غيّروا أنفسكم تغيّروا الواقع والتاريخ

غيّروا أنفسكم تغيّروا الواقع والتاريخ

على نهج الإمام علي(ع)في خط القيم: غيّروا أنفسكم تغيّروا الواقع والتاريخ


سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

معالم طريق علي(ع)

في كلمات علي(ع)، وعلي عندما يتكلم فإنه يتكلّم من عمق القرآن، لأنه عاش مع القرآن كما لم يعشه أحد بعد رسول الله(ص)، كان القرآن كلّ عقله وقلبه وخلقه. ولهذا يؤكد علي(ع) أن الإنسان المسلم عندما يريد أن يعيش إسلامه وأن يعيش الخط الأخلاقي في داخل عقله وقلبه،كما يعيشه داخل حياته، فلا يكفي أن لا يعمل الشرّ، بل أن لا يرضى به، ولا بد له أن يكون بكلّه خيراً؛ أن يرفض الجريمة في نفسه كما يرفضها في الواقع، لأن الإنسان الذي يتقبل الجريمة في نفسه هو مشروع مجرم؛ فهو لم يقتل لأن الظروف لم تساعده على أن يقتل، لكنه يرضى بالقتل إذا صدر من الآخرين. وهكذا في بعض الأمور، كما في مسألة الظلم عندما يرتاح الإنسان للظلمة وإن لم يتمكن من الظلم المباشر لفقده القوة على ذلك. ونحن عشنا مشكلتنا التاريخية في رضى الناس للظلمة في طغيانهم، فكانوا يمدحونهم ويبررون لهم فعلهم، وهو ما يعيشه الناس في الحاضر كما عاشوه في الماضي.

لذلك، فالإسلام يهتم بالجوانب الروحية والفكرية والشعورية في مسألة الالتزام بالخير أو الشر.

-الابتعاد عن الباطل

فلنقرأ كلمة للإمام علي(ع) في هذا المجال، يقول(ع) فيها: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم _ يعني لو أنك رضيت بقتل إنسان، كما يحدث في المجتمعات العشائرية أو المجتمعات السياسية، أو لو رضيت بحبسه أو بخطفه، فأنت شريك له، تعامل من ناحية القيمة السلبية معاملته، أما قضية العقاب، فالله هو الذي يحدّدها. المهم أن الله لا يرضى عنك بذلك، والسبب هو هذا الذي بينّاه، لأن المجرم على نوعين، فهناك مشروع مجرم ممّن تعيش الجريمة جنينية في شخصيته، وهناك شخص مجرم بالفعل، فالذي يرضى بالجريمة هو مشروع مجرم، فإذا ما تهيأت له الظروف الموضوعية التي تساعده على الجريمة، نفذها في الواقع _ وعلى كل داخل في باطل إثمان؛ إثم العمل به، وإثم الرضا عنه".

يعني إذا دخلت في الباطل وشاركت فيه، فإن عليك إثمين، إثم أنك عملت بالباطل، وإثم أنك رضيت به، فالله يحاسبك على الحالة النفسية المتعاطفة مع الباطل، كما يحاسبك على القضية الفعلية لقيامك به.

وفي قولٍ لأحد الأئمة(ع) ـ لعلّه الباقر(ع) أو الصادق(ع) ـ : "الظالم والراضي بالظلم والمعين له شركاء ثلاثتهم". من يرضى بالظلم هو شريك للظالم، وكذلك من يساعده.

-سلوك طريق الهداية

وفي قول آخر لأمير المؤمنين(ع): "أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ـ بحيث إذا كان هناك طريقان؛ طريق فيه مئات الألوف وآخر فيه أفراد، فعادة الناس تمشي على الطريق الذي فيه الأكثرية، أما الطريق الآخر فيستوحش منه الإنسان ـ فإن الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل". يقول(ع) إن عليكم أن لا تفكروا بالكمية بل بالنوعية، فربما تأتي إلى مائدة مليئة بكل أصناف الطعام، ولكن هذه الأطعمة تفتقر إلى العناصر الغذائية التي تشبع جوع الخلايا الموجودة في نفسك. ولذلك ما إن تأكل حتى تشعر بالثقل، ولكن بعد ساعة، تصبح الأعصاب أو العظم بحاجة إلى غذاء، وهكذا تفرغ خلاياك من جديد.

لذلك، علينا دائماً أن لا نفكر بالكمية، لا نقول فلان كم معه من الناس، بل كم يملك من العلم ومن التقوى والإخلاص والجهاد، أن ندرس المسألة على هذا الأساس، فالأنبياء والأئمة(ع) كان يقف إلى جانبهم أقل عدد من الناس، والحسين(ع) كان معه العشرات فقط، أما أولئك فكانوا يمثلون الأكثرية الكافرة.

فالإمام علي(ع) يريد أن يعالج طريقتنا في التعامل مع الناس، أو مع القيادات، أو مع الدروب التي نسلكها. لا تنظروا إلى حجم الشخص كم يتبعه الناس، ولكن انظروا إلى ماذا يملك من القيم الروحية والعلمية والأخلاقية والعملية.

ولذا بعض الناس عندنا، خاصة بعد سيطرة الحضارة الغربية، بكل عاداتها وتقاليدها وشهواتها وخطوطها على المجتمع، أصبحوا ينخرطون في هذه الأجواء، بحجة أنهم لا يستطيعون العيش وحدهم، فإذا حاسبت أحداً على أخذه الرشوة، تحجّجَ بأن كل الناس ترتشى، أو تأخذ الربا، أو تزني.. أو أن كل الناس تمشي مع هذا الشخص.. هذه ذهنية غير عقلانية من جهة، وغير دينية من جهة أخرى؛ غير عقلانية، لأنك عندما تمشي مع شخص فعليك أن تعرف إذا ما كان بمستوى القيادة، انظر إلى علمه، إلى تقواه وأخلاقه واستقامته وما إلى ذلك، وغير دينية لأنه لا يجوز لك أن تعطي قيادك لمن لا يملك عناصر القيادة، ولمن لا يكون معذّراً لك أمام الله.

-أول الإسلام الفكرة

ثم يقول الإمام(ع): "أيها الناس، إنما يجمع الناس الرضا والسخط _ يعني ما يجعل الناس أمة واحدة أو جماعة واحدة هي الفكرة التي يتمثلونها في حياتهم، فالناس الذين يحملون فكرة واحدة يرضونها ويتبعونها ويؤيدونها ويدعون لها يعتبرون أمة واحدة، ما يعني أن العنصر الفكري والروحي هو الذي يجعل الناس أمة واحدة. وكذلك السخط، أي أن يرفضوا الجوانب السلبية، بأن يكون كل الناس يرفضون الظلم أو الانحراف أو الكفر، فالإمام(ع) يقول هذا الذي يجمع الناس، وعلى هذا الأساس يعامل الله الناس تبعاً للحالة الداخلية لهم.

ثم يتابع الإمام علي(ع): _ وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ـ الذي قتل ناقة صالح شخص واحد ـ فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا _ فصحيح أن الذي قتلها شخص واحد، ولكن الجميع وافقوه على هذا العمل، فأنزل الله العذاب على الجميع، لأن الذي قتلها أجرم بيده، وأولئك أجرموا بأفكارهم ورضاهم عنه وتشجيعهم ومباركتهم له ـ فقال سبحانه: {فعقروها فأصبحوا نادمين} ـ فالله نسب العقر للجميع، لأنهم رضوا بفعل العقر ـ فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة ـ كناية عن الزلزال الذي حدث، أي صوّتت الأرض كما يصوّت الثور ـ خوار السكة المحماة في الأرض الخوّارة ـ أي السهلة اللينة. ثم يقول الإمام(ع): ـ أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء ـ يعني إذا سلكت الطريق المستقيم البيّن الذي ليس فيه أي منعطفات، فإنك ستصل إلى الماء لتشرب منه شراباً صافياً ـ ومن خالف وقع في التيه".

هذه المسألة من المسائل الحساسة في حياتنا الإسلامية، باعتبار أن أول الإسلام هو الفكر، هو أن تحمل الفكرة وتؤمن بها، وأن تجعلها موضع اقتناعك، ولذلك ليست المشكلة فقط في سيطرة الآخرين على أعمالنا، على عاداتنا وتقاليدنا، بل المشكلة الأخطر هي في أن يسيطروا على أفكارنا ومشاعرنا، وعلى عواطفنا، لأن الإنسان إذا حمل فكرة وشعوراً وإحساساً وعاطفة، فإن المسافة بينه وبين الشر ـ إذا كانت الفكرة فكرة الشر ـ تكون مسافة قليلة جداً.

-مواجهة المنكر

لذلك، حافظوا على أن تكون أفكاركم ومشاعركم وعواطفكم أفكار الخير ومشاعره وعواطفه، وأن تواجهوا الواقع، سواء كان اجتماعياً أو سياسياً، على أساس أن ترفضوا ما لا يرضاه الله، وأن تقبلوا ما يرضاه، وأن تواجهوا أهل الشر بالرفض، وأهل الخير بالقبول. وقد ورد في الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". أن تعقد قلبك على رفض الشر من أية جهة كانت. ونحن نعيش في عالم تتحرك فيه كل أجهزة الإعلام، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو منظورة، من أجل أن تزين لنا الباطل حتى نرضى به، ومن أجل أن تحسّن صورة المبطلين والظالمين والمستكبرين حتى نرضى عنهم. علينا أن نعرف أننا إذاٍ لم نعقد قلوبنا على الخير، وإذا أفسحنا للشر أن يتحرك في قلوبنا، فإننا سنحشر مع الظالمين والمستكبرين ومع أهل الشر كلهم.

أيها الأحبة، إن الله يقول: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} {ما كان الله مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.. غيروا أنفسكم تغيروا الواقع، غيروا ضمائركم تغيروا التاريخ.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما تضمرونه وفي كل ما تعلنونه، فإن للضمائر مسؤوليتها أمام الله، أن تختزن الضمائر التوحيد والإخلاص لله سبحانه ولرسوله ولأوليائه، وأن تعيش الخير كله والحق كله، لأن الله يريد للإنسان أن يعيش إنسانيته في معنى التوحيد والحق والخير والاستقامة، ليفكر عندما يفكر بالحق، ولينفتح في مشاعره بالحق، وليتحرك في كل خطواته بالحق. لذلك ربّوا عقولكم على الحق، وقلوبكم على الخير، وحياتكم على الاستقامة في درب الله، لأن الله يريد للناس في الحياة أن يكونوا من عباده الصالحين الذين يجسدون الإسلام في عقولهم وقلوبهم كما يجسدونه في حياتهم، لا سيما وأن الأرض تمتلىء بالمستكبرين والكافرين والضالين والظالمين، ولا بد لنا أن نواجه كل هؤلاء، لأنهم يعملون على أن يدمروا الإنسان في إنسانيته، وأن يدمروا الحياة في قضاياها، وأن ينحرفوا بالإنسان عن الطريق السوي، لذلك، لا بد أن يكون الصوت واحداً ضد الكافرين والمستكبرين والظالمين. وهكذا نحتاج إلى أن نعيش وعي ذلك في داخلنا، كما نعيش حركة ذلك في الخارج، وهناك أكثر من مشكلة، فماذا هناك؟

نازية صهيونية جديدة

مرت ذكرى مجزرة قانا ـ قبل أيام ـ وقد رافقتها وسبقتها أكثر من مجزرة، لأن تاريخ الصراع اليهودي ـ العربي ـ الإسلامي هو تاريخ المجازر الوحشية في فلسطين ومصر ولبنان، ما أعاد النازية الجديدة بعنوان صهيوني يهودي متمثلة بقتل وإحراق النساء والأطفال والشيوخ والشباب تنفيساً عن الحقد اليهودي ضد الإنسان كله، كما أكد لنا أن أمريكا التي رفضت إدانة مجلس الأمن للمجزرة وحمّلت الضحايا مسؤوليتها، هي القوة الداعمة للنازية الصهيونية في الواقع المعاصر.

إن على العالم العربي والإسلامي أن يتذكر مجزرة قانا كعنوان كبير للوحشية اليهودية والعنصرية الصهيونية، من أجل أن يبقى الرفض لشرعية إسرائيل في المنطقة، ولأي سلام مرتقب، ولأي تطبيع مطروح، لأن خلفيات كل هذه المجازر تختزن حقد شعب يمعن في القتل ويمارسه بروح تدميرية لكل الواقع المتحرك فيه.

المقاومة: الردَ على المجازر

وعلينا أن نتذكر أن هزيمة العدوّ السياسية والأمنية أمام المقاومة المجاهدة بانسحابه القهري من لبنان بدون قيد أو شرط كانت هي الرد على المجزرة، وستبقى المقاومة رداً متحركاً ضد المجازر اليومية المتحركة في أكثر من قرية صامدة في الجنوب والبقاع الغربي، وإذا كان العدو يحتج على صواريخ الكاتيوشا، فإن عليه أن يتذكر كل صواريخه ومدافعه التي تنصب يومياً على المدنيين، وأنه إذا كان يملك أسلحة متطورة، فإن المجاهدين يملكون أكثر من سلاح قوي جديد يعرف العدو تأثيره على المستوطنات.

السياسة الفرنسية ولعبة الخداع

وليس بعيداً من ذلك، الحرب الدبلوماسية الإسرائيلية الأمريكية التي التقت بالموقع الفرنسي ضد لبنان وسوريا على الصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وذلك من أجل إعطاء العدو في انسحابه صورة الفريق الذي يسعى نحو السلام، بينما تتحرك التصريحات الأمريكية لتضع الكرة في الملعب السوري.

لقد سمعنا ما تحدث به وزير الدفاع الفرنسي عما أسماه "هيمنة سوريا على لبنان" و.. "الريبة من غايات النظام السوري" كما قال، ونحو ذلك من الكلمات التي يعرف الجميع أنها ليست واقعية في الحرب السياسية في المنطقة.. والسؤال هو: إذا كانت أمريكا إسرائيلية في كل خطوطها السياسية، فما الذي يدفع فرنسا الى هذا الموقف، وهي التي تعرف أن سوريا دخلت إلى لبنان من أجل إعادة الاستقرار الأمني إليه لا من أجل الهيمنة عليه، وأنها قدمت الكثير من التضحيات في سبيل ذلك، وأنها باقية بموافقة السلطة اللبنانية.. ثم ما معنى الحديث عن رأي شخصي، ورأي رسمي في الموقف الفرنسي؛ هل هو خداع سياسي للعرب.. وماذا تريد فرنسا.. هل تبحث عن دور سياسي في التسوية إلى جانب أمريكا لحساب إسرائيل.. وهل يخدم ذلك مصالحها في الواقع العربي..؟؟

الغرب وعقدته التاريخية

إننا نعتقد أن على العرب والمسلمين الوقوف مع لبنان وسوريا في هذه الحرب الدبلوماسية الإعلامية، لأن النتائج سوف تنعكس على المصير كله سلباً أو إيجاباً.. لاسيما أن الغرب الأمريكي والأوروبي قد عاد إلى عقدته التاريخية من العرب والمسلمين.. كما أن علينا مراقبة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحت المظلة الأمريكية التي يراد لها ان تقدم التنازلات الحيوية للعدو، وأن تُدخل المسألة في متاهات جديدة في طروحات التأجيل على مدى الزمن.

وفي الاتجاه العام للواقع الإسلامي، نقف مع المسلمين في الشيشان الذين يتعرضون لعملية إبادة متحركة من الجيش الروسي في ظل صمت دولي أو لا مبالاةٍ إنسانية.. فليس هناك إلا بعض الكلمات التي لا تحرك شيئاً ولا تعني شيئاً. إن على المسلمين والأحرار في العالم أن يرفعوا الصوت عالياً ضد هذه الحرب المدمرة للشعب كله، من أجل الضغط على روسيا بمختلف الوسائل.

إيران: التنبه للعبة الأمريكية

وإلى جانب ذلك، نراقب استمرار الحملة العدائية الأمريكية ضد إيران في الجوانب الإعلامية والسياسية والاقتصادية، حيث تدخل هذه الحملة في إطار من النفاق الكلامي، وندعو الشعب الإيراني المسلم إلى الانتباه واليقظة لكل مفردات اللعبة الأمريكية حتى على المستوى الثقافي، ونؤكد على وحدة الموقف الشعبي وإبعاد الساحة الإسلامية عن كل دعوات العنف، لأن التجارب المعاصرة دللت على أن العنف لا يخدم قضية بل يعقّدها، ان الحوار السياسي والثقافي والنظرة الواقعية للمستقبل هي التي تحمي البلد من الأعداء والأصدقاء.

نرحب بإطلاق الأسرى

أما في لبنان، فإننا نرحب بإطلاق سراح الأسرى المجاهدين من أبنائنا، وندعو الله لهم بالمزيد من التوفيق والطمأنينة في ساحة الحرية مع أهلهم، فقد أبلوا بلاءً حسناً، وسيحفظ الله لهم أجر ذلك كله، وننتظر إطلاق الأسرى الباقين، لاسيما الشيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني.

القضية الكبرى: التحرير

وأخيراً، علينا ونحن نتطلع إلى ما يُرسم للبنان في هذه المرحلة، أن لا نتناسى الوضع الاقتصادي الصعب والمشكلة الاقتصادية التي تعصف بالبلد وتستمر آثارها ونتائجها بضرب الطبقات الفقيرة التي تتوسع وتكبر يوماً بعد يوم لتصل نسبة الفقر إلى أعلى المستويات التي تهدد عائلات بكاملها.

لقد دعونا في السابق إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية، ونكرر الدعوة في هذه الأيام، مع أن السياسات الرسمية المتراكمة منذ سنوات جعلت الحلول مسألة صعبة مستصعبة، ولذلك لن تأتي الحلول أو أنصافها إلا من خلال التخطيط الذي يبني لمراحل بعيدة عن المعالجات المجتزأة.

إن الاهتمام بالقضية الكبرى التي هي قضية التحرير، لا يُعفي الدولة وكل المعنيين والفاعليات من الهمّ الاقتصادي، لأن هذا الوضع يمكن أن يُمهد أكثر للمشاريع القادمة إلينا بغطاء غربي يزعم أنه سيقدم البلسم لشعبنا بعد الانسحاب الإسرائيلي.

إن المرحلة صعبة، وعلينا أن نستعد للمستقبل على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والجهادية، حتى نسقط محاولات العدوّ للثأر من لبنان دبلوماسياً وسياسياً بعدما قهرها المجاهدون عسكرياً وأمنياً ونفسياً.

