أشرفُ النَّاسِ والرّضا باختيارِ الله في كلماتِ الحسين (ع)

أشرفُ النَّاسِ والرّضا باختيارِ الله في كلماتِ الحسين (ع)

قال رجل للحسين (ع): "مَن أشرفُ النَّاسِ؟ فقال (ع): مَن اتَّعظ قبل أن يوعَظ، ومَن استيقظ قبل أن يوقَظ"1، أي الإنسان الَّذي يوحي إلى نفسه بالموعظة، عندما يجلس مع نفسه، وعندما يدرسها، وعندما ينقدها ويحاسبها ويحاكمها ويحكم عليها ويجاهدها، من دون أن يحتاج أن يأتي الناس إليه ليعظوه، ويبقى يقظاً واعياً، لا يحتاج من الناس أن يوقظوه، فهذا هو أشرف الناس، لأنّه يعيش معنى الشَّرف في معنى كمال نفسه وفي معنى قربه لربِّه.

ويقال إنَّه قيل للحسين (ع) إنَّ أبا ذرّ يقول: "الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، والسّقم أحبّ إليَّ من الصحّة"، لأنّه كان يريد أن يبتليه الله بذلك ليصبر فيرفع درجته، قال: "رَحِمَ الله أبا ذرّ، أما أنا فأقول: من اتّكل على حسن اختيار الله تعالى له، لم يتمنَّ غير ما اختار الله عزَّ وجلَّ"2، فإذا اختار الله لنا الصحَّة، فخيارنا الصحّة، لأنّها اختيار الله، وإذا اختار الله لنا الغنى، فخيارنا الغنى، لأنّه هو الَّذي اختاره لنا. وهكذا، لو اختار الله لنا الفقر أو اختار لنا السّقم، أو اختار لنا غير ذلك، فالمهمّ أن يكون خيار الله هو خيارنا، وهذا هو معنى الرِّضا بقضائه وقدره.

وقد سئل الإمام الحسين (ع) فقيل له: كيف أصبحت الآن؟ ولو وجِّه إليك السؤال نفسه: كيف أصبحت؟ لقلت: الحمد لله، إنّ صحّتي جيدة والأمور على ما يرام، أمَّا الحسين (ع)، فيعطينا درساً في هذا الموضوع، فقد قيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ فقال:

"أصبحت ولي ربٌّ فوقي"، أي أنا أشعر بأني لستُ حرّاً، فهناك ربٌّ فوقي لأعيش ربوبيته في معنى عبوديّتي له، "والنَّار أمامي لأنّني إذا سرت بعيداً عن حركة العبوديَّة لله، فإنَّ النار هي النَّتيجة، ولذلك أصبحت وأنا أفكِّر في النَّار بأن أهرب منها، وأن أهرب من أيِّ شيء يدخلني فيها، "والموت يطلبني"، لأنّي أموت في كلِّ يوم عندما ينقص من عمري يوم، لأنّ الموت يلاحقني حتى يأخذ مني في كلِّ مرحلة شيئاً إلى أن تنتهي كلّ المراحل، "والحساب محدقٌ بي"، لأنَّ الله سوف يحاسبني على كلّ شيء {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[الإسراء: 14]، وأنا مرتهنٌ بعملي {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}[المدثر: 38 – 47]، فلا أجد ما أحبّ، وليس بيدي تحقيق كلّ ما أحبّ، كما لا أملك القدرة على أن أدفع ما أكرهه عندما يقبل عليّ، "والأمور بيد غيري، فإنْ شاء عذَّبني، وإنْ شاء عفا عنِّي، فأيُّ فقير أفقر منّي؟!"3 .

هذا هو صباح الحسين (ع)، فإذا كنَّا نريد أن نبدأ صباحنا بالتَّفكير في الله وفي النَّار وفي الحساب وفي كلّ مسؤوليَّتنا عن أعمالنا، فلنفكّر في أنَّنا بيد الله، لنبقى مع الله نتوسَّله ونبتهل إليه ونخشع بين يديه ليرحمنا برحمته.

*من محاضرة لسماحته بعنوان "في ذكرى أربعينيّته: لنأخذ الإمام الحسين (ع) كلّه"، بتاريخ: 28 - 6-1997م.

[1]إحقاق الحق، ج11، ص 590.

[2]مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ج2، ص 177.

[3]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 118.

قال رجل للحسين (ع): "مَن أشرفُ النَّاسِ؟ فقال (ع): مَن اتَّعظ قبل أن يوعَظ، ومَن استيقظ قبل أن يوقَظ"1، أي الإنسان الَّذي يوحي إلى نفسه بالموعظة، عندما يجلس مع نفسه، وعندما يدرسها، وعندما ينقدها ويحاسبها ويحاكمها ويحكم عليها ويجاهدها، من دون أن يحتاج أن يأتي الناس إليه ليعظوه، ويبقى يقظاً واعياً، لا يحتاج من الناس أن يوقظوه، فهذا هو أشرف الناس، لأنّه يعيش معنى الشَّرف في معنى كمال نفسه وفي معنى قربه لربِّه.

ويقال إنَّه قيل للحسين (ع) إنَّ أبا ذرّ يقول: "الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، والسّقم أحبّ إليَّ من الصحّة"، لأنّه كان يريد أن يبتليه الله بذلك ليصبر فيرفع درجته، قال: "رَحِمَ الله أبا ذرّ، أما أنا فأقول: من اتّكل على حسن اختيار الله تعالى له، لم يتمنَّ غير ما اختار الله عزَّ وجلَّ"2، فإذا اختار الله لنا الصحَّة، فخيارنا الصحّة، لأنّها اختيار الله، وإذا اختار الله لنا الغنى، فخيارنا الغنى، لأنّه هو الَّذي اختاره لنا. وهكذا، لو اختار الله لنا الفقر أو اختار لنا السّقم، أو اختار لنا غير ذلك، فالمهمّ أن يكون خيار الله هو خيارنا، وهذا هو معنى الرِّضا بقضائه وقدره.

وقد سئل الإمام الحسين (ع) فقيل له: كيف أصبحت الآن؟ ولو وجِّه إليك السؤال نفسه: كيف أصبحت؟ لقلت: الحمد لله، إنّ صحّتي جيدة والأمور على ما يرام، أمَّا الحسين (ع)، فيعطينا درساً في هذا الموضوع، فقد قيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ فقال:

"أصبحت ولي ربٌّ فوقي"، أي أنا أشعر بأني لستُ حرّاً، فهناك ربٌّ فوقي لأعيش ربوبيته في معنى عبوديّتي له، "والنَّار أمامي لأنّني إذا سرت بعيداً عن حركة العبوديَّة لله، فإنَّ النار هي النَّتيجة، ولذلك أصبحت وأنا أفكِّر في النَّار بأن أهرب منها، وأن أهرب من أيِّ شيء يدخلني فيها، "والموت يطلبني"، لأنّي أموت في كلِّ يوم عندما ينقص من عمري يوم، لأنّ الموت يلاحقني حتى يأخذ مني في كلِّ مرحلة شيئاً إلى أن تنتهي كلّ المراحل، "والحساب محدقٌ بي"، لأنَّ الله سوف يحاسبني على كلّ شيء {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[الإسراء: 14]، وأنا مرتهنٌ بعملي {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}[المدثر: 38 – 47]، فلا أجد ما أحبّ، وليس بيدي تحقيق كلّ ما أحبّ، كما لا أملك القدرة على أن أدفع ما أكرهه عندما يقبل عليّ، "والأمور بيد غيري، فإنْ شاء عذَّبني، وإنْ شاء عفا عنِّي، فأيُّ فقير أفقر منّي؟!"3 .

هذا هو صباح الحسين (ع)، فإذا كنَّا نريد أن نبدأ صباحنا بالتَّفكير في الله وفي النَّار وفي الحساب وفي كلّ مسؤوليَّتنا عن أعمالنا، فلنفكّر في أنَّنا بيد الله، لنبقى مع الله نتوسَّله ونبتهل إليه ونخشع بين يديه ليرحمنا برحمته.

*من محاضرة لسماحته بعنوان "في ذكرى أربعينيّته: لنأخذ الإمام الحسين (ع) كلّه"، بتاريخ: 28 - 6-1997م.

[1]إحقاق الحق، ج11، ص 590.

[2]مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ج2، ص 177.

[3]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 118.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية