قول الأحسن للناس:
يقدِّم القرآن الكريم الأسلوب والمفردات التي يجب على الإنسان أن يتبعها في علاقته بالآخرين، في كل ما يتكلم به، لأن الكلام هو الوسيلة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان ليعبّر بها عمّا يفكر فيه ويهتم به، وعمّا ينفتح به على الناس، وعمّا يمارسه من جدلٍ في القضايا التي يختلف فيها معهم، أو ما إلى ذلك. فالكلام إذاً هو الجسر الذي يربط الإنسان بالنَّاس الآخرين، وهو الوسيلة التي تصنع للمجتمع تفاهمه وتواصله وتكامله وتعاونه فيما يشترك فيه أفراده بعضهم مع بعض.
وقد اهتمَّ القرآن الكريم بالقول الّذي لا بدّ أن يصدر من الإنسان في علاقته بالآخرين، وفي خطابه لهم، فقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ـ قولوا للناس القول الحسن الذي يتضمن ما ينفعهم ويفيدهم، وما يقرّبهم ويجمعهم ويؤلّف قلوبهم. وقد ورد عن الإمام الباقر(ع) استيحاء هذه الآية، حيث قال: «قولوا للنَّاس أحسن ما تحبُّون أن يُقال فيكم»، كيف تحبون أن يتحدث الناس معكم ويقولوا فيكم؟ من الطبيعي أن كل إنسان يحب أن يتكلم الناس معه بالخير وبما يحفظ حرمته ويؤكد كرامته وينفعه في حياته، فإذا كنت تحب أن يقول الناس فيك مثل هذا اللون من الكلام، فإنهم يحبّون أن تتكلم معهم بمثل ذلك.
تقوى الله بالكلام:
وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق(ع)، وهو يخاطب المؤمنين: «اتقوا الله، ولا تحملوا الناس على أكتافكم ـ لا تتصرّفوا تصرفاً يثقل علاقتكم بالناس، فيدفعهم إلى الاعتداء عليكم ـ إن الله يقول في كتابه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}»(البقرة/83). فالإمام(ع) يستشهد بهذه الآية لكي يؤكّد للمؤمنين أن عليهم أن يختاروا القول الذي يحببهم إلى الناس. ويقول(ع) وهو يخاطب شيعته: «يا معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً ـ إنكم أيها الشيعة تنسبون إلى أئمة أهل البيت(ع)، ولذلك فإنكم تمثلون الصورة التي يرى الناس فيها أهل البيت(ع)، فإذا كانت المسألة كذلك، فحاولوا في سلوككم مع الناس، في أقوالكم وأفعالكم، أن تكونوا زيناً لأهل البيت(ع)، فإذا عاشركم الناس وسمعوا منكم، قالوا: هؤلاء هم الذين يمثِّلون الخلق العظيم لأئمتهم(ع)، ولا تكونوا عيباً لهم، والعياذ بالله ـ قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم ـ حتى لا تتحرك بما يسقط الكرامة ـ وكفّوها عن الفضول وقبيح القول»، كفّوا ألسنتكم عن الكلام الذي لا داعي له ولا فائدة منه.
ويقول الإمام زين العابدين(ع): «القول الحسن يثري المال ـ يجعل مالك في تزايد، لأنه يحبِّب الناس إليك، فإذا أحبُّوك تعاملوا معك بما يحقِّق لك الربح ـ وينمّي الرزق، وينسأ في الأجل، ويحبِّب إلى الأهل»، فالقول الحسن يزيد في أجلك، ويحبّبك إلى أهلك، ويدخلك الجنّة. ويقول رسول الله(ص): «والذي نفسي بيده، ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير»، فإذا قلت كلمة الخير، فإنها صدقة تتصدّق بها عليهم، وهي ممّا يحبه الله تعالى ويرفع به درجتك ويحقق رضوانه لك. وقد ورد في الحديث: «الكلمة الطيبة صدقة».
التكلّم بالحقّ والصّواب:
وعلى الإنسان إذا أراد أن يتكلم، أن يتكلّم بالحقِّ والصواب، لا أن يتكلم بالباطل والخطأ، وهذا هو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ـ قولاً منفتحاً على الخير والحقّ، وهناك جائزة على ذلك ـ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب/70-71).
وقد تحدث الله تعالى عن اللغو، وهو القول الباطل الذي يضر ولا ينفع، أو القول الذي تنسب فيه إلى الناس ما لم يتصفوا به وتتهمهم بما ليس فيهم، يقول تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ـ إذا تحداك شخص واتهمك بما ليس فيك أعرض عنه ـ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ}(القصص/55). ويقول تعالى في صفة المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(المؤمنون/3)، ويقول تعالى عن صفات عباد الله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}(الفرقان/72).
قيمة الكلام الأحسن:
وورد في قوله تعالى عن قيمة الكلام الأفضل، لأنَّ هناك كلمة يمكن أن تجلب لك الخير، وهناك كلمة يمكن أن تجلب لك الشرّ، فربما تطلق كلمةً تخلق مشكلةً وحالاً من الإثارة، وربَّما تطلق أخرى تحبِّب النّاس بك وتحلّ لك مشكلةً، على طريقة المثل الشعبي: «كلمة بتحنّن وكلمة بتجنن»، فالكلمة التي تحنِّن هي التي تحبِّب الناس بك وتحلّ لك مشكلتك، سواء في البيت أو في مكان العمل أو في المجتمع. يقول تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي ـ مُرهم يا محمد، كما تأمرهم بالصلاة والصوم والحج، أن ـ يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}(الإسراء/53)، ونحن نعرف كم من كلمة خلقت حرباً وهدّمت بيتاً وقتلت صاحبها.
كيفيّة ضبط اللسان:
وورد عن الإمام عليّ(ع)، حول ضبط الإنسان لسانه والسّيطرة على كلامه، قوله(ع): «الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به ـ فما دمْتَ لا تتحدث به فأنت تسيطر عليه وتقيّده ـ فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ـ حاول أن تخزن لسانك في خزانة، حتى لا يقودك إلى ما قد يدمّر حياتك ـ فربّ كلمة سلبت نعمةً وجلبت نقمةً». ويقول رسول الله(ص) عن الكلمة كيف ترفع صاحبها أو تضعه: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه».
ونحن نعرف أن من الكلمات المذمومة في الإسلام، كلمة الكذب والفحش، وقد ورد في الحديث: «إنَّ الله حرّم الجنة على كلِّ فحّاش بذيء، قليل الحياء»، وكذلك كلمات اللعن، حتى ورد عن النبي(ص): «إني لم أُبعث لعّاناً وإنّما بُعثت رحمةً»، وورد عنه(ص): «لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّاناً»، خصوصاً لعن المسلمين مقدّسات بعضهم بعضاً، والتي تؤدي إلى الفتنة بينهم.
استقامة الإيمان باستقامة القلب:
ويقول الإمام عليّ(ع): «إنَّ لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه». كيف ذلك؟ قال: «لأنَّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شراً واراه ـ فالقلب، وهو العقل، هو القائد، واللسان جنديٌّ من جنوده ـ وإنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه». ويقول(ع): «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ـ لأنَّ اللسان من خلال مضمونه يؤثِّر على عقل الإنسان ـ فمن استطاع منكم أن يلقى الله وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم، فليفعل».
إنَّنا نعاني الكثير من فوضى الكلام، سواء في أوضاعنا العائلية في البيت، أو في العمل أو في المجتمع، في أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والدينية، وإن عدم تحمل مسؤولية الكلام قد يوقع المجتمع في نزاعات وحروب من شأنها أن تدمّره، وعلى الإنسان أن يعتبر أن كلامه هو جزء من عمله، وأن الله سبحانه سوف يحاسبه على كلِّ صغيرة وكبيرة فيه، وإننا نسأل الله تعالى أن يسددنا إلى ما هو أحسن في القول والفعل، لكي نلقاه وهو راض عنّا، إنه سميع مجيب.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من قاعدة إسلامية وحدوية في مواجهة كل الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، ويتحركون في خط الاستكبار العالمي من أجل أن يدمّروا سياستنا واقتصادنا وأمننا وكل أوضاعنا الحيوية العامة في كل المجالات، لأنَّ الله تعالى يريدُ لنا أن نهتمَّ بأمور المسلمين، وأن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمَّى والسهر. ونحن نواجه في العالم الإسلامي الكثير من المشاكل والآلام، وعلينا أن نهتم بها ونعالجها ونعي خطورتها، فماذا هناك؟
العراق: انكشاف الزيف الأمريكي:
في المشهد الأمريكي، يدخل الاحتلال الأمريكي للعراق عامه الخامس، بعدما أدَّى إلى تدميره أمنياً واقتصادياً وسياسياً، ولكن في المقابل، أسقط العنفوان الإمبراطوري في الرمال المتحركة هناك بفعل الطريقة العشوائية العدوانية التي تدير أميركا بها احتلالها، الأمر الذي جعلها تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها في الحرب، وتطلب الصبر من الشعب الأمريكي الذي بدأ يضيق بالنتائج السلبية والخسائر الجسيمة للاحتلال، ويطالبها بسحب الجنود الأمريكيين من العراق، وذلك في نطاق التظاهرات الشعبية التي ترفض الحرب.
ولكن الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته لا يزالان يتحدثان عن النصر القادم الذي سيؤدي ـ حسب تعبير رايس ـ إلى شرق أوسط أفضل، وإلى أمن أوسع لأمريكا، وهي تواصل الحرب على ما تسميه الإرهاب، في الوقت الذي يعرف الجميع أن هذه التصريحات تمثل الأساليب التخديرية التي يراد من خلالها تخدير الشعب الأمريكي، والإبقاء في مخيّلته على صورة الدولة الأعظم التي تملك تغيير العالم بخططها السياسية والاقتصادية، ولكن من دون أن تنجح في عملية الخداع هذه، لأنها حوّلت أكثر من بلد في العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلى ساحة للفوضى الأمنية والاهتزاز السياسي، وخلقت لأمريكا أكثر من موقع للتحديات في مواجهة الشعوب التي تحوَّلت إلى قوى كارهة لها بفعل الضغوط القاسية التي تستهدف فيها أوضاع المستضعفين.
سقوط سياسي وأخلاقي للولايات المتحدة:
وقد عبَّر عن هذا السقوط السياسي الأخلاقي لهذه الدولة العظمى في إدارتها الحالية، أحد المسؤولين الأمريكيّين، وهو المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، بريجنسكي، الذي صرّح بأن الرئيس جورج بوش أضعف صدقية الولايات المتحدة في العالم، بالتضحية بالمبادئ الأخلاقية الأمريكية تحت شعار الحرب على الإرهاب. وأضاف: الواقع أنه بدّد صدقيتنا وشرعيتنا، وحتى احترام الآخرين لسلطتنا... وهكذا بدأ العد التنازلي التدريجي للاحتلال بالرغم من إرسال الجنود المحاربين إلى العراق، لأن الاحتلال أصبح مطوَّقاً في الداخل بالمقاومة الرافضة له، وفي الخارج بالأوضاع المحيطة بالعراق التي تمثل التحدي للاحتلال بطريقة وبأخرى، من دون أن تنتج المؤتمرات المنعقدة في العراق أو في دول الجوار أية نتيجة إيجابية، لأنها ـ أي الإدارة الأمريكيَّة ـ تلعب لعبة الابتزاز والضغط على أكثر من دولة في المنطقة، من أجل أن تقودها إلى مساعدتها في استقرار سياستها الاحتلالية، ولكن من دون جدوى.
النّصر الأمريكي لن يتحقَّق:
إنَّ دخول الاحتلال عامه الخامس، يحمل تاريخاً عدوانياً وحشياً ضد الشعب العراقي، إذ حصد، بفعل طريقة المحتلّين في إدارة المسألة الأمنية، عشرات الألوف من الضَّحايا ومن الجرحى، كما سقط الآلاف من جنوده من القتلى والجرحى، وسوف تتحرك هذه الخسائر إلى هزيمة مستقبلية منكرة لن تقتصر على الساحة العراقية، بل قد تمتد إلى المنطقة الرافضة للإدارة الأمريكية في خططها الاستكبارية...
إن العراق كجرح نازف يسقط فيه الشهداء والضحايا، بات ضحية الاحتلال والتكفيريين، وبات مصيره رهن الضياع في المتاهات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، ويبقى الرئيس الأمريكي يلهث وراء نصر لن يتحقق.
إننا ننادي الشعب العراقي، بجميع طوائفه ومذاهبه وأعراقه، أن يقف وقفة العزة والكرامة والحرية والعنفوان، ليرفض الاحتلال كلّه، وذهنية التكفير بكلّ مقدّماتها ونتائجها... وعليه أن يعمل بكل إمكاناته لمواجهة خطر الفتنة المذهبية، فإنها إذا تعاظمت لن تحرق العراق وحده، بل ستتحول إلى نارٍ تحرق الأخضر واليابس في المنطقة كلِّها، دون أن يربح السنّة أو الشيعة، لأن الجميع خاسرون في مناخ انفعالي ملتهب يسقط فيه الهيكل على رؤوس الجميع.
فلسطين: حكومة الوحدة صدمةٌ للعدوّ:
وفي المشهد الفلسطيني، انطلقت حكومة الوحدة الفلسطينية بعد مخاض عسير، وتعقيدات سياسية صعبة، متحرِّكةً على أساس التنوّع، في سبيل التحضير لمستقبل متوازن يلتقي فيه الفلسطينيون على إدارة حياتهم بطريقة التكامل والتعاون والتّواصل، من أجل حماية الدَّاخل من الأوضاع القلقة التي عاشوا فيها في قتال متخلّف من خلال السلبيات الحزبية التي تحبس الناس في زوايا مغلقة وفي عصبيَّات ضيّقة، وذلك فضلاً عن تدخل المخابرات الصهيونية التي تستغل بعض نقاط الضعف لإثارة التقاتل بينهم. ولذلك، فقد كان النجاح في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية صدمةً للعدوّ، على الرَّغم من بعض السلبيات المحيطة بها، حيث يستفيد العدو من عدم اعتراف اللّجنة الرباعية الدولية بها وعدم التعامل معها إلا بعد تلبية الفلسطينيين شروطها التعجيزية التي تتطلّب الاعتراف بإسرائيل من دون اعتراف منها بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا القبول بالدولة الفلسطينية التي لا تزال حدودها غامضة حتى الآن، إضافة إلى إيقاف المقاومة للاحتلال من دون الطلب من إسرائيل ـ دولياً ـ إزالة الاحتلال إلا بشروطها المهينة التي تصادر فيها أكثر الأراضي الفلسطينية. وهكذا أعلنت إسرائيل رفض الاعتراف بهذه الحكومة والتعامل معها، ودعت الدول إلى الوقوف معها. أمَّا أمريكا، فإنَّها تقف موقفاً ضبابياً منها، مع تأكيد عدم تعاونها مع ممثلي حركة حماس، بالرغم من حصولهم على ثقة الشعب الفلسطيني في الانتخابات الديمقراطية، لأن أمريكا لا تزال تجد في هذه الحركة وأمثالها من فصائل المقاومة، حركات إرهابية، لأنهم يجاهدون ضد الاحتلال لتحرير بلدهم الذي ترى أمريكا الحق لإسرائيل في احتلاله واجتياحه تحت عنوان الدفاع عن النفس ـ بحسب تعبير الرئيس بوش ـ بالرغم من كلِّ الإرهاب الوحشي المتمثل في عدوان الجيش الصهيوني على الشعب الفلسطيني كله اغتيالاً وتدميراً وقصفاً وحصاراً واعتقالاً واجتياحاً لقراه الآمنة ومخيماته البائسة...
المطلوب موقف عربي وإسلامي لدعم الفلسطينيين:
ومن المضحك المبكي، أنَّ رايس علَّقت على تصريح رئيس الحكومة الفلسطينية ببقاء المقاومة ضد الاحتلال، بأنها لا تفهمه، وتريد جواباً عنه، لأنها لا تجد حقاً للفلسطينيين في مقاومة الاحتلال...
ويبقى الاتّحاد الأوروبي في موقف محيّر، بين دول تنفتح على هذه الحكومة، ودول تتحفَّظ في علاقاتها معها، تحت تأثير التبعية للسياسة الأمريكية الضاغطة... ويبقى للدول العربية والإسلامية أن تقف وقفةً مسؤولة مع الشعب الفلسطيني في حكومة الوحدة الوطنية، وأن تساعده مالياً وسياسياً وأمنياً، لأن ذلك هو الذي يمنح هذه الدول صدقية الصفة العربية والإسلامية، ويجعلها محلَّ احترام العالم لها، وخصوصاً أنَّ الواقع العربي ينتظر القمَّة العربية في الرياض التي تتطلَّع الشعوب العربية إليها لتكون قمَّة العنفوان في حركة الحرية والصمود والانفتاح على قضايا الأمة، ونخشى أن تكون قمة التنازلات التي تدعو إليها أمريكا وإسرائيل، مما اعتاد العرب أن يقدموه للدولة الصهيونية في مراحل سابقة... إن الجميع الآن أمام التحدي الكبير في مستقبل الأمة، فإمّا أن يرتفعوا إلى مستوى القمة، وإمّا أن ينحدروا إلى مستوى الحضيض.
اتهامات باطلة لإيران حول المشروع النووي:
وتبقى العقوبات على إيران في مجلس الأمن تنطلق من خلال اتهامات باطلة، بحجة أنها تخطط لصنع السلاح الذري، في الوقت الذي تؤكد الجمهورية الإسلامية سياسياً وشرعياً أن مشروعها ينطلق من قاعدة سلمية، ولا ندري هل يسمع المجتمعون في الأمم المتحدة دفاع الرئيس الإيراني عن حقِّ بلاده في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وهل يدرسون الأمور بعقلية متوازنة، أم أنهم يريدون منع أية دولة إسلامية من الحصول على الخبرة العلمية النووية من أجل تطوير اقتصادها على جميع المستويات، انطلاقاً من الحقد الاستكباري على الإسلام والمسلمين.
لبنان بين التجاذب الدولي والإقليمي والمصالح الذاتية:
أما لبنان، فلا يزال التجاذب الدولي والإقليمي يفرض نفسه على الواقع المحلّي الذي تتقاذفه الحزبيات والشخصانيّات والطائفيّات والمذهبيّات، لتحجب عن الشعب وضوح الرؤية للواقع السياسي والاقتصادي والأمني، الذي يتخبط فيه الناس من خلال المتاهات التي يخطط لها أكثر من فريق ممّن يعيشون الوصايات الجديدة، والدخول في لعبة صراعات المنطقة في مشاريع المحاور الدولية التي يستهدف بعضها تقوية نفوذه في لبنان، امتداداً لتاريخ النفوذ في الماضي، ويستهدف بعضها الآخر تحريك لبنان كساحة لأكثر من لعبة في مشاريعه لخدمة مصالحه، ولممارسة ضغوطه على أكثر من دولة في المنطقة، حتى الحوار الذي أراد له المخلصون من اللبنانيين النجاح ليخفِّف عنهم هول المأساة، اندفع السائرون في خطة تعقيد الحلول وإضاعة معالم الطريق من أجل أن يعقّدوه، من خلال تصريح هنا وحركة هناك، وتحليل سياسي في موقع آخر...
إن مشكلة الفرقاء السياسيين الذين يبحثون عن طموحاتهم الشخصية وأطماعهم الفئوية، أنهم يلعبون في ملاعب الكرة ليتقاذفوا كرة الوطن بأقدامهم، ليسجِّل بعضهم على بعض هدفاً لمصلحة الذات أو الحزب أو الطائفة، لا لمصلحة الوطن الذي أصبح يعاني اليتم السياسي والاقتصادي والأمني عندما فقد الأب الروحي الإنساني الذي يرعى أبناءه وينقذهم من السقوط في متاهات الضياع.