متفرقات
24/07/2022

آيةُ المباهلة: كيفَ تعاطى القرآنُ مع الاختلافِ العقيدي؟

آيةُ المباهلة: كيفَ تعاطى القرآنُ مع الاختلافِ العقيدي؟
يقول تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران : 61].
{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ}، في عيسى في أنّه "هو الله"، وأنّه "ابن الله"، وأنّ "الله ثالث ثلاثة"، ولم يبلغ الحوار نهايته الفكرية في قناعتهم الوجدانية، أو أنّه عبد الله ورسوله، وأنّ الله لا إله إلا هو الأحد، لم يلِد ولم يولَد ولم يكن له كفواً أحد...
{مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} الَّذي قدَّمته إليهم من القرآن والآيات البيّنات على الحقّ، فليكن للمحاججة أسلوب آخر حاسم، تنطلق فيه من موقع التحدّي الكبير الَّذي يقف فيه الإنسان بين يدي الله في مواجهته للإنسان الآخر في قضيَّة العقيدة المرتبطة بقضيَّة الإيمان بالله في مضمونه التوحيدي الحقيقي، وهو الأسلوب الذي أخلص الإنسان في الأخذ به والاستعداد لنتائجه السلبيَّة التي قد تمثّل الخطر عليه وعلى مَنْ يتَّصل به ممّن يقدّمهم أمامه من أهله ليكونوا طرفاً في المباهلة، فهذا ما يمثِّل النهاية الحاسمة التي تتمثّل في الواقع الإيجابي المنفتح لصاحب الحقّ، والواقع السلبي المنغلق في حياة المضادّ للحقّ.
{فَقُلْ تَعَالَوْاْ} يا نصارى نجران، هلمُّوا إلى موقف آخر يتمثَّل فيه العمق العميق للرأي القويّ والعزيمة الحازمة.
{نَدْعُ أَبْنَاءنَا} الَّذين يجسِّدون أعمق علاقة حميمة يعيشها الإنسان في علاقته بالنّاس، بحيث تتّصل حياته بامتداد حياتهم، وعاطفته بالمعنى العميق لوجودهم، فيتعب ليرتاحوا، ويجوع ليشبعوا، ويظمأ ليرتووا، ويضحّي بحياته ليعيشوا بعده.. وها أنا أقدِّم بين يديّ للمباهلة ولديّ الحسن والحسين اللّذين يمثّلان كلّ حبّي في العاطفة، وكلّ شعوري في المحبّة وأملي بمستقبل الرسالة، فهما سيِّدا شباب أهل الجنّة وريحانتاي في الدُّنيا.
قال صاحب مجمع البيان: "أجمع المفسّرون على أنّ المراد بــ {أَبْنَاءنَا} الحسن والحسين (عليهما السلام)، قال أبو بكر الرازي: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص)، وأنّ ولد الابنة ابن في الحقيقة. وقال ابن أبي علّان، وهو أحد أئمّة المعتزلة: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين كانا مكلّفين في تلك الحال، لأنَّ المباهلة لا تجوز إلَّا مع البالغين، وقال أصحابنا إنَّ صغر السنّ ونقصانها عن حدِّ بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل، وإنّما جعل بلوغ الحلم حدّاً لتعلّق الأحكام الشرعيَّة، وقد كانت سنّهما في تلك الحال سنّاً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل. على أنّ عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمّة ويخصّهم بما لا يشركهم فيه غيرهم. فلو صحّ أنّ كمال العقل غير معتادٍ في تلك السنّ، لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمّن سواهم، ودلالةً على مكانهم من الله تعالى واختصاصهم، وممّا يؤيِّده من الأخبار، قول النبيّ (ص): "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا" .
ونلاحظ على هذا الحديث حول البلوغ وكمال العقل كشرط للمباهلة، أنَّ مثل هذا الحديث في الجدل الدائر فيه ـــ من هذه الجهة لا من جهة الإيمان بكمال عقليهما (عليهما السلام) ـــ يتوقَّف على أن يكون الحسنان (عليهما السلام) طرفين مستقلّين في المباهلة، كما لو كانا هما اللّذان يتولّيانها في مقابل نظائرهما من الآخرين، ليباهل الرجال الرجال، والنساء النساء، والأبناء الأبناء، ولكن يمكن أن تكون المسألة واردة على أساس أن يُقدِّم النبيّ (ص) ـــ وهو واثق بأنَّ الحقّ معه، وأنّ النتيجة الحاسمة الإيجابية ستكون له ـــ ابنيه وابنته وابن عمّه ليكونوا طرفاً في الابتهال وفريقاً في النتائج الحاسمة الأخيرة، بعيداً عمّا إذا كانوا مشاركين في التحدّي، والله العالِم.
{وَأَبْنَاءكُمْ} ممّن تختارون منهم للحضور والابتهال في هذا الموقف الصعب.
{وَنِسَاءنَا} اللاتي يمثِّلن أقرب موقع للانتماء الإنساني الروحي من النساء في حياتنا الخاصَّة، وها أنا أقدِّم بين يديّ ابنتي فاطمة سيِّدة نساء العالمين، التي "هي بضعة منِّي، يريبني ما رابها"، "ويغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها"، لأنَّ غضبها في مواقع غضب الله ورضاها في مواقع رضاه. إنّني أقدّمها في هذا التحدّي الكبير للدلالة على أنّني على يقين من صدق دعوتي، لأنَّ الإنسان لا يقدِّم أحبّ الناس إليه في مواقع احتمال الخطر، إلَّا إذا كان واثقاً من النجاة.
{وَنِسَاءكُمْ} ممّن تختارون من النّساء في مجتمعكم الخاص.
{وَأَنفُسَنَا} ممّن هم في موقع النفس من حيث المنزلة والمحبّة والإعزاز، وهو عليّ (ع)، لأنّه يمثّل الصورة الحيّة الصادقة لكلّ الكمالات والتطلُّعات والسلوكيات والملكات التي أمثّلها، لأنّني ربّيته وأنشأته منذ طفولته على صورتي في أخلاقي وروحياتي وأقوالي وأفعالي، فكان منّي بمنزلة النفس من النفس، والذّات من الذات، والروح من الروح، والعقل من العقل... وليس هناك غير عليّ (ع)، فإنّه عاش معي كما لم يعش أحد غيره معي، وكان منّي "بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنّه لا نبيّ بعدي"(2).
{وأَنفُسَكُمْ} ممّن يمثّلون وجودكم وذواتكم في حياتكم الخاصّة.
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ} وندعو الله ونجتهد في الإخلاص والخضوع بين يديه.
{فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} منّا ومنكم، فذلك هو الذي ينتهي بالأمور إلى نهاياتها الأخيرة من دون نزاع ولا خصام.  
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".
يقول تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران : 61].
{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ}، في عيسى في أنّه "هو الله"، وأنّه "ابن الله"، وأنّ "الله ثالث ثلاثة"، ولم يبلغ الحوار نهايته الفكرية في قناعتهم الوجدانية، أو أنّه عبد الله ورسوله، وأنّ الله لا إله إلا هو الأحد، لم يلِد ولم يولَد ولم يكن له كفواً أحد...
{مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} الَّذي قدَّمته إليهم من القرآن والآيات البيّنات على الحقّ، فليكن للمحاججة أسلوب آخر حاسم، تنطلق فيه من موقع التحدّي الكبير الَّذي يقف فيه الإنسان بين يدي الله في مواجهته للإنسان الآخر في قضيَّة العقيدة المرتبطة بقضيَّة الإيمان بالله في مضمونه التوحيدي الحقيقي، وهو الأسلوب الذي أخلص الإنسان في الأخذ به والاستعداد لنتائجه السلبيَّة التي قد تمثّل الخطر عليه وعلى مَنْ يتَّصل به ممّن يقدّمهم أمامه من أهله ليكونوا طرفاً في المباهلة، فهذا ما يمثِّل النهاية الحاسمة التي تتمثّل في الواقع الإيجابي المنفتح لصاحب الحقّ، والواقع السلبي المنغلق في حياة المضادّ للحقّ.
{فَقُلْ تَعَالَوْاْ} يا نصارى نجران، هلمُّوا إلى موقف آخر يتمثَّل فيه العمق العميق للرأي القويّ والعزيمة الحازمة.
{نَدْعُ أَبْنَاءنَا} الَّذين يجسِّدون أعمق علاقة حميمة يعيشها الإنسان في علاقته بالنّاس، بحيث تتّصل حياته بامتداد حياتهم، وعاطفته بالمعنى العميق لوجودهم، فيتعب ليرتاحوا، ويجوع ليشبعوا، ويظمأ ليرتووا، ويضحّي بحياته ليعيشوا بعده.. وها أنا أقدِّم بين يديّ للمباهلة ولديّ الحسن والحسين اللّذين يمثّلان كلّ حبّي في العاطفة، وكلّ شعوري في المحبّة وأملي بمستقبل الرسالة، فهما سيِّدا شباب أهل الجنّة وريحانتاي في الدُّنيا.
قال صاحب مجمع البيان: "أجمع المفسّرون على أنّ المراد بــ {أَبْنَاءنَا} الحسن والحسين (عليهما السلام)، قال أبو بكر الرازي: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص)، وأنّ ولد الابنة ابن في الحقيقة. وقال ابن أبي علّان، وهو أحد أئمّة المعتزلة: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين كانا مكلّفين في تلك الحال، لأنَّ المباهلة لا تجوز إلَّا مع البالغين، وقال أصحابنا إنَّ صغر السنّ ونقصانها عن حدِّ بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل، وإنّما جعل بلوغ الحلم حدّاً لتعلّق الأحكام الشرعيَّة، وقد كانت سنّهما في تلك الحال سنّاً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل. على أنّ عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمّة ويخصّهم بما لا يشركهم فيه غيرهم. فلو صحّ أنّ كمال العقل غير معتادٍ في تلك السنّ، لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمّن سواهم، ودلالةً على مكانهم من الله تعالى واختصاصهم، وممّا يؤيِّده من الأخبار، قول النبيّ (ص): "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا" .
ونلاحظ على هذا الحديث حول البلوغ وكمال العقل كشرط للمباهلة، أنَّ مثل هذا الحديث في الجدل الدائر فيه ـــ من هذه الجهة لا من جهة الإيمان بكمال عقليهما (عليهما السلام) ـــ يتوقَّف على أن يكون الحسنان (عليهما السلام) طرفين مستقلّين في المباهلة، كما لو كانا هما اللّذان يتولّيانها في مقابل نظائرهما من الآخرين، ليباهل الرجال الرجال، والنساء النساء، والأبناء الأبناء، ولكن يمكن أن تكون المسألة واردة على أساس أن يُقدِّم النبيّ (ص) ـــ وهو واثق بأنَّ الحقّ معه، وأنّ النتيجة الحاسمة الإيجابية ستكون له ـــ ابنيه وابنته وابن عمّه ليكونوا طرفاً في الابتهال وفريقاً في النتائج الحاسمة الأخيرة، بعيداً عمّا إذا كانوا مشاركين في التحدّي، والله العالِم.
{وَأَبْنَاءكُمْ} ممّن تختارون منهم للحضور والابتهال في هذا الموقف الصعب.
{وَنِسَاءنَا} اللاتي يمثِّلن أقرب موقع للانتماء الإنساني الروحي من النساء في حياتنا الخاصَّة، وها أنا أقدِّم بين يديّ ابنتي فاطمة سيِّدة نساء العالمين، التي "هي بضعة منِّي، يريبني ما رابها"، "ويغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها"، لأنَّ غضبها في مواقع غضب الله ورضاها في مواقع رضاه. إنّني أقدّمها في هذا التحدّي الكبير للدلالة على أنّني على يقين من صدق دعوتي، لأنَّ الإنسان لا يقدِّم أحبّ الناس إليه في مواقع احتمال الخطر، إلَّا إذا كان واثقاً من النجاة.
{وَنِسَاءكُمْ} ممّن تختارون من النّساء في مجتمعكم الخاص.
{وَأَنفُسَنَا} ممّن هم في موقع النفس من حيث المنزلة والمحبّة والإعزاز، وهو عليّ (ع)، لأنّه يمثّل الصورة الحيّة الصادقة لكلّ الكمالات والتطلُّعات والسلوكيات والملكات التي أمثّلها، لأنّني ربّيته وأنشأته منذ طفولته على صورتي في أخلاقي وروحياتي وأقوالي وأفعالي، فكان منّي بمنزلة النفس من النفس، والذّات من الذات، والروح من الروح، والعقل من العقل... وليس هناك غير عليّ (ع)، فإنّه عاش معي كما لم يعش أحد غيره معي، وكان منّي "بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنّه لا نبيّ بعدي"(2).
{وأَنفُسَكُمْ} ممّن يمثّلون وجودكم وذواتكم في حياتكم الخاصّة.
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ} وندعو الله ونجتهد في الإخلاص والخضوع بين يديه.
{فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} منّا ومنكم، فذلك هو الذي ينتهي بالأمور إلى نهاياتها الأخيرة من دون نزاع ولا خصام.  
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية