ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين}، ويقول تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}.
مَن منّا، ونحن نؤمن بالله واليوم الآخر، لا يحب أن يربح في نهاية المطاف الجنة التي يتحدد فيها مصير الإنسان في سعادته التي يعيشها بالقرب الروحي والمعنوي والرضواني من الله؟ والله تعالى يريد منا أن لا تكون الجنة مجرد حلم من الأحلام البعيدة، أو مجرد أمنية من الأماني التي نتطلع إليها دون أن نسعى إلى تحقيقها.
الاستفادة من الفرص:
والله تعالى يدعونا إلى أن نسارع ونبادر للاستفادة من الفرص التي إذا أخذنا بها وصلنا إلى الجنة، في كلمة نقولها أو في موقف نقفه، أو في موقع نكون فيه، لأن للجنة وسائلها وطرقها. لذلك، سارع قبل أن تفوتك الفرصة، وإذا أردت أن تدخل في سباق مع الآخرين، فلا يكن سباق أنانية يؤكد الإنسان فيه ذاته، أو سباق مطمع يحصل فيه الإنسان على طمعه، بل السباق في الوصول إلى الجنة بالإيمان والعمل الصالح والسير في خطّ التقوى.
الجنة موقع خلاص:
ويحدّثنا عليّ(ع) وهو يقدّم إلينا الجنة كموقع للخلاص، ولكن الناس لا ينفتحون عليها، ويؤجّلون السير إليها من يوم إلى آخر، يقول(ع): "ألا وإني لم أرَ كالجنة - بكل ما يقدّمه الله تعالى من نعيم وسرور وسعادة وسلامة - نام طالبها - عندما يريد أحد أن يوقظك لصلاة الصبح فإنك تفضّل النوم على الصلاة، وعندما يريد أحد أن يدفع بك إلى إصلاح ذات البين أو إلى عمل في سبيل الله والإسلام، فإنك تفضّل الراحة على التعب في هذا السبيل، لأن مسألة الجنة في نظر الكثيرين مؤجّلة، أما مسألة النار فهي معجّلة، فنحن نبادر إلى جمع الحطب الذي نحترق به، وجمع أعواد الثقاب الذي يُشعل ذلك الحطب، فنغتاب المؤمنين ونفتن بينهم، ونكذب ونسبّ ونشتم، ونعاون الظالمين ونؤيد المنحرفين، على أساس أن أنفسنا تأمرنا بذلك، ولم نعرف أن النفس أمّارة بالسوء - ولا كالنار نام هاربها".
طلب الجنة:
وفي حديث آخر يقول عليّ(ع): "يا طالب الجنة، ما أطول نومك وأكلّ مطيتك - وفي ذلك تشبيه بأن الدابة التي تركبها لتصل بها إلى الجنة ضعيفة متعبة - وأوهى همّتك، فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هارباً من النار ما أحثّ مطيتك إليها - والدابة التي تركبها سريعة في الوصول بك إلى النار - وما أكسبك لما يوقعك فيها". وقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: "من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات"، وعن الإمام زين العابدين(ع) أنه قال: "إعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات ومن أشفق من النار بادر إلى التوبة إلى الله من ذنوبه ورجع عن المحارم". وفي الحديث عن عليّ(ع): "ما خير بخير بعده النار، ولا شر بشر بعده الجنة، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية".
نعيم الجنة:
كيف هي الجنة؟ ما هو حجم نعيمها؟ ما هو قدر لذّاتها؟ يقول الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرّة أعين}، وفي الحديث عن رسول الله(ص): "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".. فماذا نفعل؟ علينا أن نبيع أنفسنا لله على أساس أن تكون الجنة ثمناً لها، وهذا ما بادر إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) عندما دعاه رسول الله(ص) إلى أن يبيت على فراشه ليلة الهجرة، والسيوف العشرة مسلّطة على رأسه، وقال لرسول الله بكل اطمئنان: "اذهب راشداً مهدياً"، وكان الوسام الإلهي لعليّ(ع) الآية الكريمة التي نزلت بحقه: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}، وشرى عليّ(ع) نفسه عندما انطلق في خط حماية رسول الله(ص)..
وورد في الحديث عن عليّ(ع)، وعليّ إمامنا الذي يقودنا إلى الجنة وهو قسيم الجنة والنار: "إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها"، فلا تبع نفسك لوجيه يريد أن يوظفك، أو يحقق لك شهوة أو موقعاً، وكثير من الناس يبيعون أنفسهم لمن يعطي المال أو الجاه أكثر، ولكن عليّاً(ع) يقول لك إن نفسك أثمن من كل الدنيا، فإذا أردت أن تبيع نفسك فاجعل الجنة ثمناً لنفسك، لأن الجنة - وحدها - هي التي تصلح أن تكون ثمناً لنفسك.. وفي الحديث: "من باع نفسه بغير نعيم الجنة فقد ظلمها"، لأنه باعها بالثمن البخس.
ما هي المفردات التي تصلح أن تكون ثمن الجنة؟ يقول الإمام الصادق(ع): "قول لا إله إلا الله ثمن الجنة". وفي الحديث يقول الله جلّ جلاله: "لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي"، وليس مجرد قول "لا إله إلا الله" يُدخلك الجنة، بل عليك أن تقولها بإخلاص، والإخلاص هو الإخلاص العملي، وفي ذلك يقول الإمام الصادق(ع): "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه "لا إله إلا الله" عمّا حرّم الله عزّ وجلّ"، فعليه أن يستحضر الله تعالى في كل عمل وقول..
وفي الحديث عن مولانا الإمام الرضا(ع) عندما كان سائراً إلى "خراسان" واجتمع عليه الناس في بعض الطريق، وقالوا: حدّثنا يابن رسول الله، فحدّثهم بالحديث المسمى "سلسلة الذهب" فقال: "حدّثني أبي موسى بن جعفر قال:حدّثني أبي جعفر بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن علي قال: حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدّثني رسول الله(ص) قال: حدّثني جبرائيل قال: قال الله تعالى: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي"، ثم أطل برأسه من المحمل وقال: "بشروطها، وأنا من شروطها"، والإيمان بالإمامة وولاية الأئمة(ع) ومنهم الإمام الرضا(ع) من شروط هذه الشهادة.. وورد في الحديث عن رسول الله(ص): "إن كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزّ وجلّ، من قالها مخلصاً استوجب الجنة، ومن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النار".
مواطن دخول الجنة:
ما هي أسباب دخول الجنة في الواقع العملي؟ الله تعالى يقول: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة}، {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً}، وهذا ما فصّله رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)، ففي الحديث عن رسول الله(ص): "أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق"، وفي الحديث عن عليّ(ع) أنه قال رجل للنبي(ص): يا رسول الله، علّمني عملاً صالحاً لا يُحال بينه وبين الجنة، فقال(ص): "لا تغضب ولا تسأل الناس شيئاً".. وقيمة هذه النصيحة "الرسولية" أنها تجعل الأمة تعتمد على نفسها في كل شيء تستطيع أن تصنعه من حاجاتها، لا أن نبقى كما نحن الآن عناصر مستهلكة لما ينتجه الآخرون..
وعن النبي(ص) أنه قال لـ"أبي ذرّ ": "أتحب أن تدخل الجنة"؟ قال: نعم فداك أبي، قال(ص): "فأقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عينيك، واستحي من الله حق الحياء".. وفي الحديث أن شخصاً جاء إلى النبي(ص) وقال له: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا أنا عملته دخلت الجنة، فقال له النبي(ص): "أنل مما أنالك الله"، قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال: "فانصر المظلوم"، قال: فإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال: "فاصنع للأخرق"، قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ قال: "أمسك لسانك إلا عن خير، أما يسرّك أن تكون لك خصلة واحدة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة"؟ وجاء أعرابي إلى رسول الله(ص) وقال: دلّني على عمل أدخل به الجنة، فقال(ص): "أطعم الجائع، واسقِ الظمآن، وأمر بالمعروف، وانهَ عن المنكر، فإن لم تطق فكفّ لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان"..
إن الجنة تحتاج إلى جهد، وقد قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.. وقال عليّ(ع): "الجنة حُفّت بالمكاره، وإن النار حفت بالشهوات، واعلموا أنه ما من طاعة لله في شيء إلا يأتي في كره، وما من معصية لله إلا يأتي في شهوة، فرحم الله امرءاً نزع عن شهوته وقمع هوى نفسه".. فتعالوا من أجل أن نعيش في طريق الجنة، في طريق الخير، التقوى، الطاعة، العقل المملوء بالحق، القلب المملوء بالمحبة، في طريق الحياة التي تبدأ من الله وتنتهي إليه.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله، فإن التقوى مفتاح باب الجنة، بها يملك الإنسان رضا ربه والقرب منه، اتقوا الله في كل شيء، لأن من حق الله علينا أن نعبده ونطيعه ونسير على خطه ودينه وشريعته ولا نسير على شريعة غيره. ومن التقوى أن نواجه المنكر، سواء كان منكراً صغيراً أو كبيراً، سواء قام به فرد أو دولة أو محور، ومن إنكار المنكر أن نقف ضد الظالمين والمستكبرين والمنحرفين، وأن نتفهّم الواقع الذي نعيشه من أجل أن نحدد خطواتنا في أي طريق نسير، وفي أي موقع نواجه فيه الذين لا بد لنا أن نواجههم، فماذا هناك؟
تجاهل عربي لمواقف العدو:
لا يزال الواقع العربي يراوح مكانه، حيث تفتقد القاعدة للتضامن في القضايا الحيوية - ولا سيما المصيرية - بما يحقق القوة للشعوب، والتطلع إلى مستقبل متوازن في معركة التحديات الضاغطة على إرادة الحرية.. ففي القضية الفلسطينية، نلاحظ في لعبة المفاوضات أن أكثر من مسؤول عربي يلتقي رئيس وزراء العدو بحجة التأكيد على قضية السلام، في الوقت الذي يمثّل ذلك تطبيعاً وتأكيداً على التقارب مع الكيان الصهيوني، متجاهلين كل مواقفه العدوانية ضد الحق الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً، لأن البعض من العرب لا يزال يتصوّر أن مفتاح الحصول على رضا أمريكا يمر عبر التقارب مع إسرائيل، لأن أمريكا قد أعطت هذا الانطباع لكل دولة تريد التقرّب السياسي منها..
النظام العراقي..إرباك الساحة:
وفي الدائرة العراقية، يستمرالحصار على الشعب العراقي بحجة الضغط على النظام الذي لم يتأثّر بذلك في نطاقه الشخصي، في الوقت الذي يتحرك فيه هذا النظام لإرباك الساحة العربية بتهديد الكويت من جديد، بحجة سرقة النفط العراقي، الأمر الذي أدخل الواقع العربي في سجال معقّد، وأفسح المجال لأمريكا بالتدخّل المباشر في السياسة العربية لتأكيد وجودها في منطقة الخليج، وتثبيت مصالحها هناك..
وفي هذا الإطار، نستذكر الحرب الإيرانية - العراقية، التي فُرضت على إيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية فيها، والتي شنها العراق بدعم عالمي التقى فيه الشرق والغرب لمنع امتداد الثورة الإسلامية في المنطقة، التي شعر الاستكبار العالمي بجميع مواقعه بأنها تهدد مصالحه الاستكبارية في المنطقة والعالم.. ولذلك، عمل من خلال النظام العراقي المدعوم من أكثر أنظمة المنطقة عسكرياً واقتصادياً وأمنياً على تدمير البنية التحتية لإيران، ولم يلبث أن عمل على تدمير العراق بعد أن انتهى دور النظام في إضعاف إيران عسكرياً، وما زال هذا النظام يعمل على دعم القوى المضادة للجمهورية الإسلامية عسكرياً، وتهيئة كل الوسائل لإرباك الأوضاع الأمنية في إيران.. ولكن الجمهورية الإسلامية استطاعت تأكيد قوتها أمام ذلك كله، والمحافظة على استقلالها السياسي والاقتصادي في مواجهة كل ضغوط الحصار الأمريكي الشامل، الذي يلعب لعبته على طريقة "العصا والجزرة"، بالإضافة إلى المشاكل الإقليمية المثارة ضدها بين وقت وآخر..
أمريكا والعدو والفلسطينيين
ويبقى الجدال يدور في الساحة الفلسطينية، في المداخلات الأمريكية والضغوط الإسرائيلية، من أجل دفع سلطة الحكم الذاتي لتقديم التنازلات الحيوية، والاعتراف لليهود بما يُسمى "مقدّساتهم" في القدس، والإشراف على مقدّسات المسلمين بالسيطرة على المسجد الأقصى، من دون أن نسمع أو نلاحظ أي ضغط عربي أو إسلامي فاعل لحماية المقدّسات الإسلامية، ولا تزال المسألة تتحرك في دائرة الشدّ والجذب، في أجواء ضبابية من خلال ما يدور في الكواليس، ما يوحي بالحل تارة وبالتعقيد أخرى.. ولكن النتيجة - مهما كانت - لن تكون لمصلحة الحق العربي والإسلامي، لأن أصحاب الحق لا يريدون لأنفسهم التحرك من موقع القوة، لأنهم يخافون من أمريكا على أكثر من موقع من مواقعهم السياسية..
ويبقى للشعب الفلسطيني أن يؤكد حقه بكل الوسائل الممكنة، ويبقى للأمة كلها أن تمارس مختلف أنواع الضغوط على أنظمتها حتى لا تخضع لضغط التنازلات، لأن المسألة تتصل بالمستقبل العربي والإسلامي كله في الصراع مع اليهود. وعلى الجميع أن يعرفوا أن قوة اليهود لم تنطلق من موقع القوة الذاتي، بل من قاعدة الضعف العربي، فإذا أخذنا بأسباب القوة أمكننا أن نعيد التوازن للساحة كلها، وأن نحفظ حقوقنا الشرعية.
البلد بحاجة للتماسك والوحدة:
ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنه في الوقت الذي يتعرّض فيه للعقوبات الأمريكية إزاء انتصاره على العدو، وتمرده على الإرادة الأمريكية في أكثر من قضية، جعل أمريكا تعمل على تأجيل مؤتمر الدول المانحة بحجة المزيد من الدراسة.. ولكن الواقع هو الإيحاء للبنان بأن العصا الأمريكية جاهزة للتلويح بها ضد كل من لا يستسلم لخططها السياسية والأمنية، لا سيما بما يتصل بالأمن الإسرائيلي.
وفي هذا الواقع الذي يلتقي بالكارثة الاقتصادية التي أصابت الشعب اللبناني بنتائجها المدمّرة في معيشته، لا سيما في موسم المدارس، حيث لا يملك اللبنانيون السيولة النقدية والإمكانات الاقتصادية لحل مشكلة إدخال أولادهم في المدارس.. وفي هذا الواقع الذي يصرخ فيه الناس للمطالبة بحلّ، أيّ حل، للمشكلة، تتحرك بعض الجهات لإثارة القضايا الحسّاسة المثيرة لكل جدل سياسي وأمني، بالطريقة التي قد تربك الواقع كله، وتشغله عن مواصلة التحرك والتخطيط لاستكمال قضية التحرير التي لم تُستكمل بعد، حيث لا يزال قسم من الأرض اللبنانية في "مزارع شبعا" وفي المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق والحدود اللبنانية - الفلسطينية المحتلة تحت سيطرة العدو، ما يجعل البلد بحاجة إلى التماسك والوحدة، والبُعد عن عناصر الإثارة الطائفية والمذهبية، التي لا نستطيع إلا أن نرى الأصابع الأمريكية والإسرائيلية وراءها..
المشاكل لا تحلّ بالبيانات:
إننا نقول لهؤلاء الذين كان بعضهم وراء الحرب اللبنانية، وفشل تجربة السلام الداخلي: إن مثل هذه الأمور لا تحل بطريقة إصدار البيانات الانفعالية، والمواقف المعقّدة، فقد جرّبوا سابقاً ولاحقاً مثل هذه الأساليب ولم يحصلوا منها على نتيجة، بل إن هذه القضايا تحل بالحوار القائم على دراسة الواقع من جميع جهاته بدقة وحذر ومسؤولية، بعيداً عن أي تحريض طائفي أو مذهبي، مع التأكيد على التكامل مع المؤسسات الدستورية التي تشكل المرجعية السياسية في أمثال هذه القضايا، على أساس المصلحة الوطنية العليا التي قد لا تجد أي موقع لها في هذه الظروف الدقيقة..
إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع في لجم الاندفاعات الطائفية المتحرّكة هنا وهناك، والتي تقدّم للبنانيين مناخات وأجواء شبيهة بتلك التي كانت سائدة أيام الحرب، ولذلك لا بد أن يتركّز السعي للوحدة على مستوى المسؤولين والسياسيين والفعاليات الدينية الإسلامية والمسيحية، ليمارس الجميع دورهم في تهيئة الأجواء للمحبة والتراحم والتواصل، والكف عن التحريض الممهّد للسموم الطائفية التي أدخلت البلد في المتاهات، وخرّبت على اللبنانيين بعضاً من ماضيهم وحاضرهم، ولا نريد لهذه السموم أن تخرّب مستقبلهم..
إننا نرى أن كل الأصوات التي تثير الحديث عن الوجود السوري في لبنان في المرحلة الحاضرة، قد تقترب من الجو الذي تثيره أمريكا ضد لبنان، أو تخطط له أمريكا لإرباك الواقع السياسي والأمني فيه، فليتق الجميع الله في كلماتهم ومواقفهم، رحمة بالبلد ومستقبله. |