ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:مفهوم الزوجية:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون}.. في هذه الآية يريد الله تعالى أن يؤكد على طبيعة الحياة الزوجية بالنسبة إلى الرجل والمرأة، فالله خلق الكون كله وفق قانون الزوجية، أي على أساس وجود عنصرين يتكاملان ويتداخلان في كل جانب من جوانب الكون والحياة، فالزوجية ثابتة في كل الموجودات، {ومن كلٍ شيء خلقنا زوجين اثنين}، حتى أن أصغر ذرّة تشتمل على عنصر موجب وعنصر سالب، وبذلك قامت الحياة وامتدت، والإنسان ليس بدعاً من هذه المخلوقات، فقد خلق الله تعالى المرأة والرجل من نفس واحدة، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة:{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها}، فالرجل والمرأة نفس واحدة أو زوج واحد من عنصرين متكاملين ولكنهما يختلفان في الخصائص.
"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن":
لقد جعل الله سبحانه في نفس الرجل فراغاً روحياً لا تملأه إلا المرأة، وفي نفس المرأة أيضاً فراغاً روحياً لا يملأه إلا الرجل، ولذلك يشعر الإنسان الأعزب بوجود شيء ينقصه ما لم يتزوج وهكذا المرأة العزباء، وليست المسألة متعلقة بالجانب الغريزي في حاجة الرجل والمرأة إلى إشباع غريزتهما، ولكنها تتصل بالجانب الروحي، ولذلك عبّرت الآية الكريمة التي تلوناها عن عامل السكينة والطمأنينة الذي لا يولّده إلا الزواج. ومن هنا، فإن هناك نوعاً من التكامل بين الرجل والمرأة في طبيعة الخلق، سواء في الجانب الروحي أو الجسدي، وقد عبّر الله تعبيراً دقيقاً عن هذه الصورة في قوله تعالى:{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، فعلاقة كل منهما بالآخر كعلاقة الثوب بالجسد، وكأن الرجل يلبس المرأة والمرأة تلبس الرجل من خلال هذا الاندماج بينهما.
التواصي بالمرحمة:
وفي إطار تأكيده تعالى على برنامج الحياة الزوجية ومنهجها:{وجعل بينكم مودة ورحمة}، أراد الله لهذه الحياة الزوجية أن تقوم على أساس أن يتحسس الرجل موقفه من زوجته من خلال وده ومحبته لها، وأن تتحسس المرأة أيضاً علاقتها بزوجها من خلال هذه المودة والمحبة، بالطريقة التي تجعل الرحمة المتبادلة هي الطابع الذي تتسم به الحياة الزوجية، لتصبح الرحمة عنواناً يتحرك في كل ما يعيشه أحدهما، فالرجل عليه أن يرحم زوجته في كل أمورها، فإذا كانت هناك بعض السلبيات في عقليتها أو عاطفتها أو ظروفها البيئية، فعليه أن يتغاضى عنها، فيرحم علاقتها بأهلها وأرحامها مثلاً، وهي لا بدّ أن ترحم له هذه العلاقة، فلا يطلب الزوج من زوجته أن تترك أهلها، أو يضطهدها لكي تقاطعهم، و في المقابل تطلب الزوجة من زوجها نتيجة عقدة أن يقاطع أهله، فليس من الرحمة أن تقتلع زوجتك من جذورها، أو أن تقتلعي زوجك من جذوره، لأن من الطبيعي أن يبقى الزوج مع أهله والمرأة مع أهلها بعد الزواج، وتستمر هذه العلاقة لأنها متصلة بالرحم وبالجذور الإنسانية..
وهذا الأمر الذي أكده الإسلام بين الزوجين، يطال كل العلاقات الإنسانية، فجعل من خصائص الإنسان المؤمن التواصي بالمرحمة، على أساس أن يوصي كل واحد الآخر بالرحمة، فيرحم كل الناس، لا سيما الضعفاء والحزانى والمرضى والمعاقين وما إلى ذلك، باعتبار أن الرحمة هي العنصر الذي يعطي للإنسانية معناها في الحياة الاجتماعية، ويحرك الإنسان من أجل القيام بالمبادرات لسدّ حاجات الناس المتألمين والمعوزين والمرضى، ومعالجة مشكلات الناس التي تعترض حياتهم.
وعلى ضوء هذا، فالله تعالى يريد للحياة الزوجية أن تمثل الخلية الأولى التي يتدرب فيها الإنسان على محبة الآخر والرحمة به. في البداية يعيش الزوجان هذه التجربة - أن يحب أحدهما الآخر ويرحم أحدهما الآخر - لتنتقل هذه التجربة حيّة من خلال أولادهما، ولذلك أراد الله تعالى للأولاد أن يعيشوا الرحمة بآبائهم وأمهاتهم، لأن من يعيش العنف مع زوجته ومع أولاده من خلال معنى القسوة في نفسه، فإنه مؤهل لأن يعيش العنف مع المجتمع الآخر، فمن لا يتعلم الحب في بيته، فكيف يتحرك الحب في نفسه داخل المجتمع؟ ولذلك فإن الذين لا يعيشون في قلوبهم معنى الحب لأقرب الناس إليهم، يفقدون معنى الحب في أنفسهم، والذين يعيشون العنف في بيوتهم، مؤهلون لو صاروا حكاماً ومسؤولين أن يعيشوا العنف ضد الناس الآخرين.
المعاشرة بالمعروف:
لقد تحدث الله تعالى في القرآن عن معاملة الرجال مع النساء في الإطار الزوجي، وذلك في أكثر من آية، مورداً كلمة المعروف في هذا المقام:{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}، عاشر زوجتك بالمعروف حتى لو كنت تكره بعض شؤونها، لأن الإنسان قد يكره الشيء من خلال ظاهره، ولكنه قد يكون خيراً من خلال عمقه. وهكذا عندما تحدّث عن العلاقة الزوجية في طور الاتصال أو الانفصال، لاحظنا أنه تعالى قال:{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، بحيث إنك إذا أردت الطلاق فيجب أن يكون بإحسان لا بعنف وحقد وإضرار،{فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، فالله تعالى يريد أن تكون المعاملة دائماً في حال بقاء الزواج أو انفصاله بالمعروف والإحسان.
القوامة لا تعني السيادة:
ولعل بعض الرجال يتصور أن الله تعالى جعل في مسألة القوامة كل الحق للرجل ولم يجعل للمرأة شيئاً على أساس:{الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، ولكن القوامة لا تعني السيادة، فليس معنى أن يكون الرجل قوّاماً على المرأة أنه سيد المرأة فتكون بمنـزلة أمته أو خادمته، بل بمعنى أنه يملك الإدارة، فالرجل باعتبار مبادراته وظروفه وقابلياته العملية، ولأنه هو الذين يتحمل مسؤولية الحياة الزوجية، أوكلت إليه إدارة البيت، أما بالنسبة إلى الحقوق{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}، لهن من الحق مثل ما عليهن منه، والدرجة التي للرجال ليست ناطحة سحاب أو ألف درجة، وقد فسّرها البعض بدرجة الطلاق، وهناك بعض الفقهاء يرون أنه كما على الزوجة أن تطيع زوجها في ما يريده من الحق الزوجي الخاص عند حاجته، فعلى الزوج أن يستجيب لزوجته في ما تريده من حق الزوجة الخاص عند حاجتها إلى ذلك.
وهناك ظاهرة عامة موجودة عند الرجال في الشرق وفي العالم الثالث، وربما موجودة في الغرب بنسبة معينة، وهي استباحة الرجل لنفسه أن يضرب زوجته لأيّ سبب من الأسباب، و هذا العمل حرام، إذ لا فرق بين أن تضرب زوجتك أو تضرب زوجة ابن الجيران، فزوجتك في هذا الجانب كأية امرأة أجنبية، لأن عقد الزواج لا يبرر للرجل أن يضرب زوجته أبداً، إلا في حالة واحدة:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن}، ومعنى النشوز أن تتمرد الزوجة على زوجها، فترفض منحه حقه الزوجي الخاص، فعليه أولاً أن يعظها، ثم يهجرها في المضجع، ثم له أن يضربها ضرباً غير مبرّح، لأن هذه القضية لا يمكن أن تنقل إلى المحاكم لحساسيتها، أما في غير هذه الحالة فلا يجوز للزوج أن يضرب زوجته..
الميثاق الغليظ:
وضمن هذه الأجواء، نؤكد أنه لا يجوز لرجل أن يطرد امرأته من بيتها، وإذا طردها إلى بيت أهلها، فعلى الزوج أن يدفع النفقة في كل المدة التي تقيم فيها عندهم، لأن النفقة هي دَين كأيّ دَين، وهذه حدود الله، كذلك بعض الناس يحاول أن يكرّه زوجته لتتنازل عن مهرها أو بعض حقها، وقد قال الله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبينا* وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}، لأنك أعطيت من خلال عقد الزواج ميثاقاً لزوجتك بأن تحفظ لها حقوقها، لذا فإن الشخص الذي يجبر زوجته على أن تتنازل عن حقها بالضغط أو الضرب أو الطرد من بيتها لا تبرأ ذمته بذلك لو أنها وقّعت له تحت الإكراه.
وهذا الخطاب نوجهه أيضاً للنساء، حيث عليهن أن يحافظن على حقوق أزواجهن بحسب التزامهن، وأن يعشن مع أزواجهن بالمودة والرحمة، لا على أساس أن يحمل كل واحد منهما مواد القانون الزوجي ليحاكما بعضهما البعض ، بل لا بدّ أن يحكمهما المودة والرحمة، فـ"جهاد المرأة حُسن التبعل"، فالتي تحسن بعولتها لزوجها يعطيها الله أجر المجاهدات، والمرأة التي تخدم بيت زوجها وأولادها وتقوم بما لا يجب عليها من ذلك، فإنها تكون في عبادة من الصباح إلى المساء، لأنها في عملها طيلة النهار في المطبخ والغسيل وإرضاع الأولاد وحضانتهم، كما لو كانت تصلي، فتُثاب ثواب العابدة المخلصة لله إذا انطلقت في ذلك قربة إلى الله تعالى. وكما أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته، فلا يجوز لها أيضاً أن تضرب زوجها إذا كان الرجل ضعيفاً، ولو أن هذه الحالة نادرة.
مجتمع المودة والرحمة:
ومن هنا، لا بدّ أن تكون العلاقة الزوجية إنسانية، ولا بدّ أن تكون الدائرة الزوجية هي المدرسة التي يتعلم فيها الإنسان كيف يهتم بالآخر ويحبه وينشئ أسرة تقوم على المودة والرحمة، وعلينا أن نشعر دائماً ونحن في البيت أن الله تعالى يراقب كل أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا مع بعضنا البعض، فلا ينطلق الإنسان من موقع أنه الأقوى من أجل أن يظلم الأضعف، وقد جاء في الحديث: "إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، وبذلك نستطيع أن ننشئ أسرة مسلمة منفتحة على الحق وينشأ أولادنا ومجتمعنا على هذا الخط، وقد ورد في حديث رسول الله (ص): "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، ويقول (ص):"ملعون ملعون من ضيّع من يعون"، ويقول (ص): "عيال الرجل أسراؤه ،فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسّع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة"..
فلنبدأ من بيوتنا بالمودة والرحمة، ليكون مجتمعنا مجتمع المودة والرحمة، ولنطلب من الله تعالى أن يرحمنا كما نرحم الناس من حولنا، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في من حمّلكم مسؤوليته، وأحسنوا حركة المسؤولية ، وانطلقوا بالمعروف، وتحركوا في ما أوجبه الله عليكم بأن تفعلوه وفي ما نهاكم الله عنه أن تتركوه، ولا تظلموا بعضكم بعضاً، وليحفظ كل واحد لأخيه المؤمن وأخته المؤمنة حقهما، لأن الله تعالى لا يريد لنا أن نضيّع حقوق بعضنا البعض، والله سائلنا عن ذلك يوم القيامة.. ولا بدّ لنا أيضاً أن نحمل حق الأمة في كل ما فرضه الله علينا من رعاية قضاياها وحماية أوضاعها في كل المجالات، كل بحسب طاقته وقدرته، فإننا مسؤولون عن الإسلام كله في حركته في الواقع، ومسؤولون عن المسلمين كلهم في كل مواقعهم في الحياة، ونحن لا نزال نعاني من أكثر من قضية في كل مواقعنا الإسلامية، فماذا هناك؟
تطبيع مبكر مع العدو:
كانت جنازة الملك المغربي مناسبة أمريكية لأكثر من مصافحة إسرائيلية - عربية تخفي وراءها أكثر من تطبيع عربي مبكر مع العدو، وأكثر من مشروع زيارة اقتصادية لرموز العدو إلى أكثر من بلد عربي، تحت إشراف الرئيس الأمريكي الذي كان يضغط لإتمام هذه اللقاءات، وهو يعرف أنه ليس بحاجة إلا إلى الإشارة السياسية لبعض المسؤولين العرب مرغباً أو محذّراً..
بين العرس الصهيوني والمأتم العربي:
وهكذا، رجع "باراك" بأكثر من عرس سياسي في هذا المأتم العربي، في البلد الذي شهد أولى التنازلات عن اللاءات العربية بفضل نشاط مليكه الراحل، وقد بدأ رئيس وزراء العدو نشاطه في فلسطين بالمحاولة الأولى للتراجع عن تنفيذ اتفاق "واي ريفر"، وذلك بالحديث عن إمكانية تعديله أو تأجيله وربطه بالمفاوضات النهائية، طالباً من أمريكا الضغط على عرفات للقبول بذلك، حتى لا يخلق له تنفيذ الاتفاق المشاكل الداخلية المؤثرة سلباً على عملية "السلام"، كما يقول..
وربما يحصل "باراك" على ذلك إن عاجلاً أو آجلاً بفضل الضغط الأمريكي الذي يختفي تحت وعود كاذبة عن تدخل "واشنطن" من أجل إتمام عملية التسوية. وهكذا رأينا كيف عاد هذا الرجل (باراك) من الحفلة الجنائزية ليثير أكثر من تعقيد في عملية المفاوضات مع سوريا، عندما لاحظ أن ذلك لن يكلفه أيّ موقف عربي سلبي ضده، لأن الأكثرية العربية الحاكمة لا تملك سياسة المواجهة للعدو على كل صعيد مهما كانت التطورات السلبية على القضايا العربية.
الأعمال الوحشية الإسرائيلية لا تلقى استنكاراً:
ولا ندري ماذا يحمل الموفدون الأمريكيون من مشاريع للضغط على العرب، في الوقت الذي تشعر فيه إسرائيل بحرية الحركة في ممارسة الأعمال الوحشية على الشعب اللبناني، من خلال حصار القرى الآمنة المستضعفة كـ"عيتا الشعب" التي يمارس العدو وعملاؤه بحقها التهديد بتدمير بعض بيوتها والاعتقال لبعض شبابها، ومن خلال إبعاد بعض المواطنين من هذه القرية أو تلك، من دون استنكار أمريكي أو أوروبي، بل إننا رأينا ألمانيا - بدلاً من ذلك - تقدّم للعدو الغواصات التي تستطيع استخدام الصواريخ النووية، ليملك القدرة على تدمير أيّ بلد عربي أو إسلامي من قلب البحر، كما أن أمريكا تعهّدت لإسرائيل بالحصول على القوة العسكرية الاستراتيجية حتى بعد السلم المزعوم، من دون أن تقدّم للعرب شيئاً..
أمريكا تشن الحرب تحت غطاء التسوية:
إن على العرب الذين يحترمون مستقبل شعوبهم أن يعرفوا أن أمريكا لا تحمل لهم أيّ سلام، بل تحمل لهم الحرب السياسية والاقتصادية والأمنية تحت غطاء التسوية المقبلة، وأن إسرائيل لا تزال الغدة السرطانية التي تهدد حياة الواقع العربي كله.. أيها العرب: قفوا وقفة حاسمة مع حقوقكم الشرعية، لأن المرحلة الآن هي المرحلة التي تحمل لكم مفتاح الحرية أو مفتاح السجن الكبير لمستقبلكم.. وإننا ندعو الأنظمة للوقوف مع شعوبها ولو لمرّة واحدة في العمر، حتى لا نتمثل قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
تحريك الورقة التركية لإزعاج إيران:
وفي جانب آخر، فإن الورقة التركية لا تزال تتحرك في ساحة اللعبة الأمريكية - الإسرائيلية، لإزعاج إيران التي تقف بقوة ضد عملية التسوية وتواجه السياسة الأمريكية، لتكون تركيا العنصر الذي يثير مشكلة أمنية أو سياسية لإيران، من دون أن تصل إلى حدود الحرب، ولا ندري ما هو دور "منظمة المؤتمر الإسلامي" في مواجهة هذا الأسلوب التركي الذي يهدد الأمن الإسلامي لحساب السياسة الأمريكية - الإسرائيلية، وما هي جدوى هذه المنظمة في عنوانها الإسلامي؟!.. إننا نعتقد أن على الشعب التركي المسلم، الذي يعارض سياسة حكومته، أن يتولى مهمة الوقوف في وجه هذه السياسة التركية العدوانية ضد المسلمين.
لبنان في خضم التجاذب الأوروبي ـ الأمريكي:
وأخيراً، إن البلد مقبل على تحديات صعبة في التجاذبات الدولية على أرضه، كما نلاحظه في التجاذب الفرنسي - الأمريكي على المستوى الاقتصادي، وهذا ما برز في مسألة الكهرباء، بالإضافة إلى الدبلوماسية الأمريكية التي تعمل على إبعاد أوروبا عن الساحة اللبنانية بطريقتها الخاصة.. وهناك خلفيات اللعبة السياسية التي تختفي وراء عملية التسوية تحت عنوان إثارة قضية التوطين من جهة، من خلال المشروع الصهيوني في رفض إعادة الفلسطينيين إلى أرضهم، وإشغال المواطنين بالسجالات الداخلية الفارغة، وبالتعقيدات السياسية المحلية من جهة أخرى، وتخدير القضايا المعيشية بكل هذا اللغو السياسي من ناحية ثالثة..
إن على الشعب اللبناني أن لا يسقط أمام كل هذه الملهاة الداخلية التي يُراد له الابتعاد بسببها عن القضايا الكبرى.. إننا نقول للجميع: إن المرحلة هي مرحلة التحرير الذي يجعل الموقف واحداً مع المجاهدين في خط المقاومة، والبلد واحداً في مواجهة تحديات المستقبل في الداخل والخارج..
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:مفهوم الزوجية:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون}.. في هذه الآية يريد الله تعالى أن يؤكد على طبيعة الحياة الزوجية بالنسبة إلى الرجل والمرأة، فالله خلق الكون كله وفق قانون الزوجية، أي على أساس وجود عنصرين يتكاملان ويتداخلان في كل جانب من جوانب الكون والحياة، فالزوجية ثابتة في كل الموجودات، {ومن كلٍ شيء خلقنا زوجين اثنين}، حتى أن أصغر ذرّة تشتمل على عنصر موجب وعنصر سالب، وبذلك قامت الحياة وامتدت، والإنسان ليس بدعاً من هذه المخلوقات، فقد خلق الله تعالى المرأة والرجل من نفس واحدة، وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة:{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها}، فالرجل والمرأة نفس واحدة أو زوج واحد من عنصرين متكاملين ولكنهما يختلفان في الخصائص.
"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن":
لقد جعل الله سبحانه في نفس الرجل فراغاً روحياً لا تملأه إلا المرأة، وفي نفس المرأة أيضاً فراغاً روحياً لا يملأه إلا الرجل، ولذلك يشعر الإنسان الأعزب بوجود شيء ينقصه ما لم يتزوج وهكذا المرأة العزباء، وليست المسألة متعلقة بالجانب الغريزي في حاجة الرجل والمرأة إلى إشباع غريزتهما، ولكنها تتصل بالجانب الروحي، ولذلك عبّرت الآية الكريمة التي تلوناها عن عامل السكينة والطمأنينة الذي لا يولّده إلا الزواج. ومن هنا، فإن هناك نوعاً من التكامل بين الرجل والمرأة في طبيعة الخلق، سواء في الجانب الروحي أو الجسدي، وقد عبّر الله تعبيراً دقيقاً عن هذه الصورة في قوله تعالى:{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، فعلاقة كل منهما بالآخر كعلاقة الثوب بالجسد، وكأن الرجل يلبس المرأة والمرأة تلبس الرجل من خلال هذا الاندماج بينهما.
التواصي بالمرحمة:
وفي إطار تأكيده تعالى على برنامج الحياة الزوجية ومنهجها:{وجعل بينكم مودة ورحمة}، أراد الله لهذه الحياة الزوجية أن تقوم على أساس أن يتحسس الرجل موقفه من زوجته من خلال وده ومحبته لها، وأن تتحسس المرأة أيضاً علاقتها بزوجها من خلال هذه المودة والمحبة، بالطريقة التي تجعل الرحمة المتبادلة هي الطابع الذي تتسم به الحياة الزوجية، لتصبح الرحمة عنواناً يتحرك في كل ما يعيشه أحدهما، فالرجل عليه أن يرحم زوجته في كل أمورها، فإذا كانت هناك بعض السلبيات في عقليتها أو عاطفتها أو ظروفها البيئية، فعليه أن يتغاضى عنها، فيرحم علاقتها بأهلها وأرحامها مثلاً، وهي لا بدّ أن ترحم له هذه العلاقة، فلا يطلب الزوج من زوجته أن تترك أهلها، أو يضطهدها لكي تقاطعهم، و في المقابل تطلب الزوجة من زوجها نتيجة عقدة أن يقاطع أهله، فليس من الرحمة أن تقتلع زوجتك من جذورها، أو أن تقتلعي زوجك من جذوره، لأن من الطبيعي أن يبقى الزوج مع أهله والمرأة مع أهلها بعد الزواج، وتستمر هذه العلاقة لأنها متصلة بالرحم وبالجذور الإنسانية..
وهذا الأمر الذي أكده الإسلام بين الزوجين، يطال كل العلاقات الإنسانية، فجعل من خصائص الإنسان المؤمن التواصي بالمرحمة، على أساس أن يوصي كل واحد الآخر بالرحمة، فيرحم كل الناس، لا سيما الضعفاء والحزانى والمرضى والمعاقين وما إلى ذلك، باعتبار أن الرحمة هي العنصر الذي يعطي للإنسانية معناها في الحياة الاجتماعية، ويحرك الإنسان من أجل القيام بالمبادرات لسدّ حاجات الناس المتألمين والمعوزين والمرضى، ومعالجة مشكلات الناس التي تعترض حياتهم.
وعلى ضوء هذا، فالله تعالى يريد للحياة الزوجية أن تمثل الخلية الأولى التي يتدرب فيها الإنسان على محبة الآخر والرحمة به. في البداية يعيش الزوجان هذه التجربة - أن يحب أحدهما الآخر ويرحم أحدهما الآخر - لتنتقل هذه التجربة حيّة من خلال أولادهما، ولذلك أراد الله تعالى للأولاد أن يعيشوا الرحمة بآبائهم وأمهاتهم، لأن من يعيش العنف مع زوجته ومع أولاده من خلال معنى القسوة في نفسه، فإنه مؤهل لأن يعيش العنف مع المجتمع الآخر، فمن لا يتعلم الحب في بيته، فكيف يتحرك الحب في نفسه داخل المجتمع؟ ولذلك فإن الذين لا يعيشون في قلوبهم معنى الحب لأقرب الناس إليهم، يفقدون معنى الحب في أنفسهم، والذين يعيشون العنف في بيوتهم، مؤهلون لو صاروا حكاماً ومسؤولين أن يعيشوا العنف ضد الناس الآخرين.
المعاشرة بالمعروف:
لقد تحدث الله تعالى في القرآن عن معاملة الرجال مع النساء في الإطار الزوجي، وذلك في أكثر من آية، مورداً كلمة المعروف في هذا المقام:{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}، عاشر زوجتك بالمعروف حتى لو كنت تكره بعض شؤونها، لأن الإنسان قد يكره الشيء من خلال ظاهره، ولكنه قد يكون خيراً من خلال عمقه. وهكذا عندما تحدّث عن العلاقة الزوجية في طور الاتصال أو الانفصال، لاحظنا أنه تعالى قال:{فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، بحيث إنك إذا أردت الطلاق فيجب أن يكون بإحسان لا بعنف وحقد وإضرار،{فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، فالله تعالى يريد أن تكون المعاملة دائماً في حال بقاء الزواج أو انفصاله بالمعروف والإحسان.
القوامة لا تعني السيادة:
ولعل بعض الرجال يتصور أن الله تعالى جعل في مسألة القوامة كل الحق للرجل ولم يجعل للمرأة شيئاً على أساس:{الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، ولكن القوامة لا تعني السيادة، فليس معنى أن يكون الرجل قوّاماً على المرأة أنه سيد المرأة فتكون بمنـزلة أمته أو خادمته، بل بمعنى أنه يملك الإدارة، فالرجل باعتبار مبادراته وظروفه وقابلياته العملية، ولأنه هو الذين يتحمل مسؤولية الحياة الزوجية، أوكلت إليه إدارة البيت، أما بالنسبة إلى الحقوق{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}، لهن من الحق مثل ما عليهن منه، والدرجة التي للرجال ليست ناطحة سحاب أو ألف درجة، وقد فسّرها البعض بدرجة الطلاق، وهناك بعض الفقهاء يرون أنه كما على الزوجة أن تطيع زوجها في ما يريده من الحق الزوجي الخاص عند حاجته، فعلى الزوج أن يستجيب لزوجته في ما تريده من حق الزوجة الخاص عند حاجتها إلى ذلك.
وهناك ظاهرة عامة موجودة عند الرجال في الشرق وفي العالم الثالث، وربما موجودة في الغرب بنسبة معينة، وهي استباحة الرجل لنفسه أن يضرب زوجته لأيّ سبب من الأسباب، و هذا العمل حرام، إذ لا فرق بين أن تضرب زوجتك أو تضرب زوجة ابن الجيران، فزوجتك في هذا الجانب كأية امرأة أجنبية، لأن عقد الزواج لا يبرر للرجل أن يضرب زوجته أبداً، إلا في حالة واحدة:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن}، ومعنى النشوز أن تتمرد الزوجة على زوجها، فترفض منحه حقه الزوجي الخاص، فعليه أولاً أن يعظها، ثم يهجرها في المضجع، ثم له أن يضربها ضرباً غير مبرّح، لأن هذه القضية لا يمكن أن تنقل إلى المحاكم لحساسيتها، أما في غير هذه الحالة فلا يجوز للزوج أن يضرب زوجته..
الميثاق الغليظ:
وضمن هذه الأجواء، نؤكد أنه لا يجوز لرجل أن يطرد امرأته من بيتها، وإذا طردها إلى بيت أهلها، فعلى الزوج أن يدفع النفقة في كل المدة التي تقيم فيها عندهم، لأن النفقة هي دَين كأيّ دَين، وهذه حدود الله، كذلك بعض الناس يحاول أن يكرّه زوجته لتتنازل عن مهرها أو بعض حقها، وقد قال الله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبينا* وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}، لأنك أعطيت من خلال عقد الزواج ميثاقاً لزوجتك بأن تحفظ لها حقوقها، لذا فإن الشخص الذي يجبر زوجته على أن تتنازل عن حقها بالضغط أو الضرب أو الطرد من بيتها لا تبرأ ذمته بذلك لو أنها وقّعت له تحت الإكراه.
وهذا الخطاب نوجهه أيضاً للنساء، حيث عليهن أن يحافظن على حقوق أزواجهن بحسب التزامهن، وأن يعشن مع أزواجهن بالمودة والرحمة، لا على أساس أن يحمل كل واحد منهما مواد القانون الزوجي ليحاكما بعضهما البعض ، بل لا بدّ أن يحكمهما المودة والرحمة، فـ"جهاد المرأة حُسن التبعل"، فالتي تحسن بعولتها لزوجها يعطيها الله أجر المجاهدات، والمرأة التي تخدم بيت زوجها وأولادها وتقوم بما لا يجب عليها من ذلك، فإنها تكون في عبادة من الصباح إلى المساء، لأنها في عملها طيلة النهار في المطبخ والغسيل وإرضاع الأولاد وحضانتهم، كما لو كانت تصلي، فتُثاب ثواب العابدة المخلصة لله إذا انطلقت في ذلك قربة إلى الله تعالى. وكما أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته، فلا يجوز لها أيضاً أن تضرب زوجها إذا كان الرجل ضعيفاً، ولو أن هذه الحالة نادرة.
مجتمع المودة والرحمة:
ومن هنا، لا بدّ أن تكون العلاقة الزوجية إنسانية، ولا بدّ أن تكون الدائرة الزوجية هي المدرسة التي يتعلم فيها الإنسان كيف يهتم بالآخر ويحبه وينشئ أسرة تقوم على المودة والرحمة، وعلينا أن نشعر دائماً ونحن في البيت أن الله تعالى يراقب كل أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا مع بعضنا البعض، فلا ينطلق الإنسان من موقع أنه الأقوى من أجل أن يظلم الأضعف، وقد جاء في الحديث: "إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، وبذلك نستطيع أن ننشئ أسرة مسلمة منفتحة على الحق وينشأ أولادنا ومجتمعنا على هذا الخط، وقد ورد في حديث رسول الله (ص): "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، ويقول (ص):"ملعون ملعون من ضيّع من يعون"، ويقول (ص): "عيال الرجل أسراؤه ،فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسّع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة"..
فلنبدأ من بيوتنا بالمودة والرحمة، ليكون مجتمعنا مجتمع المودة والرحمة، ولنطلب من الله تعالى أن يرحمنا كما نرحم الناس من حولنا، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في من حمّلكم مسؤوليته، وأحسنوا حركة المسؤولية ، وانطلقوا بالمعروف، وتحركوا في ما أوجبه الله عليكم بأن تفعلوه وفي ما نهاكم الله عنه أن تتركوه، ولا تظلموا بعضكم بعضاً، وليحفظ كل واحد لأخيه المؤمن وأخته المؤمنة حقهما، لأن الله تعالى لا يريد لنا أن نضيّع حقوق بعضنا البعض، والله سائلنا عن ذلك يوم القيامة.. ولا بدّ لنا أيضاً أن نحمل حق الأمة في كل ما فرضه الله علينا من رعاية قضاياها وحماية أوضاعها في كل المجالات، كل بحسب طاقته وقدرته، فإننا مسؤولون عن الإسلام كله في حركته في الواقع، ومسؤولون عن المسلمين كلهم في كل مواقعهم في الحياة، ونحن لا نزال نعاني من أكثر من قضية في كل مواقعنا الإسلامية، فماذا هناك؟
تطبيع مبكر مع العدو:
كانت جنازة الملك المغربي مناسبة أمريكية لأكثر من مصافحة إسرائيلية - عربية تخفي وراءها أكثر من تطبيع عربي مبكر مع العدو، وأكثر من مشروع زيارة اقتصادية لرموز العدو إلى أكثر من بلد عربي، تحت إشراف الرئيس الأمريكي الذي كان يضغط لإتمام هذه اللقاءات، وهو يعرف أنه ليس بحاجة إلا إلى الإشارة السياسية لبعض المسؤولين العرب مرغباً أو محذّراً..
بين العرس الصهيوني والمأتم العربي:
وهكذا، رجع "باراك" بأكثر من عرس سياسي في هذا المأتم العربي، في البلد الذي شهد أولى التنازلات عن اللاءات العربية بفضل نشاط مليكه الراحل، وقد بدأ رئيس وزراء العدو نشاطه في فلسطين بالمحاولة الأولى للتراجع عن تنفيذ اتفاق "واي ريفر"، وذلك بالحديث عن إمكانية تعديله أو تأجيله وربطه بالمفاوضات النهائية، طالباً من أمريكا الضغط على عرفات للقبول بذلك، حتى لا يخلق له تنفيذ الاتفاق المشاكل الداخلية المؤثرة سلباً على عملية "السلام"، كما يقول..
وربما يحصل "باراك" على ذلك إن عاجلاً أو آجلاً بفضل الضغط الأمريكي الذي يختفي تحت وعود كاذبة عن تدخل "واشنطن" من أجل إتمام عملية التسوية. وهكذا رأينا كيف عاد هذا الرجل (باراك) من الحفلة الجنائزية ليثير أكثر من تعقيد في عملية المفاوضات مع سوريا، عندما لاحظ أن ذلك لن يكلفه أيّ موقف عربي سلبي ضده، لأن الأكثرية العربية الحاكمة لا تملك سياسة المواجهة للعدو على كل صعيد مهما كانت التطورات السلبية على القضايا العربية.
الأعمال الوحشية الإسرائيلية لا تلقى استنكاراً:
ولا ندري ماذا يحمل الموفدون الأمريكيون من مشاريع للضغط على العرب، في الوقت الذي تشعر فيه إسرائيل بحرية الحركة في ممارسة الأعمال الوحشية على الشعب اللبناني، من خلال حصار القرى الآمنة المستضعفة كـ"عيتا الشعب" التي يمارس العدو وعملاؤه بحقها التهديد بتدمير بعض بيوتها والاعتقال لبعض شبابها، ومن خلال إبعاد بعض المواطنين من هذه القرية أو تلك، من دون استنكار أمريكي أو أوروبي، بل إننا رأينا ألمانيا - بدلاً من ذلك - تقدّم للعدو الغواصات التي تستطيع استخدام الصواريخ النووية، ليملك القدرة على تدمير أيّ بلد عربي أو إسلامي من قلب البحر، كما أن أمريكا تعهّدت لإسرائيل بالحصول على القوة العسكرية الاستراتيجية حتى بعد السلم المزعوم، من دون أن تقدّم للعرب شيئاً..
أمريكا تشن الحرب تحت غطاء التسوية:
إن على العرب الذين يحترمون مستقبل شعوبهم أن يعرفوا أن أمريكا لا تحمل لهم أيّ سلام، بل تحمل لهم الحرب السياسية والاقتصادية والأمنية تحت غطاء التسوية المقبلة، وأن إسرائيل لا تزال الغدة السرطانية التي تهدد حياة الواقع العربي كله.. أيها العرب: قفوا وقفة حاسمة مع حقوقكم الشرعية، لأن المرحلة الآن هي المرحلة التي تحمل لكم مفتاح الحرية أو مفتاح السجن الكبير لمستقبلكم.. وإننا ندعو الأنظمة للوقوف مع شعوبها ولو لمرّة واحدة في العمر، حتى لا نتمثل قول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
تحريك الورقة التركية لإزعاج إيران:
وفي جانب آخر، فإن الورقة التركية لا تزال تتحرك في ساحة اللعبة الأمريكية - الإسرائيلية، لإزعاج إيران التي تقف بقوة ضد عملية التسوية وتواجه السياسة الأمريكية، لتكون تركيا العنصر الذي يثير مشكلة أمنية أو سياسية لإيران، من دون أن تصل إلى حدود الحرب، ولا ندري ما هو دور "منظمة المؤتمر الإسلامي" في مواجهة هذا الأسلوب التركي الذي يهدد الأمن الإسلامي لحساب السياسة الأمريكية - الإسرائيلية، وما هي جدوى هذه المنظمة في عنوانها الإسلامي؟!.. إننا نعتقد أن على الشعب التركي المسلم، الذي يعارض سياسة حكومته، أن يتولى مهمة الوقوف في وجه هذه السياسة التركية العدوانية ضد المسلمين.
لبنان في خضم التجاذب الأوروبي ـ الأمريكي:
وأخيراً، إن البلد مقبل على تحديات صعبة في التجاذبات الدولية على أرضه، كما نلاحظه في التجاذب الفرنسي - الأمريكي على المستوى الاقتصادي، وهذا ما برز في مسألة الكهرباء، بالإضافة إلى الدبلوماسية الأمريكية التي تعمل على إبعاد أوروبا عن الساحة اللبنانية بطريقتها الخاصة.. وهناك خلفيات اللعبة السياسية التي تختفي وراء عملية التسوية تحت عنوان إثارة قضية التوطين من جهة، من خلال المشروع الصهيوني في رفض إعادة الفلسطينيين إلى أرضهم، وإشغال المواطنين بالسجالات الداخلية الفارغة، وبالتعقيدات السياسية المحلية من جهة أخرى، وتخدير القضايا المعيشية بكل هذا اللغو السياسي من ناحية ثالثة..
إن على الشعب اللبناني أن لا يسقط أمام كل هذه الملهاة الداخلية التي يُراد له الابتعاد بسببها عن القضايا الكبرى.. إننا نقول للجميع: إن المرحلة هي مرحلة التحرير الذي يجعل الموقف واحداً مع المجاهدين في خط المقاومة، والبلد واحداً في مواجهة تحديات المستقبل في الداخل والخارج..