في الرّابع من شعبان، نلتقي بذكرى ولادة بطل كربلاء، بطل بني هاشم، العباس بن عليّ (ع)، هذا البطل الإسلاميّ الكبير الَّذي لم يتجسّد إقدامه في موقعة كربلاء فحسب، بل في علمه ووعيه وثباته وروحانيَّته أيضاً1 ...
إنّ المشكلة في التّاريخ، أنّه لا يحدِّثك عن العبّاس إلَّا في بعض مواقع كربلاء، ولكنّك عندما تنفذ إلى هذه الشخصيَّة، من خلال كلمة هنا وكلمة هناك، وموقف هنا وموقف هناك، فإنّك تشعر بأنّك عندما تذكر العبَّاس ترتفع، لتجد معنى شباب الإسلام في شبابه، ومعنى عنفوان الإسلام في عنفوانه، ومعنى إيثار الإسلام في إيثاره، ومعنى الأخلاقيَّة المنفتحة على الله والمتحرّكة في حياة النَّاس في أخلاقيّاته2 ...
وقد جاء عن الإمام جعفر الصّادق (ع)، وهو يتحدَّث عن العباس، أنه قال: "كان عمّنا العباس نافذ البصيرة - كان يتميّز ببصيرة تجعله ينفذ إلى الأمور وينفتح على القضايا كلّها، ليرتبط بالحقّ من خلالها. ونفاذ البصيرة، يوحي إلينا بما كان يتميّز به من علم ورأي وشموليَّة في وعي الواقع كلِّه - صلب الإيمان - كان إيمانه الإيمان الصَّلب الَّذي لم تضعفه أو تزلزله كلّ إغراءات الدّنيا وإرهاباتها. وكيف لا يكون كذلك، وهو الَّذي عاش مع أبيه عليّ (ع) في طفولته وأوّل شبابه، وعاش مع أخويه الحسنين (ع) كلّ أجواء العلم والروحانيَّة والسّداد، وما يفتح عقول النّاس على الحقّ، وقلوبهم على المحبّة، وحياتهم على الخير.
كان العباس (ع) خلاصة عليّ والحسن والحسين (ع)، في معنى الوعي والروحانيَّة، وفي حركة العلم وثبات الموقف وصلابة الإيمان ونفاذ البصيرة، كان ذلك كلّه، ولم يكن مجرَّد مجاهد نذكره في جهاده - جاهد مع أبي عبد الله (ع) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً"3.
ويقول الإمام زين العابدين (ع): "رحم الله العبَّاس، فلقد آثر - من الإيثار -وأبلى وفدى أخاه بنفسه"4...5.
كان الحسين (ع) بالنِّسبة إلى العبّاس الإمام الذي يشعر بإمامته قبل أن يشعر بأخوّته، ولذلك أعطاه كلّ نفسه وأخوّته، وهذا ما عبّر عنه عندما انطلق في المعركة بعد أن قطعوا يمينه، ليؤكِّد الدّفاع عن الإمام، لا الدفاع عن الأخ من ناحية عاطفيَّة، فيروى عنه أنّه قال، أو هو لسان حاله:
والله إن قطعتـم يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمامٍ صادق اليقين نجل النَّبيّ الطَّاهر الأمينِ
إنَّ هذين البيتين يوحيان إلى كلّ مسلم ينفتح على شخصيَّة العباس (ع)، أن ما يملكه الإنسان من شجاعة وبطولة وقوّة، عليه أن يحوِّلها من أجل حماية الدين، أن نشعر بأنَّ الدين الإسلامي هو مسؤوليَّتنا، أن ندافع عنه أمام كلّ الذين يريدون الإضرار به وإضعافه والنّيل منه، وأن نعمل على أن نحامي عن القيادات الإسلامية الصَّالحة التي تدعو إلى الله وتجاهد في سبيله، أن نحميها من أنفسنا ومن الآخرين، ومن الطبيعي أنّ حماية الدِّين تفرض حماية المسلمين، لأنَّ الدين يتمثّل في الأمَّة الإسلاميَّة، فقوّته بقوّة الأمّة، كما أن قوّتها بقوّته6...
إنّ المشكلة في التّاريخ، أنّه لا يحدِّثك عن العبّاس إلَّا في بعض مواقع كربلاء، ولكنّك عندما تنفذ إلى هذه الشخصيَّة، من خلال كلمة هنا وكلمة هناك، وموقف هنا وموقف هناك، فإنّك تشعر بأنّك عندما تذكر العبَّاس ترتفع، لتجد معنى شباب الإسلام في شبابه، ومعنى عنفوان الإسلام في عنفوانه، ومعنى إيثار الإسلام في إيثاره، ومعنى الأخلاقيَّة المنفتحة على الله والمتحرّكة في حياة النَّاس في أخلاقيّاته7 ...
[1]خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ 4 شعبان العام 1420 ه/ الموافق 12/11/1999.
[2]فكر وثقافة، العدد 195، العام 2000م.
[3]أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج7، ص430.
[4]أعيان الشّيعة، المصدر نفسه.
[5]خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ 4 شعبان العام 1420 ه/ الموافق 12/11/1999.
[6]من أرشيف خطب الجمعة لسماحته، العام 2000
[7]فكر وثقافة، العدد 195، العام 2000.