على نهج الإمام علي(ع)في خط القيم: غيّروا أنفسكم تغيّروا الواقع والتاريخ


سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

معالم طريق علي(ع)

في كلمات علي(ع)، وعلي عندما يتكلم فإنه يتكلّم من عمق القرآن، لأنه عاش مع القرآن كما لم يعشه أحد بعد رسول الله(ص)، كان القرآن كلّ عقله وقلبه وخلقه. ولهذا يؤكد علي(ع) أن الإنسان المسلم عندما يريد أن يعيش إسلامه وأن يعيش الخط الأخلاقي في داخل عقله وقلبه،كما يعيشه داخل حياته، فلا يكفي أن لا يعمل الشرّ، بل أن لا يرضى به، ولا بد له أن يكون بكلّه خيراً؛ أن يرفض الجريمة في نفسه كما يرفضها في الواقع، لأن الإنسان الذي يتقبل الجريمة في نفسه هو مشروع مجرم؛ فهو لم يقتل لأن الظروف لم تساعده على أن يقتل، لكنه يرضى بالقتل إذا صدر من الآخرين. وهكذا في بعض الأمور، كما في مسألة الظلم عندما يرتاح الإنسان للظلمة وإن لم يتمكن من الظلم المباشر لفقده القوة على ذلك. ونحن عشنا مشكلتنا التاريخية في رضى الناس للظلمة في طغيانهم، فكانوا يمدحونهم ويبررون لهم فعلهم، وهو ما يعيشه الناس في الحاضر كما عاشوه في الماضي.

لذلك، فالإسلام يهتم بالجوانب الروحية والفكرية والشعورية في مسألة الالتزام بالخير أو الشر.

-الابتعاد عن الباطل

فلنقرأ كلمة للإمام علي(ع) في هذا المجال، يقول(ع) فيها: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم _ يعني لو أنك رضيت بقتل إنسان، كما يحدث في المجتمعات العشائرية أو المجتمعات السياسية، أو لو رضيت بحبسه أو بخطفه، فأنت شريك له، تعامل من ناحية القيمة السلبية معاملته، أما قضية العقاب، فالله هو الذي يحدّدها. المهم أن الله لا يرضى عنك بذلك، والسبب هو هذا الذي بينّاه، لأن المجرم على نوعين، فهناك مشروع مجرم ممّن تعيش الجريمة جنينية في شخصيته، وهناك شخص مجرم بالفعل، فالذي يرضى بالجريمة هو مشروع مجرم، فإذا ما تهيأت له الظروف الموضوعية التي تساعده على الجريمة، نفذها في الواقع _ وعلى كل داخل في باطل إثمان؛ إثم العمل به، وإثم الرضا عنه".

يعني إذا دخلت في الباطل وشاركت فيه، فإن عليك إثمين، إثم أنك عملت بالباطل، وإثم أنك رضيت به، فالله يحاسبك على الحالة النفسية المتعاطفة مع الباطل، كما يحاسبك على القضية الفعلية لقيامك به.

وفي قولٍ لأحد الأئمة(ع) ـ لعلّه الباقر(ع) أو الصادق(ع) ـ : "الظالم والراضي بالظلم والمعين له شركاء ثلاثتهم". من يرضى بالظلم هو شريك للظالم، وكذلك من يساعده.

-سلوك طريق الهداية

وفي قول آخر لأمير المؤمنين(ع): "أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ـ بحيث إذا كان هناك طريقان؛ طريق فيه مئات الألوف وآخر فيه أفراد، فعادة الناس تمشي على الطريق الذي فيه الأكثرية، أما الطريق الآخر فيستوحش منه الإنسان ـ فإن الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل". يقول(ع) إن عليكم أن لا تفكروا بالكمية بل بالنوعية، فربما تأتي إلى مائدة مليئة بكل أصناف الطعام، ولكن هذه الأطعمة تفتقر إلى العناصر الغذائية التي تشبع جوع الخلايا الموجودة في نفسك. ولذلك ما إن تأكل حتى تشعر بالثقل، ولكن بعد ساعة، تصبح الأعصاب أو العظم بحاجة إلى غذاء، وهكذا تفرغ خلاياك من جديد.

لذلك، علينا دائماً أن لا نفكر بالكمية، لا نقول فلان كم معه من الناس، بل كم يملك من العلم ومن التقوى والإخلاص والجهاد، أن ندرس المسألة على هذا الأساس، فالأنبياء والأئمة(ع) كان يقف إلى جانبهم أقل عدد من الناس، والحسين(ع) كان معه العشرات فقط، أما أولئك فكانوا يمثلون الأكثرية الكافرة.

فالإمام علي(ع) يريد أن يعالج طريقتنا في التعامل مع الناس، أو مع القيادات، أو مع الدروب التي نسلكها. لا تنظروا إلى حجم الشخص كم يتبعه الناس، ولكن انظروا إلى ماذا يملك من القيم الروحية والعلمية والأخلاقية والعملية.

ولذا بعض الناس عندنا، خاصة بعد سيطرة الحضارة الغربية، بكل عاداتها وتقاليدها وشهواتها وخطوطها على المجتمع، أصبحوا ينخرطون في هذه الأجواء، بحجة أنهم لا يستطيعون العيش وحدهم، فإذا حاسبت أحداً على أخذه الرشوة، تحجّجَ بأن كل الناس ترتشى، أو تأخذ الربا، أو تزني.. أو أن كل الناس تمشي مع هذا الشخص.. هذه ذهنية غير عقلانية من جهة، وغير دينية من جهة أخرى؛ غير عقلانية، لأنك عندما تمشي مع شخص فعليك أن تعرف إذا ما كان بمستوى القيادة، انظر إلى علمه، إلى تقواه وأخلاقه واستقامته وما إلى ذلك، وغير دينية لأنه لا يجوز لك أن تعطي قيادك لمن لا يملك عناصر القيادة، ولمن لا يكون معذّراً لك أمام الله.

-أول الإسلام الفكرة

ثم يقول الإمام(ع): "أيها الناس، إنما يجمع الناس الرضا والسخط _ يعني ما يجعل الناس أمة واحدة أو جماعة واحدة هي الفكرة التي يتمثلونها في حياتهم، فالناس الذين يحملون فكرة واحدة يرضونها ويتبعونها ويؤيدونها ويدعون لها يعتبرون أمة واحدة، ما يعني أن العنصر الفكري والروحي هو الذي يجعل الناس أمة واحدة. وكذلك السخط، أي أن يرفضوا الجوانب السلبية، بأن يكون كل الناس يرفضون الظلم أو الانحراف أو الكفر، فالإمام(ع) يقول هذا الذي يجمع الناس، وعلى هذا الأساس يعامل الله الناس تبعاً للحالة الداخلية لهم.

ثم يتابع الإمام علي(ع): _ وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ـ الذي قتل ناقة صالح شخص واحد ـ فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا _ فصحيح أن الذي قتلها شخص واحد، ولكن الجميع وافقوه على هذا العمل، فأنزل الله العذاب على الجميع، لأن الذي قتلها أجرم بيده، وأولئك أجرموا بأفكارهم ورضاهم عنه وتشجيعهم ومباركتهم له ـ فقال سبحانه: {فعقروها فأصبحوا نادمين} ـ فالله نسب العقر للجميع، لأنهم رضوا بفعل العقر ـ فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة ـ كناية عن الزلزال الذي حدث، أي صوّتت الأرض كما يصوّت الثور ـ خوار السكة المحماة في الأرض الخوّارة ـ أي السهلة اللينة. ثم يقول الإمام(ع): ـ أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء ـ يعني إذا سلكت الطريق المستقيم البيّن الذي ليس فيه أي منعطفات، فإنك ستصل إلى الماء لتشرب منه شراباً صافياً ـ ومن خالف وقع في التيه".

هذه المسألة من المسائل الحساسة في حياتنا الإسلامية، باعتبار أن أول الإسلام هو الفكر، هو أن تحمل الفكرة وتؤمن بها، وأن تجعلها موضع اقتناعك، ولذلك ليست المشكلة فقط في سيطرة الآخرين على أعمالنا، على عاداتنا وتقاليدنا، بل المشكلة الأخطر هي في أن يسيطروا على أفكارنا ومشاعرنا، وعلى عواطفنا، لأن الإنسان إذا حمل فكرة وشعوراً وإحساساً وعاطفة، فإن المسافة بينه وبين الشر ـ إذا كانت الفكرة فكرة الشر ـ تكون مسافة قليلة جداً.

-مواجهة المنكر

لذلك، حافظوا على أن تكون أفكاركم ومشاعركم وعواطفكم أفكار الخير ومشاعره وعواطفه، وأن تواجهوا الواقع، سواء كان اجتماعياً أو سياسياً، على أساس أن ترفضوا ما لا يرضاه الله، وأن تقبلوا ما يرضاه، وأن تواجهوا أهل الشر بالرفض، وأهل الخير بالقبول. وقد ورد في الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". أن تعقد قلبك على رفض الشر من أية جهة كانت. ونحن نعيش في عالم تتحرك فيه كل أجهزة الإعلام، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو منظورة، من أجل أن تزين لنا الباطل حتى نرضى به، ومن أجل أن تحسّن صورة المبطلين والظالمين والمستكبرين حتى نرضى عنهم. علينا أن نعرف أننا إذاٍ لم نعقد قلوبنا على الخير، وإذا أفسحنا للشر أن يتحرك في قلوبنا، فإننا سنحشر مع الظالمين والمستكبرين ومع أهل الشر كلهم.

