ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
بعد يومين نلتقي بذكرى ولادة الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، ونحن عندما نلتقي بأئمة أهل البيت(ع) في كل مناسبات الذكرى، فلأننا نريد أن يعيشوا معنا، لا نريد أن نزورهم في التاريخ لنعتبرهم من شخصيات التاريخ التي طواها الزمن، لأن إمامتهم تمثّل الحضور الدائم في مدى الحياة، وتمثل إمامة الإسلام، لأن الإسلام لا يبلى ولا يتغيّر ما دام هناك إنسان يعيش على الأرض، وما دامت هناك حياة تحتاج إلى فكر الإسلام وتشريعه ومنهجه.
إمام لكل زمان
ولذلك، فإن علينا أن نعيش مع الإمام الرضا(ع) في كلماته التي كان يحدّث الناس بها، لأنها كلمات العقيدة والمفاهيم الإسلامية التي تصلح لكل زمان ومكان. ومما يروى عنه أنه في سفره إلى "خراسان" اجتمع الناس إليه في بعض مراحل الطريق، وفيهم الكثير من الرواة الذين كانوا ينقلون الأحاديث عن رسول الله(ص) من خلال ذريته والثقاة من الرواة، فقالوا له: حدّثنا يابن رسول الله، فبدأ حديثه على الطريقة المعروفة في الروايات: "حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدثني رسول الله(ص) عن جبرائيل عن الله - وقال بعض أئمة المذاهب: إن هذا الإسناد لو أُلقي على مجنون لأفاق، لما تحويه هذه الأسماء من سموّ القيمة وعظمة العقل وصفاء الروح - قال: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي"، فالله تعالى يؤكد في هذه الكلمة أن التوحيد هو الأساس في حركة العباد، أن يعملوا ما أمرهم به، وأن يتركوا ما نهاهم عنه.
إن معنى التوحيد هو أن توحّد الله في العقيدة فلا إله غيره، وأن توحّد الله في العبادة فلا معبود غيره، وأن توحّد الله في الطاعة فلا طاعة لغيره، حتى أننا عندما نطيع رسول الله (ص) فإنما نطيعه لأنه رسول الله، "من أطاع الرسول فقد أطاع الله"، والله تعالى أمرنا بأن نأخذ ما أتانا به رسول الله(ص)، وأن ننتهي عما نهانا عنه. ولذلك، ليست لنا علاقة شخصية بأيّ عظيم من العظماء، فعلاقتنا بمحمد(ص) لأنه رسول الله، وعلاقتنا بعليّ والأئمة من أهل بيته (ع) لأنهم أولياء الله، فنحن ندعو الله وكل علاقتنا بالناس - من كبار وصغار - تبنى من خلال علاقتنا بالله، وقد قال الإمام محمد الباقر (ع): "من كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدوّاً لله فهو لنا عدوّ"، فالقضية هي أن الولاية لله.
العبودية لله
وقد اختصر الله تعالى هذا الخط التوحيدي في كلمتين: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، والاستقامة على درب ربوبية الله هي الإيمان برسله ورسالاته واليوم الآخر، أن تستقيم على قولك "ربنا الله"، بأن يكون سيرك في هذا الخط، فإذا كان الله تعالى ربك فعليك أن تتّبع رسوله، وإذا اتّبعت رسوله فعليك أن تتبع خلفاءه وأوصياءه، وإذا كان الله تعالى ربك فعليك أن تتبع شريعته وشريعة رسوله، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما}، {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، فالإنسان يستطيع أن يقف أمام الناس ليقول: أنا حر، أما عندما يقف أمام الله تعالى فعليه أن يعيش العبودية لله، فيسجد عقله وقلبه وشخصيته وكل جسده لله، لأننا أمام الله عبيد مملوكون لا نقدر على شيء. والذي يعيش الاستقامة، فيشعر بالعبودية لله والحرية أمام العالم ينال، الجنة بذلك، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون * نُزُلاً من غفور رحيم}.
وقد كان الإمام الرضا (ع) يحدّث الناس وهو في المحمل، فأخرج رأسه وقال: "بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها"، والإمامة هي من شروط الاستقامة على خط التوحيد، لأن الإمامة تتحرك في خط الولاية لله، ولا تتحرك في خط غيره.
تأدية حقوق الله
وفي حديث عن أحد أصحاب الإمام الرضا(ع) وهو "البيزنطي" قال: ذكرت للرضا(ع) شيئاً - مما كان يُبتلى به - فقال لي: "اصبر فإني أرجو أن يصنع الله لك إن شاء الله، فوالله ما ادّخر الله عن المؤمنين من هذه الدنيا خير له مما عُجّل له فيها - يعني ما ادّخره الله للمؤمن من الحسنات مما يعمل فيه لله خير له مما أعطاه الله - ثم صغّر الدنيا وقال: أيّ شيء هي؟"، ثم قال(ع) وهو يشير إلى الذين رزقهم الله مالاً أو جاهاً أو سلطة أو علماً أو خبرة، أو من تلك النعم التي تلبي حاجاتهم وحاجات الناس إليهم، وليلقِ كل صاحب نعمة بمسامع قلبه قبل مسامع رأسه: "إن صاحب النعمة على خطر، إنه يجب عليه حقوق الله فيها - {والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم}، والله تعالى فرض علينا زكاة العلم والجاه كما فرض زكاة المال - والله إنه ليكون عليّ النعم من الله عزّ وجلّ فما أزال منها على وجل حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله عليّ".. قلت: جُعلت فداك، أنت في قدرك تخاف هذا؟! قال (ع): "نعم، فأحمد ربي على ما منّ به عليّ".. ومشكلة البعض من الناس الذين يرزقهم الله أنهم يتنكّرون للنعمة وينسون شكر ربهم، بحجة أنهم حصلوا على أموالهم "بشطارتهم"، فلا يشكرون ربهم ولا يُخرجون حقوق الله من أموالهم، وأنت إذا لم تؤدِ خمسك وزكاتك فأنت سارق وإن قال الناس عنك إنك من الوجهاء، لأنك تسرق مال اليتيم والمسكين وتورّثها لأولادك الذين تخاف عليهم الفقر والله تعالى تكفّل برزقهم، ولا تخاف على نفسك من نار جهنم!!..
تصويب المفاهيم الخاطئة
وقد وُلّي الإمام الرضا(ع) ولاية العهد بضغط من "المأمون"، وقد كان الإمام يعرف بأنها لن تتم له، لأن "للمأمون" أهدافاً في ذلك، وقد رآها الإمام الرضا(ع) فرصة لأن ينشر علوم الإسلام من خلال هذا الموقع الذي اتسع له بما لم يتسع لآبائه وأبنائه.
وفي رواية أنه دخل عليه في "خراسان" قوم من "الصوفية" الذين كانوا يعتقدون أن الحاكم عليه أن لا يلبس إلا اللباس الخشن وأن لا يأكل إلا الجشب، فقالوا له: إن أمير المؤمنين - ويقصدون "المأمون" - نظر في ما ولاّه الله من الأمر - ولم يولّه الله بل ولاّه الناس - فرآكم أهل البيت أولى بأن تأموا الناس، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس، فرأى أن يردّ هذا الأمر إليك، ويجعلك وليّ عهدك، والأمة تحتاج من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض - وكأن هذه هي مهمة الحاكم!؟ - وكان الرضا(ع) متكئاً فاستوى جالساً، وهذا المفهوم يجعل الكثير من الحكّام يخدعون الناس بهذا المظهر، فيستسلم الناس إليهم، وقد صحح الإمام الرضا(ع) هذه الفكرة فقال: "كان يوسف(ع) نبيّاً يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب، ويجلس على متكآت آل فرعون ويحكم، إنما يُراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز"، وهذا درس لنا في كيفية اختيار حكّامنا والقيّمين علينا، بأن لا ندرس شكله كيف هو، بل علينا أن ندرس هل يصدق في قوله، هل يعدل في حكمه، هل ينجز ما وعد؟ فإذا كان كذلك أخذنا به..
وقد ورد في حديث الإمام الرضا(ع) في ما رواه عن رسول الله (ص): "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، ووجبت أخوته، وظهرت عدالته"..
الولاية اتباع منهج
هذه بعض من دروس الإمام الرضا(ع)، ودروسه كثيرة كثيرة، وعلينا أن ندرس تراث الأئمة من أهل البيت(ع)، أن ندرس وصاياهم ومواعظهم ونصائحهم، وما تركوا لنا من فكر، وما خططوا لنا من منهج. إن الولاية لأهل البيت(ع) ليست كلمة ولكنها اتّباع اتبعوهم، طبقوا مناهجهم، ولا يكفي أن تصفقوا في مواليدهم فرحاً، أو تبكوا في مآسيهم حزناً، الفرح والبكاء عاطفة ولكن الإسلام - كما قال الإمام الرضا(ع) - هو "اعتقاد بالقلب، واعتراف باللسان، وعمل بالأركان"، وهذا هو خط أهل البيت(ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ويأمروننا أن نتطهّر من كل رجس بإرادتنا، وأن نعيش الطهر كله في خط الإسلام.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله .. وانفتحوا على كل قضايا المسلمين وما يصيبهم من سوء، من خلال كل ما يتحرك به الاستكبار العالمي وحلفاؤه في كل المظالم التي يُظلم بها المسلمون في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم، وعلينا أن نقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، لنقاتل بكل ما نملك من وسائل، قتالاً سياسياً واقتصادياً في المواقع السياسية والاقتصادية، وقتالاً جهادياً في المواقع الجهادية، حتى نستطيع أن نهزم الكفر والاستكبار، لنتحالف فيما بيننا حتى نكون الوحدة في مواقع القوة، ولنتحالف مع المستضعفين الذين تلتقي قضاياهم ومصالحهم بقضايانا ومصالحنا، حتى لو كان المستضعفون من غير ديننا وقومياتنا، ولا نزال نعيش مشاكلنا السياسية والاقتصادية في صراعنا مع الاستكبار الذي يحمي الصهيونية والظلم كله، فماذا هناك؟
الانتفاضة في دائرة التجاذب
لا تزال الانتفاضة في دائرة التجاذب الدولي والإقليمي والمحلي، بين الغرق في وحول الانتخابات الصهيونية لحساب مرشح ضد مرشح، بحجة أن "الليكود" يمثل مشكلة للمفاوضات بينما لا يمثل "العمل" ذلك، وبين الاستمرار في حركة التحرير ضد العدو لتحقيق الأهداف الكبرى للشعب الفلسطيني في الاستقلال، ولذلك فإننا نخشى على الانتفاضة من ذلك كله، لاسيما أن كلا الطرفين من الصهاينة يتنكّران للقضايا المصيرية للفلسطينيين وفي مقدمتها القدس وعودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات وغير ذلك، في ظل صمت عربيوإسلامي على الصعيد السياسي، وانتظار للحل الأمريكي في الإدارة الجديدة التي لن تقدم أيّ حل يحقق طموحات الفلسطينيين، خصوصاً أنها ستبدأ بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في أوّل موقف تتخذه الإدارة الجديدة مؤيد بالمطلق لإسرائيل في الدائرة السياسية والأمنية والاقتصادية، في الوقت الذي تقوم فيه هذه الإدارة بتأكيد الحصار على أكثر من دولة عربية، وتقود مجلس الأمن لتبنّي سياستها الظالمة هذه ضد العالم العربي.. لقد راهن العرب على أمريكا في كل انتخابات رئاسية، ولكن كل الإدارات الأمريكية كانت تتحرك ضد مصالح العرب الذين لا يمارسون ضغوطهم ضد السياسة الأمريكية، بل يخضعون لها ويسلّمون تسليماً .
المطلوب مواصلة الانتفاضة السياسية
إن الموقف يفرض على الانتفاضة الاستمرار في المواجهة، لأنها لن تخسر شيئاً من ذلك، بل قد تربح الحرية السياسية والأمنية، لاسيما في المستقبل الانتخابي الذي قد يُدخل الساحة في تحديات كبرى على أكثر من صعيد. وعلى العرب والمسلمين أن يواصلوا الانتفاضة الشعبية السياسية للوقوف مع الشعب الفلسطيني ودعم انتفاضته من جهة، ولمنع السلطة الفلسطينية من تقديم التنازلات تحت أي ضغط عربي أو دولي، وإذا كان "مؤتمر القدس" الذي عُقد في بيروت يعمل على إيجاد مؤسسة للقدس، فإن التحدي الكبير الذي يواجهه هو أن يتحرك ممثلو العالم العربي والإسلامي على المستوى الشعبي في استعادة الانتفاضة الشعبية في بلادهم، لأن ذلك هو الذي يعطي الحرارة السياسية لقضية القدس - الرمز لكل فلسطين، وليكن كل يوم من أيامنا يوماً للقدس، لأنها القضية المركزية الأولى التي تختصر كل حركة التحدي للصهيونية والاستكبار العالمي.. إن الموقف بحاجة إلى حالة طوارئ حارة للتخطيط، لا إلى خطابات حماسية أو مؤسسات تقليدية، لأن الخطر قد تجاوز ذلك كله، ولأن المرحلة الحاضرة هي مرحلة الخطر المحدق بمستقبل القضية كلها.
الأمم المتحدة..ممارسة الضغوط على لبنان
ونقف مع الجنوب الجريح الذي لا يزال ساحة للخروقات الإسرائيلية الجوية والبرية، التي لم تُثِر الأمم المتحدة التي لا تزال تمارس الضغط السياسي على لبنان من خلال التحدث عن الأمن في الجنوب الذي "لا بد للبنان أن يحافظ عليه" لمصلحة الأمن الإسرائيلي، بإرسال الجيش إلى الجنوب ونزع سلاح المقاومة، وهذا ما لاحظناه في كل بيانات الأمين العام للأمم المتحدة، وفي انكفاء الدول المانحة عن مساعدة الجنوب مما وعدت به بعد التحرير، بل إننا نلاحظ وجود ضغوط اقتصادية خفية على لبنان من قِبَل أمريكا لتغيير موقفه السياسي في دعم المقاومة في مسيرتها الساعية لاستكمال تحرير الأجزاء اللبنانية المتبقية تحت الاحتلال.
الجنوب يستحق الرعاية والاهتمام
وبهذه المناسبة، فإننا نلاحظ أن الدولة اللبنانية لم تخطط - حتى الآن - لمساعدة المواطنين في الجنوب في الإعمار وفي تقديم الخدمات الحياتية، حتى بات بعض الناس - خطأً أو صواباً - يترحّمون على فترة الاحتلال من الناحية الاقتصادية، مع أننا لا نشجّع على ذلك .. لقد عانى الجنوب من الاحتلال إلى حدّ تدمير كل بنيته التحتية، وقدم الشهداء بلا حساب، ولذلك فإنه يستحق – على كل لبنان – أن تضمد جراحه الاقتصادية، وأن تدرس مشاكله المعيشية بشكل دقيق، وأن يخطط لإنهاضه، لأن المناطق المحررة تستحق كل رعاية واهتمام.
وليس بعيداً من ذلك، فقد استقبل لبنان رئيس البنك الدولي قبل أيام، الذي دعا اللبنانيين إلى التفاهم، وإلى ضرورة تحقيق الوفاق الوطني ونبذ السجالات، وإلى وقف الاقتراض، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مما كنا نتحدث عنه دائماً.. وقد جاء هذا الكلام لرئيس البنك الدولي بعد التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، والذي تحدث عن الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي في لبنان.. والسؤال هو: هل وصل لبنان إلى هذا المستوى من الرداءة في أزمته الاقتصادية والمالية، وإلى هذه الأرقام الهائلة من المديونية من دون نصائح من هذا النوع؟
إننا نتصور أن الذين شخّصوا هذا الداء قد يكونون بعض السبب في استفحاله، بفعل الضغوط والمؤامرات السياسية والاقتصادية على لبنان، لأننا في الوقت الذي لا نهوّن فيه من الأسباب الداخلية كالهدر والسرقة وسوء الإدارة وما إلى ذلك، نعتقد أن للضغوط الخارجية، ولاسيما في دعم الاحتلال الصهيوني ومخلّفاته، دوراً كبيراً في إرباك الواقع اللبناني على أكثر من صعيد.
الطائفية تعيق الوفاق
ولذلك، فإننا في الوقت الذي نريد فيه للبلد أن ينفتح على إصلاحات اقتصادية جذرية إدارياً ومالياً، مع مراعاة الأولويات الضرورية في ذلك، نسأل عن الأموال التي سُرقت من بعض النافذين وأتباعهم من هذه الطائفة أو تلك، ونرى أن النظام الطائفي بحساسياته السياسية هو الذي لا يزال يمنع من محاسبة هذا المسؤول الطائفي أو ذاك، لأن ذلك يسيء إلى طائفته باعتبار مقامه، حتى أن هذه الحساسيات هي التي تمنع الوفاق الوطني الذي تركّز فيه هذه الطائفة أو تلك على رمز لها مدانٍ ببعض الجرائم، مقارناً برمز غير مدان من طائفة أخرى، مع التقائهما على هذه الجريمة أو تلك في ممارسات الحرب، وتبقى الدوّامة التي تجتاح السياسة وتترك تأثيراتها على الأمن والاقتصاد.
إن أفضل مجال لإعادة الثقة بلبنان يتمثّل بالتوافق على أن الجريمة لا طائفة لها، وأن سرقة الأموال العامة لا حماية لها، وأن مستقبل الأجيال من الشباب اللبناني الباحث عن الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي هو مسؤولية الجميع..
إننا نحذّر الجميع من أن السفينة اللبنانية إذا غرقت فسوف تُغرق معها أكثر من سفينة أو مركب في الداخل والخارج من كل الذين يراهنون على استمرار الأزمة، ولذلك لا بدّ أن يتحمّل الجميع مسؤولياتهم في إنقاذ لبنان، لأنه الرئة التي تتنفّس فيها المنطقة.
الاهتمام بمعتقلي الكونغو
وأخيراً، إننا ندعو الدولة وكل المعنيين للاهتمام بقضية المعتقلين اللبنانيين في "الكونغو"، الذين نخشى عليهم من بعض التعقيدات الأمنية والسياسية هناك، ما يترك تأثيره على واقع الاغتراب اللبناني في إفريقيا الذي تضغط عليه الصهيونية، والكل يعلم أن الاغتراب هو الذي يمنح المواطنين الكثير من الدعم المالي على أكثر من مستوى. |