الدين الأحسن:
في المنهج التربويّ الأخلاقيّ الإسلاميّ، يريدُ الله للإنسان أن ينفتح في كل ممارساته وسلوكه، وفي كل علاقاته، على الأحسن، ليكون الإنسان الذي يمثل دينه الدين الأحسن.
وقد اختصر الله تعالى الدين الأحسن بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ}(النساء/125). وإسلام الوجه لله هو إسلام الكيان والذّات له سبحانه، أي أن تكون أنت ـ بكلّك ـ لله، فلا شيء لغير الله في شخصيتك، فعقلك لله وحده، وقلبك ينبض بمحبة الله وحده، وحركتك في الحياة كلّها لله، وهذا ما عبّر عنه الله تعالى في خطابه لإبراهيم(ع) خليله أبي الأنبياء، عندما قال: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}(البقرة/131)، وقد ورد في آية أخرى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ـ كلُّ شيء في شخصيتي وحركتي وأعمالي وحياتي وموتي، كلُّ هذا لله ـ لاَ شَرِيكَ لَهُ ـ في كلّ ما أقوم به من صلاة ونسكٍ وعبادات، وكذلك لا شريك له في حياتي ومماتي ـ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ـ أمرني الله تعالى أن أكون خالصاً في إسلامي له في كل ما يتصل بكياني ـ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ}(الأنعام/162-163)، أن أكون أوَّل الناس الذين يلتزمون هذا الإسلام قبل أن يلتزمه أحد. وقد ورد في بعض الكلمات عن النبي (ص): «وأثمرت أن أكون أوَّل المسلمين»، أي أن لا يسبقك أحد إلى الالتزام بطاعة الله وتوحيده.
يقول تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ ـ والوجه كناية عن الذات ـ وَهُوَ مُحْسِنٌ ـ يُحسن في علاقته بالله وفي رعايته لنفسه، ويحسن في علاقته بعياله، وبالناس كلّهم ـ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}(النساء/125)، لأن إبراهيم (ع) هو أبو الأنبياء، وهو الذي أطلق الرسالة بالمعنى المنفتح على الإيمان، وعاش المحبة والصداقة لله، فأعطاه الله صداقته ومحبته، وهذا ما كنا نتحدث عنه دائماً؛ أن يكون الإنسان صديقاً لربّه، أن نعيش مع الله كما يعيش الصديق مع صديقه، والحبيب مع حبيبه، أن نتحدث معه بكل محبة، ونناجيه ونبتهل إليه، ونطلب منه كل حوائجنا وأمورنا، ولا نطلب ذلك من غيره.
ونتابع مسألة الأحسن، فالله تعالى يعرف أنه أعطانا هذا اللّسان الذي نعبّر به عمّا في ضمائرنا من الكلمات، والكلمات على قسمين: كلمات طيبة، وكلمات خبيثة، كلمات تجمع وأخرى تفرّق، كلمات تبغّض وأخرى تحبِّب، فالله يقول للنبي (ص): {وَقُلْ لِعِبَادِي ـ ليكن هذا جزءاً من وصاياك وتوجيهاتك ـ يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ إذا أراد الإنسان أن يتكلَّم مع أهله وجيرانه ومع كلِّ الناس الذين يتعامل معهم، فعليه أن يختار أفضل الكلمات وأحسنها، لأنه إذا اختار الكلمات المثيرة، فإن الشيطان قد يستغلُّ ذلك ليخلق له أكثر من مشكلة، وقد ورد في حديث الإمام عليّ (ع): «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه» ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ـ يدخل بينهم ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}(الإسراء/53).
الدّفع والجدال بالأحسن:
ثم، هناك حالات يختلف فيها النَّاس في أمورهم وقضاياهم، فيصيرون إلى الجدال، وكلٌّ يدّعي الحقيقة. ونحن لا نقول إنّ هناك مشكلة في الجدال والحوار، ولكن ليكن الجدال بالتي هي أحسن، فلا يكفّر أحد أحداً عند أيِّ خلاف، ولا يسبّه ولا يلعنه، بل ليقدّم كلُّ واحد وجهة نظره: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل/125). وتمتد المسألة إلى الجدال والحوار بين المسلمين وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت/46).
ويتحدَّث الله تعالى معنا عن المشاكل التي قد تحدث داخل البيت العائلي، أو نتيجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فكيف نحلّ هذه المشاكل؟ هل نحلّها بالعنف أو بالرفق؟ يقول تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ـ وهي أسلوب الرفق واللّين ـ وَلَا السَّيِّئَةُ ـ وهي أسلوب العنف ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ـ ادفع بالأسلوب الذي يحوّل أعداءك إلى أصدقاء، بدلاً من الأسلوب الذي يحوّل الصديق إلى عدوّ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(فصِّلت/34-35). وهذه الروحية ليست سهلةً، بل تحتاج إلى صبرٍ يعرف الإنسان من خلاله كيف يحرِّك الحلَّ وينفتح على الآخر.
هذا هو المنهج التربوي الإسلامي؛ أن ننطلق بالكلمة الأحسن، حتى إن الله تعالى عندما تحدث عن التحية قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(النساء/86)، لأن الله يريد لنا أن نحرّك حياتنا دائماً باتجاه الأحسن والأفضل، حتى نجعلها منفتحة على الخير والمحبة والتواصل.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا مسؤولياتكم بما يحبّه الله ويرضاه، وبما يؤكد الوحدة فيما بينكم، والقوَّة في مواجهتكم للظالمين والمستكبرين والكافرين، وعليكم أن تأخذوا بأسباب الوعي فيما يعرض للإسلام والمسلمين. فماذا هناك؟
هدايا قمة شرم الشيخ مجازر في غزَّة:
في المشهد الفلسطيني، عدوان إسرائيلي جديد على غزة، ومجزرة جديدة هي هدية قمة شرم الشيخ للفلسطينيين، فربما أخذت إسرائيل ضوءاً أخضر جديداً من العرب المشاركين في القمة ضد حماس، ولكن مشاركة كل فصائل المقاومة في التصدي لهذا العدوان الغاشم، بما فيها كتائب الأقصى التابعة لحركة "فتح"، أفسح في المجال لتأكيد الوحدة الفلسطينية في مواجهة العدوّ.
لقد أريد لقمة شرم الشيخ أن تعيد الوضع في الأراضي الفلسطينية إلى ما قبل فوز حماس في الانتخابات التشريعية مطلع العام الماضي، لأنهم كانوا ـ جميعاً ـ يرفضون أية حركة فلسطينية مقاومة للعدوّ في اتجاه التحرير، باعتبار أن النهج المقاوم في الساحة العربية قد يربك الخطَّ السياسي الذي يتبنّونه، والذي يقوم على الصلح مع إسرائيل، وعلى الالتزام بالسياسة الأمريكية المتحالفة مع الدولة العبرية التي لم تحترم علاقتها بمن اعترف بها من الأنظمة العربية.
وهكذا جاءت هذه القمّة بعد التطوّرات المؤلمة الّتي حدثت في غزَّة، من أجل محاصرة حماس امتداداً لمحاصرة حكومتها، ثم حكومة الوحدة الوطنية التي كانت نتيجة اتفاق مكة الذي رفضته أمريكا وإسرائيل، ولم يرحِّب به بعض المسؤوليين العرب. وإذا كان بعضهم يرفض هذا العنوان للقمّة، ويؤكد أنَّ القمة هدفت إلى دعم الشرعية التي لم يدرسوا طبيعتها في شكل دقيق، فإنهم يريدون بذلك التغطية على خلفية اجتماعهم الذي يحمل شبه خطة موضوعة مع إسرائيل، التي استغلَّت هذا الاحتضان العربي لها لتحقيق حلمها الذهبي في إضعاف الواقع الفلسطيني كله، لأنها لا تتحرك من أجل تأييد فريق على فريق، بل تريد إبقاء هذا الانقسام الفلسطيني تحت عنوان دعم محمود عباس وحكومة الطوارئ، لإبقاء موقعه ضعيفاً واقتصاره على الضفة الغربية التي لن تمنحها الحرية في الحركة والتنقل، ولن تمتنع عن اغتيال في موقع واعتقال في موقع آخر.
عزل حماس تمهيدٌ لعزل القوى المقاومة:
إننا لم نطَّلع على الجلسة المغلقة التي عقدها المجتمعون بعد الخطابات الإنشائية التي حاولوا من خلالها الظهور بمظهر الغيارى على الشعب الفلسطيني في غزة والباحثين عن السلام، حتى إن الذي تحدَّث عن الحوار في ظل صمت الثلاثة الآخرين، لم ينطلق من آلية واقعية لحلّ المشكلة، لأن المعلومات التي نملكها تفيد أن اجتماع أولمرت مع بوش كان يركِّز على منع أية عودة للاتفاق بين حماس وفتح، ولا سيّما أنَّ رفع الحصار المالي الجزئي إسرائيلياً وغربياً مشروط بإسقاط حماس، حتى إن صحافة العدوّ أكَّدت أن أولمرت أنذر بأنه سوف لن يقدم الأموال لحكومة عباس إذا عادت الأمور إلى مجاريها مع حماس.
إن هذا الحماس الدولي والعربي لسقوط حكومة الوحدة الوطنية وإخراج وزراء حماس منها، يدلُّ على أنَّ المطلوب هو عزل حماس عن كل موقع سياسي فلسطيني، وسوف تمتدُّ الأمور إلى مواجهة الفصائل الفلسطينية المقاومة بالحرب وبالعزل السياسي. وقد تحدث الإعلام أن حكومة الطوارئ طلبت من كتائب شهداء الأقصى تسليم سلاحها وضرورة الامتناع عن المقاومة.
إننا نتساءل: ماذا أعطى رئيس حكومة العدوّ لأبي مازن في مقابل مطالبته بالحل النهائي؟! إن الإفراج عن ال 250 سجيناً من فتح، إذا وافقت الحكومة الإسرائيلية على ذلك، سيمهِّد لاعتقال أكثر من هذا العدد في اليوم التالي، وإن الإفراج عن الأموال المودعة عند إسرائيل، سيكون بمثابة ابتزاز متحرك، وإن تحسين ظروف الفلسطينيين في الضفة كان حديثاً غير واضح في تفاصيله، وإن كان واضحاً في أبعاده. ثم هل استطاعت مصر ومعها الأردن أن تأخذ من أولمرت التزاماً سياسياً حاسماً بالقبول بالمفاوضات للحلِّ النهائي؟! وثم هل إن اعترافهما ـ إضافةً إلى حكومة الطوارئ ـ بإسرائيل يملك تحديداً لحدود هذه الدولة.
لقد كانت قمة شرم الشيخ قمةً عربية لتحسين صورة رئيس حكومة العدو أمام العالم، من دون أن يقدَّم للشعب الفلسطيني شيء. ونحن نقول للفلسطينيين المتنازعين على السلطة: أية سلطة هي التي تملكونها؟ إن السلطة في الضفة وغزة والقدس هي لإسرائيل... فهي التي تسيطر على المنطقة كلِّها وتحاصرها كلِّها، وهي التي تحتلُّ الأرض والإنسان، فلم يبق إلا المقاومة التي تحرر الأرض والإنسان، وهذا ما يفرض الوحدة الوطنية التي يتناهشها الوضع الدولي والعربي.
راعي الحرب بلير مبعوث للسلام!!:
ولن نترك الملف الفلسطيني قبل أن نشير إلى أن ثمة هدية أخرى يراد للفلسطينيين أن يصفّقوا لها، وتتمثل بتعيين "بلير" مبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط باسم الرباعية الدولية، وهو الشخصية المريبة التي دعمت أمريكا في حربها على العراق، وإسرائيل في حربها على لبنان، ووفَّرت الأجواء المناسبة لها لمواصلة عدوانها على الفلسطينيين، ولذلك، فإنَّ تعيينه يمثل استكمالاً للخطة الساعية لإجهاض الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي باسم السلام. ونحن نسأل: كيف يمكن لرعاة الحرب، وعلى رأسهم "بلير"، أن يقدموا سلاماً للمنطقة والعالم؟!!
ومن جانب آخر، فإن الأخبار حملت إلينا اجتماع أعضاء اللجنة الرباعية الدولية في القدس، لبحث المسألة الفلسطينية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والكل يعلم أن هذه اللجنة التي ولدت مشلولةً وميتة، لأن أمريكا لم ترد لها الحياة، لن تحقق للشعب الفلسطيني الحرية والاستقلال، وسوف يمتد هذا الوقت الضائع إلى ما لا نهاية، حتى يدبّ اليأس في نفوس الشعب، تماماً كما جاء في حديث بعض مسؤولي الجامعة العربية، بأنَّ القضية الفلسطينية قد ماتت في مجلس الأمن وفي الجامعة... والمطلوب من الشعب الفلسطيني أن يبقى في موقع الأمل الذي ينفتح على المقاومة في امتداد الانتفاضة التي لا بد من أن يتوحد عندها المجاهدون.
ضغوطات أمريكية للإبقاء على الأزمة اللّبنانية:
وفي المشهد الأمريكي، كانت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكيّة لفرنسا من أجل أن تضغط على رئيسها لكي يبتعد عن استئناف الحوار مع سوريا على مستوى رفيع في الوقت الراهن، لحساب تطمين أصدقائه اللبنانيين، في ظلِّ الحديث عن تقارب سوري فرنسي، في الوقت الذي يعرف المراقبون أن مثل هذه العلاقة قد تفيد الأوضاع اللبنانية ـ السورية، وتخرجها من هذا الجمود السياسي الذي لن يكون في مصلحة لبنان في أيِّ حال. ولكن أمريكا التي خطَّطت لإبقاء المنطقة العربية والإسلامية في حال من الفوضى السياسية والأمنية، تلاحق خصومها بالضغوط التي تملكها ضد فرنسا في العهد الجديد وضد أوروبا، لأنها تخشى أن تتحرك الدول الأوروبية لرعاية مصالحها في المنطقة، ولاستعادة دورها في التحرك الديبلوماسي الذي يجعل لها موقعاً مميزاً لا تريد أميركا لها أن تحصل عليه... هذا إلى جانب تحركها في إثارة العقوبات الجديدة في مجلس الأمن الذي تملك قراره ضد إيران في ملفّها النووي السلمي، كما أن الحركة الأميركية الأخيرة في المسألة اللبنانية، من خلال لقاء "رايس" مع المسؤولين اللبنانيين، تهدف إلى إبقاء الأزمة اللبنانية في حال من الجمود، لأن أمريكا ترفض الحل الذي يحرر لبنان من السقوط في حالة الاهتزازات الطائفية والمذهبية والحزبية، وتريد أن يستمر في لعب دور الساحة التي تنفتح على كلِّ المشاريع الدولية والإقليمية وعلى الوصاية الخارجية، التي عبّر عنها أكثر من مسؤول لبناني أو عربي بأن أمور اللبنانيين ليست في متناول أيديهم، بل هي في يد الآخرين، ما يفرض على أية مبادرة ـ بما فيها المبادرة العربية ـ أن تقوم بجولة إقليمية أو دولية للبحث عن فرصة للنجاح.
تآمر إسرائيليّ أمريكيّ على العراق:
وفي جانب آخر، لا تزال الإدارة الأمريكية تتخبَّط في الوحول العراقية، من دون أن تملك أيَّة خطّةٍ تخدم مشروعها في العراق الذي تجد نفسها مطوّقة فيه بمنطقة معادية لنفوذها واحتلالها، سواء من الناحية الشعبية أو الرسمية في هذه الدولة أو تلك.
ولا يزال الشعب العراقي يعاني المذابح والمجازر والتفجيرات التي تتحرك من منطقة إلى منطقة لتحصد الآلاف من المدنيين الأبرياء، ولا يزال الإرهاب يطبق على الواقع كله، الذي لم تسلم منه الأماكن المقدّسة، كمرقد الإمامين العسكريين(ع)، والمساجد والمواقع الدينية والثقافية والتربوية، إضافةً إلى استهداف زعماء العشائر. وهناك حرب على العلماء المتخصصين والصحافيين والإعلاميين الذين تستهدفهم الاغتيالات بطريقة عشوائية، وإننا لا نستبعد أن يكون تحالف الموساد والاستخبارات المركزية الأمريكية وراء ذلك كله.
لبنان: حلقات التآمر مستمرة:
أما في لبنان، فقد جاء الحادث الذي استهدف "اليونيفيل" ليستكمل الأوضاع الأمنية القلقة في مخيّم نهر البارد، وفي بعض المواقع في الشمال والبقاع، ما ينذر بالمزيد من الاهتزازات الأمنية.
إن ما يحدث هو حرب على لبنان من حيث فشلت المحاولات الخطيرة لدفعه إلى الحرب الأهلية، لتكون هذه بمثابة البديل عن الحرب الأهلية أو الفتنة، لأن المطلوب هو زعزعة استقرار لبنان من أجل هدف أكبر لا تبتعد عنه المشاريع الأميركية التي لا تسمح بأيِّ تهدئة للأوضاع في مستوى حل الأزمة السياسية، بل تريد توظيف الانقسام السياسي، ولذلك فلن يبقى أمام اللبنانيين إلا أن يتوحَّدوا في الدفاع عن الوجود، وفي التحرر من لعبة الأمم التي تقودها أمريكا، وعلى التركيبة السياسية أن تنتصر على نفسها وانقساماتها، ولا يبقى السياسيون ـ كما يقول بعض الإعلاميين ـ على الشجرة العالية التي صعدوا إليها من دون قدرة على النـزول، لأن الأرض تحترق تحت أقدامهم جميعاً.
ويبقى للشعب أن يقول كلمته، وأن يرفع صوته ضد كل الذين يستغلّون صمته ويعبثون بالأمة ويتاجرون بطائفياته ومذهبياته وزعاماته... ليستولد الشعب جيلاً جديداً، يحترم وطنه، ويخطط لمستقبله، ويبدأ في صنع لبنان حرٍّ مستقلّ منفتح على الشمس من جديد.