أيها الأحبة، إن الله يقول: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} {ما كان الله مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.. غيروا أنفسكم تغيروا الواقع، غيروا ضمائركم تغيروا التاريخ.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما تضمرونه وفي كل ما تعلنونه، فإن للضمائر مسؤوليتها أمام الله، أن تختزن الضمائر التوحيد والإخلاص لله سبحانه ولرسوله ولأوليائه، وأن تعيش الخير كله والحق كله، لأن الله يريد للإنسان أن يعيش إنسانيته في معنى التوحيد والحق والخير والاستقامة، ليفكر عندما يفكر بالحق، ولينفتح في مشاعره بالحق، وليتحرك في كل خطواته بالحق. لذلك ربّوا عقولكم على الحق، وقلوبكم على الخير، وحياتكم على الاستقامة في درب الله، لأن الله يريد للناس في الحياة أن يكونوا من عباده الصالحين الذين يجسدون الإسلام في عقولهم وقلوبهم كما يجسدونه في حياتهم، لا سيما وأن الأرض تمتلىء بالمستكبرين والكافرين والضالين والظالمين، ولا بد لنا أن نواجه كل هؤلاء، لأنهم يعملون على أن يدمروا الإنسان في إنسانيته، وأن يدمروا الحياة في قضاياها، وأن ينحرفوا بالإنسان عن الطريق السوي، لذلك، لا بد أن يكون الصوت واحداً ضد الكافرين والمستكبرين والظالمين. وهكذا نحتاج إلى أن نعيش وعي ذلك في داخلنا، كما نعيش حركة ذلك في الخارج، وهناك أكثر من مشكلة، فماذا هناك؟

نازية صهيونية جديدة

مرت ذكرى مجزرة قانا ـ قبل أيام ـ وقد رافقتها وسبقتها أكثر من مجزرة، لأن تاريخ الصراع اليهودي ـ العربي ـ الإسلامي هو تاريخ المجازر الوحشية في فلسطين ومصر ولبنان، ما أعاد النازية الجديدة بعنوان صهيوني يهودي متمثلة بقتل وإحراق النساء والأطفال والشيوخ والشباب تنفيساً عن الحقد اليهودي ضد الإنسان كله، كما أكد لنا أن أمريكا التي رفضت إدانة مجلس الأمن للمجزرة وحمّلت الضحايا مسؤوليتها، هي القوة الداعمة للنازية الصهيونية في الواقع المعاصر.

إن على العالم العربي والإسلامي أن يتذكر مجزرة قانا كعنوان كبير للوحشية اليهودية والعنصرية الصهيونية، من أجل أن يبقى الرفض لشرعية إسرائيل في المنطقة، ولأي سلام مرتقب، ولأي تطبيع مطروح، لأن خلفيات كل هذه المجازر تختزن حقد شعب يمعن في القتل ويمارسه بروح تدميرية لكل الواقع المتحرك فيه.

المقاومة: الردَ على المجازر

وعلينا أن نتذكر أن هزيمة العدوّ السياسية والأمنية أمام المقاومة المجاهدة بانسحابه القهري من لبنان بدون قيد أو شرط كانت هي الرد على المجزرة، وستبقى المقاومة رداً متحركاً ضد المجازر اليومية المتحركة في أكثر من قرية صامدة في الجنوب والبقاع الغربي، وإذا كان العدو يحتج على صواريخ الكاتيوشا، فإن عليه أن يتذكر كل صواريخه ومدافعه التي تنصب يومياً على المدنيين، وأنه إذا كان يملك أسلحة متطورة، فإن المجاهدين يملكون أكثر من سلاح قوي جديد يعرف العدو تأثيره على المستوطنات.

السياسة الفرنسية ولعبة الخداع

وليس بعيداً من ذلك، الحرب الدبلوماسية الإسرائيلية الأمريكية التي التقت بالموقع الفرنسي ضد لبنان وسوريا على الصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وذلك من أجل إعطاء العدو في انسحابه صورة الفريق الذي يسعى نحو السلام، بينما تتحرك التصريحات الأمريكية لتضع الكرة في الملعب السوري.

لقد سمعنا ما تحدث به وزير الدفاع الفرنسي عما أسماه "هيمنة سوريا على لبنان" و.. "الريبة من غايات النظام السوري" كما قال، ونحو ذلك من الكلمات التي يعرف الجميع أنها ليست واقعية في الحرب السياسية في المنطقة.. والسؤال هو: إذا كانت أمريكا إسرائيلية في كل خطوطها السياسية، فما الذي يدفع فرنسا الى هذا الموقف، وهي التي تعرف أن سوريا دخلت إلى لبنان من أجل إعادة الاستقرار الأمني إليه لا من أجل الهيمنة عليه، وأنها قدمت الكثير من التضحيات في سبيل ذلك، وأنها باقية بموافقة السلطة اللبنانية.. ثم ما معنى الحديث عن رأي شخصي، ورأي رسمي في الموقف الفرنسي؛ هل هو خداع سياسي للعرب.. وماذا تريد فرنسا.. هل تبحث عن دور سياسي في التسوية إلى جانب أمريكا لحساب إسرائيل.. وهل يخدم ذلك مصالحها في الواقع العربي..؟؟

الغرب وعقدته التاريخية

إننا نعتقد أن على العرب والمسلمين الوقوف مع لبنان وسوريا في هذه الحرب الدبلوماسية الإعلامية، لأن النتائج سوف تنعكس على المصير كله سلباً أو إيجاباً.. لاسيما أن الغرب الأمريكي والأوروبي قد عاد إلى عقدته التاريخية من العرب والمسلمين.. كما أن علينا مراقبة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحت المظلة الأمريكية التي يراد لها ان تقدم التنازلات الحيوية للعدو، وأن تُدخل المسألة في متاهات جديدة في طروحات التأجيل على مدى الزمن.

وفي الاتجاه العام للواقع الإسلامي، نقف مع المسلمين في الشيشان الذين يتعرضون لعملية إبادة متحركة من الجيش الروسي في ظل صمت دولي أو لا مبالاةٍ إنسانية.. فليس هناك إلا بعض الكلمات التي لا تحرك شيئاً ولا تعني شيئاً. إن على المسلمين والأحرار في العالم أن يرفعوا الصوت عالياً ضد هذه الحرب المدمرة للشعب كله، من أجل الضغط على روسيا بمختلف الوسائل.

إيران: التنبه للعبة الأمريكية

وإلى جانب ذلك، نراقب استمرار الحملة العدائية الأمريكية ضد إيران في الجوانب الإعلامية والسياسية والاقتصادية، حيث تدخل هذه الحملة في إطار من النفاق الكلامي، وندعو الشعب الإيراني المسلم إلى الانتباه واليقظة لكل مفردات اللعبة الأمريكية حتى على المستوى الثقافي، ونؤكد على وحدة الموقف الشعبي وإبعاد الساحة الإسلامية عن كل دعوات العنف، لأن التجارب المعاصرة دللت على أن العنف لا يخدم قضية بل يعقّدها، ان الحوار السياسي والثقافي والنظرة الواقعية للمستقبل هي التي تحمي البلد من الأعداء والأصدقاء.

نرحب بإطلاق الأسرى

أما في لبنان، فإننا نرحب بإطلاق سراح الأسرى المجاهدين من أبنائنا، وندعو الله لهم بالمزيد من التوفيق والطمأنينة في ساحة الحرية مع أهلهم، فقد أبلوا بلاءً حسناً، وسيحفظ الله لهم أجر ذلك كله، وننتظر إطلاق الأسرى الباقين، لاسيما الشيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني.

القضية الكبرى: التحرير

وأخيراً، علينا ونحن نتطلع إلى ما يُرسم للبنان في هذه المرحلة، أن لا نتناسى الوضع الاقتصادي الصعب والمشكلة الاقتصادية التي تعصف بالبلد وتستمر آثارها ونتائجها بضرب الطبقات الفقيرة التي تتوسع وتكبر يوماً بعد يوم لتصل نسبة الفقر إلى أعلى المستويات التي تهدد عائلات بكاملها.

لقد دعونا في السابق إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية، ونكرر الدعوة في هذه الأيام، مع أن السياسات الرسمية المتراكمة منذ سنوات جعلت الحلول مسألة صعبة مستصعبة، ولذلك لن تأتي الحلول أو أنصافها إلا من خلال التخطيط الذي يبني لمراحل بعيدة عن المعالجات المجتزأة.

إن الاهتمام بالقضية الكبرى التي هي قضية التحرير، لا يُعفي الدولة وكل المعنيين والفاعليات من الهمّ الاقتصادي، لأن هذا الوضع يمكن أن يُمهد أكثر للمشاريع القادمة إلينا بغطاء غربي يزعم أنه سيقدم البلسم لشعبنا بعد الانسحاب الإسرائيلي.

إن المرحلة صعبة، وعلينا أن نستعد للمستقبل على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والجهادية، حتى نسقط محاولات العدوّ للثأر من لبنان دبلوماسياً وسياسياً بعدما قهرها المجاهدون عسكرياً وأمنياً ونفسياً.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية