يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في الصَّلاة على حملةِ العرشِ وكلِّ ملك مقرَّب:]
"ورُسُلِكَ مِنَ الملائِكَةِ إلى أهْلِ الأرْضِ بِمَكْروهِ ما يَنْزِلُ مِنَ البَلاءِ، ومَحْبُوبِ الرَّخاءِ، والسّفَرَةِ الكِرَام البَرَرَةِ، والحَفَظَةِ الكِرَامِ الكَاتبينَ، ومَلَكُ المَوْتِ وأعْوانِهِ، ومُنْكَرٍ ونَكيرٍ، ورُومانَ فَتَّانِ القُبُورِ، والطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ المَعْمُورِ، ومَالِكٍ والخَزَنَةِ ورِضْوانَ وسَدَنَةِ الجِنان، والَّذين {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، والَّذين يقولون {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}، والزّبانيَةِ الَّذينَ إذا قيل لهم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} ابتدروه سراعاً ولم يُنظِروه، ومن أوْهَمْنا ذِكْرَهُ ولَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُ مِنْكَ وَبِأيّ أمْرٍ وكّلْتَهُ، وسُكَّانِ الهَوَاءِ والأرْضِ والمَاءِ ومَنْ مِنْهُم علَى الخَلْقِ، فصَلِّ علَيْهِم يَوْمَ تأتِي كُلُّ نفْسٍ معَها سَائِقٌ وشَهيدٌ، وصَلِّ علَيْهِم صَلاةً تَزِيدُهُم كَرامةً علَى كرَامَتِهِم، وطَهَارةً على طهَارَتِهِم.
اللَّهُمَّ وإذا صلَّيْتَ على مَلائِكَتِك ورُسُلِكَ، وبَلَّغْتَهُم صَلاتَنا عَلَيْهِم، فصَلِّ علَيْهِم بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ القَوْلِ فِيهِمْ، إنَّك جَوَادٌ كَريمٌ".
يا ربّ، هناك الرُّسل الذين ترسلهم إلى أهل الأرض ليؤكّدوا تفاصيل سننك الكونية والإنسانية؛ من البلاء الذي يتناول أوضاعهم الفردية والاجتماعية بما يكرهونه، أو من الرخاء الذي ينتشر في حياتهم العامّة والخاصّة، وفي أرضهم بالغنى والثَّروة والخصب والنموّ، بما لا نعرف طبيعته ولا ندرك كنهه.
وهناك السَّفرة الكرام البررة، الذين حدَّثتنا عنهم في قولك - سبحانك -: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس: 13-16]. فهؤلاء هم الكرام عليك، الأعزَّة عندك، الأتقياء الأنقياء، المطيعون لك، الَّذين يتولّون السَّفارة بالوحي بينك وبين أنبيائك، على ما أشارت إليه الآيات الكريمة.
وهناك الحفظة الكرام الكاتبون، هؤلاء الَّذين كانت الإشارة إليهم بقولك – تعالَيْتَ- : {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ}[الانفطار:10-11]... وهم الَّذين يسجِّلون على العباد كلَّ أعمالهم، ويحفظونه في كتاب الأعمال الَّذي يقدَّم للإنسان في يوم القيامة...
وهناك ملك الموت الَّذي يتحرَّك في مهمَّته الكبرى في قبض أرواح الخلق بشكلٍ دائمٍ مستمرٍّ مع أعوانه من الملائكة، وهذا ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[السَّجدة: 11]...
وهناك منكَر ونكير اللَّذان يتولَّيان مهمَّة سؤال الميت والتَّحقيق معه، وينضمُّ إليهما - من خلال الدّعاء - "رُومان" فتَّان القبور، أحد ملائكة القبر...
وهناك الطائفون بالبيت المعمور في السَّماء يسبِّحونه ويقدِّسونه ويعبدونه، كما يطوف النَّاس في الأرض بالبيت الحرام، وهناك مالك الَّذي جاء ذكره في الآية الكريمة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ}[الزخرف: 77]، والمتولّون لأمر النَّار معه الَّذين أشار إليهم القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ}[غافر: 49]، وقوله تعالى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ}[التحريم: 6].
وهناك رضوان خازن الجنان، وخدمتها الَّذين يقومون بشؤون أهلها بما يريد الله لهم، وما أنعم عليهم به من التَّكريم والتَّنعيم...
وهم الَّذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، من موقع الطَّاعة المطلقة التي لا يشوبها أيّ تفكير آخر واهتزاز في الشّعور، بل هو التَّسليم في كلّ شيء، وذلك هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التَّحريم: 6].
وهناك الَّذين يستقبلون المؤمنين فيقولون لهم: {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرّعد: 24].
وهناك الزبانية، وهم ملائكة العذاب الَّذين إذا قيل لهم: {خذوه فغلّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}[الحاقة:30 - 31]، ابتدروه سراعاً ولم يُنظروه، استجابةً لأمر الله، وإسراعاً في تنفيذ إرادته...
وهناك العديد من الملائكة الَّذين لم نذكرهم ولم نعلم مواقعهم من الله، وماذا أُوكل إليهم من الأمور والمهمَّات الَّتي يعهد الله فيها للملائكة.
وهناك سكَّان الهواء والأرض والماء، ومَن وكَّلهم الله بخلقه، حتَّى قيل: "ما من شيء من خلق الله إلَّا وملك موكل عليه"...
اللَّهمَّ صلِّ عليهم في يوم القيامة، يوم تأتي كلّ نفس معها سائقٌ يسوقها إلى محشرها، وشاهدٌ يشهد عليها بعملها، حيث تتجلَّى الملائكة للنَّاس في صورهم وأشكالهم وأوضاعهم، فيتعرَّفون عظمة الله في خلقهم عياناً بعد أن كانوا يعرفونه سماعاً.
اللَّهمَّ أكرمهم بصلاتك عليهم، وزدهم منها، وطهِّرهم بها بما يزيد من طهارتهم في ينابيع القدس وآفاق الرّوح وعالم الغيب، وإذا كنت تصلّي على ملائكتك ورسلك وتبلغهم صلاتك عليهم، فإنَّنا نسألُك أن تصلِّيَ عليهم من خلال ما فتحت لنا من حسن القول فيهم، إِنَّك جوادٌ كريم.
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.