ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الدينية:
في آفاق مدرسة الإمام زين العابدين(ع)
-ولادتـه(ع) ونسبـه:
في الخامس والعشرين من شهر محرّم الذي يصادف يوم الأحد القادم، تمر علينا ذكرى وفاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، ولا بدّ لنا من وقفة مع هذا الإمام، لأن الوقفة مع أيّ إمام من أئمة أهل البيت(ع) تعطينا غنى في الروح، وثراءً في العقل، وحركة في الطريق المستقيم، لأن الأئمة من أهل البيت(ع) عاشوا لله ولم يعيشوا لأنفسهم، وعاشوا للناس يهدونهم السبيل السوي، ويتابعونهم في كل قضاياهم.
الإمام علي بن الحسين(ع) وُلد في حياة جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، من أب هو سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي(ع)، ومن أم هي بنت أحد ملوك فارس، وهو الملك "يزدجرد"، حيث جيء بابنتيه في أسرى فارس بعد انتصار المسلمين عليهم، وتزوّج الحسين(ع) إحداهما وولدت علي بن الحسين(ع)، وفي هذا قال الشاعر:
وإن وليداً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم
-شاهد كربلاء:
وعاش الإمام زين العابدين(ع) مع جده أمير المؤمنين(ع) سنتين، ومع عمه الحسن(ع) بعد ذلك عشر سنوات، وكان عمره يوم الطف، كما تقول كتب السيرة، اثنين وعشرين سنة. عاش(ع) مأساة الطف بكل قساوتها، وقد أثّرت في نفسه ـ وهو الصابر ـ كثيراً، وكان يقول لبعض أصحابه: "والله ما نظرت عيناي إلى عمّاتي وأخواتي إلا وذكرت فرارهنّ يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء، والقوم يصرخون: احرقوا بيوت الظالمين"..
-من وصـايا الحسين(ع) له:
وكان أبوه الحسين(ع) يجلس إليه بين وقت وآخر، يحاوره ويلقي إليه بوصاياه، قبل أن ينطلق إلى المعركة، ومن بعض وصاياه ما قاله(ع): "أوصاني أبي حين حضرته الوفاة، قال: يا بني، اصبر على الحق وإن كان مراً"، إننا قوم منذ زمن رسول الله(ص) التزمنا الحق، والله تعالى هو الحق، والتزمنا الإسلام لأنه دين الله الحق، والتزمنا خطّ رسول الله(ص) الذي جاء بالصدق وصدّق به، والتزمنا خط علي(ع) الذي هو خط رسول الله وخط القرآن، لأن علياً(ع) أحبّ الله ورسوله كما لم يحبهما أحد، وأحبه الله ورسوله كما لم يحبا أحداً.
لذلك، نحن مع الحق مهما كلّفنا ذلك، لأن الحق قد يكلّف الإنسان الكثير من جهدٍ وتضحية وتحديات، لأن الناس تنفتح على الباطل أكثر مما تنفتح على الحق، وفي الباطل حلاوة وإن كانت في البدايات، وفي الحق مرارة في البدايات ولكنّ حلاوته في النهايات. لذلك، من يلتزم الحق لا بدّ له أن يصبر على مسؤولية الالتزام به، وقد عاش الإمام زين العابدين(ع) وصية الحسين(ع) بكل ما فيها من موقف وتضحية، لأنه إمام الحق، ولأنه انطلق من أجل أن يعطي الناس الحق في الشريعة والعقيدة والسياسة وفي كل الحياة.
وينقل الإمام زين العابدين(ع) مما يرويه ولده الإمام الباقر(ع)، أن الحسين(ع) أوصاه عندما حضرته الوفاة: "إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، الظلم قبيح ومحرّم ضد كل أحد، وعليك أن تعطي لكل صاحب حق حقه.. قد تكون فقيراً ويكون الغني صاحب حق، وقد تكون ضعيفاً ويكون القوي صاحب حق، فأعطِ كل ذي حق حقه، ولكن قساوة الظلم تكبر عندما يكون المظلوم ضعيفاً، وتستغل قوتك المالية والسياسية والسلاحية والاجتماعية لتأكل حقه، ويلتفت هذا الضعيف يمنة فلا يجد معيناً، ويلتفت يسرة فلا يجد معيناً، فيرفع رأسه إلى ربّ العدل ويقول: يا عدل يا حكيم، انتصر لي من فلان فإنه ظلمني..
-هل نلتـزم وصيـة الحسين(ع)؟
وكأن الحسين(ع)، وهو يوصي ولده في يوم عاشوراء قبل أن ينطلق إلى المعركة، أراد أن يقول لولده: يا بني، لقد خرجت في كل مسيرتي هذه ووقفت أمام الظالمين من أجل أن أُنقذ المستضعفين الذين لا يجدون ناصراً إلا الله.. ولذلك ينبغي أن يستمر هذا الخط لأنه خط الإسلام الذي جسّده أهل البيت(ع) في مواقفهم، ونحن الذين نبكي الحسين(ع) ونعيش الحزن على مأساته، ونحمل شعارات كربلاء، هل لنا أن نعي هذه الوصية الحسينية قبل أن ينفتح الحسين على كل جراحاته في كل عمق المأساة، لنتصوّر الحسين(ع) وهو يعيش الجراح في قلبه قبل أن يعيشها في جسده، يعيش الجراح التي تنزف لأنه يتصوّر أن هناك مظلومين لا يجدون ناصراً إلا الله؟ هل نلتزم وصية الإمام الحسين (ع) ومنا من يظلم زوجته التي لا تجد عليه ناصراً إلا الله، ومنا من يظلم ولده الصغير، أو جاره إذا كان ضعيفاً، أو العامل والموظف عنده، أو الضعفاء إذا كان يملك قوة سياسية وجاهاً وسلاحاً، ونبكي على الحسين، ويبكي المظلوم على ظلمنا له، فأيّ دمعة هي الدمعة التي تمثل كل مبادئنا؟! من يبكي على الحسين(ع) لا بدّ أن يمسح دمعة المظلومين، ولا يحاول أن يتصرف تصرفاً يُجري دمعتهم.
-أدعيته(ع) منهج أخلاقي:
وقد وقف الإمام زين العابدين(ع) وقال كلمة الحق والعدل أمام ابن زياد وفي مجتمع يزيد، وكذلك في المدينة، وإن مشكلتنا في تصورنا للإمام زين العابدين(ع)، أن كثيرين من الناس يصوّرونه باكياً دائماً، أو أنهم يصوّرونه داعياً لله كما لو كان الدعاء هو كل أسلوبه، لقد دعا الإمام زين العابدين(ع) أدعية تمثل أعلى أساليب الدعاء لله تعالى، لأنها ليست مجرد ابتهالات إنسانية أمام الله، ولكنها تمثل فكر الإسلام، في مكارم الأخلاق وفي المنهج الأخلاقي، كما أنه في دعائه في الصباح والمساء يضع لكل إنسان مسلم برنامجه اليومي الذي يجب أن يتبعه ليكون يومه يوماً إسلامياً. ولم يترك الإمام(ع) أيّ مناسبة يفتح فيها عقول الناس على الله، وعلى الحديث مع الله، وعلى تصوّر كل القضايا التي ترتفع بالإنسان في أخلاقه وفي علاقاته مع الناس، إن أدعية الإمام زين العابدين(ع)، ولا سيما أدعية الصحيفة السجادية، هي التي أوجدت ثورة في عالم حركة الدعاء في كل قضايا الإنسان وتطلّعاته، ولكن الإمام(ع) لم يكتفِ بالدعاء في الأسلوب التثقيفي والاحتجاجي، بل إنه(ع) ملأ المجتمع الإسلامي علماً، ولو قرأنا أحاديثه الفكرية والفقهية والاجتماعية، لرأينا ثروة كبيرة في الثقافة الإسلامية، ولو درسنا الأساتذة الذين كانوا يمثلون أعمدة الثقافة الإسلامية في عهده، لرأينا أن الإمام زين العابدين(ع) هو أستاذ كل الجيل الذي قاد الثقافة الإسلامية آنذاك، ولذلك لا بدّ أن نعرف الوجه الآخر للإمام(ع)، وقيمة أئمتنا(ع) أنهم في كل تراثهم جمعوا الإسلام كله، ولم يقتصروا على باب دون باب، وعلى موقعٍ دون موقعٍ..
وعاش الإمام زين العابدين(ع) كل حياته معلّماً، عابداً، زاهداً، داعياً، موجهاً، محركاً للواقع كله، وكان يؤكد للناس أنه ليس بين الله تعالى وبين أحد قرابة يعطيه بها خيراً أو تدفع عنه شراً إلا العمل، حتى أنه كان لا يعتبر الانتساب إلى رسول الله(ص) ـ وإن كان هو النسب الأعلى فيما تتميز به الأنساب ـ عنصراً يقرّب الإنسان إلى الله إذا لم يقرّبه العمل. رآه بعض الناس وهو يبكي في سجوده، وتحدث معه بعد ذلك ليذكره: هل تبكي ولك في الطريق إلى الجنة جدك رسول الله، وأبوك وأمك الزهراء(ع)، وأجابه الإمام زين العابدين(ع) أن القيمة الإسلامية التي تمثل القرب إلى الله والدخول إلى الجنة هي بما يملكه الإنسان من سموّ الإيمان واستقامة العمل، فقال له(ع) : "دع عنك ذكر أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً"..
قصة أن تكون مع الله، أن يكون عقلك مع الله في إيمانك، وأن يكون قلبك مع الله في محبتك، وأن تكون حياتك مع الله في استقامتك. والإمام زين العابدين(ع) كان يتحرك في هذا الخط لكي يؤكده، كما كان(ع) يؤكد أن انتساب أي إنسان إلى رسول الله(ص)، لا يمثل أي أساس لاحترام الناس وتعظيمهم له، إذا لم يؤكد ذلك بالعمل، لأن هذا الانتساب مسؤولية، فعندما تريد من الناس أن يحترموك، عليك أن تفكّر ماذا قدمت للناس ليمنحوك هذا الاحترام.
ويذكر كتّاب سيرة الإمام زين العابدين(ع) أنه كان لا يسافر في أيّ سفر إلا مع قوم لا يعرفونه، وذهب بسفر مع قوم لا يعرفونه، ونزلوا في بعض مراحل الطريق، وكانت القافلة تكلّف أفرادها القيام ببعض الخدمات، فأوكلوا إلى الإمام زين العابدين(ع) أن يجمع الحطب، وذهب(ع) ليجمع الحطب كأيّ شخص من أشخاص القافلة، وجاءت قافلة أخرى من الطريق الآخر ونزلوا إلى جانب هذه القافلة، وكان فيها من يعرف الإمام زين العابدين(ع) الذي كان معروفاً بعظمته وإن كان البعض لا يعرفونه بشخصه، فعندما رآه أحد أفراد القافلة الآتية، جاء إلى القافلة التي كان الإمام معها وقال لهم: ويلكم، أتعرفون من هذا الذي كلفتموه بجمع الحطب؟ قالوا: رجل من أهل المدينة! فقال: هذا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب! فجاءوا إلى الإمام معتذرين، وسألوه: لماذا لم تعرّفنا بنفسك؟ فقال - وهو في موقع التواضع - : لقد رافقت قوماً يعرفونني فأعطوني برسول الله مالا استحق - وهو يستحق فوق ذلك - وما أحب أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله..
التشيـع ولايـة في العمق:
هذا هو الإمام زين العابدين(ع)، الذي لا بدّ لنا أن نهتدي بهديه، وأن نعيش في آفاقه بكل روحيته وأدعيته وعلمه، وذلك هو معنى أن تكون مسلماً شيعياً، أن تعيش التشيّع عقلاً في عقلك، وعاطفة في قلبك، ومنهجاً في خط الاستقامة في حياتك، ليس التشيع مجرد حب في السطح، ولكنّه ولاية في العمق، أن تسير حيث ساروا وأن تقف حيث وقفوا، كما قال الإمام الباقر(ع): "والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يعرفون بالتواضع والتخشّع وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، أفحسب الرجل أن يقول إني أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفيكفي الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل سنّته!! من كان ولياً لله فهو لنا ولي، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع عن محارم الله".
الخطبة السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في كل ما تؤكدونه من مواقف، فللموقف تقواه، سواء كان موقف تأييد أو موقف رفض.. وعلى الإنسان إذا أراد أن يتخذ أيّ موقف في واقع سياسي أو اجتماعي أو ديني، فلا بدّ له أن يتطلع إلى الله تعالى ليستنطق كتابه وسنّة رسوله، لأنك سوف تقف أمام ربك لتجادل عن نفسك، فهل تملك أن تدافع عن موقفك؟ اتقوا الله في كل ما تتحمّلون مسؤوليته، وقد تكون المسؤولية فردية في حياتك الخاصة، وقد تكون اجتماعية في حياتك كجزء من المجتمع، وقد تكون المسؤولية سياسية في موقفك وحركتك في الخط السياسي هنا وهناك. ولذلك، لا بدّ أن تنطلق على أساس أنك مسؤول، فتعالوا لنعرف ماذا لدينا في الواقع الإسلامي كله، وكيف نتحمّل مسؤولية ذلك كله، كلٌ بحسب قدرته وظروفه..
الانسحاب الصهيوني ودور الأمم المتحدة
لا يزال الحديث عن الانسحاب الصهيوني من لبنان يشغل الوضع المحلي والإقليمي والدولي، حيث يدور الكلام عن تنفيذ العدو لأول قرار من قرارات الأمم المتحدة المتصلة بعدوانه، تحت تأثير حاجته إلى الإخراج السياسي الذي يمنحه بعض التأييد في الرأي العام العالمي. ولكن لا بدّ من إثارة ملف القرارات الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة، ولا سيما المتعلقة بعودة اللاجئين إلى أرضهم، مما يحل مشكلة الفلسطينيين في لبنان والجدل الدائر في لبنان حولهم.
وإذا كانت مهمة المبعوث الدولي في المنطقة هي ترتيب دور القوات الدولية لتملأ الفراغ الأمني بعد الانسحاب، فلا بدّ للبنان أن يدرس معه طبيعة الدور الذي تقوم به هذه القوات، فهل هو ردع اللبنانيين والفلسطينيين لحماية إسرائيل، أو ردع الإسرائيليين لحماية لبنان من عدوانهم؟ ثم، ما هو موقف الأمم المتحدة وقواتها من جيش العميل "لحد" الذي هو قوة إسرائيلية مساندة لإسرائيل، فهل يبقى لتمارس إسرائيل إرباكها للبنان من خلاله، أو أن الأمر يتجاوز الموقع اللبناني، لتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، كما تقول بعض صحفها؟ ثم، ما هو دور أمريكا وفرنسا في هذه المسألة، هل هو دور شاهد الزور كما هي العادة في الماضي؟
موقف موحّد لاستكمال التحرير
إننا نعتقد أنه لا بدّ من الوعي الدقيق للمرحلة، حتى لا يقع أيّ خطأ يحوّل الانتصار العظيم الذي حققه لبنان من خلال مقاومته إلى مشكلة سياسية. ولذلك، فإن الصبر الواعي الذي لا يهتز فيه الموقف أمام بعض الإثارات الداخلية التي تريد أن تصطاد في الماء العكر، هو الذي ينبغي أن يحكم الجميع، كما أن على لبنان الرسمي أن يتحرك في خط المقاومة الدبلوماسية أمام أيّ ضغط أمريكي ـ أوروبي، لأن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي في الواقع السياسي في المنطقة، والمسيطر على مجلس الأمن، لا يزال يثير أكثر من حذر حول أيّ لعبة جديدة في التفاصيل.
ولعل من الطبيعي أن يبقى هذا الموقف الموحَّد للدولة وللشعب كله وراء المقاومة، التي سجّلت هذا النصر الكبير في هزيمة العدو لأول مرة في تاريخ الصراع ضد إسرائيل.. ونريد للعرب كلهم أن يواجهوا المرحلة في موقف دعم سياسي للبنان ولسوريا ولفلسطين، لأن القضية هي قضية مستقبلهم كله، لا قضية التفاصيل الصغيرة في مفاوضات التسوية.
لنرصد مسار التسوية
وفي هذا الجو، لا بدّ لنا أن نتابع بدقة كل الحركة السياسية الأوروبية والعربية في خلفيات الواقع في قضية التسوية، ولا سيما في المسار السوري واللبناني، بالإضافة إلى حركة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي نخشى من أن تكون نهاية المطاف لإنهاء القضية الفلسطينية، تحت تأثير الخداع الأمريكي واللعبة الإسرائيلية والضعف العربي، فإن المرحلة الحاضرة سوف تترك تأثيرها على مجمل الواقع السياسي في المنطقة كلها.
إيران في مواجهة التحديات
ومن جهة أخرى، فإننا نتابع ما يثيره الإعلام الأمريكي في الموقف السياسي لأمريكا وتباكيه على الحريات الصحافية في إيران، لنلاحظ أن هذا النفاق السياسي الذي يدّعي الغيرة على الشعب الإيراني لن يخدع هذا الشعب، لأنه يرى أن أمريكا التي تحاصره اقتصادياً وتحجز أرصدته عندها وتحاربه سياسياً وتتآمر عليه أمنياً، لا يمكن أن تنظر إلى قضاياه الحيوية بإخلاص.
وإننا نعتقد أن العقلانية الإدارية التي يدير بها المسؤولون في إيران التعقيدات السياسية، في الخلافات الدائرة بين التيارين، سوف تحفظ الجمهورية الإسلامية من أيّ اهتزاز، وأن الشعب الإيراني المسلم الذي ثار من أجل تأكيد النظام الإسلامي في حياته، سوف يبقى مخلصاً للإسلام في قيمه الأصيلة. ولذا، فلا خطر على الإسلام من حركة الحرية التي لا بدّ لها من أن تكون مسؤولة، وأن تركّز على القضايا المصيرية، ومنها المشكلة الاقتصادية التي تحتاج إلى معالجة دقيقة باعتبارها قاعدة القوة للشعب كله.
وبهذه المناسبة، فإننا ندعو التيارين السياسيَين في إيران إلى تقدير المرحلة الصعبة، ومواجهة التحديات الكبرى من الداخل والخارج، حتى يحفظا الدولة، لأن أيّ تصرف خاطئ في اتجاه العنف سوف يُسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
لبنان: وعي تعقيدات المرحلة
وفي نهاية المطاف، فإننا نؤكد على رعاية المصالح الحقيقية للناس، الذين وصلت الأكثرية منهم إلى الخطوط الحمراء للفقر، فبلغت المشكلة المعيشية أدنى مستوى، الأمر الذي يفرض على الدولة والواقع السياسي كله التكامل في البحث عن الحلول الناجحة للمشكلة، لا التنافر والتنازع.
كما نريد للشباب اللبناني ـ ولا سيما الجامعي ـ أن يدرس تعقيدات المرحلة، وأن يُطلق صوت التحرير من الاحتلال الإسرائيلي، ليكون واحداً، ولا يدخل في المتاهات التي تثير في البلد روح الفتنة التي يعمل العدو لإثارتها بعد انسحابه تحت أيّ شعار.. إننا مسؤولون عن الحاضر والمستقبل، فلا تعقّدوا الحاضر لتهدموا المستقبل. إنّ الحرية مقدّسة، ولكن المسؤولية أكثر قداسة في حياة الإنسان. |