ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبة سماحته :
مظاهر تجلي الكبر:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}، ويقول تعالى: {ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور}. في هاتين الآيتين توجيه للناس أن لا يعيشوا ضخامة الشخصية في أنفسهم، وأن لا يتحركوا من خلال انتفاخ الذات، بحيث ينعكس ذلك على سلوكهم في الواقع، فإذا مشوا فإنهم لا يمشون مشية طبيعية كما يمشي عباد الله، بحيث يرفع البعض كتفيه استعلاءً على الناس ويضرب الأرض بقدمه تعبيراً عن قوته، والبعض الآخر يلوي عنقه اختيالاً وتكبراً على الناس. إن الله تعالى يريد أن يقول لهؤلاء الذين تتمثل كبرياؤهم الساذجة في طريقتهم للحركة بين الناس: لماذا تتبختر في مشيك فتضرب الأرض بقدمك وترفع كتفيك؟ مهما رفعت كتفيك فهل تستطيع أن تبلغ السماء طولاً، ومهما ضربت الأرض بقدمك فهل تستطيع أن تخرقها؟ إمشِ بشكل طبيعي تعبيراً عن إحساسك بإنسانيتك وإنسانية الناس من حولك، إمشِ مشي عباد الله، لأنك ترهق نفسك بذلك ولن تحصل إلا على السخرية بك من الله ومن الناس.
معرفة الإنسان حجمه:
ويريد الله تعالى للإنسان أن يدرس حجمه، حجم عقله وموقعه العلمي، وحجم كل ما يملك من قوة هنا وهناك.. خذ حجمك من خلال الواقع، وعندما تعرف حجمك فإن عليك أن لا تُغمط أحجام الناس، لا تعش في داخل سجن ذاتك، إذا تطلعت إلى ما تملك من عقل فتطلع إلى العقول التي يملكها الناس، فربما كانت أكبر من عقلك، وربما كنت محتاجاً إلى عقول الناس في اكتمال عقلك، وإذا رأيت نفسك في موقع من العلم فعليك أن تنظر إلى ما يملكه الناس من علم، فلعل هناك من هو أعلم منك، وهكذا في القوة والمواقع.
فكّر إذا أردت أن تنطلق في الحياة أن الله سبحانه لم يخلقك وحدك، ولكنه خلقك جزءاً من مجتمع وأمة، ودورك هو أن تتكامل مع الناس الآخرين، أن تضم عقلك إلى عقولهم ولا تنكر عليهم عقولهم، أن تضم علمك إلى علومهم، وقوتك إلى قوتهم، حتى تتكامل الحياة بكم جميعاً، حتى لو كنت في موقع القمة فإن القمة لا بدّ أن ترتبط بالسهل والسفوح، لأن القمة تعتمد بارتفاعها على السفوح والأرض التي تقف عليها.
المتكبّر مأواه جهنم:
وهكذا، أراد الله تعالى للإنسان أن يبتعد عن الكِبْر، وكلنا نعرف أن الكبر رداء الله، فمَن تكبّر فكأنه نازع الله رداءه، وبذلك فإن الله يُخفض قدره، ونحن نعرف أن إبليس سقط من موقعه الكبير عندما كان يعبد الله مع الملائكة - كما ورد في الروايات - ولكن عندما رفع رأسه وقال، كما جاء في القرآن الكريم: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}، لما جعل عنصره الناري يتكبّر في شخصيته فيعصي الله في ذلك، خفضه الله وقال له: {فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين}. فهل يمكن للمتكبرين الذين يتكبرون ويتضخمون في شخصياتهم المالية أو العلمية، أو السياسية أو الاجتماعية، هل يمكن أن يحترمهم الله تعالى ويرضى عنهم وهم ينازعون الله رداءه؟!
وقد ورد في الحديث عن أئمة أهل البيت (ع): "العز رداء الله والكبر إزاره، فمن تناول شيئاً منه - بحيث تكبّر وتعزز على الناس لأي سبب من أسباب الكبر الذي قد يميّزه عن الناس - أكبه الله في جهنم". وورد في الحديث عن الإمامين الباقر والصادق(ع): "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فلا بدّ لك من أن تفرّغ كل قلبك بكل نبضاته ومشاعره وأحاسيسه من كل كبر، ليكون قلبك القلب المتواضع الذي يحفظ للناس مواقعهم ومقاديرهم وموازينهم.
أعظم الكبر جهل الحق:
وورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع) قال: "قال رسول الله (ص): إن أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق"، قيل: وما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال (ع): "يجهل الحق ويطعن على أهله - وهو الجاهل الذي تدفعه كبرياؤه إلى أن يتعامل مع الحق كما لو لم يكن حقاً فلا يعترف به، ويتكلم كلاماً سلبياً على أهله - فمن فعل ذلك فقد نازع الله عزّ وجلّ رداءه". وورد في الحديث عنه (ع): "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له "سقر" شكا إلى الله عزّ وجلّ شدة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفّس، فتنفّس فأحرق جهنم". وفي رواية أخرى عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: "إن المتكبرين يُجعلون في صورة الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب"، بحيث يمشي الناس عليهم كما يمشون على الذر، ليعاملوا بما يتناقض مع ما أرادوا لأنفسهم من الإحساس بالكبر.
وفي حديث عن الإمام الصادق(ع) يبيّن فيه الإنسان المتكبر الذي يمشي بالخيلاء أمام الناس بأن لديه عقدة ضعف وإحساس بالنقص، فيحاول أن يغطي ضعفه بهذه الطريقة، فيقول: "ما من أحد يتيه - والتيه هو الخيلاء - إلا من ذلة يجدها في نفسه"، وفي حديث آخر: "ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلا لذلة وجدها في نفسه"، فالكبر هو مظهر ضعف وليس مظهر قوة.
رصد النفس وملاحقتها:
لذلك، لا بدّ للإنسان أن يرصد نفسه ويلاحقها، لأن بعض حالات الكبر قد تحدث للإنسان من خلال بعض الخلفيات الذهنية التي ربما كان قد ورثها من وضع تاريخي في المجتمع، مثلاً في الحياة الزوجية، عندما ندرس شخصية الرجل في نظرته إلى شخصية المرأة بشكل لاشعوري، فإننا نجد أن الرجل يحمل كبرياءً لاشعورياً ضد المرأة.. القليل من الرجال من يحترم رأي امرأته أو يسمح لها أن تناقشه، أو يعطي امرأته حقها في أن تمارس إنسانيتها في حياتها كإنسان له علاقات كما للرجل علاقات، عندما يتزوج أحدنا امرأة فإنه يشعر أنها دخلت في سجن ذاته، بحيث ليس لها أن تتكلم إلا مع من يرضى أن تتكلم معه، وليس لها أن تناقشه في أي أمر حتى لو كانت تملك من الثقافة ما لا يملكه هو، تحت عنوان أن "الرجل تاج المرأة"، حتى لو كانت في أعلى درجات الثقافة وهو في أحط درجات الجهل، وهذه الكبرياء الساذجة تنطلق من إرث تاريخي في النظرة الدونية للمرأة منذ عهد الجاهلية..
كذلك، هناك حالة من كبرياء الأب تجاه أولاده، الذهنية العامة أن الأب لا يسمح لأولاده حتى لو كانوا يملكون علماً وتجربة أن يعترضوا عليه أو يناقشوه، وحتى لو أراد الولد أن يصحح للأب الأمي الذي لم يدرس الأحكام الشرعية صلاته، فيستنكر عليه ذلك..
التواضع لله:
الله تعالى يريد لنا أن نوازن الأمور بطريقة واقعية، وذلك أنك قد تملك موقعاً متقدماً في جانب ولكن غيرك قد يملك موقعاً متقدماً في جانب آخر، فعليك أن تتوازن في نظرتك إلى الآخر. عظمة الإنسان أن يعيش إنسانيته وأن يتواضع لله الذي خلقه، وأن يعيش واقعية الحياة، بأن الله تعالى لم يجعل لإنسان الكمال المطلق إلا لأنبيائه وأوليائه بما أعطاهم من درجات الكمال العليا، فعلى الإنسان أن يتواضع لله وللناس من خلال إدراكه لما عند الناس.
ويروى في عالم التواضع عن الإمام الباقر(ع) : "أتى رسول الله (ص) ملك فقال له: إن الله عزّ وجلّ يخيّرك بين أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً، فنظر إلى جبرائيل (ع) وأومأ بيديه أن تواضع فقال: عبداً متواضعاً رسولاً، فقال هذا الملك: مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئاً". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (ع) أن يا موسى أتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا ربّ ولمَ ذاك؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلّبت عبادي ظهراً ببطن، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي نفساً منك، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب".. وسأل شخص الإمام الرضا (ع) عن حدّ التواضع، فقال (ع): "التواضع درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين".
إن حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تجمعها حياتنا الدينية الإسلامية لا تتوازن ولا تستقر ولا تنمو إلا إذا استطعنا أن نعيش التواضع لله في عبوديتنا له، وتواضعنا لله هو أن نأتمر بأوامره في أنفسنا وفي الناس، وأن ننتهي بنواهيه في أنفسنا وفي الناس. إن معنى أن تكون مسلماً هو أن تكون أخلاقك إسلامية في نفسك وفي بيتك ومجتمعك وكل حياتك، أن لا تنظر إلى الناس من فوق بل تنظر إليهم في خط التوازن، وتذكّروا وأنتم تقرأون في كل ليلة جمعة "دعاء كميل": "وفي جميع الأحوال متواضعا"، وهذا يحتاج إلى جهد وجهاد كبيرين للنفس، والله يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وتواضعوا له، فمن تواضع لله رفعه، ومن لم يتواضع له خفّضه، وعندما نريد أن ننـزع الكبر من نفوسنا، علينا أن نقف في مواجهة المتكبرين في موقف احتقار لتكبرهم، وأن نواجه كل المستكبرين الذين يرون أنفسهم في الدرجة العليا على الناس، سواء كان هؤلاء المستكبرون ممن يملكون دولة أو محوراً أو موقعاً سياسياً واجتماعياً وما إلى ذلك، لأن الله أراد لنا أن نعمل على مواجهة المستكبرين في كل مواقعهم، ولا سيما إذا كان هؤلاء يعملون على أن يُسقطوا إنسانية الناس ويدمّروا مواقعهم واقتصادهم.. وعلى ضوء هذا، لا بد لنا في واقعنا السياسي الذي يضغط على الواقع الاقتصادي والأمني، أن نواجه المستكبرين من موقع واحد، وأن نقف في جبهة واحدة مع كل المستضعفين في الأرض، لأننا بذلك نُسقط الاستكبار ونأخذ موقعنا في الحياة في عزتنا وكرامتنا، ونؤكد إسلامنا من موقع قوة وعزة وكرامة.. فماذا يفعل المستكبرون في منطقتنا وفي كل مكان في العالم.. فلنحدد موقفنا من ذلك كله؟
ممارسات صهيونية بهلوانية:
لا يزال العدو الصهيوني يمارس هواياته وألاعيبه البهلوانية الإرهابية ضد السيادة اللبنانية، ويتمثل ذلك في الخروقات اليومية جواً وبراً، وفي استمرار احتلاله لأجزاء من الأراضي اللبنانية على مرأى ومسمع من الدول الكبرى، ومن الأمم المتحدة التي يعدنا أمينها العام بإرسال طائرات لتقصي الوضع، ووضع حد للخروقات الإسرائيلية.
إن هذه الاعتداءات المتواصلة من قبل العدو، إنما تتم بتغطية أمريكية واضحة، تترافق مع حثّ لبنان على إرسال جيشه إلى الجنوب، وكأن واشنطن تعد لبنان بإزالة هذه الخروقات ووقف الاعتداءات المتواصلة على سيادته، إذا ما قرر أن يسير الخطوة الأولى في الركب الذي تخطط له، وانطلاقاً من الجنوب أيضاً.
وعود فارغة للبنان:
إن واشنطن تريد للبنان أن ينزلق في هذه الخطوة الأولى تحت يافطة الوعود بالإسراع في عقد مؤتمر الدول المانحة، والذي نظن أنه لن يُعقد إلا على قاعدة أن ضمان أمن العدو يدخل في دائرة ضمان إعطاء لبنان والجنوب بعض الهواء الاقتصادي الذي يمكن أن يتنفّسه قبل الاختناق، لا على أساس حل المشكلة الاقتصادية الضخمة التي تسبب بها الاحتلال الصهيوني على مستوى البلد كله، والتي كانت السبب الرئيسي الذي جعل لبنان يدخل في دائرة الضعف الاقتصادي، ويقف على شفير الهاوية في هذا المجال..
إن ما يُقدَّم للبنان في هذه المرحلة شيئان: وعود وتهديدات، فإن هو رضخ لوجهة النظر الأمريكية في مسألة تحريك قواته الأمنية من النقطة التي تريدها واشنطن، ومن خلال الاعتراف بالقوة بأن الانسحاب الإسرائيلي قد تمّ وفقاً للقرار425، وأن هذا الانسحاب بات كاملاً، فإن لبنان سيأخذ مقابل ذلك سيلاً من الوعود التي لا بد أن تنتظر إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، أو يحصل على بعض "الجبن" من مساعدات عربية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تشكّل نسبة الواحد بالمائة من جملة الديون المتوجبة للبنان على هذه الدول، منذ مؤتمرات القمم العربية المتعاقبة، وصولاً إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في بيروت بُعيد الاعتداءات الصهيونية على البنى التحتية اللبنانية في شباط الماضي.
لن نرضخ للمطالب الأمريكية:
إن على الدولة اللبنانية أن تقول لواشنطن وللدول المانحة، التي لن تمنح على ما يبدو: لا نريد أن نُمنح وعوداً بالمساعدات على حساب سيادتنا، وعلى حساب الموقف الاستراتيجي في مواجهة العدو الذي لا يزال يحتل أجزاء من أرضنا، ويواصل تهديداته ضدنا.
ونريد للجميع أن لا يتحدثوا عن مساعدات، بل أن يطالبوا هذه الدولة وتلك بأن تمارس شيئاً من الضغوط على العدو لدفع التعويضات للبنان إزاء الدمار الذي ألحقه بالاقتصاد اللبناني، وبالبنى التحتية اللبنانية، والمجازر التي ارتكبها ضد اللبنانيين منذ عقود من الزمن.. إن أمريكا تعدنا بأن "تمنحنا" عطفها ووعودها إذا منحنا العدو حماية أمنية على حساب سيادتنا وقضايانا، ولن يكون لها ذلك، لا على مستوى الدولة، ولا على مستوى الشعب في لبنان.
تصفية القضية الفلسطينية:
وفي هذا الجو، إننا نراقب ما يجري على الساحة الفلسطينية، ولا سيما في حركة الزيارات الأمريكية الأخيرة، التي تأتي في إطار الضغط على الفلسطينيين للنزول عند الشروط الإسرائيلية التي يريدها العدو أن تكون خاتمة المطاف ليُعلن بعدها إقفال ملف القضية الفلسطينية.
لقد عملت أمريكا وتعمل على الهبوط بالمسألة الفلسطينية من كونها قضية كبرى تمثل قضية شعب وأمة، وأجيال صودر مستقبلها، إلى أن تكون مجرد تفصيل من التفاصيل الإسرائيلية الداخلية، وما الاستعجال لعقد قمة "ثلاثية" إلا بمثابة الإعلان النهائي عن اقتراب حفل الختام للقضية على قاعدة أن اللاءات الإسرائيلية الثابتة في القدس والمستوطنات واللاجئين، وحتى في موضوع الأسرى، هي الأمر الواقع الذي لا خيار للفلسطينيين أمامه. وإن تهديد "باراك" بضم الأراضي التي هي في عهدة ما يُسمى بالسلطة الفلسطينية إذا ما تم إعلان الدولة الفلسطينية من قبل هذه السلطة، يشير إلى طبيعة اللعبة الأمريكية – الإسرائيلية المتحركة في خط الضغط على الفلسطينيين، ليقبلوا – بالقوة – بما ترسمه أمريكا وإسرائيل، وهو تأكيد إضافي بأن الصهاينة لا يؤمَن لهم في أي شيء، وهو درس للفلسطينيين نأمل أن يستفيد منه العرب واللبنانيون أيضاً.
إننا نقول للفلسطينيين: إن ثمة خياراً أمامهم لا يزال ممكناً، ويتمثل في عدم إغلاق الطريق أمام الانتفاضة. إننا نسأل الذين ساروا بهذه اللعبة منذ البداية، وارتضوا بأن تصل المسألة إلى مساحة المساومة على الشعب والقضية والقدس وغير ذلك: هل بقي شيء في كأس المفاوضات يريدون أن يشربوه، وهل أبقت لهم إسرائيل وواشنطن شيئاً من أوراق التوت؟! وإذا كانت المسألة كذلك فهل بقي أمامهم من خيار سوى أن يتحضّروا للمواجهة، أو فليبتعدوا عن طريق الشعب الفلسطيني، وليرفعوا قبضاتهم عن صدره حتى يتمكن من إعادة القضية إلى نقطة الصفر، وإعادة حقه في تقرير مصيره إلى الواجهة.
أين الدولة من وعودها؟!
وأخيراً، إن الأزمات الاقتصادية الداخلية تتلاحق وتتفاقم، فمن مشكلة الكهرباء، إلى الارتفاع المتواصل لسعر البنزين، إلى الكساد الذي يضرب أسواق المزارعين ومنتوجاتهم جراء عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة.
إننا نسأل: إلى أين بعد كل هذه الكوارث، وهل بقي من خشبة يتمسك بها الفقراء؟ إننا نسأل الدولة عن وعودها بالمعالجة، ونقول لا يزال أمامنا فسحة أمل، فلا تقتلوا فسحة الأمل هذه، لأن ذلك لن يكون إلا لحساب العدو وعلى حساب لبنان. |