يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان: 8 – 11].
يذكر المفسِّرون من مختلف الفرق الإسلاميَّة، أنَّ هذه الآيات الشَّريفة نزلت في عليّ وفاطمة وولديهما الحسن والحسين (ع)، فقد جاء في تفسير الكشّاف عن ابن عباس، "أنَّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله في ناسٍ معه، فقالوا يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضَّة ـــ جارية لهما ـــ إنْ برئا أن يصوموا ثلاثة أيَّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمَّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنَّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلَّا الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلمَّا أصبحوا، أخذ عليّ (رض) بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله (ص)، فلمَّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال: خذها يا محمَّد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة" .
هذا، وقد أورد الرواية القمّي في تفسيره بصيغة أخرى عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (ع). قال: كان عند فاطمة (ع) شعير، فجعلوه عصيدة (شعير يُلتّ بالسمن ويطبخ)، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم، جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله، فقام عليّ (ع) فأعطاه ثلثاً، فلم يلبث أنْ جاء يتيم، فقال يتيم رحمكم الله، فأعطاه (ع) الثلث، ثم جاء أسير، فقال أسيرٌ رحمكم الله، فأعطاه (ع) الثلث، وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجلّ .
هذا هو سرّ أهل البيت (ع)، أنّهم يتحرّكون في كلّ نشاطاتهم في الحياة لوجه الله، لا يريدون جزاءً ولا شكوراً، وتلك هي القيمة الإنسانيَّة، أن يعطي الإنسان كلّ ما يملكه لمن يحتاجه من دون انتظار أيّ مقابل منه، وإنّما ينتظر رحمة الله. وتلك هي قيمة أهل البيت، ومنهم سيّدتنا فاطمة (ع)، فقد عاشوا روحية العطاء والبذل، عطاء العلم والمال والجاه والقوّة والروح والدم، كلّ ذلك لوجه الله وفي سبيله. وتلك هي روحيَّة أهل البيت (ع) وروحانيَّتهم، روحيَّة تنفتح على الله ولكنّها لا تغيب عن الواقع، فإنَّ هناك روحانية تستغرق في الله فتنسى الحياة، وتذوب فيه فتنسى عباده، وهذه ليست هي الروحانيَّة التي يريدها الله، لأنّ ما يريده الله سبحانه أن ينطلق إيماننا ليحرّك حياتنا في خطّ المسؤوليَّة، ويريدنا أن نحبّه لنحبّ الناس من خلال حبّه، وأن نحبّه ونتقرَّب إليه من أجل أن يفجّر في عقولنا كلّ طاقات الحقّ لتكون عقولنا حركة في سبيل الحقّ، ومن أجل أن يفجّر في قلوبنا كلّ عواطف الحقّ، لتكون قلوبنا نابضة بالحقّ في كلّ عواطفها، وليفجّر طاقاتنا في الحياة لتكون حركتنا حقاً كلّها. ولهذا، فإنَّ معنى أن تحبّ، هو أنْ يتحوّل حبّك إلى مسؤولية تجاه الآخرين {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}[آل عمران: 31]، اتّبعوني في كلّ تعاليمي التي تؤكّد خدمة الإنسان واحترامه والإحسان إليه ورفع الظلم عنه، فإنَّ حبَّ الله هو الَّذي يُترجم إلى عمل...
* من كتاب "الزهراء القدوة".
تفسير الكشاف، ج:4، ص:670، دار الكتاب العربي ـ بيروت، الطبعة الثالثة، 1987. وفي شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، ج:2، ص:399. وزارة الإرشاد ـ إيران، 1990م، روى مضمون الرواية بأسانيد عديدة، وروى نزولها فيهم البيضاوي في تفسيره، ج:2، ص:526، والثعلبي في الكشف والتبيان، ص:279.
تفسير القمّي، ج:2، ص:398، مطبعة النجف 1387هـ، وجدّد طبعها في قم 1404هـ بتصحيح السيّد طيب الجزائري. وعنه البرهان في تفسير القرآن، ج:4، ص:411.
يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان: 8 – 11].
يذكر المفسِّرون من مختلف الفرق الإسلاميَّة، أنَّ هذه الآيات الشَّريفة نزلت في عليّ وفاطمة وولديهما الحسن والحسين (ع)، فقد جاء في تفسير الكشّاف عن ابن عباس، "أنَّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله في ناسٍ معه، فقالوا يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضَّة ـــ جارية لهما ـــ إنْ برئا أن يصوموا ثلاثة أيَّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمَّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنَّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلَّا الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلمَّا أصبحوا، أخذ عليّ (رض) بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله (ص)، فلمَّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال: خذها يا محمَّد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة" .
هذا، وقد أورد الرواية القمّي في تفسيره بصيغة أخرى عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (ع). قال: كان عند فاطمة (ع) شعير، فجعلوه عصيدة (شعير يُلتّ بالسمن ويطبخ)، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم، جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله، فقام عليّ (ع) فأعطاه ثلثاً، فلم يلبث أنْ جاء يتيم، فقال يتيم رحمكم الله، فأعطاه (ع) الثلث، ثم جاء أسير، فقال أسيرٌ رحمكم الله، فأعطاه (ع) الثلث، وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجلّ .
هذا هو سرّ أهل البيت (ع)، أنّهم يتحرّكون في كلّ نشاطاتهم في الحياة لوجه الله، لا يريدون جزاءً ولا شكوراً، وتلك هي القيمة الإنسانيَّة، أن يعطي الإنسان كلّ ما يملكه لمن يحتاجه من دون انتظار أيّ مقابل منه، وإنّما ينتظر رحمة الله. وتلك هي قيمة أهل البيت، ومنهم سيّدتنا فاطمة (ع)، فقد عاشوا روحية العطاء والبذل، عطاء العلم والمال والجاه والقوّة والروح والدم، كلّ ذلك لوجه الله وفي سبيله. وتلك هي روحيَّة أهل البيت (ع) وروحانيَّتهم، روحيَّة تنفتح على الله ولكنّها لا تغيب عن الواقع، فإنَّ هناك روحانية تستغرق في الله فتنسى الحياة، وتذوب فيه فتنسى عباده، وهذه ليست هي الروحانيَّة التي يريدها الله، لأنّ ما يريده الله سبحانه أن ينطلق إيماننا ليحرّك حياتنا في خطّ المسؤوليَّة، ويريدنا أن نحبّه لنحبّ الناس من خلال حبّه، وأن نحبّه ونتقرَّب إليه من أجل أن يفجّر في عقولنا كلّ طاقات الحقّ لتكون عقولنا حركة في سبيل الحقّ، ومن أجل أن يفجّر في قلوبنا كلّ عواطف الحقّ، لتكون قلوبنا نابضة بالحقّ في كلّ عواطفها، وليفجّر طاقاتنا في الحياة لتكون حركتنا حقاً كلّها. ولهذا، فإنَّ معنى أن تحبّ، هو أنْ يتحوّل حبّك إلى مسؤولية تجاه الآخرين {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}[آل عمران: 31]، اتّبعوني في كلّ تعاليمي التي تؤكّد خدمة الإنسان واحترامه والإحسان إليه ورفع الظلم عنه، فإنَّ حبَّ الله هو الَّذي يُترجم إلى عمل...
* من كتاب "الزهراء القدوة".
تفسير الكشاف، ج:4، ص:670، دار الكتاب العربي ـ بيروت، الطبعة الثالثة، 1987. وفي شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، ج:2، ص:399. وزارة الإرشاد ـ إيران، 1990م، روى مضمون الرواية بأسانيد عديدة، وروى نزولها فيهم البيضاوي في تفسيره، ج:2، ص:526، والثعلبي في الكشف والتبيان، ص:279.
تفسير القمّي، ج:2، ص:398، مطبعة النجف 1387هـ، وجدّد طبعها في قم 1404هـ بتصحيح السيّد طيب الجزائري. وعنه البرهان في تفسير القرآن، ج:4، ص:411.