج إلا المزيد من الحرائق في البلد الملتهب سياسياً، وفي المنطقة التي تحمل نذر التوتر في المناخات الحارة والملتهبة على أكثر من صعيد.

موسى الصدر: جريمة تغييب الشخصية الرسالية

وأخيراً، إننا نلتقي في هذا اليوم بالذكرى السنوية لتغييب سماحة السيد موسى الصدر، هذه الشخصية الحوارية التي انفتحت على آفاق الوطن والوحدة الوطنية والإسلامية، وعلى حوار الأديان، وكان لها الفضل الكبير في تأسيس حركة المقاومة ضد إسرائيل.

إننا عندما نعيش ذكراه، نشعر بحجم الخسارة الكبيرة التي تمثّلت في تغييب هذه الشخصية الرسالية، كما نشعر بحجم الجريمة التي أقدم عليها أولئك الذين غيّبوه أو ساهموا في تغييبه وعملوا على إبعاده عن ساحة المواجهة مع العدو، وعن ساحة الوحدة الوطنية والإسلامية... ونريد لجميع المعنيين، سواء كانوا على مستوى الدول، أو على مستوى الحركات والأحزاب، وحتى الشعوب، أن يعملوا على كشف مصيره، وفضح كل أولئك الذين ساهموا في ارتكاب هذه الجريمة الكبرى التي لا يكفي أن تصدر بيانات الاستنكار حيالها، بل لا بد للدولة من أن تتحمل مسؤوليتها إزاءها على المستويات العالمية والعربية والمحلية.

كونوا أمّة العدل، لأنّ الظلم لا دين له


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

يقول الله تعالى: {ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين* ونمكِّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (القصص:5-6).

تمكين المستضعفين في الأرض

لقد تحدث الله تعالى عن المستضعفين في الأرض، وتحدث عن المستكبرين فيها، باعتبار أن الله سبحانه يرفض الظلم كله، ويرفض أن يستضعف المستكبرون الضعفاء، ليظلموهم ويستغلوهم ويسقطوهم ويصادروا إنسانيتهم، لأن الله عندما خلق الناس، أراد لهم أن يأخذوا بأسباب العدل، حتى إنه أرسل الأنبياء وأنزل عليهم الكتب ووضع لهم الميزان الذي يزن الحق والباطل من أجل أن يقوم الناس بالعدل، لأن الحياة عندما تقوم على أساس العدل، بحيث يأخذ كل إنسان حقه، ويعيش كل إنسان إنسانيته، فإن الحياة ستحفل عند ذلك بالخير وبالسلام، بينما إذا ساد الظلم في الأرض، فإن الحياة ستتحرك بالشر وتنطلق في خط الحرب والنزاع والخلاف.

وقد أراد الله تعالى أن لا تنتهي الدنيا إلا وقد أخذ المستضعفون دورهم الذي صادره المستكبرون، ولذلك، فإن هذه الآية تتحدث عن أن الله يمنّ على المستضعفين ويجعلهم القادة في الأرض، ويسقط فرعون وهامان كنموذجين للقيادة الظالمة التي تأمر جنودها وحكومتها باضطهاد الناس، وهذا ما ننتظره فيما ننتظر إمامنا المهدي(عج)، لينطلق في ظهوره من أجل أن يقيم العدل الكلي في الناس.

ومن الملاحظ أنّ الأحاديث التي تحدثت عن ظهور الإمام(عج)، لم تتحدث إلا عن العدل وعن الظلم، مع أنّه إمام الإسلام الذي يخرج ليدعو الناس إلى رسالة النبي محمد(ص) في كل ما اشتملت عليه من عقيدة التوحيد؛ التوحيد في الربوبية، والتوحيد في العبادة، والتوحيد في الطاعة، وفي كل ما انفتحت عليه من الشرائع التي تنظم للناس حياتهم، ومع ذلك لم يتناول هذا الحديث عن ظهور الإمام كل ذلك، بل تحدّث عن أنه يقيم العدل كله، وذلك لأن كلمة العدل تجسِّد كل عقيدة التوحيد، وكلّ ما تريده رسالة الإسلام في العلاقة مع الله ومع الآخرين.

وهذا ما أكّده القرآن الكريم في حديثه عن العدل في أكثر من آية: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (النحل:90) {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} (الأنعام:152) {ولا يجرمنَّكم شنآن قوم ـ ممن تعادونهم أو تخاصمونهم ـ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:8). اعدل مع قريبك، فلا تعطه ما لا حقّ له، واعدل مع عدوّك، فلا تمنعه حقه، وأيضاً: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله} (النساء:135)، والقسط هو العدل.

الظلم لا دين له

وإذا كان الدين كله قائماً على أساس العدل، وإذا كنا ننتظر في نهاية المطاف أن يسود العدل العالم، فإن علينا أن ندرّب أنفسنا ونربّي أوضاعنا على أساس أن نأخذ بالعدل، وأن نرفض الظلم كله، سواء كنا ممّن يملكون السلطة التي تتيح لنا السيطرة على الناس، أو كنا من الناس الذين يملكون بعض مواقع القوة. إن علينا أن لا نظلم من هم تحت أيدينا، لأن الله سوف يحاسب كل من يظلم مَن تحت يديه، وقد ورد في الحديث: "إن الله أوحى إلى نبيٍ من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين، أن ائت هذا الجبار وقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء واتّخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً"، بمعنى أنّ الله لا يريد حتى للكافر أن يُظلَم فيما له من حق، كما لا يريد للمؤمن أن يُضطَهد. فالعدل لا دين له، فهو لكل الناس، والظلم لا دين له، فهو مرفوض من كل الناس.

وقد ورد في الحديث عن عليٍّ(ع) في تقسيمه للظلم: "الظلم ثلاثة؛ فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك؛ وظلم مغفور لا يُطلَب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشّرك بالله ـ وهذا ما جاء في كلام لقمان لولده: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان:13)، لا ظلم القوة، ولكن بأن لا يعطيه حقّه في التوحيد ـ قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، وأمذا الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ وهي المعاصي الصغيرة ـ وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً"؛ أن تظلم الإنسان الآخر إذا كان له عليك حق في أي مجال من المجالات.

أثر الظلم ونتائجه

ويتابع الإمام علي(ع) ليبيّن للظالمين الذين يظلمون غيرهم، كيف يواجهون الله يوم القيامة، فيقول: "القصاص هناك شديد ـ يعني أن الله سوف يقتصّ للمظلوم من الظالم يوم القيامة ـ ليس هو جرحاً بالمدى ـ يعني السكاكين وما ينتج عنها من ألم ـ ولا ضرباً بالسياط، ولكنه ما يستصغر ذلك معه"، أي أن الجرح بالمدى والضرب بالسياط لا يمكن أن يقارنا بطبيعة القصاص هناك.

وقد ورد عن الرسول(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع) الكثير من الأحاديث عن الظلم الذي يمارسه الظالم القوي على المظلوم الضعيف. ففي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله عز وجل"؛ أن تظلم شخصاً لا عشيرة له ولا سلاح ولا حزب، فتستضعفه، وتظلمه حقه، أو تضربه وتضطهده وتسجنه من دون حق، فهذه مظلمة لا يوجد مظلمة أشدّ منها.

وفي حديث عن الإمام زين العابدين(ع) فيما أوصى به ولده الإمام محمد الباقر(ع) عند وفاته، قال: "يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، وهو الشخص الذي ليس عنده من يستعين به ويستقوي به إلا الله سبحانه.

وهكذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع)، عن الشخص الذي يعيش في نفسه رفض الظلم لأي أحد: "من أصبح لا ينوي ظلم أحد ـ عنده روحية العدل بين الناس والمحبة للناس ـ غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم، ما لم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حراماً"، فالإنسان الذي لا يفكر في الظلم، ويبدأ يومه وهو لا ينوي أن يظلم أحداً، يغفر الله له كل ذنوبه، ما عدا قتل النفس بغير حقّ، وأكل مال اليتيم ظلماً.

وفي الحديث عن الرسول(ص): "من أصبح لا يهم بظلم أحد، غفر الله له ما اجترم ـ ما ارتكب من ذنب، وقال(ص): "اتّقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة".

وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من أكل مال أخيه ظلماً، ولم يردّه إليه ـ كالذي يستغلّ قوته ووجاهته ويظلم من له مال عنده، فلا يردّه إليه، باعتبار أن لا وثيقة لديه تثبت هذا الحق، فمن يفعل ذلك ـ أكل جذوةً من النار يوم القيامة"، أي أنّ الله يأتي له بجمرة ويقول له: كل هذه الجمرة في مقابل ما أكلته من مال أخيك.

وهناك حالات ظلم يمارسها بعض أفراد المجتمع، وذلك عندما يُظلَم شخص مستضعف من خلال الحكومة أو من خلال طرف آخر، فنجد بعض الناس يعذرون الظالم في ظلم هذا المستضعف. ألا نسمع بعض الناس يقولون: "يستأهل"، وهذا ما نجد له شاهداً من خلال ما حدث مع الحسين(ع) عندما وقف في وجه يزيد، وقام البعض ليبرر ليزيد ظلمه. يقول الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من عذر ظالماً بظلمه، سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره على ظلامته"، فالله ينتقم للمظلوم منك، بأن يجعلك تعيش في مجتمع ظالم يظلمك فيه الآخرون، فتدعو ولا يستجيب الله دعاءك في ذلك.

وقد ورد عن أبي عبد الله(ع) أيضاً: "العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم". فهؤلاء يعاملهم الله على أساس أنهم شركاء في الظلم.

وعن رسول الله(ص) أيضاً: "من خاف القصاص كفّ عن ظلم الناس".

تربية النفس على العدل

وفي رواية، "دخل رجلان على أبي عبد الله(ص) في مداراة بينهما ومعاملة، فلمّا أن سمع كلامهما قال(ع): أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكر إذا فُعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً". فلمّا سمع الرجلان هذا الكلام، اصطلحا قبل أن يقوما، لأنّ الإنسان الذي يفتح عقله وقلبه على الموعظة، يتراجع عن كلّ ما يمكن أن يجعله في موقع الظلم للآخرين.

أيها الأحبة، إن المسألة هي أننا سوف نقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وسوف يطلب المظلومون من ربهم أن يقتصّ لهم من ظالميهم، والإنسان المظلوم سيقف بين يدي الله ويقول: يا عدل يا حكيم، أحكم بيني وبين فلان فإنه قد ظلمني. فعلى الإنسان أن يعمل على أن لا يظلم أحداً؛ أن لا يظلم زوجته، ولا أولاده، ولا الموظّف الضعيف الذي عنده... وقد قال أحد الشعراء:

تنام عينك والمظلوم منتبه          يدعو عليك وعين الله لم تنم

وهذا ما ينبغي أن نربّي أنفسنا عليه.

 

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا مسؤولياتكم بالعدل وارفضوا الظلم كله والاستكبار كله في الحياة، فماذا هناك:

أمريكا بوش: الفساد القانوني والقضائي

في المشهد الغربي، نلتقي بالرئيس بوش، الذي لا يكفّ عن إطلاق نصائحه ومواعظه للمسؤولين العراقيين في الحكومة والبرلمان، والزعماء السياسيين، من أجل الانسجام مع سياسته الاحتلالية التي أدّت إلى إرباك موقعه السياسي لدى الرأي العام الأمريكي، بما في ذلك مجلسي النواب والشيوخ اللذين يطالبانه بالإسراع في الانسحاب من العراق، في الوقت الذي يعرف العالم كله أنه أخفق حتى في إدارة الاحتلال، وأن زيادة القوات الأمريكية لم تستطع أن تحقق الأمن للشعب العراقي، بل إنّ الاحتلال يعمد في حركته الهجومية على أكثر من منطقة، إلى قصف المدنيين وقتل النساء والشيوخ والأطفال بحجة اعتقال المتطرفين من دون تدقيق. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن الاستقالات تتتابع من أصدقاء الرئيس بوش، الذين اعتمدهم في التخطيط لسياسته، وهناك أيضاً الفساد الإداري الذي يطبع إدارته حتى في وزارة العدل، فقد قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، إن وزارة العدل تحت قيادة بوش، تعرّضت لأزمة خطيرة أفسدت نظام ال

عدل من خلال تعريضه للتأثيرات السياسية، وأمل في أن يكون قرار وزير العدل ـ في الاستقالة ـ خطوةً في اتجاه معرفة حقيقة مستوى النفوذ السياسي الذي يمارسه هذا البيت الأبيض على وزارة العدل. ونحن نعرف خطورة الفساد في وزارة مسؤولة عن حركة العدل في أوضاع الشعب الأمريكي على المستويين القانوني والقضائي...

العراق ساحة للإرهاب الأمريكي

هذا، إضافةً إلى الفضائح الكبيرة التي تحدّث عنها الإعلام في نهب ثروة الشعب العراقي من قِبَل قيادات الجيش الأمريكي ومسؤولي الإدارة في العراق، فضلاً عن وسائل تعذيب السجناء إلى حدّ القتل، والقصف الجوي الأمريكي للمدنيين، ما جعل من الساحة العراقية ساحةً يتمثل فيها الإرهاب الأمريكي المدني والعسكري في أبشع صوره، في الوقت الذي نعرف بطريقة موثوقة، كيف يخطط الاحتلال لأكثر من لقاء مع الإرهابيين التكفيريين والدعوة إلى المصالحة والتفاهم معهم.

وفي المسألة العراقية، نلتقي بالأحداث الدامية التي شهدتها كربلاء، والتي تزامنت مع الاحتفال بولادة الإمام المهدي(عج)، وهي أحداث مثّلت مأساةً جديدةً أضيفت إلى مآسي العراقيين الكبيرة.

إننا ندين هذه الأحداث بشدّة، ونعلن أنَّ من انطلق بها وقتل الزوار وأساء إلى قدسية المناسبة والمكان، يتحمل المسؤولية الكبرى عن فعلته التي قد تزيدها الحالات العصبية والانفعالية اشتعالاً، من خلال التخلف المتمثّل بالتزام الأشخاص على حساب التزام المبادىء.

إننا نخشى أن تتطوَّر الأمور في أكثر من موقع عراقي بطريقة مماثلة؛ الأمر الذي قد يشجع الاحتلال على البقاء أكثر، من خلال تصوير أن الذين يقودون العملية السياسية والأمنية، لا يستطيعون حماية الشعب العراقي، وليدور الحديث مجدداً في أن الذين يتحدثون عن المقدسات، إنّما يتصرفون على أساس تدميرها.

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي، وإدارته من خلفه، في الحرب ضد الإرهاب، لم تراعِ ظروف الشعوب العربية والإسلامية في مشاكلها القاسية مع حكامها من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وعملائها، كما لم تراعِ أوضاعها الاقتصادية ومشاكلها الأمنية والسياسية، فكانت تمارس في مواقعها الضغط والتعسّف والقتل والنهب لثرواتها، في سياق التخطيط لحماية أمن أمريكا، ممّا قد تمارسه الجهات المتطرفة على طريقة أحداث 11أيلول، وذلك من دون أن تأبه لأمن تلك البلدان المنكوبة، وما يمكن أن تفعله فيها حربها الاستكبارية المجنونة، الأمر الذي جعل تلك الشعوب تستنفر طاقاتها بمختلف الوسائل لمواجهة هذه الحرب المفتعلة المدمّرة لأوضاعها، حتى تحوّل الوضع الأمني في أكثر من بلد إلى ساحة للعنف المدمّر، بحيث انطلقت المواجهة الشعبية ضد مسؤولي الأنظمة المتحالفة مع أمريكا، كباكستان التي يتحرك الحكم فيها مع الخطة الأمريكية في الحرب على ما يسمى الإرهاب، فيعمل على ملاحقة الأحرار والمعارضين الذين يعارضون السياسة الأمريكية، ويريدون لبلدهم أن يكون بلداً حراً في سياسته واقتصاده وأمنه.

وهذا ما لاحظناه في الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، والساعي لتحويلها إلى قوة عسكرية ضاربة في مواجهة العالم العربي والإسلامي، وبالاعتماد على التحالف الاستراتيجي معها لضرب أيّ دولة لا تتحرك وفق مصالحها، كما نسمعه في إمكانية هجوم إسرائيل على إيران بالتعاون مع أمريكا. وإذا كانت أمريكا تتحدث عن مؤتمر دولي إقليمي للسلام، فإن الظروف المحيطة به، والشروط الإسرائيلية التعجيزية، والخضوع العربي لما تريده بشكل وبآخر، سوف يؤدِّي به إلى الفشل الذي ظهرت معالمه في كل لقاءات رئيس السلطة الفلسطينية مع رئيس وزراء العدو، لأن حكومة العدو لا تريد تقديم أي تنازلٍ لحساب الدولة الفلسطينية التي يراد لها أن تكون مسخاً ومن دون أن تحمل عمق الدولة ومعناها.

الاتحاد الأوروبي: إطلاق يد إسرائيل

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ بعض المسؤولين الأوروبيين يعلن دائماً أنه صديق لإسرائيل وأنّه لن يساوم على أمنها، ولم نسمعه مرة يقول إنه صديق للعرب وللمسلمين وإنه يحترم أمنهم، بل إنه لا يوافق على الضغط على إسرائيل لإزالة احتلالها للأراضي المحتلة، رافضاً مقاومة الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل، ولاسيما حماس، لأنه لا يريد للشعب الفلسطيني أن يدافع عن حرية بلده وإنسانه. وقد تحدث هذا المسؤول عن الصلة بين الإرهاب والإسلام، ولكنَّه يتغاضى عن إرهاب إسرائيل في تشريدها للشعب الفلسطيني ومنعها له من حقّ في العودة إلى أرضه، كما ينسى أيضاً إرهاب أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان، وتهديدها المتكرّر لإيران بالعقوبات والقصف إذا خططت للقنبلة النووية، باعتبار أنها أسوأ ما يثقل النظام الدولي، ناسياً القنبلة الذرية الإسرائيلية التي يراد تصويرها وتقديمها للعالم بأنها قنبلة سلام، بالرغم من عدوان إسرائيل على المنطقة منذ تأسيسها، وتهديدها الدائم للجميع بسلاحها المدمّر.

إن المشكلة لدى أكثر دول الاتحاد الأوروبي، أنها تترك لإسرائيل الحرية في إرباك العالم، ولا تجد للعالم العربي والإسلامي الحق في مواجهة عدوانها على المنطقة كلها، وهذا ما لا بدّ للعرب والمسلمين من أن يفهموه بشكل واعٍ لحماية أنفسهم من الواقع العدواني.

لبنان: ظلام سياسي واجتماعي

أما لبنان، فإنَّ الجميع ينتظرون السفير الأمريكي في إجاباته عن الأسئلة التي قدِّمت لحكومته حول الوضع في لبنان، ولاسيما في مسألة الاستحقاق الرئاسي، كما ينتظرون الوزير الفرنسي ومبادرته التي لا تزال تتحرك من عقدة إلى عقدة، هذا إلى جانب التجاذب السياسي في إيجاد التعقيدات التي تمنع حلّ الأزمة المستحكمة والتراشق بالاتهامات بالوصاية الإقليمية من جانب، والوصاية الدولية من جانب آخر، مع التأكيد أن يكون الرئيس من فريق سياسي معين لا يثق به الفريق الآخر. إضافةً إلى أن الطريقة التي تُدار بها التصريحات التي لا تخلو من كلمات السباب والشتائم وحتى البذاءة، تؤدّي إلى التعقيد في العلاقات العربية ـ العربية، من خلال كلمات ينكرها هذا ويثبتها ذاك، وتترك انعكاساتها السلبية على الساحة اللبنانية.

إن هذا الواقع الذي يتمظهر بمظهر الخصوصيات الطائفية، ويبتعد عن القيم الأخلاقية والإنسانية، يدل على أن اللبنانيين في شكل عام، فقدوا الانتماء إلى الوطن، واستغرقوا في الانتماء إلى الطائفة من جهة، وإلى الخطوط الإقليمية والدولية من جهة أخرى، ولا يزال البعض يعمل على إثارة المواطنين في عصبياتهم المذهبية والطائفية والحزبية، وتحويلهم إلى ما يشبه العبودية لهذا الزعيم أو ذاك، بحيث يفقدون حريتهم في التفكير والموقف والحركة، حتى بات الناس يخافون من أن تتحرك عصبيات الزعماء الطائفيين لإيجاد حالةٍ أمنيةٍ سلبية لتلبية حاجاتهم الشخصانية في تأكيد مواقعهم التي تجعل جماعتهم يلهثون وراءهم بالمزيد من الهتاف والتصفيق والتهليل في شكل ساذج، بحيث ينسى الناس أمام هذه العصبيات الانفعالية قضاياهم الحيوية المصيرية، ويعيشون في الغيبوبة السياسية في ظلام المغاور والكهوف التي يصنعها الداخل والخارج، ليستمر لبنان ساحةً تفتقد الضوء المستقبلي، فضلاً عمّا تعيشه في نطاق العتمة وافتقادها للكهرباء. ويبقى للفقراء أن يواجهوا حركة الظلام الدامس الذي لا ينتج إلا المزيد من الحرائق في البلد الملتهب سياسياً، وفي المنطقة التي تحمل نذر التوتر في المناخات الحارة والملتهبة على أكثر من صعيد.

موسى الصدر: جريمة تغييب الشخصية الرسالية

وأخيراً، إننا نلتقي في هذا اليوم بالذكرى السنوية لتغييب سماحة السيد موسى الصدر، هذه الشخصية الحوارية التي انفتحت على آفاق الوطن والوحدة الوطنية والإسلامية، وعلى حوار الأديان، وكان لها الفضل الكبير في تأسيس حركة المقاومة ضد إسرائيل.

إننا عندما نعيش ذكراه، نشعر بحجم الخسارة الكبيرة التي تمثّلت في تغييب هذه الشخصية الرسالية، كما نشعر بحجم الجريمة التي أقدم عليها أولئك الذين غيّبوه أو ساهموا في تغييبه وعملوا على إبعاده عن ساحة المواجهة مع العدو، وعن ساحة الوحدة الوطنية والإسلامية... ونريد لجميع المعنيين، سواء كانوا على مستوى الدول، أو على مستوى الحركات والأحزاب، وحتى الشعوب، أن يعملوا على كشف مصيره، وفضح كل أولئك الذين ساهموا في ارتكاب هذه الجريمة الكبرى التي لا يكفي أن تصدر بيانات الاستنكار حيالها، بل لا بد للدولة من أن تتحمل مسؤوليتها إزاءها على المستويات العالمية والعربية والمحلية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية