في رحاب رجب أول شهور السلام: شهر عظيم..أكثروا فيه من الصوم والاستغفار

في رحاب رجب أول شهور السلام: شهر عظيم..أكثروا فيه من الصوم والاستغفار

في رحاب رجب أول شهور السلام: شهر عظيم..أكثروا فيه من الصوم والاستغفار


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى : 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرُم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}. ويقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام}. ويقول تعالى وهو يتحدث عن المواجهة بين المسلمين والمشركين في الشهر الحرام، عندما يعتدي المشركون على المسلمين: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين}.

الأهلّة مواقيت للناس والحج:

هذا اليوم هو أول شهر رجب الحرام، وقد حدّثنا الله تعالى أن الله عندما خلق السموات والأرض وضع نظاماً للشهور، من خلال النظام القمري الذي جعل الله سبحانه فيه الأساس للأوقات التي يستعملها الناس، {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحج}، وقد جعل الله تعالى من هذه الشهور أربعة شهور حُرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ورجب الذي يُطلق عليه رجب الفرد، باعتبار أنه وحده يقع بين شهور ليست من الأشهر الحرم.

الأشهر الحرم أشهر سلام:

وقد أراد الله تعالى للناس أن يعيشوا السلام في هذه الشهور الأربعة، فلا يقاتل بعضهم بعضاً مهما كانت ظروف الحرب فيما بينهم، ومهما كانت العناصر التي تدفع الناس إلى القتال، ما يجعل الناس في هذه الفترة يفكرون بالحرب وأضرارها ومحاولة رسم الحلول الناجعة لمشاكلهم من خلال دراستهم للأمور في مصالحهم ومفاسدهم. ولذلك، كانت هذه الأشهر أشهراً حرماً حرّم الله تعالى فيها القتال، وقد شرّع الله ذلك منذ إبراهيم(ع)، وقد كان العرب في الجاهلية يقدّسونها، فيجمّدون كل حروبهم عندما تحلّ هذه الأشهر، فيأخذون بأسباب السلام، حتى أن الإنسان إذا رأى عدوه أو قاتل أبيه، فإنه لا يعرض له بسوء..

إن هذه الأشهر هي أشهر سلام، ولم يرخّص الله تعالى فيها للمسلمين أن يهجموا على المشركين حتى لو كانوا في حالة حرب معهم، ولكن عندما كان المشركون يعتدون على المسلمين في الشهر الحرام، رخّص الله للمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم.. ونلاحظ أن الله تعالى ركّز على أن لا يظلم الإنسان في هذه الأشهر الحرم نفسه بالانحراف عن خط الله، وقد فسّر بعض المفسّرين هذه الآية بأن لا يظلم الإنسان نفسه بأي محرّم، سواء ما تعلق منه بالقتال أو بظلم الناس من حوله، من كل الأشياء التي تمثل ظلماً للنفس، لأن ظلم النفس يعرّضها لغضب الله وسخطه..

ومن هنا، فإن هذا الشهر الذي أقبلنا عليه هو شهر سلام، نعيش فيه في مجتمعاتنا الإسلامية روحية السلام، فلا يقتل بعضنا بعضاً، ولا يعتدي بعضنا على بعض، حتى نعيش هذه الروحية التي تجعلنا نتربى على روحية السلام. ومن الطبيعي أن السلام إنما يكون لمن ينفتح علينا بالسلام، أما من ينفتح علينا بالحرب ويعتدي علينا، فإنه لا بد حينها من أن ندافع عن أنفسنا. لذلك، نحن نعتبر أن وجود اليهود في فلسطين واحتلالهم للأرض الإسلامية هو عدوان متواصل، ومن هنا، فإننا نشعر بالحرية في أن نقاتلهم في أيّ وقت، باعتبار أنهم عندما يصرّون على الاستيلاء على الأراضي التي طردوا منها أهلها، فإن هذا يمثل حرباً فعلية..

رجب.. الأصب الأصم:

ولهذا الشهر حرمته - كما ورد في الحديث عن رسول الله - في صيامه وقيامه، فعن عبد الله بن عباس قال: كان رسول الله(ص) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين من حوله وقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر من كان قبله من الأنبياء فصلى عليهم، ثم قال(ص): "أيها المسلمون، قد أظلّكم شهر عظيم مبارك وهو الشهر الأصب - وقد سُمي بالأصب لأن الله يصبّ فيه رحمته على عباده - يصب فيه الرحمة على من عبده، إلا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام.. من صام يوماً واحداً في رجب أُمن من الفزع الأكبر وأُجير من النار.. شهر رجب هو شهر عظيم الخير"..

وفي "ثواب الأعمال" قال رسول الله(ص): "ألا إن رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهر عظيم، وإنما سُمي الأصم لأنه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظّمونه في جاهليتهم، فلما جاء الإسلام لم يزده إلا تعظيماً وفضلاً، ألا وإن رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، ألا ومن صام من رجب إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار". وقد ورد في الحديث: "رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه من الاستغفار فإنه غفور رحيم".

شهر الدعوة إلى الله:

وتتنوع الأعمال في شهر رجب بين يوم وآخر، وفي مقدمة هذه الأعمال عمل "أم داود" الذي هو في منتصف هذا الشهر. وقد كان أئمة أهل البيت(ع) يستفيدون منه في الدعوة إلى الله تعالى، وقد ورد عن "أبي حمزة الثمالي" قال: سمعت علي بن الحسين(ع) يدعو في الحجر - حجر إسماعيل - في غرّة رجب، فأنصتّ إليه وكان يقول: "يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، لكل مسألة منك سمع حاضر، وجواب عتيد، اللهم ومواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حوائجي للدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير".

وكان الإمام الصادق(ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء وفي كل يوم من أيامه: "خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمّون إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسائلين، ونيلك متاح للآملين، رزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسنّتك الإبقاء على المعتدين، اللهم فاهدني هدى المهتدين، وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولا تجعلني من الغافلين المُبعدين واغفر لي يوم الدين".. وكان يدعو بهذا الدعاء عقب كل صلاة وفي الصباح والمساء: "يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه تحنناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا النعماء والجود، يا ذا المنّ والطَوْل"، وكان الإمام الصادق(ع) يمسك لحيته ويقول: "حرّم شبابي وشيبتي على النار"..

هذه الشهور الثلاثة - رجب وشعبان ورمضان - هي الشهور التي يفيض الله فيها على عباده بالرحمة والمغفرة والبركة، ولذلك لا بد للإنسان أن يفرّغ نفسه ويحاسبها ويصفّيها، وأن يجلس بين يدي الله في الصباح والمساء، ليستحضر ذنوبه بين يدي ربه ويستغفره منها، والله تعالى يغفر لمن استغفره ويتوب على من تاب إليه.

شهرالانفتاح على المحبة:

وفي هذا الشهر، نلتقي بأكثر من مناسبة إسلامية في الجو الإسلامي العام، وبأكثر من مناسبة من مناسبات أهل البيت(ع)، ففي المناسبات الإسلامية نلتقي بذكرى المبعث والإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب، وفي الخامس عشر منه نلتقي بذكرى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. أما مناسبات أهل البيت(ع)، ففي الثالث من رجب وفاة الإمام علي الهادي(ع)، وفي الثامن منه مولد الإمام محمد الجواد(ع)، وفي الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين الإمام عليّ(ع)، وفي الرابع عشر منه وفاة السيدة زينب(ع)، وفي الخامس والعشرين منه وفاة الإمام موسى الكاظم(ع).

هذا شهر نعيش فيه أكثر من ذكرى إسلامية، وأكثر من موقف روحاني، فعلينا أن ننطلق في هذا الشهر بالمحبة فيما بين المؤمنين، وأن نستزيد فيه من الرحمة وعمل الخير والمحبة والعفو والتسامح عن بعضنا البعض، أن نفتح قلوبنا لله ليغسلها من كل حقد وبغض ونية سوء، أن نقول لربنا عندما ندخل في ساحات رحمته في هذا الشهر وما بعده: يا ربنا، إننا عبادك الخاشعون لك، المطيعون لك، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نحب بعضنا بعضاً، وأن نساعد بعضنا بعضاً، وأن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نطهّر أنفسنا من كل ما يغضبك ويسخطك، وأن نحصل على رضاك ولا شيء إلا رضاك، لأن رضاك هو الفوز العظيم والسعادة الكبرى.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل يوم من أيام عمركم، واجعلوا زاد عمركم هو التقوى، فإن الإنسان المؤمن لا يحمل معه من كل دنياه إلا التقوى، فهي زادك في قبرك وحشرك، فلنحاول أن نتقي الله في كلماتنا وأعمالنا وعلاقاتنا.. وكما أن هناك تقوى في العبادة والمعاملة، فهناك تقوى في السياسة والاجتماع وفي كل ما يعيشه الإنسان في الحياة، ومن التقوى أن نقف ضد الظالمين ومع المظلومين، فتعالوا لنعرف ماذا لدى الظالمين وماذا لدى المظلومين؟

ندعو لإنتاج الانتفاضة من جديد:

لا تزال المسألة الفلسطينية في دائرة الأزمة المتحركة.. ففي القدس، يقوم "شارون" بتدنيس المسجد الأقصى للتأكيد على سيطرة الكيان الصهيوني عليه وعلى جميع المقدّسات، باعتبار أن إسرائيل تملك القدس كلها كـ"عاصمة أبدية لها"، كما تدّعي.. وقد وقف الفلسطينيون وقفة عزٍ وحرية للدفاع عن الحرم الشريف، ما يوحي بأنهم لا يزالون يملكون روحية الانتفاضة الإسلامية في وجه المحتل.

وفي الوقت نفسه، يصدر الكونغرس الأمريكي قراراً بمعاقبة الفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً إذا أعلنوا الدولة من جانب واحد، في خطوة تؤكد التوافق الاستراتيجي بين الإدارة الأمريكية وكيان العدو.. ويلعب "باراك" على الألفاظ في الإعلان عن موافقته أن القدس يمكن أن تكون "عاصمة لفلسطين ولإسرائيل"، ولكنه في الوقت الذي يؤكد فيه أن المقدّسات الإسلامية – بما فيها بيت المقدس – والمسيحية باقية تحت سيطرة كيانه، فإنه لا يحدد ما هو المقصود من قدس الفلسطينيين، والجميع يعرف أنه لا معنى للقدس بدون المقدّسات..

وتستمر المفاوضات في واشنطن بين سلطة الحكم الذاتي وحكومة العدو، من دون أن يربح الفلسطينيون أيّ موقع قوة، بفعل الضغوط الأمريكية وعناد اليهود، الأمر الذي يوحي بأن الموقف يدور بين أمرين: إما تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم أو بقاء الاحتلال..

إننا أمام هذا الواقع، ندعو الفلسطينيين إلى إنتاج الانتفاضة التي لا تحرير بدونها، كما ندعو العرب والمسلمين إلى أن يتحمّلوا مسؤوليتهم الدينية والسياسية في الدفاع عن مقدّساتهم، وحماية مستقبلهم من أطماع إسرائيل السياسية والأمنية والاقتصادية، فإن الموقف القوي الحاسم في وجه العدو، هو – وحده – الذي يحمي المستقبل من كل الطامعين على صعيد المنطقة أو الواقع الدولي الاستكباري.

محاولات أمريكية لإرباك إيران:

وفي جانب آخر، تعود أمريكا لتثير القلق لدى الدول الخليجية من تجربة إيران لصاروخ "شهاب 3"، بزعم أنه فاتح لسباق التسلّح في المنطقة، من أجل إنتاج التوتر بين إيران وجيرانها من جديد، في الوقت الذي أعلنت فيه إيران مراراً بأن سلاحها لن يكون موجّهاً لأي بلد عربي أو إسلامي، وطلبت من دول الخليج الدخول معها في حلف أمني استراتيجي لحماية المنطقة المشتركة، وأنها تستهدف من تسليح نفسها تحقيق التوازن العسكري المعقول مع الجيران، وذلك بالأخذ في الاعتبار القوة النووية الباكستانية والهندية، بالإضافة إلى التهديد النووي الإسرائيلي، والتعقيدات مع تركيا، والاهتزاز في أفغانستان، مع الوجود الأمريكي العسكري – ومعه الوجود الدولي المسلّح – في الخليج.

على العرب التكامل مع إيران:

إننا ندعو دول الخليج إلى تأكيد الصداقة الإسلامية مع إيران، التي بدأت الانفتاح على المنطقة الخليجية كلها من موقع التكامل والمحبة والسلام، حتى أنها مستعدة للحوار مع دولة الإمارات حول الجزر الثلاث، ليكون الحل سلمياً تفاوضياً.. إن أمريكا تريد ابتزاز هذه الدول لشراء المزيد من السلاح، تحت وهم الخطر الإيراني غير الموجود، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه.

لقد فشلت أمريكا في سياسة احتواء إيران، واستطاعت الجمهورية الإسلامية أن تؤكد وجودها السياسي والعسكري، وتعالج أوضاعها الاقتصادية في خطة الانفتاح على العالم، واستفادت من أكثر من ثغرة في الصراع الاقتصادي في العالم، ولا تزال تقف ضد الحلول الاستسلامية التي يُراد فرضها على الشعب الفلسطيني، وهي الرافضة بشدة – من موقعها الإسلامي – الاعتراف بإسرائيل، والساعية دائماً لمساعدة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، وهذا هو الذي يجعل أمريكا تتحرك في أكثر من مجال لإرباك الجمهورية الإسلامية في إيران اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ولكنهم لن ينجحوا في المستقبل، كما لم ينجحوا في الماضي.

الأمم المتحدة شاهد زور:

وتبقى إسرائيل في لبنان تسجّل الخرق تلو الخرق، ويُطلق جنودها الرصاص على الصحفيين والمواطنين، للإيحاء بأنها لا تزال تملك القدرة على التحدي، وحرية الحركة في تجاوز "الخط الأزرق" في أمتار هنا وهناك، من دون أن تتحرك الأمم المتحدة بأمينها العام وقواتها المنتشرة في الجنوب لمنع ذلك، ما يدل على أن الأمم المتحدة لا تزال شاهد زور، ويؤكد أن المقاومة لا بدّ أن تبقى في خط المواجهة للعدو، لحماية البلد من عدوانه في المستقبل كما قامت بحمايته في الماضي.

نحو موقف موحد لمواجهة التحديات:

إن على الشعب اللبناني كله أن يقف صفاً واحداً في حالة من الاستنفار الأمني والسياسي أمام العدو، وأن يتضامن مع الشعب السوري في ساحة الصمود على أساس وحدة المسارين ووحدة المصير، بعيداً عن كل الجدل الدائر الذي يخطط لإبقاء حالة الاهتزاز السياسي والطائفي في البلد، لإشغاله عن القضايا الحيوية المصيرية في إزالة الاحتلال، وفي حلّ المشاكل الاقتصادية الخانقة.. وهذا ما نلاحظه في إبراز حالة الانقسام الشعبي السياسي، وإنتاج الجدل العقيم من جديد، حتى يفقد الناس وضوح الرؤية للخلفيات الكامنة وراء هذا الواقع، بحيث تبدو الطائفية وطنية، والحقد محبة، والخيانة إخلاصاً، والاهتزاز استقراراً..

وأخيراً، إن البلد لا يزال يعيش في قبضة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعلى الجميع أن يتدارسوا الحل الأفضل للخروج منها، وأن لا يُشغلوا الناس بالقضايا التي تثير الانقسام الشعبي، من خلال الاهتزاز السياسي الذي نخشى أن يتحوّل إلى اهتزاز أمني، لأن المشكلة ليست في الكلمات بل في الخلفيات المعقّدة الكامنة وراءها.. إن مشكلة الكثيرين أنهم لا يزالون يتحركون في التاريخ لمصلحة الجغرافيا، ويُطلقون الطائفية تحت أكثر من غطاء وطني.. فرحم الله لبنان.

في رحاب رجب أول شهور السلام: شهر عظيم..أكثروا فيه من الصوم والاستغفار


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى : 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرُم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}. ويقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام}. ويقول تعالى وهو يتحدث عن المواجهة بين المسلمين والمشركين في الشهر الحرام، عندما يعتدي المشركون على المسلمين: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين}.

الأهلّة مواقيت للناس والحج:

هذا اليوم هو أول شهر رجب الحرام، وقد حدّثنا الله تعالى أن الله عندما خلق السموات والأرض وضع نظاماً للشهور، من خلال النظام القمري الذي جعل الله سبحانه فيه الأساس للأوقات التي يستعملها الناس، {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحج}، وقد جعل الله تعالى من هذه الشهور أربعة شهور حُرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ورجب الذي يُطلق عليه رجب الفرد، باعتبار أنه وحده يقع بين شهور ليست من الأشهر الحرم.

الأشهر الحرم أشهر سلام:

وقد أراد الله تعالى للناس أن يعيشوا السلام في هذه الشهور الأربعة، فلا يقاتل بعضهم بعضاً مهما كانت ظروف الحرب فيما بينهم، ومهما كانت العناصر التي تدفع الناس إلى القتال، ما يجعل الناس في هذه الفترة يفكرون بالحرب وأضرارها ومحاولة رسم الحلول الناجعة لمشاكلهم من خلال دراستهم للأمور في مصالحهم ومفاسدهم. ولذلك، كانت هذه الأشهر أشهراً حرماً حرّم الله تعالى فيها القتال، وقد شرّع الله ذلك منذ إبراهيم(ع)، وقد كان العرب في الجاهلية يقدّسونها، فيجمّدون كل حروبهم عندما تحلّ هذه الأشهر، فيأخذون بأسباب السلام، حتى أن الإنسان إذا رأى عدوه أو قاتل أبيه، فإنه لا يعرض له بسوء..

إن هذه الأشهر هي أشهر سلام، ولم يرخّص الله تعالى فيها للمسلمين أن يهجموا على المشركين حتى لو كانوا في حالة حرب معهم، ولكن عندما كان المشركون يعتدون على المسلمين في الشهر الحرام، رخّص الله للمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم.. ونلاحظ أن الله تعالى ركّز على أن لا يظلم الإنسان في هذه الأشهر الحرم نفسه بالانحراف عن خط الله، وقد فسّر بعض المفسّرين هذه الآية بأن لا يظلم الإنسان نفسه بأي محرّم، سواء ما تعلق منه بالقتال أو بظلم الناس من حوله، من كل الأشياء التي تمثل ظلماً للنفس، لأن ظلم النفس يعرّضها لغضب الله وسخطه..

ومن هنا، فإن هذا الشهر الذي أقبلنا عليه هو شهر سلام، نعيش فيه في مجتمعاتنا الإسلامية روحية السلام، فلا يقتل بعضنا بعضاً، ولا يعتدي بعضنا على بعض، حتى نعيش هذه الروحية التي تجعلنا نتربى على روحية السلام. ومن الطبيعي أن السلام إنما يكون لمن ينفتح علينا بالسلام، أما من ينفتح علينا بالحرب ويعتدي علينا، فإنه لا بد حينها من أن ندافع عن أنفسنا. لذلك، نحن نعتبر أن وجود اليهود في فلسطين واحتلالهم للأرض الإسلامية هو عدوان متواصل، ومن هنا، فإننا نشعر بالحرية في أن نقاتلهم في أيّ وقت، باعتبار أنهم عندما يصرّون على الاستيلاء على الأراضي التي طردوا منها أهلها، فإن هذا يمثل حرباً فعلية..

رجب.. الأصب الأصم:

ولهذا الشهر حرمته - كما ورد في الحديث عن رسول الله - في صيامه وقيامه، فعن عبد الله بن عباس قال: كان رسول الله(ص) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين من حوله وقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر من كان قبله من الأنبياء فصلى عليهم، ثم قال(ص): "أيها المسلمون، قد أظلّكم شهر عظيم مبارك وهو الشهر الأصب - وقد سُمي بالأصب لأن الله يصبّ فيه رحمته على عباده - يصب فيه الرحمة على من عبده، إلا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام.. من صام يوماً واحداً في رجب أُمن من الفزع الأكبر وأُجير من النار.. شهر رجب هو شهر عظيم الخير"..

وفي "ثواب الأعمال" قال رسول الله(ص): "ألا إن رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهر عظيم، وإنما سُمي الأصم لأنه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظّمونه في جاهليتهم، فلما جاء الإسلام لم يزده إلا تعظيماً وفضلاً، ألا وإن رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، ألا ومن صام من رجب إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار". وقد ورد في الحديث: "رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه من الاستغفار فإنه غفور رحيم".

شهر الدعوة إلى الله:

وتتنوع الأعمال في شهر رجب بين يوم وآخر، وفي مقدمة هذه الأعمال عمل "أم داود" الذي هو في منتصف هذا الشهر. وقد كان أئمة أهل البيت(ع) يستفيدون منه في الدعوة إلى الله تعالى، وقد ورد عن "أبي حمزة الثمالي" قال: سمعت علي بن الحسين(ع) يدعو في الحجر - حجر إسماعيل - في غرّة رجب، فأنصتّ إليه وكان يقول: "يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، لكل مسألة منك سمع حاضر، وجواب عتيد، اللهم ومواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حوائجي للدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير".

وكان الإمام الصادق(ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء وفي كل يوم من أيامه: "خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمّون إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسائلين، ونيلك متاح للآملين، رزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسنّتك الإبقاء على المعتدين، اللهم فاهدني هدى المهتدين، وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولا تجعلني من الغافلين المُبعدين واغفر لي يوم الدين".. وكان يدعو بهذا الدعاء عقب كل صلاة وفي الصباح والمساء: "يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه تحنناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا النعماء والجود، يا ذا المنّ والطَوْل"، وكان الإمام الصادق(ع) يمسك لحيته ويقول: "حرّم شبابي وشيبتي على النار"..

هذه الشهور الثلاثة - رجب وشعبان ورمضان - هي الشهور التي يفيض الله فيها على عباده بالرحمة والمغفرة والبركة، ولذلك لا بد للإنسان أن يفرّغ نفسه ويحاسبها ويصفّيها، وأن يجلس بين يدي الله في الصباح والمساء، ليستحضر ذنوبه بين يدي ربه ويستغفره منها، والله تعالى يغفر لمن استغفره ويتوب على من تاب إليه.

شهرالانفتاح على المحبة:

وفي هذا الشهر، نلتقي بأكثر من مناسبة إسلامية في الجو الإسلامي العام، وبأكثر من مناسبة من مناسبات أهل البيت(ع)، ففي المناسبات الإسلامية نلتقي بذكرى المبعث والإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب، وفي الخامس عشر منه نلتقي بذكرى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. أما مناسبات أهل البيت(ع)، ففي الثالث من رجب وفاة الإمام علي الهادي(ع)، وفي الثامن منه مولد الإمام محمد الجواد(ع)، وفي الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين الإمام عليّ(ع)، وفي الرابع عشر منه وفاة السيدة زينب(ع)، وفي الخامس والعشرين منه وفاة الإمام موسى الكاظم(ع).

هذا شهر نعيش فيه أكثر من ذكرى إسلامية، وأكثر من موقف روحاني، فعلينا أن ننطلق في هذا الشهر بالمحبة فيما بين المؤمنين، وأن نستزيد فيه من الرحمة وعمل الخير والمحبة والعفو والتسامح عن بعضنا البعض، أن نفتح قلوبنا لله ليغسلها من كل حقد وبغض ونية سوء، أن نقول لربنا عندما ندخل في ساحات رحمته في هذا الشهر وما بعده: يا ربنا، إننا عبادك الخاشعون لك، المطيعون لك، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نحب بعضنا بعضاً، وأن نساعد بعضنا بعضاً، وأن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نطهّر أنفسنا من كل ما يغضبك ويسخطك، وأن نحصل على رضاك ولا شيء إلا رضاك، لأن رضاك هو الفوز العظيم والسعادة الكبرى.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل يوم من أيام عمركم، واجعلوا زاد عمركم هو التقوى، فإن الإنسان المؤمن لا يحمل معه من كل دنياه إلا التقوى، فهي زادك في قبرك وحشرك، فلنحاول أن نتقي الله في كلماتنا وأعمالنا وعلاقاتنا.. وكما أن هناك تقوى في العبادة والمعاملة، فهناك تقوى في السياسة والاجتماع وفي كل ما يعيشه الإنسان في الحياة، ومن التقوى أن نقف ضد الظالمين ومع المظلومين، فتعالوا لنعرف ماذا لدى الظالمين وماذا لدى المظلومين؟

ندعو لإنتاج الانتفاضة من جديد:

لا تزال المسألة الفلسطينية في دائرة الأزمة المتحركة.. ففي القدس، يقوم "شارون" بتدنيس المسجد الأقصى للتأكيد على سيطرة الكيان الصهيوني عليه وعلى جميع المقدّسات، باعتبار أن إسرائيل تملك القدس كلها كـ"عاصمة أبدية لها"، كما تدّعي.. وقد وقف الفلسطينيون وقفة عزٍ وحرية للدفاع عن الحرم الشريف، ما يوحي بأنهم لا يزالون يملكون روحية الانتفاضة الإسلامية في وجه المحتل.

وفي الوقت نفسه، يصدر الكونغرس الأمريكي قراراً بمعاقبة الفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً إذا أعلنوا الدولة من جانب واحد، في خطوة تؤكد التوافق الاستراتيجي بين الإدارة الأمريكية وكيان العدو.. ويلعب "باراك" على الألفاظ في الإعلان عن موافقته أن القدس يمكن أن تكون "عاصمة لفلسطين ولإسرائيل"، ولكنه في الوقت الذي يؤكد فيه أن المقدّسات الإسلامية – بما فيها بيت المقدس – والمسيحية باقية تحت سيطرة كيانه، فإنه لا يحدد ما هو المقصود من قدس الفلسطينيين، والجميع يعرف أنه لا معنى للقدس بدون المقدّسات..

وتستمر المفاوضات في واشنطن بين سلطة الحكم الذاتي وحكومة العدو، من دون أن يربح الفلسطينيون أيّ موقع قوة، بفعل الضغوط الأمريكية وعناد اليهود، الأمر الذي يوحي بأن الموقف يدور بين أمرين: إما تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم أو بقاء الاحتلال..

إننا أمام هذا الواقع، ندعو الفلسطينيين إلى إنتاج الانتفاضة التي لا تحرير بدونها، كما ندعو العرب والمسلمين إلى أن يتحمّلوا مسؤوليتهم الدينية والسياسية في الدفاع عن مقدّساتهم، وحماية مستقبلهم من أطماع إسرائيل السياسية والأمنية والاقتصادية، فإن الموقف القوي الحاسم في وجه العدو، هو – وحده – الذي يحمي المستقبل من كل الطامعين على صعيد المنطقة أو الواقع الدولي الاستكباري.

محاولات أمريكية لإرباك إيران:

وفي جانب آخر، تعود أمريكا لتثير القلق لدى الدول الخليجية من تجربة إيران لصاروخ "شهاب 3"، بزعم أنه فاتح لسباق التسلّح في المنطقة، من أجل إنتاج التوتر بين إيران وجيرانها من جديد، في الوقت الذي أعلنت فيه إيران مراراً بأن سلاحها لن يكون موجّهاً لأي بلد عربي أو إسلامي، وطلبت من دول الخليج الدخول معها في حلف أمني استراتيجي لحماية المنطقة المشتركة، وأنها تستهدف من تسليح نفسها تحقيق التوازن العسكري المعقول مع الجيران، وذلك بالأخذ في الاعتبار القوة النووية الباكستانية والهندية، بالإضافة إلى التهديد النووي الإسرائيلي، والتعقيدات مع تركيا، والاهتزاز في أفغانستان، مع الوجود الأمريكي العسكري – ومعه الوجود الدولي المسلّح – في الخليج.

على العرب التكامل مع إيران:

إننا ندعو دول الخليج إلى تأكيد الصداقة الإسلامية مع إيران، التي بدأت الانفتاح على المنطقة الخليجية كلها من موقع التكامل والمحبة والسلام، حتى أنها مستعدة للحوار مع دولة الإمارات حول الجزر الثلاث، ليكون الحل سلمياً تفاوضياً.. إن أمريكا تريد ابتزاز هذه الدول لشراء المزيد من السلاح، تحت وهم الخطر الإيراني غير الموجود، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه.

لقد فشلت أمريكا في سياسة احتواء إيران، واستطاعت الجمهورية الإسلامية أن تؤكد وجودها السياسي والعسكري، وتعالج أوضاعها الاقتصادية في خطة الانفتاح على العالم، واستفادت من أكثر من ثغرة في الصراع الاقتصادي في العالم، ولا تزال تقف ضد الحلول الاستسلامية التي يُراد فرضها على الشعب الفلسطيني، وهي الرافضة بشدة – من موقعها الإسلامي – الاعتراف بإسرائيل، والساعية دائماً لمساعدة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، وهذا هو الذي يجعل أمريكا تتحرك في أكثر من مجال لإرباك الجمهورية الإسلامية في إيران اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ولكنهم لن ينجحوا في المستقبل، كما لم ينجحوا في الماضي.

الأمم المتحدة شاهد زور:

وتبقى إسرائيل في لبنان تسجّل الخرق تلو الخرق، ويُطلق جنودها الرصاص على الصحفيين والمواطنين، للإيحاء بأنها لا تزال تملك القدرة على التحدي، وحرية الحركة في تجاوز "الخط الأزرق" في أمتار هنا وهناك، من دون أن تتحرك الأمم المتحدة بأمينها العام وقواتها المنتشرة في الجنوب لمنع ذلك، ما يدل على أن الأمم المتحدة لا تزال شاهد زور، ويؤكد أن المقاومة لا بدّ أن تبقى في خط المواجهة للعدو، لحماية البلد من عدوانه في المستقبل كما قامت بحمايته في الماضي.

نحو موقف موحد لمواجهة التحديات:

إن على الشعب اللبناني كله أن يقف صفاً واحداً في حالة من الاستنفار الأمني والسياسي أمام العدو، وأن يتضامن مع الشعب السوري في ساحة الصمود على أساس وحدة المسارين ووحدة المصير، بعيداً عن كل الجدل الدائر الذي يخطط لإبقاء حالة الاهتزاز السياسي والطائفي في البلد، لإشغاله عن القضايا الحيوية المصيرية في إزالة الاحتلال، وفي حلّ المشاكل الاقتصادية الخانقة.. وهذا ما نلاحظه في إبراز حالة الانقسام الشعبي السياسي، وإنتاج الجدل العقيم من جديد، حتى يفقد الناس وضوح الرؤية للخلفيات الكامنة وراء هذا الواقع، بحيث تبدو الطائفية وطنية، والحقد محبة، والخيانة إخلاصاً، والاهتزاز استقراراً..

وأخيراً، إن البلد لا يزال يعيش في قبضة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعلى الجميع أن يتدارسوا الحل الأفضل للخروج منها، وأن لا يُشغلوا الناس بالقضايا التي تثير الانقسام الشعبي، من خلال الاهتزاز السياسي الذي نخشى أن يتحوّل إلى اهتزاز أمني، لأن المشكلة ليست في الكلمات بل في الخلفيات المعقّدة الكامنة وراءها.. إن مشكلة الكثيرين أنهم لا يزالون يتحركون في التاريخ لمصلحة الجغرافيا، ويُطلقون الطائفية تحت أكثر من غطاء وطني.. فرحم الله لبنان.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية