ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
في الفلاح نماء للنفس والحياة
تنطلق في كل أذان وإقامة كلمة: "حيّ على الفلاح". هذه الكلمة التي تمثل خطاب الإنسان لنفسه: أيها الإنسان، يا عبد الله، أقبل على ما فيه فلاح نفسك في علاقتك بالله، وفي علاقتك بنفسك وبالإنسان الآخر، وفي علاقتك بالحياة. كن الإنسان الذي ينظر إلى داخل نفسه ليربّيها وينمّيها ويقوّيها على تحقيق كلّ النجاحات الفكرية، حتى لا ينتج عقلك إلا ما ينفع الناس، وحتى لا تأخذ من العلم إلا ما يحقِّق للحياة قوَّتها ونموّها وسلامها وعزتها، واعمل على تربية قلبك في كل خفقاته ونبضاته، بحيث لا يتحرك في الحبّ إلا لمن يحبّه الله، ولمن يحبّ الناس ويحبّ للحياة أن تكبر وتقوى.
وطلب الفلاح يكون في كل نشاط الإنسان؛ في كل كلماته فلا يقول إلا حقاً وخيراً، وفي كل أعماله فلا يتحرك إلاّ بالخير والحق. وقبل ذلك وبعده، لا بد للإنسان من أن يطلب الفلاح في علاقته بالله تعالى، فتكون هذه العلاقة علاقة العبد الخاشع لربه والمنفتح على مواقع رضاه، والسائر في خط التقوى، والمبتعد عن كل اللغو، والمنفتح على حالة العطاء، والمتحرك في شهواته الجنسية بمنع نفسه عن كل محرّم، كالزنا واللواط والسحاق، وكل ما حرّمه الله من شهوات، ليقتصر على العلاقة الزوجية فلا يتجاوزها إلى غيرها.
سمات المفلحين
وقد ورد في القرآن الكريم حديث متكرر ومتنوّع عن الفلاح، ففي سورة "المؤمنون"، يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ـ هؤلاء الذين عاشوا الإيمان بالله في عقولهم، فأصبحوا في حركة العقل ينطلقون من الإيمان به في وحدانيته وربوبيته وألوهيته والعبودية لـه، وفي هيمنته على الأمر كله، وفي قاهريته وجبروته ورحمته، وفي كل ما يتصف به من صفات الكمال والجلال ـ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ـ الذين يتمثّلون، عندما يصلّون، عظمة الله في كل معاني العظمة، ونعمة الله في كل امتداد النعمة، ما يجعلهم يشعرون أن وجودهم مرتبط بوجوده، وأن حياتهم خاضعة في أسرارها لإرادته، فيخشعون في صلاتهم ـ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ـ فهم لا يتكلمون ولا يستمعون إلا لما ينفعهم وينفع الناس ـ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ـ فهم يعتقدون أن كل ما أعطاهم الله تعالى هو نعمة منه، وعليهم تالياً أن يزكّوا أموالهم، وذلك بأن يقدّموا بعضها للفقراء والمساكين وفي سبيل الله، وأن يعيشوا العطاء كما عاشه أهل البيت(ع) لوجه الله ـ والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ـ فهم لا يتحركون في شهواتهم الجنسية إلا بما أحلّه الله تعالى ـ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ـ من أخذ بأسباب الفاحشة ـ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ـ المنحرفون ـ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ـ فمن أسباب الفلاح أن يراعي الإنسان الأمانة، سواء كانت أمانة السر والعمل والمال، أو أمانة الوطن والأمة، وعلى الإنسان أن يراعي عهده ـ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ـ فلا يهملونها ولا يؤدّونها خارج نطاق أوقاتها، ويحافظون على كل شروطها، هؤلاء إذا فعلوا ذلك، فما هي جائزتهم عند الله؟ ـ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ـ ماذا يرثون؟ المال؟ إن المال يتركونه وراءهم في الدنيا ـ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (المؤمنون:1-11)، وأية وراثة أعظم من هذه الوراثة، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26).
ونقرأ في آية أخرى حديث الله عن فلاح النفس: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ـ من طهّرها ونمّاها وفتح كل آفاقها وأوضاعها على التقوى والخير ـ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس:9-10)، من أبعدها عما ينجيها ويربطها بالله. ونقرأ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (الأعلى:14-15). ونجد أن الله تعالى يقودنا إلى التوبة باعتبار أنها وسيلة من وسائل الفلاح: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31)، ونقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:35).
وجاء عن الإمام عليّ(ع): «من غلب عقله هواه أفلح»، فالإنسان يعيش في داخل شخصيته بعقل يتحرك ليحدّد له ما هو الحسن وما هو القبيح، وهوى يندفع به باتجاه شهواته، وعليه أن يسعى في سبيل أن يغلب عقله هواه، وبذلك يكون مفلحاً. وعن رسول الله(ص) فيما ينسب إليه من حديث: «قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً، ولسانه صادقاً، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة، وأذنه مستمعة، وعينه ناظرة».
حزب الله هم المفلحون
ويبيّن الله تعالى أن هناك فريقين: حزب الشيطان، وهم الذين يتبعون الشيطان في كل خطواته، وحزب الله، وهم الذين يتبعون الله في كل شرائعه وتعاليمه: {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة:22). ويؤكد الله تعالى أن من الفلاح أن يحارب الإنسان البخل في نفسه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن:16).
أما الذين يبتعدون عن خط الفلاح، فهؤلاء الذين لا يفلحون، فمن هم؟ يقول تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ـ الذين ينسبون إلى الله ما لم يقله من آية أو حكم شرعي، أو يكذّبون بآيات الله ـ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام:21)، ويقول تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (المؤمنون:117). ويقول رسول الله(ص): «إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يغلب خيره شرّه، قبّل الشيطان بين عينيه، وقال: هذا وجه لا يفلح». وجاء عن الإمام الصادق(ع): «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زادت، حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً».
فإذا سمعتم كلمة: "حيّ على الفلاح"، تفكروا كيف تركزون حياتكم وأعمالكم وأقوالكم على خط الفلاح لتحصلوا على خير الدنيا والآخرة، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26).
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد؛ موقع الأمة التي تؤكد وجودها في خطوط قوتها وحريتها وعزتها وكرامتها ومواجهتها للاستكبار كله والكفر كله، فإن الله يريد للأمة كلها أن تقاتل صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. فماذا لدينا من خلال واقع التحديات للأمة كلها، من خلال حركة المستكبرين الذين يبغون في الأرض بغير الحق، والذين يظلمون الناس في كل أمورهم وقضاياهم، لنواجههم بكل إيماننا، وكل وسائل القوة التي أعطانا الله إياها.
مجازر أمريكية مروّعة بحقّ العراقيين
في المشهد الأمريكي، يتداول الإعلام حديث المذبحة المروّعة التي ارتكبها جنود المارينـز عندما قُتل أحدهم بانفجار قنبلة، حيث جُنَّ جنون رفاقه، وعلى الفور، توجّهوا بسرعة إلى منـزلين قريبين من مكان الحادث، وأطلقوا الرصاص عشوائياً على أصحابهما وهم نيام، كما أطلقوا النار على أربعة طلاب جامعيين وسائقهم في سيارة أجرة كانت تعبر قربهم بعيد الانفجار، ما أدّى إلى سقوط نحو 24 شخصاً من الأطفال والنساء، في أقل من ساعة.
كما حدثت مؤخراً جريمة أخرى، عندما قتلت القوات الأمريكية امرأتين عراقيتين كانتا في طريقهما إلى مستشفى الولادة في بلدة المعتصم، وكعادتها، برّرت أنّ ذلك حصل بطريق الخطأ، للتغطية على مجازر جنودها في العراق. وقد حاول الجيش الأمريكي التغطية على هذه الجريمة البشعة، لولا أنها انكشفت أخيراً، لتُضاف إلى سلسلة الجرائم الأخرى في سجن أبي غريب، وفي الأحداث الأخرى في قتل المدنيين وقصف السيارات المدنية بين وقت وآخر، وذلك إضافةً إلى ما يحدث في غوانتانامو وغيره من سجون التعذيب الأمريكية المنتشرة في أكثر من مكان في العالم، في الوقت الذي تتحدث أمريكا عن حقوق الإنسان وتصدر التقارير السنوية ضد أكثر من دولة في العالم.
حذار من المخططات الغربية
ومن جانب آخر، فقد لوحظ تطوّر في الموقف الأمريكي بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، بالاعتراف بحق إيران بالمشروع النووي السلمي المدني، واستعدادها ـ والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعها ألمانيا ـ للتفاوض المباشر معها حول هذا المشروع، ولكنها اشترطت لذلك وقف إيران للتخصيب فوراً، مع التهديد بالعقوبات والتشهير بالسياسة الإيرانية في دعم قضايا التحرر بحجة دعمها لما تسمّيه الإرهاب.
ولعل المشكلة في هذا الموضوع، أن هذه الدول تتهم إيران في نيّاتها، في الوقت الذي أعلنت إيران أنها لا تخطط ولا تعمل لإنتاج السلاح النووي، وربما كانت خلفيات كل الموقف الاتهامي أو التشكيك، تتمثّل في أن دول الغرب لا تريد لأية دولة في العالم العربي والإسلامي أن تملك الخبرة العلمية في كل المواقع التي تمنحها القوة في الاختصاصات المميّزة في مختلف العلوم، إلا إذا كانت في خدمة المشاريع الغربية من قِبَل الأدمغة العربية والإسلامية المشتراة من قِبَلها.
وإننا نريد لإيران وللمنطقة كلها أن تحذر من كل المخططات الغربية التي تعمل على إضعاف مواقعنا وإمكانياتنا عن الوصول إلى مستوى الاستقلال العلمي والعملي، من أجل تحرير إرادتنا من الخضوع للآخرين.
ومن جهة أخرى، فإنَّ أمريكا طلبت من إسرائيل أن تقوم بتدريب جنودها في العراق على القتل المستهدف للأفراد والجماعات، من خلال خبرتها في فلسطين ضد الانتفاضة وأفراد الشعب الفلسطيني، وقد قامت إسرائيل بهذا الدور، إضافةً إلى التخطيط والتنسيق مع الجيش الأمريكي والاستخبارات الأمريكية في احتلال العراق، الأمر الذي يجعل الاحتلال الأمريكي والبريطاني احتلالاً إسرائيلياً في شكل غير مباشر.
صمت دولي على المجازر الصهيونية في فلسطين
وفي ضوء هذا، لا تزال أمريكا تعمل على دعم المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، في القصف الدائم على الضفة وغزة، والغارات الجوية على المدن الفلسطينية، إضافةً إلى عمليات الاعتقال المستمرة للشباب الفلسطيني، تحت سمع العالم وبصره، الذي يتفرّج على ذلك من دون أن يصدر أيّ تعليق، ولاسيما الغرب الأمريكي والأوروبي كله، وكأنهم تسالموا ـ ومعهم العرب في أنظمتهم ـ على ترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره أمام القتل اليومي والتجويع والحصار الاقتصادي، بحجة حكومته المتَّهمة بالإرهاب، وهي المنتخَبة من الشعب في انتخابات تعتبر الأكثر نزاهةً بشهادة العالم.
وإننا نستغرب ـ في ظل هذه الوحشية الإسرائيلية ـ الصمت الدولي والعربي والإسلامي، مع المطالبة الحكومة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل من دون قيد أو شرط كشرط للاعتراف بها، من دون تقديم أية ضمانات للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في انسحاب الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.
ومن ناحية أخرى، فإنّنا نتوجّه إلى السلطة والحكومة الفلسطينية أن تأخذ بأسباب التفاهم الذي يقود إلى الوحدة، والحذر من ألاعيب الصهيونية واستخباراتها، والضغوط العربية التي تخطِّط للحرب الأهلية التي تمنح العدو نصراً مجانياً في السلم، بما لم يستطع الحصول عليه في الحرب.
تبريرات بعض السياسيين للاعتداءات الإسرائيلية!
أما في لبنان، فقد أعلنت إسرائيل حرباً عليه، في محاولة جديدة مكشوفة وواضحة المعالم للدخول على الخط الداخلي لتوتير الوضع الأمني، ولخلق مناخات سياسية متناقضة على صعيد الانقسام السياسي الذي يربك الوحدة الوطنية. وقد بدأت المسألة في استهداف الاستخبارات الصهيونية لقيادي لبناني في حركة الجهاد الإسلامي واغتياله مع شقيقه في صيدا.
ولعلَّ الذي يبعث على الاستغراب، أنَّ الدول الغربية ـ وخصوصاً أمريكا وفرنسا وبريطانيا ـ التي تتحدث دائماً عن عمل الاستخبارات السورية في لبنان، لم تحرك ساكناً أمام هذا العمل الإجرامي الذي قامت به إسرائيل، ولم تدعُ إلى كفِّ يد الموساد عن لبنان وعدم التدخّل في شؤونه، فضلاً عن أنها لم تستنكر عملية الاغتيال هذه، لأنها ترى لإسرائيل الحق في حرية حركة استخباراتها في لبنان وفي العالم العربي كله. وهكذا، انفجر الوضع الأمني بفعل القصف الصاروخي المجهول الذي أصاب العدو الذي حاول أن يستهدف المدنيين اللبنانيين، الأمر الذي فرض على المقاومة الرد عليه بعنف في أكثر المواقع العسكرية حيويةً في العمق، ما أجبره على الخضوع لوقف إطلاق النار.
ومن اللافت أن الجوقة السياسية اللبنانية المضادة للمقاومة، والمطالِبة بنزع سلاحها، انطلقت في تعليقاتها لتبرير القصف الإسرائيلي على لبنان باعتباره دفاعاً عن النفس ضد القصف على مواقعه العدوانية، لأن خلفية الكثير من التصريحات هي رفض التعرّض لإسرائيل في عدوانها على لبنان، وعدم استنكار الجولات الإسرائيلية اليومية للطيران المعادي في سمائه، وكأنه لا يسيء إلى السيادة والاستقلال، لأن منطق هؤلاء يرى أن المشكلة في لبنان عربية وليست إسرائيلية. وقد كان تهديد رئيس حكومة العدو بتوجيه ضربة موجعة إلى لبنان رسالة إلى الداخل اللبناني والحوار الداخلي الذي لم يملك أحد أن يأتي خلاله بالبديل عن استراتيجية الدفاع التي تقدّمت بها المقاومة لحماية لبنان.
المقاومة حصانةٌ من الفتنة
إننا نريد للبنان الذي ينطلق في هشاشة سياسية في كثير من المواقف، والذي تهزمه الأزمات القضائية في لعبة المحاصصة الجديدة، أن يُطلُّ على لبنان المؤسسات من خلال المواطنة التي تُحترم فيها الكفاءات ولا تسقط فيها الأسماء الكفوءة لمصلحة الحسابات الشخصية والطائفية أو الوصاية الأجنبية. فلبنان الذي هزم إسرائيل من خلال مؤسسة المقاومة، يمكن أن يهزم الفوضى والجهل والأزمات الاقتصادية، بإعادة الاعتبار إلى ذهنية المؤسسة على حساب ذهنية الأزلام والأصحاب، وبعيداً عن إدارة الأمور بطريقة طائفية ومذهبية، كما يحصل هذه الأيام.
إن علينا أن ننظر إلى ما يجري من حولنا في المنطقة، لنأخذ العبرة منه، ولنمنع الآخرين من اختراق جسمنا الداخلي، لأن ما يجري في العراق في المذابح التي تصل فيها أعداد الضحايا إلى ما يتجاوز الخمسين يومياً، إنما يحدث في ظل الاحتلال الأمريكي، وكذلك الأمر فيما يجري في أفغانستان، وإن الذي منع لبنان من أن يصبح فريسة للفوضى في المنطقة، هو ما قامت به المقاومة من تحرير الأرض وعقلنة المنطق في الخط السياسي.
مصادرة الاحتلال الأمريكي للعراق
وإننا إذ نقف أمام الاحتلال الأمريكي في العراق، الذي يزرع الفوضى في أمنه واقتصاده وسياسته، ويمنع شعبه من الأخذ بأسباب الوحدة من خلال ذهنية المحاصصة الطائفية التي تعيق تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإننا نحذّر الشعب العراقي من الاستراتيجية الأمريكية في إدارة الشأن السياسي العراقي، وخصوصاً من خلال التدخُّل الخفيّ والمفضوح من السفير الأمريكي في بغداد، ومن استراتيجية التحالف بين الموساد والاستخبارات المركزية الأمريكية، ونريد لـه أن يأخذ بالخطوط الإسلامية التي يعتصم من خلالها بحبل الله، وأن يحافظ على ثروة العراق وأن يرفض كل الذين يريدون نهبها لمصالح شخصية أو فئوية، لأن مستقبل العراق يكمن في المحافظة الشاملة على اقتصاده وأمنه. وليعلم الجميع أن كل سرقة للثروات العامة الموجودة في داخل الأرض وعلى سطحها، حرام في مستوى الكبيرة والجريمة. فاتقوا الله في عباده وبلاده، فإنه سيسألكم عن ذلك كله، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء:88-89). |