ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبة سماحته الأولى:
السابع عشر من شهر ربيع الأول تتزاوج فيه مناسبتان، مناسبة ولادة محمد(ص) - على حسب المشهور في روايات المسلمين الشيعة - ومناسبة ولادة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع). ونحن عندما نلتقي بذكرى ولادة الإمام الصادق(ع)، فإننا نستذكر كل هذه الحياة العلمية الروحية الواسعة التي ملأ بها(ع) الساحة الإسلامية، في مختلف فنون المعرفة، وقد تمكّن برحابة صدره وسعة فكره وانفتاحه الثقافي على الناس كلهم، أن يتجاوز الكثير من العقد، حيث لم يكن يجد مشكلة مع من يختلف معه في الفكر، فكان يجلس مع الملاحدة والزنادقة وأهل الكتاب، ومع الذين لا يؤمنون بخط الإمامة، ومع مختلف الفرق الإسلامية، لا سيما تلك التي تتنوع في سلوكياتها الروحية كالمتصوفة مثلاً، وكان يفتح للجميع عقله، ويحاول أن يستمع إلى كل أفكارهم، ويرد على كل شبهاتهم، ويجيب عن كل إشكالاتهم، بحيث كانوا ينحنون له ولعلمه وروحانيته احتراماً وإعجاباً وخضوعاً.
الإفاضة بمشاعر الحب:
ونكتفي بشهادة أحد أئمة المذاهب آنذاك وهو "مالك بن أنس" الذي كان يجلس إلى الإمام الصادق (ع)، وكان يتحدث عنه فيقول: كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمد فيقدّم لي مخدته، ويعرف لي قدراً - لأن مالك بن أنس كان من فقهاء السنّة ومن أئمة مذاهبهم - ويقول: "يا مالك إني أحبك"، فكنت أسر بذلك - حيث كان الإمام(ع) يفيض بمشاعر الحب حتى للذي يختلف معه في الخط المذهبي، على أساس أنه يحب علمه وخلقه - وأحمد الله عليه، وكان رجلاً لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائماً وإما قائماً وإما ذاكراً- بحيث كانت حياته كلها عبادة لله في الصيام بالنهار والقيام بالنهار والليل والذكر لله، سواء كان منفرداً بنفسه أو كان مع الناس - وكان من عظماء العبّاد وأكابر الزهّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ، وكان كثير الحديث - فيما يفيض به من الأحاديث عن رسول الله (ص) وعما يفتح للناس عقولهم على معرفة الله وعلى كل خطوط الثقافة الإسلامية - طيّب المجالسة، كثير الفوائد - لم يجلس إليه أحد إلا ويستفيد منه علماً أو خلقاً أو روحانية أو رد شبهة أو تصحيح مسار أو استقامة طريق - فإذا قال: "قال رسول الله"، اخضّر مرة واصفّر أخرى - كان يعظّم رسول الله (ص )، فكان إذا ذكره وهو ينقل الحديث عنه تأخذه حالة من الخشوع لذكره - حتى يُنكره من كان يعرفه - بحيث تتغيّر صورته عندما يخشع لذكر رسول الله - ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخرّ من راحلته، فقلت: قل يابن رسول الله ولا بد لك من أن تقول، فقال: "يابن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول عزّ وجلّ لي: لا لبيك ولا سعديك"، كأنه يقول: يابن أبي عامر، إن الذي يريد أن يقف بين يدي خالق السموات والأرض لا بدّ أن تنطلق التلبية التي تعني "إجابة لك بعد إجابة" من كل أعماقه، بحيث يطّلع الله على عقله وقلبه فيرى صدقه وخشوعه..
هكذا كان الإمام الصادق(ع)، وهو مَن هو في القمة في معرفة الله تعالى، وهو مَن هو في العصمة عن كل الذنوب، وهو مَن هو في الإخلاص لله!!..
التلبية الحقة:
لذلك، يريد الإمام الصادق (ع) أن يعلّمنا من خلال هذا الموقف أن على الإنسان أن يعيش معنى الكلمات التي يقولها، فعندما يقول: لبيك اللهم لبيك، فلا بد أن يعيش معنى التلبية في كل عمقها وصدقها وبكل ما تحمل من مشاعر وأحاسيس ومواقف أمام الله. كذلك عندما نقول: الله أكبر، فلا بد لنا من أن نتصوّر أن الكبار كلهم في الدنيا صغار أمام الله تعالى، أن لا نكبّر أحداً إلى جانب الله، الله أكبر من كل دولة وقيادة وصاحب ثروة وصاحب سطوة، هو الأكبر وكل ما عداه أصغر، فلا يجوز أن نقول "الله أكبر" والقلوب ممتلئة بالكثيرين من الناس الذين تخشع لهم، حتى إذا ذكروا نسوا الله، {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}..
نحن الآن في ذكرى الإمام الصادق (ع) الذي امتدّ به العمر أكثر من باقي الأئمة(ع)، فقد كان عمره يوم وفاته خمساً وستين، فكان عمره عمر العطاء في كل شيء، مما يمكن أن تتسع له حياته وعمره، ولا بد لنا - أقولها لكل الناس من العلماء والمثقفين والمؤمنين - من أن ندرس تراث الإمام الصادق (ع)، لأن من يدرس هذا التراث بكل سعته وشموليته فإنه يتعرّف إلى الإسلام الحق الأصيل في كل مفرداته وخطوطه في العقيدة والمنهج والشريعة والحياة وفي السلوك.
الصبر أمام التحديات:
وقد كان الإمام الصادق (ع) الصابر أمام كل التحديات التي واجهها في حياته، ممن عايشهم من خلفاء بني أمية وبني العباس، كما عاش الأئمة(ع) وجدهم رسول الله(ص) أقصى حالات الصبر أمام أقسى حالات البلاء والتحدي، وهذا ما نعيشه الآن، حيث في كل واقعنا الإسلامي كله نواجه الكثير من ألوان البلاء في عقيدتنا وشريعتنا واقتصادنا وأمننا وسياستنا من كل المستكبرين والكافرين والظالمين والمنحرفين، وربما يسقط البعض منا فيخرج عن دينه والتزامه وموقفه طمعاً في مال هنا أمام رغبة تخاطبه، أو خوف من خسارة هناك تخاطب ذاته، والكثيرون يسقطون في الطريق ويبقى الصابرون، ولذلك لا بدّ من أن نستمع إلى الإمام الصادق(ع) وهو يحدثنا عن الصبر، بعد أن نتلو بعض الآيات التي تحدثنا عنه.
{ولنبلونّكم - نختبر إيمانكم وثباتكم - بشيء من الخوف - عندما تأتي الهزائز السياسية والأمنية - والجوع - أمام المشاكل الاقتصادية - ونقص من الأموال والأنفس والثمرات - لنعرف هل تصبرون أمام البلاء أم تسقطون أمامه وتبتعدون عن ربكم ونبيّكم ودينكم لتكون الدنيا عندكم أفضل من الآخرة، ولتكون شهواتكم أعظم عندكم من مبادئكم - وبشّر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة - في أنفسهم أو أموالهم وأوضاعهم - قالوا إنّا لله - إقراراً لله بالملك، فالله هو الذي يملكنا والمالك له الحق أن يتصرف بملكه كيفما يشاء - وإنّا إليه راجعون - وما هي الجائزة إذا صبرت على الألم والبلاء والجوع والحرمان - أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة - وأية درجة أعظم من درجة أن يصلي الله عليك، والصلاة من الله هي المغفرة والرضوان وعلو الدرجات والرحمة، ورحمة الله وسعت كل شيء، فبرحمته يرزقنا ويعافينا ويهيىء لنا كل الظروف لتكون حياتنا سعيدة - وأولئك هم المهتدون}.. ويرد الله تعالى على الفكرة الموجودة عند بعض الناس الذين يرون أن الصبر هو نوع من أنواع الضعف، فيقول تعالى: {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}، فالصبر مظهر قوة، وأن تصبر معناه أنك تستحضر عقلك ليفكر، وحساباتك لتدرس نتائج الربح والخسارة، أن تصبر يعني أن تخطط وتجعل إرادتك في موقع القوة، فلا تحكم عليك شهواتك وغرائزك..
الصبر مفتاح الحرية:
ونقرأ في أحاديث الإمام الصادق (ع) - وكلام أئمة أهل البيت (ع) هو كلام القرآن، يفصّلون لنا كل معانيه - فيقول: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"، فالإنسان الذي يهتز أمام أي بلاء معناه أنه لا يملك الإيمان، لأن الإيمان يعلّمك الثبات والتماسك لتستحضر عقلك وتثبّت إرادتك وتخطط لحركتك.
ويربط الإمام الصادق (ع) بين الصبر وبين الحرية - وكلنا ينادي بالحرية - أن تكون حراً أن لا تبيع نفسك وموقفك، ولا تسقط ولا تهتز حتى لا يستعبدك الآخرون، حيث إن الحرية لا تصدر بمرسوم ولا تأتي من الخارج، قد تكون حراً عندما تملك كلمتك وموقفك وكل إنسانيتك حتى وأنت في داخل الزنزانة، وقد تكون عبداً حتى وأنت في الساحة الواسعة، لأن الحرية تنطلق من الداخل والعبودية تنطلق من الداخل، عندما يكون فكرك حراً وإرادتك حرة وموقفك حراً بحيث تزول الجبال ولا تزول، فأنت الحر، أما عندما تجوع فتستعبد نفسك لمن يعطيك اللقمة، وعندما تخاف فتستعبد نفسك لمن يعطيك الأمن، فإنك لست حراً حتى لو انطلقت إلى أعالي الفضاء وتحركت في آفاق الأرض، فاسمعوا الإمام الصادق(ع) كيف يعطينا خط الحرية، يقول: "إن الحر حرٌ في جميع أحواله - في السجن وفي خارجه، في حالتي الشدة والرخاء، لأن الحر يستمد حريته من داخل ذاته ومبدئه وفكره - إن نابته نائبة - أصابته مصيبة - صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب - بحيث اجتمعت المصائب على رأسه من جميع الجهات - لم تكسره وإن أُسر وقُهر - لأن الأسر ربما يقيّد جسده ولكنه لا يقيّد عقله ولا يُسقط موقفه - واستُبدل باليسر عسراً، كما كان يوسف الصدّيق (صلوات الله عليه)، لم يضرر حريته أن استُعبد وقُهر وأُسر، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله، إلى أن منّ الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبداً إذ كان مالكاً، وأرسله ورحم به أمته، وكذلك الصبر يعقب خيراً، فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا".
ويتحدث الإمام الصادق (ع) عن قيمة الصبر والإنسان في قبره مع الملكين، فيقول: "إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ مطلّ عليه، ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه"، فإذا حصل نقاش في الصلاة والزكاة وعمل الخير فإن الصبر ينجيه، ومعنى ذلك أن الإنسان إذا عاش حياته صابراً صبر الأحرار، فإن الصبر مع الإيمان ينقذه من كل أهوال الآخرة وعذاباتها، وتذكّروا قول الله تعالى: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله واصبروا وصابروا ورابطوا، فإن للصبر دوره في حياتكم الشخصية، عندما تصبّرون أنفسكم على طاعة الله وعن معصيته وعلى بلائه، اصبروا فيالسراء والضرّاء وحين البأس، اصبروا في حالات الفقر والمرض، وفي حالات الصراع مع العدو، لأن الله يريد للإنسان أن يكون المؤمن الذي يستمد صبره من خلال استمداد قوته من الله تعالى، فإن لله القوة والعزة جميعاً، ونحن بحاجة إلى أن ننمي طاقة الصبر في نفوسنا من خلال ما نقدّمه لنفوسنا من النتائج الإيجابية للصبر، والنتائج السلبية للجزع والسقوط، فلنربي أنفسنا على الصبر ولنتواصَ به، حتى تقف الأمة في ساحات المواجهة قوية قادرة على مواجِهة كل التحديات، لأن أعداء الله من الكافرين والمستكبرين والظالمين يعملون على أن يحشدوا أمامنا كل ألوان البلاء والتحديات والمخاوف من أجل أن يُسقطوا إيماننا وحريتنا وعزتنا وكرامتنا، وعلينا أن نستمع إلى قول الله لرسوله: {واصبر وما صبرك إلا بالله}..
