محاضرات
15/08/2024

الالتزامُ ومصلحةُ الإسلامِ

الالتزامُ ومصلحةُ الإسلامِ

إنّ نحتاج أن نعيشه، أن لا نكون المتعصِّبين بل الملتزمين، أن لا نرتبط بالشَّخص وبالجماعة، بل بالخطِّ وبالمبدأ وبالإسلام..
المتعصِّب لا يمكن أن يلتقي بالآخر، لأنَّه يعتبر الدّنيا محصورةً بدنياه، أمَّا الملتزم، فهو يبحث ما هي مصلحة الإسلام إن كان مسلماً، وما هي مصلحة الوطن إن كان مواطناً، وما هي مصلحة الإنسانيَّة إذا كان يتحرَّك في خطِّ الإنسانيَّة... الملتزم هو إنسانٌ ينفتح على الآخر، والقرآن الكريم علَّمنا أن ننفتح على الآخر، حتَّى لو اختلفنا معه في كثير من التَّفاصيل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ - كم هناك فرق بيننا وبين أهل الكتاب في تصوّر الله وفي الكثير من المفاهيم، ومع ذلك، علَّمنا القرآن أن نبحث عمَّا نلتقي فيه معهم في الخطوط العريضة، حتَّى لو اختلفنا معهم في الخطوط التَّفصيليَّة - أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ - وإن اختلفنا في تصوّر شخصيَّة الله - وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}[آل عمران: 64]، أن نلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانيَّة الَّتي يساوي فيها الإنسانُ الإنسانَ الآخر، ولا يتَّخذ الإنسانُ الإنسانَ ربّاً له.
مصلحةُ الإسلامِ أوّلاً
وهكذا، إذا كنَّا الملتزمين بالإسلام، فإنَّ علينا أن نراقب مصلحة الإسلام في كلِّ مرحلة من مراحل حركتنا، وفي كلِّ موقع من مواقعنا، أن تنفتح كمسلم على المسلمين الآخرين، من دون أن تتنازل عن قناعاتك، ولكن أن تفكِّر فيما يجمعك بالمسلمين الآخرين، وأن تفكِّر في المصلحة المشتركة بينك وبينهم، فتجمِّد كلَّ خلافاتك معهم، لأنَّ العدوَّ المشترك ينطلق ليطلب رأس الإسلام، ولأنَّ أهل الكفر والضَّلال ينطلقون من أجل أن يسقطوا كلمة "أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله"، وعلينا، في مواجهة ذلك، أن نكون صفّاً واحداً لحماية هذه الكلمة، وأن نجمِّد - ولا نلغي - كلَّ خلافاتنا الأخرى، ونعيش إخواناً في السَّاحة المشتركة.
وهكذا، عندما ينطلق العالم من أجل أن يسقط الإسلام في عقيدته وحركته وسياسته واقتصاده، فعلينا أن ننطلق صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضاً لمواجهة ذلك؛ أن لا يشغل السّنَّة أنفسهم بالخلاف مع الشِّيعة بمسألة الخلافة، وأن لا يشغل الشِّيعة أنفسهم بالخلاف مع السنَّة في مسألة الإمامة، وإن كان كلٌّ من هؤلاء وأولئك يعتقدون ما يلتزمونه، أن يتوحَّدوا معاً، ولا سيَّما في هذه الظّروف، في وجه المخطَّط العالمي الاستكباريّ الّذي تقوده الولايات المتَّحدة الأمريكيّة، وتتحرَّك به أوروبَّا، وكلّ من يتحالف معهم، بما يسمُّونه الحرب ضدَّ الإسلام الأصوليّ.. والواقع، ليس هناك إسلام أصوليّ بالمعنى الغربيّ، لأنَّ الغرب يقصدون بالإسلام الأصوليّ، الإسلامَ الَّذي ينفي الآخر، ولا يفكِّر إلَّا في العنف ضدَّه.. والإسلام لا ينفي الآخر، وقد قرأنا قوله تعالى: {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}، فهو يعترف بأهل الكتاب، ولذلك عاش أهل الكتاب، اليهود والنَّصارى، منذ انطلق الإسلام وحتَّى الآن، في بلاد المسلمين آمنين على أموالهم ودمائهم وأعراضهم، لأنَّ المسلمين منفتحون على الآخر ولا يلغونه، وقد أمرنا الله بالرِّفق لا بالعنف، فلا نسير بالعنف إلَّا كما يضطرّ الإنسان إلى العمليَّة الجراحيَّة.
لذلك، هم لا يريدون إسلاماً يتحرَّك في قضايا الحريَّة، ولا إسلاماً يرتكز على أساس العدالة، ولا إسلاماً ينفتح على المستضعفين كلِّهم بالعدل كلِّه، ولذلك هناك حرب عالميَّة ضدَّ الإسلام.. وقد عبَّرَتْ رئيسة وزراء بريطانيا السَّابقة [مارغريت تاتشر]، في أوَّل اجتماع للحلف الأطلسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وكانوا يبحثون عن عدوٍّ جديد يحاربه الحلف الأطلسي بعد أن سقط الاتحاد السوفياتي كعدوّ، فقالت إنَّ الإسلام هو العدوُّ الجديد، لأنَّ الإسلام الَّذي انطلق من أجل أن يواجه الاستكبار كلَّه والاستعمار كلَّه، والَّذي انطلق في حركته من أجل أن يحافظ على مصالح المسلمين في أرضهم واقتصادهم وسياستهم، إنَّ هذا الإسلام يمثِّل التحدّي للغرب كلِّه، وعلى الغرب أن يستعدَّ له، لأنَّ هذا الإسلام الحركيّ الَّذي ينطلق من خلال روحيَّة مخلصة صادقة مؤمنة بالله، هذا الإسلام الَّذي يتحرَّك على أساس إخلاصه لله ولعباد الله، سوف يعمل، ولو في المستقبل، على أن يكون بترولُ المسلمين للمسلمين، وعلى أن تكون كلُّ ثرواتِ المسلمين للمسلمين.. للمسلمين الحريَّةُ في أن يواجهوا العالم كلَّه بأنَّ هذه ثرواتنا، ونحن نتعاون معكم في مصالحنا ومصالحكم، أن لا تسحقَ مصالحُكم مصالحَنا، وأن لا يكونَ اقتصادُنا على هامش اقتصادكم، ولا سياستنا على هامش سياستكم.. إنَّ الإسلام الحركيّ المنفتح على قضايا الإنسان وقضايا المسلمين الواسعة، هو إسلام لا يوافق عليه الغرب، إنَّ الغرب يوافق على إسلام مدجَّن، مهذَّب، عاقل، يسبِّح بحمد أصحاب الجلالة الَّذين لا جلالة لهم، وبأصحاب السّموّ الَّذين لا سموَّ لهم، وبأصحاب الفخامة والسّيادة الَّذين لا فخامة لهم ولا سيادة، ممن وظَّفهم الاستكبار العالميّ ليكونوا حكَّاماً على المسلمين، ليحافظوا على مصالحه وليحرسوا امتيازاته.

* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 13/05/1997م.
 
إنّ نحتاج أن نعيشه، أن لا نكون المتعصِّبين بل الملتزمين، أن لا نرتبط بالشَّخص وبالجماعة، بل بالخطِّ وبالمبدأ وبالإسلام..
المتعصِّب لا يمكن أن يلتقي بالآخر، لأنَّه يعتبر الدّنيا محصورةً بدنياه، أمَّا الملتزم، فهو يبحث ما هي مصلحة الإسلام إن كان مسلماً، وما هي مصلحة الوطن إن كان مواطناً، وما هي مصلحة الإنسانيَّة إذا كان يتحرَّك في خطِّ الإنسانيَّة... الملتزم هو إنسانٌ ينفتح على الآخر، والقرآن الكريم علَّمنا أن ننفتح على الآخر، حتَّى لو اختلفنا معه في كثير من التَّفاصيل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ - كم هناك فرق بيننا وبين أهل الكتاب في تصوّر الله وفي الكثير من المفاهيم، ومع ذلك، علَّمنا القرآن أن نبحث عمَّا نلتقي فيه معهم في الخطوط العريضة، حتَّى لو اختلفنا معهم في الخطوط التَّفصيليَّة - أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ - وإن اختلفنا في تصوّر شخصيَّة الله - وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}[آل عمران: 64]، أن نلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانيَّة الَّتي يساوي فيها الإنسانُ الإنسانَ الآخر، ولا يتَّخذ الإنسانُ الإنسانَ ربّاً له.
مصلحةُ الإسلامِ أوّلاً
وهكذا، إذا كنَّا الملتزمين بالإسلام، فإنَّ علينا أن نراقب مصلحة الإسلام في كلِّ مرحلة من مراحل حركتنا، وفي كلِّ موقع من مواقعنا، أن تنفتح كمسلم على المسلمين الآخرين، من دون أن تتنازل عن قناعاتك، ولكن أن تفكِّر فيما يجمعك بالمسلمين الآخرين، وأن تفكِّر في المصلحة المشتركة بينك وبينهم، فتجمِّد كلَّ خلافاتك معهم، لأنَّ العدوَّ المشترك ينطلق ليطلب رأس الإسلام، ولأنَّ أهل الكفر والضَّلال ينطلقون من أجل أن يسقطوا كلمة "أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله"، وعلينا، في مواجهة ذلك، أن نكون صفّاً واحداً لحماية هذه الكلمة، وأن نجمِّد - ولا نلغي - كلَّ خلافاتنا الأخرى، ونعيش إخواناً في السَّاحة المشتركة.
وهكذا، عندما ينطلق العالم من أجل أن يسقط الإسلام في عقيدته وحركته وسياسته واقتصاده، فعلينا أن ننطلق صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضاً لمواجهة ذلك؛ أن لا يشغل السّنَّة أنفسهم بالخلاف مع الشِّيعة بمسألة الخلافة، وأن لا يشغل الشِّيعة أنفسهم بالخلاف مع السنَّة في مسألة الإمامة، وإن كان كلٌّ من هؤلاء وأولئك يعتقدون ما يلتزمونه، أن يتوحَّدوا معاً، ولا سيَّما في هذه الظّروف، في وجه المخطَّط العالمي الاستكباريّ الّذي تقوده الولايات المتَّحدة الأمريكيّة، وتتحرَّك به أوروبَّا، وكلّ من يتحالف معهم، بما يسمُّونه الحرب ضدَّ الإسلام الأصوليّ.. والواقع، ليس هناك إسلام أصوليّ بالمعنى الغربيّ، لأنَّ الغرب يقصدون بالإسلام الأصوليّ، الإسلامَ الَّذي ينفي الآخر، ولا يفكِّر إلَّا في العنف ضدَّه.. والإسلام لا ينفي الآخر، وقد قرأنا قوله تعالى: {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}، فهو يعترف بأهل الكتاب، ولذلك عاش أهل الكتاب، اليهود والنَّصارى، منذ انطلق الإسلام وحتَّى الآن، في بلاد المسلمين آمنين على أموالهم ودمائهم وأعراضهم، لأنَّ المسلمين منفتحون على الآخر ولا يلغونه، وقد أمرنا الله بالرِّفق لا بالعنف، فلا نسير بالعنف إلَّا كما يضطرّ الإنسان إلى العمليَّة الجراحيَّة.
لذلك، هم لا يريدون إسلاماً يتحرَّك في قضايا الحريَّة، ولا إسلاماً يرتكز على أساس العدالة، ولا إسلاماً ينفتح على المستضعفين كلِّهم بالعدل كلِّه، ولذلك هناك حرب عالميَّة ضدَّ الإسلام.. وقد عبَّرَتْ رئيسة وزراء بريطانيا السَّابقة [مارغريت تاتشر]، في أوَّل اجتماع للحلف الأطلسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وكانوا يبحثون عن عدوٍّ جديد يحاربه الحلف الأطلسي بعد أن سقط الاتحاد السوفياتي كعدوّ، فقالت إنَّ الإسلام هو العدوُّ الجديد، لأنَّ الإسلام الَّذي انطلق من أجل أن يواجه الاستكبار كلَّه والاستعمار كلَّه، والَّذي انطلق في حركته من أجل أن يحافظ على مصالح المسلمين في أرضهم واقتصادهم وسياستهم، إنَّ هذا الإسلام يمثِّل التحدّي للغرب كلِّه، وعلى الغرب أن يستعدَّ له، لأنَّ هذا الإسلام الحركيّ الَّذي ينطلق من خلال روحيَّة مخلصة صادقة مؤمنة بالله، هذا الإسلام الَّذي يتحرَّك على أساس إخلاصه لله ولعباد الله، سوف يعمل، ولو في المستقبل، على أن يكون بترولُ المسلمين للمسلمين، وعلى أن تكون كلُّ ثرواتِ المسلمين للمسلمين.. للمسلمين الحريَّةُ في أن يواجهوا العالم كلَّه بأنَّ هذه ثرواتنا، ونحن نتعاون معكم في مصالحنا ومصالحكم، أن لا تسحقَ مصالحُكم مصالحَنا، وأن لا يكونَ اقتصادُنا على هامش اقتصادكم، ولا سياستنا على هامش سياستكم.. إنَّ الإسلام الحركيّ المنفتح على قضايا الإنسان وقضايا المسلمين الواسعة، هو إسلام لا يوافق عليه الغرب، إنَّ الغرب يوافق على إسلام مدجَّن، مهذَّب، عاقل، يسبِّح بحمد أصحاب الجلالة الَّذين لا جلالة لهم، وبأصحاب السّموّ الَّذين لا سموَّ لهم، وبأصحاب الفخامة والسّيادة الَّذين لا فخامة لهم ولا سيادة، ممن وظَّفهم الاستكبار العالميّ ليكونوا حكَّاماً على المسلمين، ليحافظوا على مصالحه وليحرسوا امتيازاته.

* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 13/05/1997م.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية