الدعوة بالحكمة والقول الحسن:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل/125)، ويقول سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}(الإسراء/53)، وهناك أكثر من آية في القرآن الكريم، تؤكد على أنَّ الإنسان اختيار الأحسن في الكلمة والحوار وحلّ المشاكل، وفي التحرك في كل قضايا الواقع في ساحات الصراع، وفي كل مواقع العلاقة مع الإنسان الآخر.
فإذا كنت صاحب رأي، سواء كان هذا الرأي رأياً دينياً تلتزم فيه الإسلام بصفتك مسلماً، أو بصفتك داعيةً إسلامياً، وأردت أن تجذب الآخرين إلى دينك، فعليك أن تدرس الفكرة التي تريد أن تقدِّمها إلى الآخر، والأسلوب الذي تتبعه معه؛ بأن تكون كلماتك كلمات تفتح عقله وقلبه وشعوره، حتى يقتنع بما تريد له أن يلتزمه.
ولذا نجد أنَّ الآية الأولى تتحدث عن الحكمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ـ والحكمة هي وضع الشيء في موضعه؛ الكلمة المناسبة للشخص المناسب وفي المناخ المناسب، بحيث تدرس الشخص الذي تريد أن تحدثه، في طريقة تفكيره، وظروفه النفسية والاجتماعية، ثم تُطلق له الفكرة متناسبةً مع كلِّ ظروفه وأوضاعه، بحيث لا تثير لديه أية مشكلة أو عقدة ـ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ـ أن تكون الإنسان الذي يطلق الموعظة الَّتي تفتح القلب على الفكرة وصاحبها، وإذا كان هذا الإنسان يرى رأياً يختلف عن رأيك، وأراد أن يجادلك فيه، فحاول أن تجادله وتحاوره بالأسلوب الأحسن؛ لا تشتمه، ولا تعطه التصريح بالخطأ ـ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، قل لـه: إن لديَّ فكراً يختلف عن فكرك، فتعالً نتحاور بالأسلوب الهادئ الموضوعي، ونترافق في رحلة البحث عن الحقيقة الضائعة بيننا.
وهذا ما علّمنا الله تعالى إيَّاه في كتابه، عندما أراد لنبيّه(ص) أن يخوض الجدال مع الكافرين، ونحن نعرف أن النبي(ص) هو نبي الحق، ومع ذلك كان أسلوبه مع المشركين والكافرين أسلوباً يحترم إنسانيتهم، فنحن نقرأ في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(سـبأ/24). فهل كان النبي شاكّاً وهو الذي جاء بالصدق وصدّق به؟! بالطبع لا، لكن عندما يعطي الآخر هذا الجانب من الاطمئنان، يمكن حينها أن يجتذبه ليكون الحوار رحلةً في اكتشاف ميدان الحقيقة، وهذه هي الحكمة والجدال بالتي هي أحسن؛ أن تحترم الطرف الآخر، فلا تقهره أو تسبّه أو تشتمه.
وقد وجّه الله تعالى المسلمين حول كيفية مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ فعندما تتحاور مع أحد منهم، فليكن ذلك بالكلمة الرقيقة الطيبة التي تنفذ إلى عقله وقلبه لتجذبه إليك بهذه الطريقة الطيبة. يقول تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ بالطريقة الأحسن والكلمة الأحسن ـ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ـ هؤلاء الذين ويريدون قمعك ولا يرضون بالحوار معك، كقضيتنا الآن مع إسرائيل ـ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت/46)، تحدث بالأسلوب الّذي يوحي للآخرين بأنَّ هناك قاسماً مشتركاً بينك وبينهم، وهذا ما تمثّله الآية الأخرى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ـ فنحن وإيَّاكم نلتقي على مبدأ عبادة الله، وإن اختلفنا في التّفاصيل ـ وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}(آل عمران/64)، المهمّ أن يكون بحثك عن مواقع اللقاء مع الآخر قبل أن تدخل في مواقع الخلاف معه.
وهذا الأسلوب هو الذي يجب أن يتحرك في العلاقات الإنسانية؛ في علاقة الزوج مع زوجته وبنيه، أو الزوجة مع زوجها وأولادها، أو عند التحدث مع الأقرباء والجيران، أو مع الناس الذين تتعامل معهم ويتعاملون معك، أو عندما تنفتح على الواقع السياسي والاجتماعي، فهناك منهج إسلامي في إطلاق الكلمة للآخر، بأن تختار الكلمة الأحسن: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ الكلمة التي تجمع ولا تفرّق ولا تخلق المشكلة ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ـ يدخل في "عبّ" الكلمة، ويسعى إلى أن يصنع من خلالها بعد أن يكتشف بعض السلبيات فيها. لذلك، اختر الكلمة التي لا تسمح للشيطان أن يدخل من خلالها ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}(الإسراء/53).
درء السيّئة بالحسنة:
ونلاحظ أن القرآن الكريم يركّز على كيفية حل المشاكل فيما بيننا، فهناك طريقة العنف، وهناك طريقة اللّين، والله تعالى يقول: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ـ وهي أسلوب الرفق ـ وَلا السَّيِّئَةُ ـ وهي أسلوب العنف والقسوة ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ ادفع المشكلة بالطريقة الأفضل ـ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ـ اختر الطريقة التي تحوّل فيها عدوّك إلى صديق، ولا تختر الطريقة التي تحوّل فيها صديقك إلى عدوّ، وهذه المسألة تحتاج إلى وعي وعقل ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ـ أن تصبر على سلبيات العلاقة بينك وبين الآخر ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(فصلت/34-35).
إن الله تعالى يريد لنا في حياتنا السياسية والاجتماعية، أو في تنوّعاتنا الطائفية والمذهبية، أن لا ندير العلاقات بطريقة تربك المجتمع وتثير المشاكل في كل أوضاعه. وعلى ضوء هذا، علينا أن نربّي أنفسنا وأولادنا في الخلافات المذهبية أو الطائفية على احترام الآخر. نحن لدينا خلافات كمسلمين، مثلاً، بين السنّة والشيعة حول مَن هو الخليفة الحق، وهناك أسلوبان للتعامل مع هذه المسألة: أسلوب النقاش، ليطرح كل طرف حجته، فإما أن نقنّع بعضنا بعضاً، أو على الأقل نتفاهم فيما بيننا، وهناك أسلوب اللعن والسبّ، وهو الأسلوب الذي يؤدي بنا إلى أن يكفّر بعضنا بعضاً. وهذا ما حذّر منه النبي (ص) في حجة الوداع، حيث قال: «لا ترجعوا من بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». ونقرأ في القرآن الكريم: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}(الأنعام/108). ونقرأ في كلمة الإمام عليّ (ع)، وكان سائراً إلى حرب معاوية لأنه تمرد على الشرعية، وقد سمع بعض أصحابه يسبون أهل الشام، فوقف وقال: «إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، ليعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به». هذا هو أسلوب الإمام عليّ (ع) وهو صاحب الحق، أما نحن الآن، فإننا أدخلنا العصبية المذهبية حتى في المسائل الرياضية، فإذا سجَّل فريق هدفاً في مرمى فريق آخر، ينطلق هذا ليصيح: «ما في ولي إلا علي»، ويصيح الآخر: «ما في ولي إلا عمر»!!
ومع الأسف، فإنّ كثيراً من رجال السياسة يشجّعون هذا الأسلوب ليلتفّ الناس حولـهم، وبالتالي يعيش البلد في حالة طوارئ. لذلك لا بد من أن نتعلّم أن يحترم بعضنا بعضاً، وأن لا يخاف بعضنا من بعض، والشيطان الذي ينزغ بيننا ليس فقط إبليس، فهناك الشيطان الأمريكي الذي يحاول أن يستفيد من كل خلافاتنا وأوضاعنا القلقة، ولا سيما أمام هذه المشاكل التي عشناها، سواء في التظاهرات التي انطلقت للاحتجاج على الصور المسيئة للرسول(ص)، أو في التظاهرات الأخرى. علينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على أن نبتعد عن الأساليب السلبية التي تخوّف بعضنا من بعض، والتي تخلق لنا المشاكل.
إن الله تعالى يقول عن المؤمنين: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}(الرعد/22)، والله يريدنا أن نعمل على أساس أن نحرّك القول والجدال والدفع بالتي هي أحسن، ذلك هو منهج القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال/24)، والإسلام دعوة إلى الحياة، الحياة الطيبة الحرة الكريمة المسالمة المتعاونة الخيّرة.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وكونوا في مواجهة المستكبرين والكافرين صفاً واحداً كأنكم بنيان مرصوص، وواجهوا الاستكبار كله والكفر كله من موقع واحد وموقف واحد، باعتباركم الأمة الواحدة الكريمة التي يريدها الله أن تكون الأمة القائدة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران/104)، وأن تواجه كل المشاكل والتحديات التي يثيرها المستكبرون ضدّها. فتعالوا لنعرف ماذا هناك؟!
العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني:
في المشهد الفلسطيني، تبقى الاعتداءات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، اغتيالاً واعتقالاً وقصفاً وتدميراً، في عملية إنتاج مستمر للعدوان الصهيوني الذي بدأ في حزيران الـ67، الذي اجتاحت فيه قوى هذا العدوان فلسطين كلها، بما في ذلك القدس، في مؤامرة غربية تقودها أمريكا وتؤيّدها أوروبا، وسقطت تحت تأثيرها كلُّ عناصر الضعف العربي والهزيمة الإسلامية، من خلال الأنظمة الخاضعة للنفوذ الأمريكي، في عملية المصالحة مع العدو، وإرباك المسألة الفلسطينية بالضغط على الانتفاضة من جهة، والتخطيط من جهة ثانية لتصفية القضية بالتنسيق مع الخطة الأمريكية ـ الأوروبية ـ الدولية، تحت عنوان "خطة الطريق" التي فرضت فيها إسرائيل شروطها، ووافق عليها الرئيس الأمريكي الذي ما زال يتحدث ـ نفاقاً وخداعاً ـ عن دولة فلسطينية، مع التزامه بمنع الفلسطينيين من حقّ العودة، وإبقاء المستوطنات الكبرى في القدس والضفة، وتحويل القضية من حالة سياسية إلى حالة أمنية، من أجل تعطيل أيّ حلّ في المفاوضات، إلا إذا امتنع الفلسطينيون عن المقاومة من دون قيد أو شرط، لترى إسرائيل بعد ذلك رأيها في الخطة التي تحوّل الدولة الفلسطينية إلى مزق متناثرة لا مكان فيها للقدس ولا لحق العودة، مع إلحاق المستوطنات والجدار العنصري بالدولة المحتلة.
الضغوط على المقاومة في فلسطين!!
وهكذا، تدخَّل العالم كلّه ـ وفي مقدّمته العالم العربي ـ للضغط على المقاومة وعلى الحكومة المنتَخَبة في فلسطين، لإجبارها على الاعتراف بإسرائيل من دون قيد أو شرط، من دون ممارسة أيّ ضغط عليها في المقابل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بالتهديد بالحصار الاقتصادي الخانق، ثم لم تلبث السلطة في فلسطين أن دخلت على هذا الخط، لإسقاط الحكومة تحت تأثير المداخلات الأمريكية والعربية، في لعبة خبيثة تهدد الداخل الفلسطيني بالفوضى والفتنة، وما تزال الأوضاع القلقة تشغل الفلسطينيين بمشاكلهم الداخلية، في الوقت الذي يخطط العدو لمحاصرة القضية من جميع الجهات، لتسقط في متاهات الوضع السياسي والدولي بالضربة القاضية.
إننا نتساءل: ما هي المصلحة الفلسطينية في إيصال الوضع الفلسطيني إلى هذا المستوى من التصعيد والاحتقان باسم استفتاء لا يمكن أن يأخذ الصفة الشرعية، خصوصاً وأن الخطة تقوم على حشر الشعب الفلسطيني في الزاوية السياسية الصعبة، وفي التوقيت غير الدقيق، لدفعه إلى التنازل عن حقوقه المشروعة من دون الحصول على أيّ ثمن؟! إن المطلوب ـ أمريكيا ودولياً ـ أن تبقى فلسطين إسرائيلية يهودية، ويبقى للعرب بعض فتات المائدة السياسية في دولة الأشباح المتناثرة التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.
القرارات الدولية نتاج الضَّعف العربي:
ومن الطَّريف، أنَّ العرب لا يزالون يتحدَّثون عن المبادرة العربية في قمَّة بيروت التي رفضتها إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ بالمطلق، ورفضت معها الاعتراف بالحقوق العربية، على الرغم من استعداد العرب للاعتراف بها بشكل جماعي، وذلك على وقع الهزيمة العربية السياسية والأمنية، نتيجة حالة الضعف والتردي التي تحيط بهم، في خضوع للقرارات الدولية التي أُريد لها أن تمنع الواقع العربي من امتلاك أية قوة ضد العدوان الإسرائيلي الحالي والمستقبلي، وهذا هو ما يتحرك به الوضع اللبناني في القرار 1559 الذي كان قراراً إسرائيلياً، ثم تحوّل إلى قرار أمريكي أوروبي، ليصل إلى مستوى القرار الدولي، لأن الخطة هي أن لا تبقى في لبنان قوة للممانعة في المستقبل ضد العدوان، ولا سيما بعد الهزيمة التي أنزلتها المقاومة بإسرائيل. وهذا ما يتحرك به النادي السياسي الأكثري في مواجهة سلاح المقاومة، لأنهم لا يريدون للبنان أن يكون قوياً في مواجهة العدو باسم قوة الدولة التي لا تملك أية عناصر للقوة، ولكنها الوصاية الأمريكية التي تتحرك على هامشها الوصاية الأوروبية الداعمة لإسرائيل دون قيد أو شرط، ما جعلها تمنع أيّ ضغط عليها لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة...
ذكرى حزيران: الحفاظ على عناصر القوة:
إننا أمام ذكرى الخامس من حزيران وتوابعه العدوانية في اجتياحات إسرائيل للبنان في السبعينات والثمانينات وما بعدها، لا بد لنا من أن نتطلّع إلى المستقبل من أجل الحفاظ على عناصر القوة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، لأن المشكلة، هي أن الخطة الأمريكية تقضي بأن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة كلها، ولذلك لم يتحرك الواقع الدولي كله ضد امتلاكها السلاح النووي، في الوقت الذي تنطلق الضغوط الدولية ضد إيران في مشروعها النووي السلمي، حذراً من امتلاكها إلى الخبرة العلمية النووية التي قد تمكّنها من صنع السلاح النووي، مع تأكيد إيران أنها لا تخطط لذلك، ولا ندري ما هي الخطة الجديدة التي تقدم فيها أمريكا التنازلات لإيران، ولكن بشروط معينة، وإيجاد مناخ جديد للمفاوضات، والسؤال: هل هو فخ جديد في اللعبة الدولية أو ماذا؟
إن علينا في هذا المناخ الذي تواجه فيه إيران العالم المستكبر بروح التحدي، أن نستذكر دائماً المواقف الصلبة والقوية للإمام الخميني ـ ونحن في أجواء ذكرى رحيله ـ هذه المواقف التي أطلقت الثورة، وصنعت الدولة بروحية الامتداد في مواجهة الظالمين، والثبات في وجه طغاة العالم وناهبي ثروات الشعوب، لأن هذه الروحية هي التي من شأنها أن تقود الأمة إلى الصمود والنصر في نهاية المطاف.
الشيعة روَّاد مقاومة الاحتلال:
ويبقى العراق الذي لا يزال يتخبّط في الخلافات السياسية الداخلية، من خلال المحاصصة الطائفية والعرقية، إضافةً إلى المجازر الوحشية التي يقوم بها التكفيريون الذين يستهدفون المدنيين من أطفال ونساء وعمّال وطلاب أبرياء، بذهنية طائفية تكفيرية، أباحت ـ ولا تزال ـ قتل المسلمين تحت عناوين الكفر والارتداد التي لا يمكن أن يقبل بها مسلم يعرف الإسلام حق معرفته، ولا يقرّها عاقل أو صاحب ضمير.
إننا في الوقت الذي نؤكد خطورة هذه الذهنية التكفيرية التي عملت ولا تزال تعمل على استحلال دماء المسلمين، وبث روح الفرقة بينهم، نؤكد أن المسلمين الشيعة من أتباع أئمة أهل البيت(ع)، لا يمكن أن يكونوا مع الاحتلال، ولن يسمحوا لحركة الاحتلال أن تمتد في واقع المسلمين والعرب، وسيظلون الصوت الذي يرتفع ـ إلى جانب إخوانهم من المسلمين والعرب ـ ضد الاحتلال الأمريكي في العراق، والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ليكونوا مع كل مقاومة شريفة، وضد كل المجرمين الذين استحلوا دماء الأبرياء والمستضعفين والمؤمنين.
إننا ندعو العراقيين إلى الانتباه والحذر من هؤلاء التكفيريين، ومن المحتلين الذين يقتلون الأبرياء من المدنيين، ثم يحكمون ببراءة جنودهم من هذه الجرائم الوحشية. كما ندعوهم إلى تأكيد وحدتهم الوطنية والتمسك بها، والتخطيط لانسحاب الاحتلال، لأنه سرّ كل مشاكل العراق، وكل الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية والخدماتية من خلال تخطيطه للبقاء طويلاً.
المواطنة مفتاح الحل في لبنان:
ونبقى في لبنان، الذي ينتقل من هزة طائفية إلى زلزال مذهبي إلى تعقيد سياسي، وإلى التراشق بالاتهامات والتصريحات العنيفة التي تتحرك بالتخوين من هنا وهناك. إننا نقول لمواطنينا جميعاً: إن المواطنة التي تنفتح على إنسانية المواطن في البلد، هي التي تفتح عقله وقلبه وحياته على بناء المستقبل، وتدرس مشاكله الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية بعيداً عن الطائفية والحزبية والفئوية، فقد عاش البلد في مناخه الطائفي، فزاد الفقر فيه، وشلت المديونية اقتصاده، وتحوّل المفسدون والفاسدون والهادرون إلى قيادات تتحدث عن الإصلاح والنـزاهة، ولكن بوجوه جديدة مستعارة، تصنع المشكلة للمواطن باسم أنها تصنع الحلّ، وتخطط للهدم باسم البناء.
ويبقى للجيل الجديد الذي عانى الألم والحرمان والتهجير والتقديس لمن لا قداسة لهم، واللهاث وراء الذين يصنعون مشكلته، أن يفكر في صنع لبنان الغد بذهنية منفتحة على الحق والخير والجمال والحرية والاستقلال، من دون أقنعة مستعارة. |