وفي هذه المرحلة نحتاج إلى المزيد من الصبر على مشاعرنا، حتى لا تطفح مشاعرنا فتغلبنا على عقولنا، وأن نصبر على عصبياتنا حتى لا تتحرك عصبياتنا فتُسقط لنا وحدتنا، ونصبر على كل المشاكل التي تحيط بنا حتى نعرف بالصبر كيف نفكر ونخطط لنحلها حلاً صحيحاً، فماذا هناك؟
التزام أمريكي مطلق بإسرائيل:
لا تزال الساحة السياسية في لبنان مشغولة بقرار الأمم المتحدة حول الانسحاب الإسرائيلي، حيث حاول أمينها العام من خلال زيارته إخراج المنظمة الدولية من مأزق البيان الصادر عنها، الذي يؤكد حصول الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، في الوقت الذي يعترف فيه بـ"الانتهاكات الإسرائيلية للحدود"..
ويبقى السجال حول هذا الموضوع خاضعاً لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك السيطرة على الأمم المتحدة، لتؤكد بعض القرارات الصادرة عنها إذا كانت في مصلحة إسرائيل، وتهمل أكثرية القرارات التاريخية إذا لم تكن في مصلحتها، ما يجعلنا نشعر بأن أية مشكلة عربية – إسرائيلية تتحوّل إلى مشكلة عربية – أمريكية، لأن أمريكا تلتزم إسرائيل بالكامل، وهذا ما ينبغي للدولة اللبنانية وللمقاومة أن تستوعباه في عملية الجدال مع الأمم المتحدة بشخص أمينها العام الذي لم يستطع الخروج من مأزقه حتى الآن، فليست هناك أية مصلحة في تقديم أي تنازل له في ذلك.
ولا بدّ من دراسة الخطة الأمريكية التي تعمل على منع امتداد الانتصار اللبناني، وتطويق آثاره على المنطقة، ولا سيما في فلسطين. كما أن علينا أن نراقب – جيداً – الخطة الإسرائيلية الجديدة التي تقوم بانتهاك السيادة اللبنانية هنا وهناك، من أجل إشغال الواقع الرسمي اللبناني، وإرباك الأمم المتحدة، بالطريقة التي تأكل عنفوان التحرير، وتقود المرحلة للاستغراق في الجزئيات، وهذا ما يؤكد ضرورة بقاء المقاومة على حالة الاستعداد في مواجهة أي طارئ.
وإلى جانب ذلك هناك قضية المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وفي مقدمتهم الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني، لا سيما أمام التطور الجديد الذي شهدته هذه القضية بعد إصدار قانون إسرائيلي يبيح للحكومة الصهيونية الاستمرار في اعتقالهم إلى ما لا نهاية كرهائن للابتزاز والمقايضة، فلا بدّ من دراسة كل الوسائل الممكنة على جميع المستويات لتحريرهم.
السلطة الفلسطينية..مزيد من التنازل:
وفي هذا الجو الضبابي، تزور وزيرة الخارجية الأمريكية المنطقة، من أجل تسهيل المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، لإخراج حكومة العدو من المشاكل الداخلية التي تعصف بها، والضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات بتأجيل البحث في القضايا المصيرية كالقدس وعودة اللاجئين والمستوطنات، لإيجاد فرصة لعقد قمة ثلاثية أمريكية – إسرائيلية – فلسطينية في كامب ديفيد، للتوصل إلى اتفاق إطار لاتفاقية التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية التي لن تكون على أي حال في مصلحة الشعب الفلسطيني، الذي تقدم الإدارة الأمريكية إلى قيادة سلطته المدائح بأنها تتحلى بالواقعية والمرونة، مقابل المزيد من التراجعات عن المطالب الحقة.
وفي هذا الإطار، فإننا نتابع التململ الشعبي الفلسطيني الذي قد يتحوّل إلى انتفاضة جديدة ضد الاحتلال، ما دفع العدو إلى نشر تعزيزات من المدرعات والآليات في غزة، وإطلاق تهديدات بالقصف بالطائرات، تحسباً لاندلاع مواجهات مع المواطنين الفلسطينيين، تحت تأثير إمكانية فشل المفاوضات.. إن علينا مراقبة هذه التطورات التحريرية في فلسطين، وندعو الشعوب والحكومات العربية والإسلامية للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال في أوج حيويته السياسية والجهادية، بالرغم من كل الضغوط المطبقة عليه، والحصار الذي يحيط به.
أمريكا..زعزعة الاستقرار:
وفي الإطار الأمريكي – الإيراني، نلتقي بتصريح قائد القوات الأمريكية في الخليج، بأن إيران "لا تزال تشكّل تهديداً لمنطقة الخليج برغم الإصلاحات السياسية التي شهدتها"، والذي عبّر عن "قلق" الولايات المتحدة لما وصفه بـ"دعم إيران للإرهاب وخلافاتها مع دول عربية خليجية، بما فيها الخلافات مع الإمارات حول الجزر الثلاث"..
إن أمثال هذه المواقف الأمريكية سوف تتكرر بين وقت وآخر، لأنها تشكّل أكبر المبررات للوجود العسكري الأمريكي في الخليج، من خلال العمل على تخويف الخليجيين من إيران، والإيحاء بأن الوجود الأمريكي يمثل الضمانة لاستقرار الوضع في بلدان الخليج..
إن سيـاسة التهويل الأمريكية هذه تستهدف وقف الاندفاعة في العلاقات الخليجية – الإيرانية، وقطع الطريق على محاولات الحل للمشاكل العالقة، وإننا ندعو دول الخليج إلى الوعي والحذر من هذه الخطة الخبيثة التي لا تريد لشعوب المنطقة الخير والاستقرار، بل كل ما عندها هو إبقاء السيطرة الأمريكية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً على الخليج كله.
لبنان: الحذر من إثارة الحساسيات:
وأخيراً، إن الواقع اللبناني الداخلي بحاجة إلى الكثير من التخطيط والمراقبة والرعاية على الصعيد السياسي، الذي نخشى عليه الدخول في كثير من المتاهات، بفعل بعض الثغرات المفتوحة التي قد ينفذ منها الكثيرون الذين يريدون الشر بالبلد، وبفعل بعض الإثارات المعقّدة التي قد يتحرك بها البعض حول بعض القضايا الحسّاسة المثيرة للجدل، ما قد يؤدي إلى حرق المراحل، والإساءة إلى الوحدة الوطنية، وتحويل بعض الحساسيات الطائفية إلى مشكلة عامة في خدمة مشاريع العدو على حساب الوطن كله.
هذا بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الصعبة، ولا سيما في المناطق المحررة التي هي بأمسّ الحاجة لأن تشعر بأنها قد عادت إلى الوطن بشكل جدّي، من خلال مسؤولية الدولة عنها بشكل سريع ومباشر. |